خيانة الأمانة بالنسبة لموزعي البضائع في القانون اليمني

*خيانة الأمانة بالنسبة لموزعي البضائع*

*أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖

*▪️من الجرائم الشائعة في السوق التجارية في اليمن جريمة خيانة الأمانة بالنسبة لموزعي البضاعة الذين يعملون في توزيع البضائع لحساب المنتج أو الوكيل التجاري، حيث يقوم هولاء بإستلام البضاعة من المنتج أو الوكيل ثم يقوموا بتوزيعها أو بيعها على المحلات التجارية، ففي بعض الحالات لا يتوفر في فعل الموزع جريمة خيانة الأمانة، وفي حالات أخرى تتوفر اركان جريمة خيانة الأمانة في فعل الموزع، مما يقتضي الإشارة إلى الفرق بين الحالتين في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25/12/2017م في الطعن رقم (60161)، فقد قضى الحكم الاستئنافي: ((بتأييد الحكم الابتدائي فيما قضى به لان الظاهر ان الحكم الابتدائي قد وافق الصواب فيما قضى به وإن ما اثاره المتهم المستأنف لا يؤثر في الحكم الابتدائي الذي قضى بإدانته بواقعة إرتكاب جريمة خيانة الأمانة إستناداً لمحرر الاتفاق بين المستأنف والمستأنف ضده الذي أقر فيه المستأنف بان المبلغ الذي بذمته هو المديونية التي عليه في رصيده اثناء فترة عمله في التوزيع إلى آخر فاتورة مسجلة عليه، فقد اتفق الطرفان في ذلك الاتفاق على إنهاء الحساب بينهما وتسديد المديونية بموجب ذلك الاتفاق إلا أن المتهم المستأنف لم يلتزم ببنود ذلك الاتفاق، الأمر الذي يجعل من تهمة خيانة الأمانة المنسوبة إليه ثابتة بجميع اركانها، فالبضاعة والمبالغ التي تسلمها المستأنف كانت على سبيل الأمانة وبمناسبة عمله لدى مصنع... التابع للمستأنف ضده ،فالمتهم كان يعمل موزعاً فقد استلم البضائع والمبالغ بموجب الثقة والأمانة الممنوحة له من رب العمل ،فقد ثبت للمحكمة صحة المديونية التي أقر المتهم بها إستناداً للاتفاق المحرر بتاريخ...، وقد عجز المتهم عن تقديم الدليل لإثبات إدعائه بان تلك المبالغ لا زالت مديونية لدى عملاء المصنع أو حتى تقديم مصادقات من الزبائن تدل على ان تلك المديونية لازالت لدى العملاء أو إثبات تحصيله لتلك المبالغ وتوريدها إلى حساب المستأنف ضده، مما يؤكد قيام المتهم المستأنف بضم مبلغ المديونية الظاهر عليه إلى ملكه وإستيلائه عليه وإمتناعه عن إعادته لصاحبه، فلم يظهر المستأنف حسن النية لسداد المبالغ منذ تاريخ الاتفاق الذي منح المتهم فترة كافية لسداد المبالغ الثابتة عليه ، كما ان القضاء الجنائي هو المختص بنظر القضية وليس القضاء التجاري حسبما ذكر المستأنف)) وقد أقرت الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا أنه: (إما من حيث الموضوع فانه بمطالعة الدائرة لعريضة الطعن فقد وجدت ان ما اثاره الطاعن في طعنه لم يؤسس على سند من القانون عملاً بالمادة (435) إجراءات فكل ما أورده الطاعن رغم إسهابه عبارة عن نقاش في الأدلة وجدلاً في قناعة محكمة الموضوع فيما انتهت إليه التي لا معقب عليها من قبل المحكمة العليا عملاً بالمادة (431) إجراءات، وحيث ان الحكم الاستئنافي مسبب تسبيباً قانونياً صحيحاً ولم يشبه أي بطلان في الإجراءات أو خطأ في تطبيق القانون فانه يتعين رفض الطعن) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: النص القانوني الناظم لجريمة خيانة الأمانة:*
➖➖➖➖➖

