*نطاق إختصاص محكمة الإعادة*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️تبت المحكمة العليا في الطعون بالنقض فتتوصل إلى نقض بعض الأحكام وتقضي بإعادتها إلى محكمة الموضوع لاعادة النظر فيها في ضوء أسباب الإعادة المبينة في احكام المحكمة العليا، وبسبب عدم فهم طبيعة حكم الإعادة أو الإحالة تطول إجراءات التقاضي ،حيث تقوم بعض محاكم الاستئناف بإعادة القضية إلى المحكمة الابتدائية حيث تبدأ المرة الثانية أو. الثالثة مرحلة جديدة وشاقة من إجراءات التقاضي وفي بعض الحالات يصر بعض القضاة على إعادة كل الإجراءات التي سبق إجرائها التي لم يمسهاحطم المحكمة العليا لأنها موافقة للشرع والقانون، وهذا سبب من أسباب إطالة إجراءات التقاضي وعدم وصول القضاء إلى تقديم عدالة ناجزة، وقد اشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/2/2018م في الطعن رقم (60137)، الذي جاء ضمن أسبابه ((فكان يجب على الشعبة مصدرة الحكم المطعون فيه بإعتبارها محكمة موضوع ان تستوفي كل نقص شاب الحكم الابتدائي في إجراءات المحاكمة وتصحيح البطلان في الإجراءات ثم تحكم في الدعوى وذلك عملا بنصوص المواد (426 و 448 و 429) إجراءات فلا يجوز لمحكمة الاستئناف الإعادة بأي حال من الأحوال إلى المحكمة الابتدائية إلا إذا كان حكم المحكمة الابتدائية قد قضى بعدم إختصاصها أو بقبول دفع فرعي يترتب عليه منع السير في الدعوى وحكمت محكمة الاستئناف بالغاء الحكم الابتدائي وبإختصاص المحكمة أو برفض الدفع الفرعي او عدم نظر الدعوى، كما لايجوز التوسع في بحث كافة الاجراءات، وحيث أن الحكم الابتدائي الصادر في هذه القضية لم يكن كذلك بل كان حكماً صادراً في الموضوع وهو الدعوى العامة ودعوى الطاعنين بالحقين الشخصي والمدني، إما بشان دعوى المطعون ضدهم بالحقين الشخصي والمدني فالثابت في الأوراق عدم رفعها أمام محكمة أول درجة من قبل المطعون ضدهم، وقد قضى الحكم الابتدائي بإستحقاقهم للأروش وقيمة التلفيات قضاء باطل لعدم رفعهم دعوى بذلك مستوفية لشروطها واركانها القانونية، وثبوت ذلك لا يقتضي الإعادة بل يستوجب على المطعون ضدهم ان يرفعوا دعواهم بالحق الشخصي والمدني أمام المحكمة الابتدائية إستقلالا عن الدعوى الجزائية، وهو حق كفله القانون لهم لاستحالة قيام محكمة الاستئناف باستيفاء أي نقص أو تصحيح الباطل في إجراءات نظر دعواهم بالحقين المدني والشخصي لعدم رفعهم لدعواهم أمام محكمة أول درجة ،ومن ثم عدم إتصال محكمة أول درجة بها، فالاستيفاء والتصحيح لا يكون إلا على شيء موجود، ومن ثم كان على محكمة الاستئناف توجيه المطعون ضدهم برفع دعواهم بالحقين الشخصي والمدني أمام المحكمة الابتدائية إستقلالا عن الدعوى الجزائية أمام القاضي المدني إن رغبوا بذلك فليس لها ان تقضي بشأنها بالإعادة)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: محكمة الإعادة المختصة وفقاً لقانون الإجراءات:*
➖➖➖➖➖
*▪️استند الحكم محل تعليقنا في قضائه الى المادة (429) إجراءات التي نصت على انه (إذا حكمت المحكمة الابتدائية في الموضوع ورأت محكمة إستئناف المحافظة ان هناك بطلاناً في الإجراءات أو في الحكم تصحح البطلان وتحكم في الدعوى – اما إذا حكمت بعدم الإختصاص أو بقبول دفع فرعي ونظر الدعوى وجب عليها ان تقيد القضية للمحكمة الابتدائية للحكم في موضوعها) وبإستقراء هذه المادة يظهر ان دور محكمة الاستئناف بالنسبة للأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية يتغير بتغير نوع القضاء الذي يتضمنه الحكم الابتدائي ،فإذا كان قضاء الحكم الابتدائي لم يفصل في موضوع الدعوى العامة وانما قضى بعدم نظر الدعوى أو رفض دفع فرعي أو عدم إختصاص المحكمة الابتدائية فعندئذ يجب على محكمة الاستئناف ان تعيد ملف القضية إلى المحكمة الابتدائية للفصل في موضوع القضية حتى لا تفوت على الخصوم درجة من درجات التقاضي، لان محكمة أول درجة في قضائها لم تتعرض لموضوع القضية ولم تحسمه في حكمها، إما إذا كان الحكم الابتدائي قد فصل في الدعوى العامة (الجزائية) والدعاوى المدنية التابعة للدعوى