إجراءات المحاكمة قاصرة إذا لم يناقش الحكم تقارير الحادث المروري

*إجراءات المحاكمة قاصرة إذا لم يناقش الحكم تقارير الحادث المروري*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️في قضايا جنائية كثيرة تكتفي بعض المحاكم بمناقشة شهادات الشهود على أساس ان الشهادة هي أصل البينة وعمادها، فإذا تم إثبات أو نفي واقعة بالشهادة أستند إليها الحكم المروري نفيا وإثباتا،ولذاك فان بعض الاحكام لاتناقش بعض الاحكام التقارير الفنية المتعلقة بالحادث ، وقد صرح الحكم محل تعليقنا بانه يجب على محكمة الموضوع ان تناقش في أسباب حكمها ايضا الأدلة الأخرى كالتقارير الفنية لمعرفة الحقيقة وعدم الاقتصار على منقشة شهادات الشهود ولو كانت الشهادات كافية في الإثبات أو النفي حسبما ورد في أسباب الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29/1/2018م في الطعن الجزائي رقم (60171)، الذي ورد في أسبابه ان ((الدائرة تجد ان ما نعى به ورثة المجني عليه من ان الحكم المطعون فيه قد صدر بالمخالفة للشرع والقانون حين قضى ببراءة المتهم من دهس ولده الطفل... وعدم مناقشة الحكم الأدلة الثابتة في الأوراق وإقتصاره على مناقشة شهادة الشهود واهمل الحكم مناقشة باقي الادلة...إلخ، وعليه: وبمطالعة الدائرة لأوراق القضية بدءٍا بمحاضر الإستدلالات وتحقيقات النيابة العامة...إلخ فان الدائرة تجد ان ما إنتهت إليه الشعبة وهو قضاؤها ببراءة المتهم مما نسب إليه بناءً على ما ساقته من حيثيات فان الدائرة تجد ان نعي أولياء الدم كان سديداً من حيث ان ملف القضية لم يقتصر في إثبات الواقعة ونسبتها للمتهم  على شهادتي الشاهدين التي ناقشتها الشعبة في أسباب حكمها وأغفلت التقارير الصادرة عن الجهات الرسمية المختصة كتقرير المعمل الجنائي وتقرير إدارة المرور والرسم الكروكي واقوال المتهم في محاضر الاستدلالات، حيث كان من الواجب على الحكم المطعون فيه ان بناقش  تلك الأدلة وان يرد عليها،فذلك قصور في إجراءات المحاكمة يوجب التقرير ببطلان الحكم إعمالاً للمادتين (396 و 397) إجراءات وإعادة الأوراق للفصل في كافة الأدلة والتقارير المتعلقة بالحادث بنص المادة (323) إجراءات لمناقشة الشعبة لكافة مجريات وظروف وملابسات الحادث المروري والحكم بحكم ناجز في أقرب وقت)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: تقارير الحادث المروري:*
➖➖➖➖➖

*▪️هي التقارير الفنية التي تقوم سلطة الضبط بإعدادها عند ضبط الحادث المروري وجمع ادلته، وتتضمن تفسير الحادث وبيان أسبابه وملابساته وترفق بالتقارير الصور الفوتوغرافية والرسوم الكروكية  التي تبين ملابسات الحادث المروري، وهذه التقارير تعد محررات رسمية وفقاً للقانون صادرة عن الجهة المختصة قانوناً، وبناء على ذلك تكون لهذه التقارير حجيتها في الإثبات،ولذلك لاينبغي إغفالها سواء عند طرح الحكم لها أو اخذه بها.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: شهادات الشهود في الحادث المروري:*
➖➖➖➖➖

*▪️الشهادة وفقاً لقانون الإثبات وسيلة إثبات عامة في الحادث المروري وغيره، بيد ان مجال الإثبات بالشهادة يقتصر على الأمور الظاهرة التي تستطيع العين مشاهدتها مثل تحديد الجهات أو الشوارع التي جاءت من جهتها المركبات المشاركة في الحادث واوصاف المركبات، إما المسائل الفنية مثل مدى صيانة السيارة وسلامتها ومدى فاعلية الفرامل أو الكوابح (البريك) وغيرها فان إثبات تلك المسائل الفنية يتم عن طريق اعمال الخبرة أو التقارير الفنية المشار إليها في الوجه السابق، وبناءً على ذلك فان للإثبات  عن طريق الشهادة مجاله، في حين ان للإثبات عن طريق التقارير الفنية مجاله في الإثبات، وذلك يعني انه لا يمكن الاستعاضة عن أي من الوسيلتين في إثبات الحادث المروري، وهذا ما اشار إليه الحكم محل تعليقنا، مع التأكيد على ان شهادات الشهود والتقارير الفنية يشكلا معا قناعة القاضي وفقاً لمبدأ تساند الأدلة.*

➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: وجوب مناقشة كافة الأدلة المتعلقة بالحادث المروري:*
➖➖➖➖➖

*▪️توصل الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى انه كان يجب على محكمة الموضوع ان تناقشىفي أسباب حكمها كافة ادلة إثبات واقعة دهس المجني عليه بالسيارة، لان هذه الأدلة مجتمعة ومتساندة قد اثبتت الواقعة المشار إليها ،وان قيام محكمة الموضوع بمناقشة شهادات شهود الحادث فقط دون الادلة الفنية قصور في التسبيب ،وان تلك المناقشة قاصرة لانها قد اقتصرت على بعض أدلة الواقعة وهي شهادة الشهود، لان الواقعة أو الحادث المروري  لم يثبت بشهادات الشهود فقط، لذلك ينبغي على محكمة الموضوع مناقشة أدلة الواقعة جميعها، وان تبين في أسباب حكمها المبررات التي جعلتها تطرح تلك الأدلة ولم تأخذ بها في حكمها،وفي الوقت ذاته ينبغي على محكمة الموضوع أن تذكر ايضا في أسباب حكمها المبررات التي جعلتها تاخذ بالادلة   التي أخذت بها في حكمها، فمحكمة الموضوع إن كانت طليقة في تقدير الأدلة والترجيح بينها إلا أن سلطتها التقديرية مقيدة بعدم تجاهلها أو إغفالها لبعض الأدلة ولو كانت محكمة الموضوع ترى ان تلك الادلة  غير منتجة، لان الأدلة مهما كان ضعفها تساند بعضها فتتقوى ببعضها إضافة إلى ان إغغال وتجاهل محكمة الموضوع لبعض الأدلة بذريعة عدم اهميتها أو كونها غير منتجة يعد تحكما من محكمة الموضوع ليس من السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع في التعامل مع أدلة الواقعة خاصة في القضايا الجزائية (ضوابط تسبيب الأحكام الجنائية، د.رؤوف عبيد، صـ192)، والله اعلم.*