*لا حماية للحائز المقر بملك غيره*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️ينص القانون المدني صراحة على ان الحيازة قرينة على ملكية الحائز، ولكن إذا ظهرت قرائن تدل على خلاف ذلك فان الحائز لا يتمتع بالحماية الجنائية للحيازة المقررة في القانون، ومن أهم الأدلة التي تعطل الحماية القانونية للحيازة إقرار الحائز بملكية الغير للعقار المتنازع على حيازته حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17/10/2018م في الطعن رقم (61465)، الذي جاء في أسبابه أنه ((من البين من مطالعة الحكم المطعون فيه انه قد وقع في الخطأ فيما قضى به من عدم تمكين الطاعن من أرضه والحكم بالحيازة للمطعون ضده مع إقراره بملكية الطاعن للأرض وإدعائه حراستها، فكان على المحكمة الاستئنافية ان تلزم المستأنف برفع يده عن الأرض ملك الطاعن، إذ لا خلاف بشأن ملكيته للأرض وان ترشد المحكمة المطعون ضده بتقديم دعواه بخصوص إجور الحراسة التي يدعيها أمام المحكمة المختصة لان الحكم لم يفصل في اجور الحراسة المدعى بها)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: الحيازة القانونية هي التي يحميها القانون:*
➖➖➖➖➖
*▪️القانون عبارة عن قواعد عامة مجردة مرنة ملزمة تهدف إلى تنظيم الحقوق وحمايتها، فالقانون لا يحمي إلا الحقوق الشرعية الموافقة للقانون فهي الجديرة بحماية القانون، ولذلك فقد اشترط القانون المدني في الحائز ان لا يكون غاصباً، كما اشترط القانون ذاته ان يظهر الحائز للأرض بمظهر المالك لها أي ان يكون وضع الحائز ليده على الأرض على انه مالك للأرض يتصرف فيها كمالك، فإذا كان الحائز مقراً بالملكية لغيره فلايكون جديرا بالحماية ، وبناءً على ذلك لا يجوز لحارس الأرض أو مستأجرها ان يتمسك بالحيازة في مواجهة المالك لانه مقر بملكية المالك وفي هذه الحالة ينبغي على محكمة الموضوع ان تقضي برفع يد الحائز غير القانوني حسبما قضى الحكم محل تعليقنا, لان الحيازة في هذه الحالة ليست جديرة بحماية القانون.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: التأكد من الحيازة قبل إسباغ الحماية القضائية للحائز:*
➖➖➖➖➖
*▪️في حالات كثيرة تحدث اخطاء عند تطبيق الحماية القضائية للحيازة بموجب أحكام الحيازة المقررة في القانون المدني ، حيث يقوم بعض القضاة بالخلط بين إثبات ملكية الأرض وإثبات حيازتها، حيث يفترض ان حماية الحيازة لها اهدافها وأحكامها التي تميزها عن حماية الملكية، فدعاو الحيازة ذات طابع وقتي لا يتم فيها التعرض لإثبات الملكية، فينبغي على القاضي أو عضو النيابة ان يتأكد من وجود الحيازة القانونية وتوفر شروطها لحماية الحيازة دون ان يتعرض لمسألة الملكية، فدور الحكم الصادر في دعاوى الحيازة هو حماية الحيازة الظاهرة المستقرة أو حماية الوضع الظاهر وبقاء الحال على ماهو عليه.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: إشكالية نزع الحيازة بالقوة:*
➖➖➖➖➖
*▪️تعمد عصابات البسط على الأراضي الى نزع ملكية الأراضي من مالكيها بالقوة، وبعد ذلك تتمسك هذه العصابات بالحيازة حيث يتم تفسير أحكام الحيازة لصالح هذه العصابات، وبناء على ذلك تقوم هذه العصابات بالتصرف في الأراضي المغصوبة أو البناء فيها لإيجاد عوائق مادية وقانونية تحول دون إستعادة الملاك لأملاكهم المغصوبة، ولذلك ينبغي على النيابة أو المحكمة التحقق من واقعة نزع الحيازة بالقوة فإذا تأكد لها ذلك اصدرت قراراً بإعادة الحيازة إلى من نزعت منه بالقوة ويتولى القضاء الفصل في الجانب الموضوعي إذا كانت هناك دعاوى بشان ملكية تلك الاراضي، ولمعالجة هذه المسألة فقد تضمن مشروع التعديل الأخير لقانون الإجراءات تخويل النيابة العامة الحق في إصدار قرار بإعادة الحيازة إلى الحائز الذي نزعت منه الحيازة عنوةٍ.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: الإرشاد والتوجيه في الحكم القضائي:*
➖➖➖➖➖
*▪️الأصل في الحكم القضائي ان يفصل في الخصومات والمنازعات فلا يتضمن إرشاداً أو توصية، كما يحظر على القاضي تلقين الخصوم الحجج والبراهين وغيرها، إلا أن التوصيات والإرشادات التي تتضمنها الاحكام القضائية تكتسب أهمية بالغة في تحقيق مبادئ العدالة والاقتصاد في إجراءات التقاضي وتحقيق عدالة ناجزة، ولذلك من المفيد للغاية ان يتضمن الحكم القضائي إرشادات للخصوم وتوصيات لمعالجة أوجه القصور في القانون على ان يكون محلها ضمن أسباب الحكم مثلما ارشد حكم المحكمة العليا محل تعليقنا الذي ارشد شعبة الاستئناف بانه كان ينبغي عليها إرشاد المطعون ضده حارس الأرض بان يرفع دعواه الموضوعية للمطالبة باجره كحارس للأرض، لان محكمة الاستئناف لم تحكم له باجرة الحراسة لعدم قيامه برفع دعوى في هذا الشان، فلو قضت محكمة الاستئناف برفع يد الحائز غير القانوني وارشدته إلى رفع دعواه لترتب على ذلك إختصار إجراءات التقاضي وتحقيق العدالة بصورة أسرع واسهل، لان الخصوم بعد صدور حكم المحكمة العليا وبموجبه يتحتم عليهم ان يقطعوا جولة جديدة وطويلة من النزاع، وذلك لا يخدم القضاء ولا يحقق العدالة الناجزة، فالإرشادات والتوصيات ليست من قبيل تلقين الخصوم، لان القاضي لا يذكر ذلك اثناء إجراءات التقاضي وإنما يذكر ذلك في أسباب حكمه بعد إنتهاء إجراءات التقاضي وحجز القضية للحكم، فليس هناك أي تلقين للخصوم، لان القاضي بعد تسبيبه للحكم ينطق بحكمه ويستنفذ ولايته، إما التوصيات التي ترد في الأحكام القضائية فلها أهميتها البالغة في تطوير القوانين والارتقاء بها والمساهمة في ملائمتها لاحتياجات الناس المتغيرة والمتطورة، فأغلب التعديلات القانونية في دول العالم المختلفة تستلهم مادتها من أحكام القضاء التي تكشف عيوب الصياغة القانونية وأوجه القصور في القوانين عند تطبيق الأحكام القضائية للنصوص القانونية (الاتجاهات الحديثة في اعداد وصياغة مشروعات القوانين، د.محمود صبرة، صـ141), والله اعلم.*