*مسئولية الشرطي عن إطلاقه للنار*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️يحدد القانون الحالات التي يجوز فيها لرجل الشرطة ان يستعمل السلاح الناري وضوابط هذا الإستعمال، علاوة على ان الواجب الأمني يتم من خلال إجراءات وتكليفات من الجهة القانونية المختصة التي تقوم بتكليف افراد الشرطة أو الوحدات الامنية التي يعملون بها حيث تبين هذه التكليفات المهام المسندة لهم وإماكن ومناطق قيامهم بمهامهم ونوع المهام المسندة لهم ونطاقها حسبما هو مبين في الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11/4/2018م في الطعن رقم (60940) الذي جاء في أسبابه (اما نعي المتهم بعدم الإذن في إقامة الدعوى الجزائية من النائب العام وفقاً للمادة (26) إجراءات فذلك الدفع سبق لمحكمتي الموضوع الفصل فيه فصلاً سائغاً إلى جانب ان تلك الواقعة لا تدخل ضمن ما ساقه الطاعن في دفعه ،فهي واقعة قام بها المتهم خارج نطاق المهمة المكلف بها،فهي خارجة عما هو مكلف به ،مما يجعل ذلك الدفع مرفوضاً) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: ماهية التكليف للشرطي:*
➖➖➖➖➖
*▪️اناط الدستور والقانون برجال الشرطة حفظ الأمن العام والسكينة العامة، وتتلخص مهمة الشرطة في منع وقوع الجرائم وضبطها وضبط مرتكبيها إذا ما وقعت ، وبناءً على ذلك فان وزارة الداخلية والاجهزة التابعة لها هي التي تقوم بهذه المهمة حيث تقوم هذه الاجهزة بتكليف افراد الشرطة بالقيام بالمهام الامنية المختلفة في كافة مرافق ومناطق الجمهورية حيث يكون كل فرد أو افراد الشرطة مختصا ومسئولا عن حفظ الأمن والسكينة في نطاق المكان والوظيفة والمهمة المحددة له في التكليف، علماً بان التكليف قد يكون خاصاً لكل فرد أو لكل لواء أو وحدة أو كتيبة أو فصيلة أو جماعة على حدة، وبتطبيق هذا المفهوم على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد ان الشرطي كان يسير في الشارع بزيه الامني وسلاحه قاصداً النقطة الامنية التي يرابط فيها فتصادف اثناء سيره في الشارع انه تشاجر مع صاحب السيارة الذي سب الشرطي وانطلق مسرعاً بسيارته فأطلق الشرطي عليه النار فأرداه قتيلاً في الحال، فالشرطي كان مكلفاً بالقيام بعمله المحدد الذي كان منطلقاً إليه فلم يكن الشارع هو المكان المحدد لتنفيذ الشرطي لمهمته كما أنه لم يكن مكلفا بتفتيش السيارة التي قتل سائقها إضافة الى أن الشرطي لم يكن مكلفا بالقبض على السائق، ولذلك كله فقد كان الشرطي متجاوزا في إطلاقه النار من حيث المكان والوظيفة،وعلى هذا الاساس فقد أقر الحكم محل تعليقنا إعدام الشرطي قصاصا لقتله السائق عمدا وعدوانا.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: نطاق تكليف الشرطي الوظيفي والمكاني:*
➖➖➖➖➖
*▪️يتحدد نطاق تكليف الشرطي الوظيفي بحسب وظيفته أو عمله أو المهمة المسندة للشرطي، حيث تتوزع اعمال ومهام رجال الشرطة على اعمال ومهام عدة مختلفة، فهناك من تكون مهمته الحراسة وهناك من تكون مهمته التفتيش ومنهم من تكون مهمته القيام بالأعمال الادارية وهناك من تكون مهمته إدارة الاتصالات...الخ، فكل واحد من هؤلاء متقيد بنطاق إختصاصه الوظيفي المحدد له في التكليف الفردي او الجماعي، فإذا قام الشرطي بأعمال أو مهام لا تدخل ضمن اعمال مهمته أو إختصاصه فانه يكون قد تجاوز حدود مهمته كما انه يكون متجاوزا إذا كان مكلفا بالتفتيش عن السلاح أو الممنوعات فقام بالتفتيش عن المال او القات أو...