الإعتداء على ملك الغير وإدخال الأوقاف وهيئة الأراضي

 الإعتداء على ملك الغير وإدخال الأوقاف وهيئة الأراضي 

غالبية أراضي اليمن اما ان تكون أوقاف او أراضي دولة، وبناءً على ذلك فان الدولة أو الاوقاف هما المجني عليهما الا ان المستاجر للأرض المعتدى عليها يقوم  بتقديم  الشكوى  وتحريك الدعوى الجزائية من غير أن يرجع إلى ه‍يئة الاراضي أو هيئة الاوقاف ،وبناء على ذلك يتم تحريك الدعوى الجزائية بناء على الشكوى المقدمة من المستاجر على اساس أن المستاجر لأرض الدولة أو الوقف فليس مالكا لرقبتها وانما مالك لمنفعتها  بإعتبار ان تعريف عقد الإيجار تمليك منفعة،وهناك نقاش علمي  بشان تحديد المجني عليه في هذه الحالة، والواقع أن المجني عليه في هذه الحالة هو مالك الأرض والمنتفع بها، وبصرف النظر عن هذا النقاش فقد قضى الحكم محل تعليقنا بانه يجب إدخال هيئة الاراضي أو هيئة الاوقاف في القضية لحماية اراضي الدولة والوقف والدفاع عنها،فالحكم محل تعليقنا هو  الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ4/2/2018م في الطعن رقم (59880)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان مجموعة من الأشخاص تبادلوا الشكاوى فيما بينهم بشأن الإعتداء على ملك الغير، فكان كل فريق يدعي ان الفريق الآخر قد قام بالإعتداء على الأرض التي تحت يده في حين انهم ليسوا مالكين للأرض محل النزاع حيث كان أحد الفريقين مستاجرا من الاوقاف فقد ابرز هولاء عقود إيجار من الأوقاف في حين ابرز الآخرون مخططات عمرانية اظهرت ان الأرض محل النزاع كانت لشارع مخطط في أرض الدولة فتم الغاء هذا الشارع، وقد تم تحريك الدعوى الجزائية في جريمة  الاعتداء على ملك الغير ورفعها أمام محكمتي الموضوع دون ان يتم إدخال هيئة الأراضي لمعرفة خلفيات الغاء الشارع ومصير الأرض التي كانت شارعاً وكذا من غير إدخال هيئة الأوقاف بإعتبار ان قسماً من الأرض محل النزاع من أراضي الوقف بموجب عقود الإيجار الصادرة من الأوقاف التي ابرزها بعض الخصوم اثناء النزاع، وعند الطعن أمام الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا قضت بان (البين ان الحكم المطعون فيه جاء مخالفاً لما قضى به الحكم الابتدائي في النتيجة دون مناقشة ما استند اليه وعلل به ومن ذلك مذكرة مكتب الأوقاف بناءً على طلب المحكمة، بالإضافة إلى ان أسباب الحكم المطعون فيه التي تضمنت : فالمعلوم ان القضاء الجنائي يحمي الحيازة فلم يقدم الادعاء بشقيه الدليل الجائز – ثم عاد الحكم وناقش مستند الملك مما يجعل الحكم مشوباً بعيب التناقض في الأسباب إضافة إلى ما نعاه الطاعن بعدم إستجابة الشعبة لطلب الإفادة من هيئة الأراضي والمساحة والتخطيط العمراني بشأن إزاحة الشارع شمال الأرض المتنازع عليها ورفض الشعبة الطلب دون تعليل، فذلك يعد إخلالا بحقوق الدفاع، لذلك كان من المتعين على الشعبة الاستعانة بجهة الخبرة لتطبيق مستندات طرفي النزاع بما يحافظ على حقوق الجهة المالكة ممثلة بوزارة الأوقاف، فقد كان يتعين إدخالها ابتداءً أو الاقتصار على بحث الحيازة لغرض حمايتها دون الملكية) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية: 

الوجه الأول: جريمة الإعتداء على ملك الغير وعلاقتها بإنعدام السجل العيني باليمن: 