العامة فان محكمة الاستئناف في هذه الحالة تبسط رقابتها الموضوعية والقانونية على الحكم الابتدائي الموضوعي حيث يجب عليها في هذه الحالة ان تصحح اوجه الخطأ والبطلان التي شابت الحكم الابتدائي والإجراءات الباطلة التي باشرتها المحكمة الابتدائية، فلا ينبغي في هذه الحالة ان تقوم محكمة الاستئناف بإعادة القضية التي فصلت فيها إلى المحكمة الابتدائية، لان المحكمة الابتدائية قد استنفذت ولايتها بإصدار الحكم المستأنف فيه، فضلا عن ان إعادة القضية إلى محكمة أول درجة سبب من أسباب إطالة إجراءات التقاضي، وعلى هذا الأساس يتحدد أيضاً دور محكمة الاستئناف عند إعادة ملف القضية من المحكمة العليا، فإذا كانت المحكمة الابتدائية قد فصلت في الدعوى العامة فعندئذ يجب على محكمة الاستئناف ذاتها ان تستوفي الإجراءات الباطلة التي شابت الحكم الابتدائي ،فلا يجوز لها ان تعيد القضية إلى المحكمة الاستئنافية، إما إذا كان الحكم المعاد من المحكمة العليا لم يفصل في موضوع الدعوى وإنما تضمن قضاؤه عدم نظر الدعوى أو عدم إختصاص المحكمة الابتدائية أو قبول دفع فرعي أو رفضه ففي هذه الحالة يجب على محكمة الاستئناف ان ترسل الحكم المعاد من المحكمة العليا إلى المحكمة الابتدائية للفصل في الدعوى بحكم موضوعي حتى لا تفوت على الخصوم درجة من درجات التقاضي.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: إختصاص محكمة الإعادة:*
➖➖➖➖➖
*▪️عندما تنقض المحكمة العليا الأحكام الاستئنافية تبين المحكمة أسباب نقضها للأحكام إضافة إلى ان أحكام المحكمة العليا تتضمن إرشادات لمحكمة الموضوع عما يجب عليها فعله، وتصرح المادة (446) إجراءات على وجوب التزام محاكم الموضوع بإرشادات المحكمة العليا، إضافة إلى انه من المهم للغاية في اليمن ان تلتزم محاكم الموضوع بإرشادات المحكمة العليا وان تستوفي محاكم الموضوع الإجراءات التي تقررها المحكمة العليا في أحكامها، إلا أن بعض المحاكم لا تتقيد بحدود حكم الإعادة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: تأثير نقض الحكم على الأدلة والإجراءات غير المرتبطة بأسباب النقض:*
➖➖➖➖➖
*▪️تنقض المحكمة العليا الأحكام وتذكر المحكمة صراحة في أحكامها أسباب نقضها وتتعلق بهذه الأسباب الأدلة والإجراءات التي جعلت المحكمة العليا تقرر نقض الحكم، ولا شك ان الإجراءات والأدلة المتعلقة بأسباب نقض الحكم تعد باطلة بموجب حكم المحكمة العليا، غير ان الإجراءات والأدلة الأخرى غير المتعلقة بأسباب نقض الحكم تظل لها حجيتها وقوتها الثبوتية التي تستمدها من القوانين التي تنظمها، فنقض الأحكام لايعني بأي حال من الأحوال نقض وإعدام كافة الأدلة والإجراءات التي تمت صحيحة قبل نقض الحكم، ،صحيح ان النقض الكلي يعيد الخصوم إلى الحالة التي كانوا عليها قبل صدور الحكم المنقوض لكن ذلك لا يعني إهدار الإجراءات والأدلة القانونية والشرعية التي تمت موافقة للقانون، وإلا لكان ذلك ضرباً من الهدر الإجرائي (المرصفاوي في الإجراءات الجزائية، استاذنا الدكتور حسن صادق المرصفاوي، صـ1462).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: إعدام وهدر كافة الإجراءات والأدلة وظاهرة إطالة إجراءات التقاضي:*
➖➖➖➖➖
*▪️بحسن نية تتعامل بعض المحاكم مع الأحكام المنقوضة حيث تعيد كافة الإجراءات بما فيها الإجراءات والأدلة التي لم يمسها حكم المحكمة العليا (حكم الإعادة)فتقوم محكمة الإعادة بإعادة المعاينة وإعادة الاستماع إلى الشهود وغير ذلك من الأدلة والإجراءات التي لا علاقة لها أو صلة بأسباب نقض الحكم، وتبرر ذلك بعض المحاكم بان الإعادة لكل الإجراءات لازمة حتى تبني المحكمة قناعتها من جماع الأدلة المعادة أمامها، ومهما كانت المبررات فأن الإعادة للإجراءات السليمة عبث وهدر إجرائي يناهض مبادئ التقاضي، ومنها مبدأ عدم هدر الإجراءات الصحيحة ومبدأ الاقتصاد في إجراءات التقاضي، والأخطر من هذا وذاك ان إعادة الإجراءات الصحيحة سبب رئيسي في تأخير البت في القضايا وإطالة إجراءات التقاضي وذلك بدوره يحول دون العدالة الناجزة، والله اعلم.*