*الخوف لا يكون عذراً مسقطاً للقصاص*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️يختلف تأثير الخوف على الإرادة والاختيار بإختلاف الأشخاص وباختلاف درجة الخوف، وأمر القصاص عظيم من حيث جسامة الفعل وعقوبته وهدف العقوبة حيث ينبغي ان تكون الأحكام الشرعية معلولة بعلة مضطردة وثابتة نسبياً حتى يتم تطبيق الأحكام الشرعية تطبيقاً صحيحاً، ولذلك فإن خوف الجاني وفزعه وهلعه من المجني عليه الذي قد يدفعه لقتل المجني عليه لا يكون عذراً مخففا ولا يترتب عليه إسقاط القصاص حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5/8/2018م في الطعن رقم (60942)، الذي ورد في أسبابه ((حيث ان الحكم المطعون فيه قد أستند فيما قضى به على إعتراف الطاعن الصريح والمتكرر بقتل اخيه مدعياً الخوف الشديد من اخيه الذي قام بتصويب بندقه نحوه ، فالظاهر ان إقرارات المحكوم عليه المتعاقبة عبر مراحل الإستدلال والتحقيق ومحكمتي الموضوع صريحة بقتل الطاعن للمجني عليه عدواناً، فادعاؤه الخوف لا تأثير له على الحكم بإعدامه)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: الخوف وتأثيره على الإرادة والإختيار:*
➖➖➖➖➖
*▪️سبق القول بان الخوفة على مراتب ودرجات مختلفة كما يختلف تأثير الخوف بإختلاف الأشخاص، فالخوف المؤثر على الإرادة هو الخوف والفزع الشديد الذي يثير الهلع لدى الشخص فيجعله لا يستطيع التحكم في تصرفاته حيث يقوم بأفعال وتصرفات تحت تأثير هذا الخوف ما كان يقبل القيام بها لولا الخوف الشديد الذي ارتكب الفعل تحت طائلته، ولا شك ان تأثير الخوف يختلف من حيث الأشخاص فالخوف المتولد لدى المرأة غير وقع الخوف على الشاب غير وقعه على المدني المسالم، ومن الثابت ان للخوف تأثير على الإرادة والاختيار حيث يقوم كثير من الأشخاص تحت تأثير الخوف بإرتكاب أفعال وتصرفات إنفعالية لا يدركون عواقبها واثارها فبعض هؤلاء يقوم بالقفز من شاهق وبعضهم يدفع غيره من شاهق وبعضهم يقوم بالفرار وبعضهم يقوم بالمواجهة وإرتكاب جرائم القتل والإعتداء.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: موقع الخوف من الإعذار العقابية:*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بان الخوف لا يكون مسقطاً للقصاص، وقد ورد الخوف ضمن الإكراه كمانع من موانع المسئولية الجزائية حيث نصت المادة (35) عقوبات على انه (لا يرتكب جريمة من وقع منه الفعل المكون لها تحت ضغط إكراه مادي يستحيل عليه مقاومته ، أو بسبب قوة قاهرة. ويكون فاعل الإكراه مسئولا عن الجريمة التي وقعت، ويستثنى من ذلك القتل وتعذيب الإنسان فلا ترفع المسئولية فيهما عن المكره ومن أكرهه) كم تنص المادة (36) من القانون ذاته على انه (لا مسئولية على من أرتكب فعلا الجأته إليه ضرورة وقاية نفسه أو غيره أو ماله أو مال غيره من خطر جسيم محدق لم يتسبب هو فيه عمداً ولم يكن في قدرته منعه بوسيلة أخرى، و يشترط أن يكون الفعل متناسباً مع الخطر المراد اتقاؤه ولا يعتبر في حالة ضرورة من أوجب عليه القانون مواجهة ذلك الخطر) ويذهب الشراح إلى ان الإكراه المعنوي هو تهديد يوجه من شخص إلى آخر بوسيلة ما فيولد عند حالة نفسية من الخوف والفزع تجعله يقدم على فعل ما لم يكن ليقبل فعله اختياراً، فالفرق بين الإكراه المادي والإكراه المعنوي، هو أن الإرادة في حالة الإكراه المادي مشلولة أو مكفوفة كأنها غير موجودة إطلاقاً، في حين تكون موجودة في حالة الإكراه المعنوي، فالإكراه المعنوي ينشأ عن خوف الفاعل من إصابته بضرر فادح إذا لم يرتكب الفعل المحرم, أولم يمتنع عن القيام بفعل يفرض القانون عليه القيام به، وعلى هذا فإن الإكراه المعنوي هو قوة مادية أو معنوية لا تمس الشخص مساً مادياً مباشراً، وإنما تخلق فيه حالة نفسية من الخوف والفزع، فيقدم على جريمته لتجنب الخطر الذي أحدثته هذه القوة ، في حين أن الإكراه المادي هو قوة مادية محسوسة تقع على الفاعل بشكل مادي محسوس، ومن هذا المنطلق فان الخوف يقع ضمن الاكراه المعنوي الذي يكون على صورتين هما: الصورة الأولى: تفترض استعمال العنف للتأثير على الإرادة , وذلك كحبس شخص, أو ضربه , أو تهديده باستمرار ذلك حتى يقبل ارتكاب الجريمة , ويلحق بالعنف كل الوسائل المادية التي تؤثر على الإرادة , دون أن تعدمها , كإعطاء شخص مادة مخدرة أو مسكرة على نحو لا يفقده الوعي , ولكن يقلل منه. أما الصورة الثانية: فتتجرد من العنف, ويقتصر فيها الإكراه على مجرد التهديد, كتهديد شخص بالقتل , أو تهديده بخطف شخص عزيز عليه إذا لم يمتثل لأمر القائم بالإكراه, وكذلك أيضاً إذا هدد شخص إمراة لتمكنه منها أو يخطف وليدها , فهنا قد تمتثل هذه السيدة تحت وطأة التهديد لما يريد , وكذلك السجان الذي يسلّم مفتاح السجن لأحد المسجونين تحت تأثير التهديد بقتله، فالإكراه المعنوي يمنع المسؤولية الجزائية استناداً إلى اختلال أحد شروطها و هو حرية الاختيار ، لكن ذلك لم يصل إلى الحد الذي نقول فيه بانعدام القصد الجنائي إذ أن قصد ارتكاب الجريمة متوفر دفعاً للضرر الناجم عن الإكراه ، وقانون الجرائم والعقوبات نص صراحة على أن الإكراه من موانع العقاب على النحو السابق بيانه , فهذه الموانع التي عدّدها المشرع تمنع المسؤولية والعقاب.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: إثبات حالة الإستفزاز أو الخوف:*
➖➖➖➖➖
*▪️ يتم إثبات هذه الحالة من خلال طرق الإثبات المقررة قانوناً حيث يجب إثبات الحالة التي كان الجاني أو المتهم تحت تاثيرها وقت إرتكابه الفعل الجرمي، ومع ان حالة الخوف أمر باطني إلا أن هناك شواهد وقرائن تكون ظاهرة تدل على ذلك يمكن إثباتها عن طريق وسائل الإثبات المختلفة وك ذو لك الحال بالنسبة للافعال التي اوجدت الخوف فانها تكون ظاهرة ، علماً بان الإثبات ينبغي ان يتركز على حالة المتهم عند إرتكابه بالفعل وليس إثبات أنه كان يعاني قبل ذلك من الخوف في حالات سابقة، والله اعلم.*