صيغة الإرشاد الواردة في منطوق الحكم


 صيغة الإرشاد الواردة في منطوق الحكم

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

يتضمن منطوق الحكم في حالات كثيرة فقرة ارشادية تنص على انه (ومن حق المدعي ان يتقدم بدعواه أمام محكمة كذا أو إذا ثبت كذا فله حق كذا أو للمحكوم عليه حق الطعن خلال الميعاد ...الخ) فهذه فقرة ارشادية لا تتضمن حكماً وفصلا في النزاع وإنما تؤكد هذه الفقرة على حق دستوري وهو الحق في اللجوء إلى القضاء، ولذلك لا يجوز الطعن في هذه الفقرة حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/2/2017م في الطعن رقم (58873)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان المدعي تقدم امام المحكمة الابتدائية بدعوى شفعة فرد المشتري بانه لم يقم بشراء الأرض المشار اليها وعجز المدعي عن إثبات عملية شراء المدعى عليه للأرض المطلوب الشفعة فيها، وبناءً على ذلك حكمت المحكمة الابتدائية بعدم قبول الدعوى لعدم ثبوتها  وانه  من حق المدعي ان يتقدم بدعواه اذا ثبت ان المشتري قد اشترى الأرض بالفعل، فقام المدعي باستئناف هذه الفقرة او الجزئية (اذا ثبت ان المشتري اشترى الأرض فله ان يتقدم بدعوى الشفعة)فقضت محكمة الاستئناف بتاييد الحكم الابتدائي، فلم يقبل المستأنف بالحكم الاستئنافي حيث قام بالطعن فيه بالنقض على أساس ان الحكم الاستئنافي قد اخطأ في تطبيق القانون لان الحكم معلق بإذا (اذا ثبت ان المشتري قد اشترى الأرض فللمدعي ان يتقدم بدعوى الشفعة امام القضاء) وان هذا التعليق معيب بالحكم مما يستوجب بطلانه، غير ان الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد جاء ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (وبمناقشة الدائرة لما ذكر الطاعن وبعد الاطلاع على الأوراق فقد تبين ان الطاعن قدم استئنافه على ما تضمنه منطوق الحكم الابتدائي من فقرة إرشادية للمدعي بعد ان رفضت دعواه لإنكار المدعى عليه الشراء وعدم البرهان من المدعي لإثبات دعواه حيث ارشده الحكم إلى ان من حقه رفع دعواه حال ثبوت الشراء بالطرق المقررة شرعاً وقانوناً، وسواء ذكرت المحكمة ذلك او لم تذكره فان حق الإدعاء مكفول وفقاً للقانون، ومن ثم فان استئناف تلك الجزئية الإرشادية غير جائز أصلا، ومع ذلك فقد ناقش الحكم المطعون فيه اسباب الاستئناف نقاشاً مستفيضاً بأسباب سائغة تكفي لحمله وتسويغ النتيجة التي انتهى اليها الحكم) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية : 

الوجه الأول : صيغ الإرشاد في منطوق الحكم : 

ترد صيغ الإرشاد في منطوق الحكم بصيغ مختلفة لكن مدلولها واحد، فمثلا ترد فقرة في منطوق الحكم تقضي بأن من حق الاطراف الطعن في الحكم خلال المدة المحددة قانونا،  كما ترد في القرار بان لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية الذي تصدره  النيابة  صيغة الإرشاد بانه للاطراف او الشاكي ان يتقدم بدعواه امام القضاء المدني،وكذا نجد صيغة الارشاد في منطوق بعض احكام الاستىناف حينما تحكم محكمة الاستئناف بقبول دعوى بطلان حكم التحكيم فترد في بعض الاحكام عبارة : من حق الطرفين رفع دعواهما امام المحكمة الابتدائية المختصة، وكذا عند تقديم طلبات إضافية امام محكمة الاستئناف نجد في بعض الاحكام  صيغة : وللمستأنف او المستأنف ضده رفع دعوى مبتداة امام المحكمة الابتدائية..الخ،وغير ذلك من صبغ الارشاد التي يتم ذكرها في منطوق الحكم. 

الوجه الثاني : صيغ الإرشاد في منطوق الحكم بين القبول والرفض : 

يثور جدل بين شراح القانون بشأن صيغ الإرشاد في منطوق الحكم حيث يذهب اتجاه إلى جواز ذلك لان ذلك لا يكون تلقيناً للخصوم لان القاضي عند الجزم بالحكم قد استنفذ ولايته، إضافة إلى ان الارشاد في منطوق الحكم يحقق مبدأ عدم الهدر الإجرائي حيث يبين للخصوم ما ينبغي عليهم فعله بدلاً من تركهم للحيرة والتخبط التي يهدر الإجراءات ويطيلها، علاوة على ان ذلك إرشاد بما هو مقرر صراحة في القانون، فالقاضي ينبغي عليه ان يحكم بما تم تقديمه اليه او يرشد الخصوم إلى ما ينبغي عليهم فعله، في حين يذهب اتجاه غالب إلى ان الصيغ الإرشادية في منطوق الحكم تكون بمثابة تلقين للخصوم، فالقاضي يجب عليه ان يجزم ويحسم ويفصل في منطوق الحكم المسائل المعروضة عليه قبولاً أو رفضاً فليس من اختصاص القاضي ان يرشد الخصوم إلى ما ينبغي عليهم فعله، فتلك وظيفة المحامي وليس القاضي،اضافة إلى أن منطوق الحكم يجب ان يتضمن الجزم والفصل في النزاع فلاينبغي أن يتضمن المنطوق ارشادات وتوصيات وامنيات للخصوم  كما ان وجود الصيغ الارشادية في منطوق الحكم كعدمها مثلما قضى الحكم محل تعليقنا ولذلك فانها تكون كلام ژائد وحشو لا فائدة منه، فضلاً عن ان الدستور والقانون قد ارشدا اصحاب الحقوق إلى ما ينبغي عليهم فعله للمطالبة بحقوقهم أو الدفاع عنها امام القضاء فليس للقاضي ان يرشدهم إلى حقوقهم الدستورية والقانونية، وكذا فان مفهوم الحق يقوم على ان صاحب الحق حر  في استعماله فله  ان يستعمله أو لا يستعمله وبهذا يختلف الحق عن الواجب الذي يجب على الشخص القيام به، فليست الحقوق من قبيل الواجبات التي ينبغي على الحكم ان يرشد الخصوم إلى فعلها. 

الوجه الثالث : صيغة الإرشاد لا تكون قضاءً ولذلك لا يجوز الطعن فيها : 

صيغة الإرشاد من اسمها ليست قضاءً او فصلاً في النزاع وإنما مجرد توجيه للخصوم بما ينبغي عليهم فعله لحسم الخلاف الناشب بينهم، ومن هذا المنطلق فانه لا يجوز الطعن في صيغة الإرشاد لانها ليست قضاء،ً فمحل الطعن ووجهته هو القضاء او الجزم وليس التوجيه والارشاد، والله اعلم.