*▪️تناول قانون الجرائم والعقوبات اليمني جريمة خيانة الأمانة في المادة (318) التي نصت على ان (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من ضم إلى ملكه مالاً منقولاً مملوكاً للغير سلم إليه بأي وجه) فجريمة خيانة الأمانة في ركنها المادي تقتضي ان يكون هناك اولا إئتمان (عقود الامانة) ثم تتم بعد ذلك خيانة ذلك الإئتمان، وقد حصر القانون المصري صور الائتمان أو عقود الامانة حيث لاتتحقق هذه الجريمة إلا إذا كان إستلام الامين لمال المالك بموجب أي من عقود الامانة التي حصرها القانون المصري على سبيل الحصرفي المادة (341) وهي عقد الوديعة وعقد الإجارة وعارية الاستعمال والرهن الحيازي والوكالة، فلاتتحقق جريمة خيانة الأمانة في القانون المصري الا إذا كان التسليم بموجب أي عقد من عقود الأمانة المشار اليها،كما أن الفقه المصري يذهب الى أنه لايجوز في القانون المصري القياس على تلك العقود أو التوسع في فهمها، كما ان القانون المصري لا يشترط ضم الجاني المال إلى ملكه بل تقع جريمة الأمانة حتى إذا لم يقم المتهم بضم المال المسلم إليه إلى ملكه بل قام بتبديده على خلاف ماورد في القانون اليمني.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: معنى التسليم من المالك:*
➖➖➖➖➖

*▪️من خلال مطالعة المادة (241) مصري والمادة (318) يمني نجد ان جريمة خيانة الأمانة في القانون اليمني تقع بصرف النظر عن طريقة التسليم حيث استخدم النص اليمني جملة ((سلم إليه بأي وجه)) فطالما ان الجاني قد استلم المال بأي وجه فتقع جريمة خيانة الأمانة إذا تحققت بقية الأركان والشروط، في حين ان هذه الجريمة لا تقع في القانون المصري إلا إذا كان التسليم الى الجاني قد تم بموجب عقد من عقود الأمانة المذكورة في النص المصري على سبيل الحصر وهي: عقد الوديعة وعقد الإجارة وعارية الاستعمال والرهن الحيازي والوكالة، وبناءً على ذلك فان القانون اليمني قد توسع في تطبيق جريمة خيانة الأمانة أكثر من القانون المصري.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: الهدف من التجريم في جريمة خيانة الأمانة:*
➖➖➖➖➖

*▪️يتلخص الهدف من ذلك في حماية الأموال المسلمة من ملاكها الى الغير سواء أكانت مسلمة على سبيل العارية أو الوكالة أو الوديعة أو الإجارة أو بغرض استثمار الاموال وتشغيلها بغرض تأمين وحماية الاموال وحفظها اثناء تداولها في القطاعات الاقتصادية فتنساب الأموال في اقتصاد الدولة فتنهض به فتتطور وترتقي به الدولة والمجتمع، ولذلك فان للتجريم في مجال خيانة الأمانة دور محمود في حماية الاستثمارات والتجارة والنشاط الاقتصادي في المجتمع عامة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: علاقة الموزعين للبضائع بأرباب العمل:*
➖➖➖➖➖

