لا لوث في القتل بالتمالؤ - في القانون اليمني

لا لوث في القتل بالتمالؤ

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء

اللوث هو عدم معرفة القاضي الإصابة القاتلة
أو الشخص القاتل عند تعدد الجناة في مسرح الجريمة وذلك في غير حالتي التمالؤ في جريمتي القتل والحرابة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9/1/2018م في الطعن رقم (60107)، الذي جاء في أسبابه انه ((فقول الطاعنين: ان العيار الناري الذي قتل المجني عليه لم يثبت بالدليل تحديد الشخص بعينه الذي اطلق النار تجاه المجني عليه، فالدائرة تجد ان محكمتا الموضوع قد انتهت وتأكدت ان الطاعنين هما شريكان بالتمالؤ والتخطيط والاتفاق المسبق والمباشرة بإطلاق النار على المجني عليه حسبما ورد في إقرارات الطاعنين الثابتة في محاضر جمع الاستدلالات، مما يتعين الجزم بانهما مسؤولان معاً مسئولية مباشرة عن مقتل المجني عليه عمداً وعدواناً وان محكمتي الموضوع قد اعملتا نص المادة (21) عقوبات على الواقعة إعمالاً صحيحاً وتوصلت إلى ادانة الطاعنين فلا صحة لما نعاه الطاعنان ان الحكم المطعون فيه قد صدر مخالفاً للقانون، لان الشعبة قد اسست حكمها على وصف وتكييف الواقعة على انها تمالؤ واتفاق بين المتهمين على التقطع والقتل حيث توفر لدى محكمة الموضوع الادلة على ذلك )) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: معنى اللوث واثره:
اللوث هو: عدم معرفة الجناية القاتلة أو معرفة شخص القاتل على وجه اليقين وذلك عندما تقع حادثة القتل من غير تمالوا بين القتلة حيث يتصادف وجود القتلة في مسرح الجريمة من غير إتفاق مسبق فيتعارك المسلحون في مسرح الجريمة فتقع اصابات قاتلة يتعذر معرفة المتسبب فيها نظراً لاختلاط افعال المباشرين التي احدثت القتل، فلا يعرف القاضي على وجه اليقين المتسبب من هؤلاء في الإصابة القاتلة أو عدم معرفة نسبة اسهام الإصابة في مقتل المجني عليه، فعندئذ يحدث اللوث الذي يترتب عليه إسقاط القصاص، لان اللوث شبهة والقصاص يدرا بالشبهات الحاقاً بالحدود حسبما قرر الفقهاء.
الوجه الثاني: مفهوم التمالؤ في قانون الجرائم:
نصت المادة (21) من قانون الجرائم والعقوبات على انه (يعد فاعلاً من يحقق بسلوكه عناصر الجريمة ويشمل ذلك المتمالئ الموجود في مسرح الجريمة وقت حدوثها، ويعد فاعلاً بالواسطة من يحمل على إرتكاب الجريمة منفذاً غير مسئول هذا ولو تخلفت لدى الفاعل بالواسطة صفة يشترطها القانون) ومن خلال إستقراء هذا النص نجد انه اعتبر مجرد وجود الشخص في مسرح الجريمة تمالؤ ويقتضي ذلك ان يكون قد حضر إلى مسرح الجريمة بناءً على إتفاق مسبق، فلا يتحقق التمالؤ إذا تصادف وجود الشخص في مسرح الجريمة من غير إتفاق سابق، إضافة إلى ان النص القانوني السابق قد شمل المتمالئ الموجود في مسرح الجريمة بالعقوبة المقررة للفاعل حتى ولو لم يصدر منه أي فعل من الأفعال التي تشكل الركن المادي للجريمة، فبموجب هذا النص يمكن توقيع عقوبة الاعدام على المتمالئ حتى لو لم يقم بأي من الأفعال المكونة للركن المادي للجريمة الموجبة لعقوبة الإعدام طالما المتمالئ موجود في مسرح الجريمة مناصراً للفاعل ولو لم يقم بأي فعل، ولاريب ان هذا الأمر يجافي مبادئ العدالة الجنائية.
الوجه الثالث: التمالؤ والحرابة:
اشار الحكم محل تعليقنا إلى ان الطاعنين كانا قد تمالا في الحرابة والتقطع للسيارات ونهب السيارات والمسافرين في الطريق العام، والواقع ان مفهوم التمالؤ عام يقع في الحرابة وغيرها من جرائم الإعتداء على الأشخاص، والفارق بين التمالؤ في الحرابة وجرائم الإعتداء الأخرى هو الباعث على الجريمة فإذا كان الباعث على إرتكاب الجريمة إخافة السبيل أو سلب الأموال وقتل النفس وهتك الأعراض فان التمالؤ يكون في جريمة الحرابة إما إذا لم يكن الباعث كذلك فلا يكون في الحرابة، إما الفقه الإسلامي فهو يعتبر المحاربين متمالؤون جميعاً حتى من لم يحضر منهم الى مسرح الجريمة ،فقد ذهب مالك وابن حزم إلى ان العقوبة في آية الحرابة تخييرية فلولي الأمر ان يختار العقوبة المناسبة للمحارب حتى لو لم يقتل في حرابته فيجوز إعدامه حتى لو لم يكن حاضرا في مسرح الجريمة،بل أن كثيرا من الفقهاء قرروا معاقبة غير المباشرين من المحاربين أي حتى ولو لم يتواجدوا في مسرح الجريمة،ومن ذلك قول الزيدية بمعاقبة ( الربيئة أو الطليعة) بحد الحرابة، مع أن دور الطليعة يقتصر على جمع المعلومات ومطالعة الطريق.
الوجه الرابع: لا لوث في القتل في التمالؤ إذا قام المتمالؤن بإطلاق النار على المجني عليه :
قضى الحكم محل تعليقنا بانه لا لوث يسقط القصاص أو الإعدام حداً في الحرابة إذا ثبت ان المتمالين اطلقوا النار حتى لو لم يُعلم القاتل أو تعلم الطلقة القاتلة أو مصدرها، لان المتمالين في هذه الحالة قد صدرت منهم افعالاً تندرج ضمن الركن المادي لجريمة القتل وهي إطلاق النار على المجني عليه، والله اعلم.