ولاية رئيس المحكمة العادية بنظر الدعاوى الادارية

 

ولاية رئيس المحكمة العادية بنظر الدعاوى الادارية

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

قبل عشر سنوات تقريبا تم انشاء محكمتين اداريتين في كل من صنعاء وعدن، في حين تضمن قرار انشاء تلك المحكمتين النص على أن يضل الاختصاص بنظر الدعاوى الادارية في المحافظات الاخرى معقود بالمحاكم الابتدائية العادية بإعتبارها صاحبة الولاية العامة في نظر الدعاوي كافة على ان يكون رئيس المحكمة الابتدائية نفسه هو صاحب الولاية في نظر الدعاوى الادارية التي يتم رفعها أمام تلك المحاكم الابتدائية، وقد قضى بذلك الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة الادارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 28/8/2016م في الطعن رقم (58279) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان احد طالبي التوظيف تقدم أمام المحكمة الابتدائية في احدى المحافظات التي ليس فيها محكمة ادارية تقدم بدعوى ادارية ضد مكتب الخدمة المدنية طلب فيها الغاء الفتوى الصادرة من المكتب بتعيين موظف اخر في الوظيفة التي تقدم المدعي لشغلها، حيث قام احد قضاة المحكمة الابتدائية وليس رئيس المحكمة  بالفصل في الدعوى حيث توصل ذلك القاضي الى الغاء فتوى مكتب الخدمة المدنية، فقام الموظف الذي صدرت له الفتوى باستئناف الحكم ، فقبلت الشعبة الاستئنافية ذلك وقضت بإلغاء الحكم الابتدائي، لان الدعوى كان ينبغي ان توجه إلى رئيس السلطة المحلية وهو محافظ المحافظة بإعتباره الممثل القانوني للسلطة المحلية وليس إلى مكتب الحدمة المدنية التابع للمحافظ ،فقام المدعي بالإلغاء بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، فقبلت الدائرة الادارية الطعن ونقضت الحكم لان القاضي الابتدائي الذي فصل في دعوى الالغاء هو احد قضاة المحكمة الابتدائية وليس رئيس المحكمة، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث ان الثابت بالأوراق ان الطاعن قد وجه دعواه ابتداءً أمام محكمة أول درجة وان الحكم الابتدائي قد صدر من قاض بالمحكمة الابتدائية فانه يكون قد صدر من غير ذي ولاية، إذ أن قرار مجلس القضاء الاعلى رقم (177/2010م) قد حصر الولاية في نظر الدعاوى الادارية برئيس المحكمة الابتدائية دون غيره، وذلك ماورد في الفقرة الثالثة من القرار المذكور التي نصت على ان (يبقى الاختصاص الوارد في المادة (2) من هذا القرار منعقداً للمحكمة الابتدائية ذات الولاية العامة في المحافظات التي لا يوجد فيها محاكم ادارية على ان يتولى نظرها والفصل فيها رئيس المحكمة الابتدائية) الأمر الذي يتعين معه إعادة أوراق القضية إلى محكمة الاستئناف لإعادتها إلى المحكمة الابتدائية لنظرها مجدداً بإجراءات صحيحة على أن يتولى نظرها رئيس المحكمة الابتدائية) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الاول : سلطة مجلس القضاء في انشاء المحاكم وتعيين القضاة ونقلهم وعلاقة ذلك بولاية القاضي :

مجلس القضاء الأعلى هو السلطة المخوّلة دستورياً وقانونياً بإنشاء المحاكم المختلفة وتعيين القضاة ونقلهم إلى المحاكم، حيث صرح الدستور بان انشاء المحاكم يتم وفقاً للقانون أي قانون السلطة القضائية في حين صرح قانون السلطة القضائية بان مجلس القضاء هو المختص بانشاء المحاكم المختلفة بحسب الاحتياج وتعيين القضاة ونقلهم، وبناءً على ذلك فان الولاية القضائية للقضاة تثبت بموجب القرارات التي يصدرها مجلس القضاء الأعلى.

الوجه الثاني : ولاية رئيس المحكمة الابتدائية بنظر الدعاوى الادارية :

حسبما تقدم في مدونة الحكم محل تعليقنا فقد تضمن قرار مجلس القضاء الاعلى النص الصريح بأن الولاية القضائية في نظر الدعاوى والقضايا الادارية معقود برئيس المحكمة الابتدائية في المحافظات التي لم يتم فيها انشاء المحاكم الادارية، حيث حدد قرار مجلس القضاء الأعلى وعيّن صاحب الولاية في نظر الدعاوى الادارية وهو رئيس المحكمة  ، ولذلك فان قيام احد قضاة المحكمة الابتدائية بنظر الدعوى الادارية يجعل حكمه  منعدماً لصدوره من غير ذي ولاية حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثالث :  تكليف رئيس المحكمة لاحد قضاة المحكمة بنظر الدعوى الادارية :

سبق القول ان مجلس القضاء الأعلى هو المختص قانوناً بتعيين القضاة ونقلهم وان ولايتهم القضائية تثبت بموجب قرارات تعيينهم أو نقلهم الصادرة من مجلس القضاء الأعلى، ولذلك فان قيام رئيس المحكمة الابتدائية بتكليف احد قضاتها بالنظر في الدعوى الادارية لا يمنح ذلك القاضي الولاية، ولذلك فان هذا القاضي المكلف يظل غير ذي ولاية.

الوجه الرابع : سند التقرير بان رئيس المحكمة هو صاحب الولاية بنظر الدعاوى الادارية :

يرجع تعيين رئيس المحكمة بالفصل في الدعاوى الادارية لاعتبارات عدة من اهمها الخبرة والدراية التي يتمتع بها رئيس المحكمة إضافة إلى أهمية الدعاوى الادارية التي جعلت مجلس القضاء يسند نظرها إلى رئيس المحكمة.

الوجه الخامس : الممثل القانوني لمكاتب الوزارات في المحافظات :

كان جانبا من الخلاف في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا أن قانون السلطة المحلية ينص على أن محافظ المحافظة هو رئيس المجلس المحلي للمحافظة فهذه الوظيفة هي اعلى سلطة في المحافظة، ولذلك فالمحافظ هو الممثل القانوني للمحافظة وهو الذي يجب أن تتوجه اليه الدعوى وليس مكتب الخدمة التابع للمحافظ وهذا ماذهب إليه الحكم الاستئنافي، أما حكم المحكمة العليا فقد ذهب إلى أن دعوى الالغاء يجب أن تتجه الى مكتب الخدمة المدنية لانه الذي اصدر الفتوى محل دعوى الالغاء كما أن المكتب يتبع أساسا وزارة الخدمة المدنية حيث ينفذ نظمها وتوجيهاتها، أما سلطة المحافظ فهي اشرافية، والله اعلم.