*▪️توزيع المنتجات والبضائع يتم دائماً عن طريق موزعين (سائقين) تختلف علاقاتهم بأصحاب الأعمال أو المصانع، ففي غالب الحالات يكون السائق الموزع عاملا لدى صاحب العمل فيقوم بتوزيع البضاعة على المحلات عن طريق السيارة التابعة لصاحب العمل مقابل اجر شهري يتقاضاه من صاحب العمل وفي بعض الأحيان يضاف إلى الاجر الشهري نسبة من قيمة البضاعة التي يبيعها الموزع كعمولة، حيث يستلم السائق البضاعة من صاحب العمل كواجب من واجبات عمله المقررة بموجب عقد العمل فيقوم العامل السائق أو الموزع بعد إستلامه للبضاعة بتسليمها الى المحلات التجارية التي يحددها صاحب العمل بموجب فواتير صادرة من صاحب العمل حيث يكون الموزع في هذه الحالة مجرد عامل يتولى نقل البضاعة من صاحب العمل إلى محلات زبائن صاحب العمل، فصاحب العمل مالك البضاعة هو البائع وصاحب المحل هو المشتري والعامل الموزع عبارة عن ناقل للبضاعة من مخازن صاحب العمل إلى محلات المشترين، ففي هذه الصورة يكون الموزع مرتكباً لجريمة خيانة الأمانة إذا لم يقم بتسليمها كاملة إلى محل العميل المشتري لأن الموزع قد استلم البضاعة من صاحب العمل كأمانة لايصالها إلى محلات الزبائن، فالموزع في هذه الحالة مؤتمن على البضاعة فهي عهدة لديه، ولذلك نجد بعض الشركات تضع في نهاية الفاتورة المسلمة للسائق الموزع عبارة (البضاعة المذكورة في الفاتورة اعلاه عهدة وامانة لدى الموزع لاتبرأ ذمته الا بتسليمها إلى المحل المشار اليه في الفاتورة) وكذلك يكون الموزع مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة إذا قام بإستلام قيمة البضاعة من المحلات التجارية ولم يقم بتسليمها لمالك البضاعة صاحب العمل لأن القيمة المسلمة الى الموزع في هذه الحالة امانة لديه لتسليمها لمالك البضاعة، إما إذا قام صاحب العمل بتسليم البضاعة إلى الموزع وكلف صاحب العمل الموزع ببيعها بطريقة الموزع وبخبرته على المحلات التي يعرفها الموزع فعندئذ تتغير مهمة الموزع حيث يتولى بنفسه بيع البضاعة على المحلات المختارة من قبله فعندئذ يكون الغرض من تسليم البضاعة إلى الموزع ليس إيصالها إلى محلات حددها صاحب العمل وإنما يكون الغرض توكيل صاحب العمل للموزع ببيع البضاعة، وفي القانون المصري يكون الموزع في هذه الحالة أيضاً مرتكباً لجريمة خيانة الأمانة إذا لم يقم بدفع المبالغ المتحصلة من بيعه للبضاعة، لأنه قد استلم البضاعة بموجب عقد وكالة وهو من عقود الامانة المنصوص عليها في المادة(241) مصري , وكذلك يكون الموزع في هذه الحالة خائناً للأمانة بموجب المادة (318) يمني التي نصت على أن جريمة خيانة الأمانة تقع طالما أن الموزع قد استلم البضاعة باي وجه، في حين انه يفترض أن لايكون الموزع مسئولا في هذه الحالة إلا إذا ثبت أن الموزع قد استلم قيمة البضاعة ولم يقم بتسليم القيمة إلى صاحب العمل أما إذا كانت القيمة لازالت لدى الزبائن فلاتتحقق جريمة خيانة الأمانة, أما إذا كان المستلم للبضاعة لايعمل كعامل لدى صاحب العمل فان إستلامه للبضاعة يكون بقصد البيع والشراء فتكون العلاقة تجارية محضة فلاتتحقق جريمة خيانة الأمانة في هذه الحالة، وقد استقر قضاء المحكمة العليا في اليمن على ان جريمة خيانة الأمانة لا تقع بالنسبة للموزع العامل لدى صاحب العمل إذا اثبت العامل ان قيمة البضاعة التي قام بتوزيعها لا زالت بذمة المشترين أصحاب المحلات.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الخامس: سوء نية الموزع واثرها على جريمة خيانة الأمانة:*
➖➖➖➖➖

*▪️اشار الحكم محل تعليقنا إلى ان الموزع المتهم كان سيء النية حينما رفض سداد المديونية القائمة عليه الناجمة عن إرتكابه لجريمة خيانة الأمانة، فقد اراد الموزع تحويل إتفاق سداد تلك المديونية إلى قضية تجارية ودفع بإختصاص القضاء التجاري، كما استدل الحكم على سوء نية الموزع بثبوت تزوير الموزع لفواتير تحصيل قيمة البضاعة التي اظهرتها نتائج المطابقة فيما بين حسابات الشركة التي كان الموزع يعمل فيها وحسابات المحلات التي كان الموزع يتحصل المبالغ منها، فلا شك ان سوء نية المتهم من القرائن التي يستفاد منها توفر القصد الجنائي، إضافة إلى تأثيرها في الاهتداء إلى الباعث على ارتكاب الجريمة، فلسوء النية تأثير في قيام الجريمة وفي العقوبة المقررة عليها (ضوابط تسبيب الأحكام الجنائية، د.رؤوف عبيد، صـ283)، والله اعلم.*