نطاق الاستئناف في دعوى الإخلاء

 

نطاق الاستئناف في دعوى الإخلاء

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

نطاق الاستئناف له أهمية بالغة في تحقيق غالبية المبادئ الحاكمة للتقاضي مثل مبدأ التقاضي على درجتين ولذلك فان التزام محكمة الاستئناف بالنطاق الصحيح للاستئناف يعد ضمانة من أهم ضمانات المحاكمة العادلة، ومن هذا المنطلق اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29/5/2010م في الطعن المدني رقم (36018) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم في أن امرأة قامت بتأجير دكانها الذي صار لها ارثاً من بعد أبيها والملاصق من جهتين لدكاكين شقيقاتهاوتقع هذه الدكاكين داخل هنجىى مشترك بين الورثة ويقع الهنجر في السوق المركزي لاحدى المدن فقام المستأجر للدكان باستحداث تنور للنار لصناعة الخبز (التميز) في جانب من الدكان فتضرر الدكان لانه داخل الهنجر كما ان المستاجر تخلف عن دفع الايجارات حتى تراكمت فحدث الخلاف بين المؤجرة ومستأجر الدكان حتى قامت المؤجرة بتوكيل زوجها الذي قام برفع دعوى اخلاء امام المحكمة الابتدائية المختصة طلب فيها إخلاء الدكان وسداد الايجارات المتأخرة، وقد رد المدعى عليه المستأجر بأن العين المؤجرة مملوكة لعدة ورثة حيث انها عبارة عن هنجر مقسم إلى دكاكين بين الورثة وان مدخل الهنجر واحد، وقد سارت المحكمة الابتدائية في إجراءات نظر القضية حتى توصلت إلى الحكم على المستأجر بإخلاء الدكان والزامه بتسديد الإيجارات المتأخرة حتى تاريخ الإخلاء بالإضافة إلى تحميله مصاريف التقاضي اما الاضرار المترتبة على تنور النار فلا وجه لذلك حيث انه تم تأجير العين والتنور موجود في العين، فلم يقبل المستأجر بالحكم الابتدائي حيث قام باستئنافه مردداً اقواله التي قالها أمام محكمة أول درجة : بان العين المؤجرة مشتركة بين ورثة عدة فقبلت الشعبة المدنية استئنافه حيث قضت بإعادة القضية إلى المحكمة الابتدائية للاستيفاء، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (ان وكيل المدعية لم يبرز فرز المدعية حتى يبين للمحكمة ان الدكان ملك لها من بعد أبيها وقد اوضح تقرير المعاينة أن الدكان  نصيب اختها المجاور لدكان المستانف ضدها ليس له منفذ خارجي مستقل فمنفذ الدكاكنين مشترك) فقامت المؤجرة مالكة الدكان بالطعن في الحكم الاستئنافي أمام الدائرة المدنية بالمحكمة العليا التي قبلت الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فان الدائرة تجد أن نعي الطاعنة في محله حيث ان دعواها منحصرة على مخالفة المدعى عليه لعقد الإيجار المبرم فيما بين الطرفين وان المستأجر لم يلتزم بسداد الإيجارات واستعماله للتنور مما الحق اضراراً في الدكان والهنجر الذي بداخله الدكان، وحيث ان من الثابت في ملف القضية اقرار المدعى عليه باستئجاره للدكان محل النزاع من المدعية فان ما قضت به محكمة الاستئناف يخالف الثابت في الأوراق وما تعللت به محكمة الاستئناف من عدم حصول وكالة لزوج المدعية من المدعية غير صحيح حيث انه من الثابت في الأوراق أنه وكيل زوجته حيث قام برفع الدعوى على هذا الاساس أما ما ذكرته محكمة الاستئناف بان زوج المدعية لم يبرز فصل زوجته فلا نزاع بشأن هذا الموضوع فهو خارج عن نطاق الخلاف .فالخلاف منحصر في عقد الإيجار المبرم بين الطرفين الامر الذي يفيد عدم استيفاء الشعبة للوقائع مما ترتب عليه وقوعها في هذا الخطأ وفساد تسبيبها مما يجعل حكمها باطلاً استناداً إلى المادة (231) مرافعات مما يقتضي قبول الطعن ونقض الحكم وإعادة القضية إلى محكمة الاستئناف للحكم فيه مجدداً وفقاً للقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو بين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : نطاق الاستئناف في دعوى الاخلاء :