من المقرر في الفقه الجنائي ان جريمة الإعتداء على ملك الغير مقررة اصلا لحماية الحيازة الظاهرة، ومن المعروف ايضا ان جريمة الإعتداء على ملك الغير قد اخذ بها قانون الجرائم والعقوبات اليمني من قوانين الدول الأخرى التي يوجد بها نظام سجل عيني للعقارات  يقوم على  تخصيص صفحة في السجل العيني لكل  عقار فتكون هذه الصفحة مستقلة لها رقم خاص بها وتتضمن كل صفحة عينية وصف العقار من حيث رقمه وموقعه وحدوده ومساحته ونوع البناء والمزروعات القائمة عليه ومنشأ الحق وطبيعته وقيمته التقديرية وكل التصرفات التي سبق أن وقعت على العقار ، وتبعاً لذلك فليس هناك حجية رسمية  لأي تصرف لا يتم قيده في صحيفة السجل العيني للعقار، وبناءً على ذلك فان السجل العيني يحل محل البصائر والفصول وغيرها التي يختلف بشأنها الناس في اليمن، وعلى هذا المفهوم فان النزاعات بشأن العقارات نادرة جداً في الدول التي تعتمد نظام السجل العيني، فلذلك من شبه المستحيل في تلك الدول ان تسمع عن باسطين اوعصابات الإعتداء على أراضي الغير أو مايسمى في اليمن المتهبشين كما لايوجد هناك مزورون الفصول والبصائر لأن الملكية يتم اثباتها عن طريق السجل العيني وليس عن طريق وثائق الملكية الشخصية،فسبب  ظاهرة المزورين والمتهبشين  في اليمن وحدها هو  عدم وجود سجل عيني، والأمانة العلمية تقتضي القول بان القيادة الشابة الحالية لهيئة الأراضي والمساحة والتخطيط العمراني قد شرعت في الآونة الاخيرة في تنفيذ نظام السجل العيني عن طريق تطبيقه بالفعل على مناطق معينة مثل بني مطر تمهيداً لتعميمه على ارجاء البلاد، ونخلص من هذا الوجه الى ان العلاقة عكسية فيما بين السجل العيني العقاري وجرائم الإعتداء على ملك الغير فكلما انتشر واتسع السجل العيني وانتظم كلما ضاق نطاق جرائم الإعتداء على أراضي الغير وتلاشت مشاكل الأراضي ونزاعاتها، وكلما انعدم السجل العيني كلما تصاعدت وتيرة الاعتداءات وانتشرت وهددت السلم   والامن  الاجتماعي،ومن هذا المنطلق فان حماية الحيازة عن طريق دعاوى الإعتداء على ملك قد تولدت من رحم نظام السجل العيني الذي حسم مسألة النزاع على الملكية نهائياً وجعل السجل العيني هو الذي يحدد مالك  العقار الذي تحميه دعوى الإعتداء، اما في اليمن فقد تم استغلال دعاوى حماية الحيازة  لحماية عصابات البسط والسطو المسلح على الأراضي وحماية المتهبشين والبلاطجة، وانا في هذا المقام اشد على ايادي اعضاء النيابة والقضاة الشجعان الذين فهموا وادركوا العيب القانوني وقصروا الحماية على الحيازة الشرعية القانونية الطويلة المستقرة (30/ سنة التي تدل على الملكية، لان عصابات الإعتداء والبسط على الأراضي قد استغلت الفوضى ووضعت اياديها الاثمة على أراضي كثيرة لكن حيازتها غير شرعية لان الحيازة يجب ان لا يكون اساسها الغصب حسبما صرح القانون المدني، ولذلك لاحظنا الحكم محل تعليقنا قد صرح بوجوب إدخال هيئة الأوقاف للدفاع عن اراضيها في مواجهة المتنازعين على حيازة املاكها كما أوجب الاستعانة بالهيئة العامة للأراضي والتخطيط العمراني لتقديم البيانات والمعلومات اللازمة. 