الخ فانه يكون متجاوزا فعندئذ يكون مسئولاً شخصياً عن التصرف الخارج عن نطاق مهمته أو إختصاصه، كما ان تكليف الشرطي يتحدد أيضاً بالنطاق المكاني المحدد للشرطي في التكليف الصادر له أو للوحدة التي يعمل بها، فإذا تجاوز الشرطي النطاق المكاني للتكليف فقام بتنفيذ مهمته خارج نطاق الاختصاص المكاني المحدد له فيكون عندئذ مسئولاً شخصياً عن العمل الذي قام به خارج نطاق الاختصاص المكاني.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: حالات وضوابط قيام الشرطي بإطلاق النار اثناء قيامه بواجبه:*
➖➖➖➖➖
*▪️حتى لو كان الشرطي يؤدي واجبه المكلف به ضمن نطاق التكليف المكاني والوظيفي فانه لايجوز له وفقا للقانون أن يطلق النار الا في الحالات التي حددها القانون ووفقا للضوابط المقررة في القانون، لان السلاح الناري وسيلة قتل خطرة، ولكن بعض المهام الامنية تستلزم على الشرطي حمل السلاح الناري لحمل العصاة والمجرمين على إحترام النظام والقانون ومنع وقوع الجرائم وضبط الجرائم بعد وقوعها والمتهمين فيها، وحتى لا يتجاوز الشرطي في إستعماله للسلاح فقد قيد القانون الشرطي بضوابط معينة ينبغي عليه الالتزام بها إذا ما استدعت الضرورة إستعماله للسلاح وإطلاقه النار عند قيامه بواجبه الأمني في النطاق المكاني والوظيفي المحدد له في تكليفه حيث نصت المادة (12) من قانون واجبات وصلاحيات الشرطة على انه (3- لا يجوز للشرطة إستخدام الاسلحة النارية إلا في الحالات الآتية: أ- بهدف إعاقة القيام أو مواصلة إرتكاب أفعال جنائية ذات خطورة إجتماعية بالغة على الاشخاص وكذا الجرائم الواقعة ضد الأمن العام المرتكبة بواسطة السلاح الناري أو المتفجرات –ب- بهدف إعاقة الهروب والقبض على الأشخاص مرتكبي جرائم متلبسين ويلزم القبض عليهم فوراً والذي حكم عليه بعقوبة السجن وحاول الهروب والإفلات من ايدي الشرطة فرادى أو جماعات) إما المادة (13) من القانون ذاته فقد حددت الحالات التي لا يجوز فيها لرجل الشرطة ان يستخدم السلاح الناري مطلقاً حيث نصت على انه (يمنع إستخدام السلاح الناري ضد القصر أو في الحالات التي تهدد الآخرين بالخطر ممن ليس لهم علاقة بالحادث) وقد تناولت المادة (14) من القانون المشار إليه ضوابط إستعمال رجل الشرطة للسلاح الناري في الحالات التي يجوز له إستعماله حيث نصت هذه المادة على انه (على افراد الشرطة عند إستخدام السلاح الناري ضد الاشخاص إتباع الآتي: أ- يجب ان يسبق استخدام السلاح الناري نداء بالتوقف أو إطلاق طلقة نارية في الهواء بعد إستنفاذ المحاولات اللازمة لإلقاء القبض –ب- عند إستخدام السلاح الناري يجب بقدر الإمكان التصويب إلى اماكن غير مميتة في جسم الشخص كما يجب تقديم الاسعافات الأولية له مع مراعاة الإجراءات الأمنية الضرورية) وبتطبيق هذه النصوص على الحالة التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد ان المتهم على إفتراض انه كان يؤدي واجبه الأمني المكلف به في الشارع فانه لم ينادي على السائق بالتوقف كما انه لم يطلق طلقة تحذيرية في الهواء لإيقاف السائق كما انه اطلق النار على السائق في مكان مميت حيث دخلت الرصاصة من خلف راس السائق فقتلته في الحال، وقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا كان قد رفض دفع الشرطي بان إطلاقه للنار كان ضمن واجبه الأمني كرجل شرطة ،لان إطلاق النار قد تم خارج النطاق المحدد للشرطي للقيام بواجبه الأمني فقد كان نطاق عمله في النقطة الأمنية الذي كان يسير في الشارع متجهاً إليها، والله اعلم.*