*أخذ اقوال المتهم الجريح وحجيتها*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️في حالات كثيرة تقع الحوادث الجنائية نتيجة إشتباكات بالالات الحادة والاسلحة النارية، فينجم عنها قتلى وجرحى من المشتبكين، ولمعرفة الحقيقة والوقوف على تفاصيل الحادث الجنائي يتم أخذ اقوال المتهمين الجرحى في الحادث ، وعندئذ يحدث الجدل بشان حجية هذه الاقوال والوقت المناسب لاخذها من المتهم الجريح ومدى تأثير الم الجراح على المتهم في هذه الحالة، ووقت تاثير المخدر الذي يتم إعطاؤه للمتهم قبل العملية الجراحية وكم يستمر وقت تاثير المخدر بعد إجراء العملية الجراحية، وقد أشار إلى هذه المسائل الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29/7/2018م برقم (60941) الذي جاء فيه (وإما قول المتهم: انه تم التحقيق معه وهو جريح يتالم وتحت تاثير التخدير بعد العملية الجراحية، فقد اثبتت النيابة العامة بتقرير من المستشفى ان التحقيق لم يتم إلا بعد أربع ساعات من إفاقة المتهم من التخدير بعد خروجه من غرفة العمليات وان الأقوال أخذت منه بحضور شهود اثبتوا ان أقواله قد اخذت وهو بكامل وعيه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: الوضعية الواقعية للمتهم الجريح في الحادث الجنائي:*
➖➖➖➖➖
*▪️في الحوادث الجنائية تحدت إشتباكات بين اطراف الحادث الجنائي تستعمل فيها الأسلحة النارية والآلات الحادة فتنجم عن ذلك جراحات وإصابات بين المشاركين في الحادث الجنائي أو اطراف الحادث الجنائي، وفي بعض الحالات تكون الإصابات بليغة تحتاج إلى عمليات جراحية يتم خلالها تخدير المصاب ،وبعد ذلك يتم أخذ أقوال المصاب الجريح مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا فقد أصيب المتهم بالقتل إصابة بالغة استدعت إجراء عملية جراحية له وعند الاستدلال بالاقوال التي ادلى بها المتهم الجريح أثناء وجوده في المستشفى تمسك المتهم أمام المحكمة بعدم حجية أقواله التي ادلى بها في المستشفى لانه كان تحت تأثير الم الجراح والاصابة وتحت تأثير المخدر الذي أعطي له اثناء إجراء العملية الجراحية لانتزاع المقذوف الناري من بطنه وان ذلك التاثير قد استمر بعد خروجه من غرفة العمليات، وهذا الوضع يثير الشكوك في الاقوال التي تم آخذها منه وهو في هذه الحالة حسبما ذكر المتهم في دفاعه.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: تأثير الجراح أو الإصابة على أقوال المتهم الجريح:*
➖➖➖➖➖
*▪️تتفاوت الجراحات او الإصابات من حيث تأثيرها على القدرات العقلية والنفسية للمصاب وتركيزه عند الاستماع إلى اقواله وهو تحت طائلة الم الجراح أو الإصابة، فهناك الإصابات البليغة التي تجعل كل إهتمام وتركيز وإدراك المتهم الجريح متجه إلى الألم الذي يكابده ويغالبه بسبب الجراح أو الإصابة ،فكل إهتمامه وقدراته تتركز على الالم الذي يعانيه، ولذلك فان اقواله التي يدلى بها وهو تحت تأثير الم الإصابة البالغة تكون محل شك، فالمتهم في هذه الحالة لأيعباء بما يقول لأن ذهنه منصرف إلى الم الجراح ، ويظهر الالم المفرط في المتهم الجريح بسبب الاصابة من خلال صراخ المتهم أو تعابير وجهه أو موضع الاصابة، ولذلك فان الحكم محل تعليقنا قد اعتمد في الأخذ بأقوال المتهم الجريح اعتمد على التقرير الصادر من المستشفى الذي كان المتهم الجريح يعالج فيه, حيث ورد في التقرير ان اخذ أقوال المتهم في المستشفى قد تم بعد حوالي أربع ساعات من خروجه من غرفة العمليات بعد ان زال عنه تأثير المخدر وان حالته الجراحية عند أخذ أقواله كانت مستقرة وليس لحالته تلك أي تأثير على أقواله التي ادلى بها في المستشفى، كما ان الشهود الحاضرين عند أخذ أقوال المتهم الجريح كانوا قد شهدوا بان حالته عند اخذ أقواله كانت طبيعية وهادئة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: تأثير المخدر على اقوال المتهم الجريح:*
➖➖➖➖➖
*▪️من المؤكد أن للمخدر الذي يتم إعطاء المصاب عند إجراء العملية الجراحية تأثيره البالغ على إدراك ووعي المتهم اثناء إجراء العملية وبعدها، وتبعاً لذلك فان أخذ اقوال المتهم وهو واقع تحت تأثير المخدر الجراحي يفقد تلك الأقوال أية حجية، لانها صادرة من شخص لا يعي ولا يدرك ما يقول، ولكن في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان التقرير الطبي الصادر من المستشفى الذي اجرى العملية الجراحية للمتهم كان قد اثبت بدقة وقت دخول المتهم غرفة العمليات ووقت إعطائه جرعة المخدر قبل إجراء العملية ووقت إنتهاء مفعول ذلك المخدر بعد خروجه من غرفة العمليات، حيث اكد ذلك التقرير الصادر من المستشفى :ان اخذ اقوال المتهم قد تم بعد زوال تأثير المخدر، فأخذ أقوال المتهم كان بعد مضي اربع ساعات من خروجه من غرفة العمليات، ففي هذا الوقت يكون من المؤكد زوال تأثير المخدر حسبما ورد في تقرير المستشفى.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: أقوال المتهم الجريح ومبدأ تساند الأدلة:*
➖➖➖➖➖
*▪️كانت أقوال المتهم التي تم اخذها في المستشفى الذي كان يعالج فيه ليست الدليل الوحيد على إدانته بواقعة القتل العمد وإنما كانت هناك ادلة اخرى ساندت تلك الأقوال منها شهادات شهود مسرح الجريمة الذين شهدوا انهم سمعوا اولا إطلاق النار من الجهة التي تم العثور فيها على المتهم مصاباً فيها بإصابة بالغة، كما ان أخذ أقوال المتهم قد تم بحضور شهود شهدوا بان المتهم عند أخذ أقواله في المستشفى كان طبيعياً فكان يتكلم بصورة طبيعية من غير الم أو تخدير أو إكراه أو خوف، والله اعلم.*