الوجه الثاني: حق اليد (حق الإنتفاع) بأرض الدولة أو الوقف ونطاق الحماية الجزائية له عن طريق جريمة الاعتداء على ملك الغير: 

في حالات كثيرة تقع اعتداءات على أراضي الدولة أو الوقف المؤجرة على المستأجرين المنتفعين بها وعندئذ يمس هذا الإعتداء بحقوق المستأجرين في الإنتفاع بالأراضي المؤجرة لهم كما يمس بملكية الرقبة أو حق المالك كالدولة أو الوقف، وعلى هذا الأساس فالواجب إدخال المالك في النزاع لحماية ملكيته حسبما قضى الحكم محل تعليقنا،فالمجني عليه في هذه الحالة هو المالك والمنتفع بالارض معا. 

الوجه الثالث: اهمية إدخال هيئة الأوقاف في النزاعات التي تحدث بين المستأجرين للوقف أو الإعتداءات التي تقع على ارض الوقف المؤجرة  : 

هيئة الأوقاف هي الجهة المعنية قانوناً بإدارة الأوقاف وحمايتها والمحافظة عليها والدفاع عنها وتتوفر لديها المستندات والبيانات والمعلومات اللازمة عن أراضي الأوقاف من حيث مساحتها وحدودها وكافة التفاصيل في هذا الشأن، ولذلك فان إدخال هيئة الاوقاف في النزاع يمكن القاضي من الوقوف على الحقيقة كاملة  بدلاً من الاكتفاء بمخاطبة الأوقاف بشأن الإفادة عن جزئية من جزئيات النزاع لاسيما ان المستندات والبيانات الخاصة بأراضي الوقف لا تتوفر لدى المستأجرين كما أنه من الواجب تمكين هيئة الأوقاف من القيام بواجبها القانوني في الدفاع عن أموال الوقف أمام القضاء لاسيما وان المتنازعين على الإنتفاع بالوقف في غياب الهيئة  قد يتواطؤا على أموال الوقف، وقد ادرك الحكم محل تعليقنا هذه الحقيقة حينما قضى بانه كان الواجب إدخال هيئة الأوقاف حتى تتمكن من الدفاع عن أموال الوقف، ومن المعلوم ان قانون المرافعات قد نص في المادة (190) على أنه (للمحكمة من تلقاء نفسها ان تأمر بإدخال من ترى إدخاله لمصلحة العدالة أو لإظهار حقيقة...الخ). 

الوجه الرابع : إدخال الهيئة العامة للأراضي والاستعانة بها فيما يتعلق بالنزاعات على حدود الأراضي ومساحاتها: 

تظهر القيمة العلمية والعملية للحكم محل تعليقنا بانه قد اوجب على محكمة الموضوع الاستعانة بالهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني عند المنازعات على حدود الأراضي ومساحاتها ومعرفة المخططات ومواقع الخدمات ومساحة الشارع عرضا وطولا  باعتبار الهيئة هي المرجعية العامة للدولة فيما يتعلق بالأراضي والعقارات بصفة عامة حيث تتوفر لديها المخططات العمرانية الإجمالية والتفصيلية والخرائط والصور الجوية التي تبين المساحات والمخططات ومواقع المرافق والخدمات وتتوفر لديها البيانات والمعلومات التي تستند اليها عند تعديل بعض المخططات او تصويبها مثلما حدث في قضية إزاحة الشارع التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا، كما يتوفر في هيئة الأراضي الحياد والاستقلالية والاختصاص والخبرة باعتبارها الجهة المختصة قانوناً في هذا الشأن حيث يجب الاستعانة بها بدلاً من الاستعانة بالمكاتب الهندسية التي لا تتوفر لديها الامكانيات والمعلومات اللازمة كتلك التي تتوفر لدى هيئة الأراضي، كما انه من الواجب إدخال هيئة الأراضي في النزاعات التي يكون محلها أراضي الدولة سواء أكان النزاع بين المستأجرين والمنتفعين بأرض الدولة أو كان بينهم وبين غيرهم، ويستند إدخال هيئة الأراضي في هذه الحالة إلى الاعتبارات ذاتها السابق ذكرها عند عرضنا لمبررات إدخال هيئة الأوقاف في المنازعات المتصلة بأرض الوقف المؤجرة للغير، والله اعلم. 

أ.د/عبدالمؤمن شجاع الدين 
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون - جامعة صنعاء