يتحدد نطاق خصومة الاستئناف بحدود الدعوى الاصلية والدعاوى الفرعية والمقابلة والدفوع التي تم طرحها أمام محكمة أول درجة وفي حدود ما فصلت فيه محكمة الدرجة الأولى حسبما ورد في المادة (288) مرافعات كما إنه من المقرر ان نطاق الاستئناف يمتد إلى الطلبات التي اثارها المستأنف أمام محكمة أول درجة فأهملتها ولم تفصل فيها، ولذلك يجب على محكمة الاستئناف تحديد نطاق الخصومة أمام محكمة أول درجة قبل ان تبحث نطاق الخصومة الاستئنافية لان ذلك مدخل اساسي لتحديد نطاق الخصومة الاستئنافية، وعند تطبيق هذا المفهوم على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد ان الدعوى موضوعها إخلاء العين المؤجرة وكان اطرافها هم المؤجرة والمستأجر منها وكان سببها هو عقد الإيجار الذي يحدد التزامات كل طرف حيث استندت المدعية الى عقد الإيجار لإثبات إخلال المستأجر بالتزاماته العقدية المتمثلة في عدم سداد الإيجارات في المواعيد المحددة في العقد وكذا قيامه بتشغيل التنور الذي الحق اضراراً بالعين المؤجرة لان الدكان في داخل هنجر، وقد انحصرت الدعوى أمام المحكمة الابتدائية في هذا النطاق فلم يتدخل أحد من الورثة أو ينازع في ملكية العين المؤجرة ولذلك فان نطاق الخصومة أمام المحكمة الابتدائية كان منحصراً في دعوى الإخلاء واسبابها وانعقدت الخصومة فيمابين المؤجرة والمستاجر. وتبعاً لذلك كان قضاء الحكم الابتدائي بإخلاء العين وسداد الإيجارات. وبموجب الاستئناف المقدم من المستأجر والرد عليه من المؤجرة فقد تم طرح النزاع أمام محكمة الاستئناف ولكن وفقاً لحدود الخصومة الابتدائية وحدود ما فصل فيه الحكم الابتدائي فكان ينبغي على الحكم الاستئنافي عدم التعرض لملكية العين المؤجرة لان موضوع الدعوى هو ايجار الدكان وليس ملكية الدكان فليس هناك خصومة بين الورثة بشان ملكية الدكان فلايحق للمستاجر اثارة هذه المسالة ، ولذلك فان قضاء الحكم الاستئنافي قد كان خروجاً عن نطاق الاستئناف حيث قضى باستيفاء مسالة ملكية الدكان التي لم تكن مثارة من قبل الورثة اصحاب المصلحة والصفة، حيث الزم الحكم الاستئنافي المؤجرة بان تثبت ملكيتها للعين المؤجرة في حين ان موضوع النزاع ليس ملكية العين وانما عدم وفاء المستأجر بالتزاماته المحددة في عقد الإيجار، وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى ان خطأ الحكم الاستئنافي في تحديد نطاق الخصومة الاستئنافية يرجع إلى عدم احاطة الشعبة وفهمها لأركان الدعوى أمام المحكمة الابتدائية ونطاق الخصومة امام محكمة اول درجة.

مربع نص: الأسعدي للطباعة عن بعد / ت 772877717

الوجه الثاني : أهمية الالتزام بنطاق الخصومة الاستئنافية :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا فقد لاحظنا كيف قضى حكم المحكمة العليا بنقض الحكم الاستئنافي الذي لم يلتزم بنطاق الخصومة الاستئنافية، وهذا يعني أن عدم الالتزام بهذا النطاق يؤدي إلى اطالة إجراءات التقاضي في دعاوى الإخلاء وغيرها مع ان قانون العلاقة بين المؤجر والمستأجر يقرر انه ينبغي النظر في دعاوى الاستئجار بصفة مستعجلة، إضافة إلى أن عدم الالتزام بذلك النطاق يؤدي إلى الهدر في الإجراءات ويخالف مبدأ الاقتصاد في إجراءات التقاضي ومبدأ عدم الهدر الاجرائي علاوة على ان عدم الالتزام يؤدي إلى توسيع نطاق الخلاف بدلاً من حسمه.

الوجه الثالث : اسباب دعوى الاخلاء :

بحسب ما ورد في الحكم محل تعليقنا فان سبب دعوى الإخلاء كان اساساً هو عدم وفاء المستأجر بالإيجار في المواعيد المتفق عليها في العقد وهذا السبب كاف للإخلاء بموجب قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر إلا أن المدعية قد استندت في دعوى الإخلاء إلى سبب اخر وهو قيام المستأجر باستعمال تنور النار في الدكان المصنوع أصلاً من الحديد والزنج وجوانبه من البلك وقد اثبتت المدعية أن المستأجر قام بتشغيل التنور الذي كان سببا لاخلاء العين من المستاجر السابق كما ان المؤجرة كانت قد نبهت المستاجر الى عدم استعمال التنور حينما استلم العين، والله اعلم.