معنى اللوث في جرائم القتل

 

معنى اللوث في جرائم القتل

أ.د عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

مفهوم اللوث غير  مستقر  في اذهان البعض  ولذلك يتم تطبيقه في بعض الحالات على خلاف مفهومه الشىرعي والقانوني اضافة الى ان يتداخل مع التمالو والسياسة العقابية في مواجهة جرائم العصابات المسلحةل فضلا عن ان القانون ذكر اللوث في فقرة من مادة من مواد القانون  ولذلك فقد كان هذا الاجمال سببا عدم فهم معنى اللوث ولذلك يحتاج الى بيان معناه ومجال تطبيقه عن طريق الرجوع الى كتب الفقه الاسلامي لانها المرجع عند تطبيق او تفسير النصوص القانونية حسبما قررت المادة (18) من القانون المدني، ولذلك فان لهذا الموضوع اهميته التي تستدعي التوعية بأحكامه وبيان التطبيق القضائي له، ولهذا الغرض اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30/3/2009م في الطعن الجزائي رقم (36588) لسنة 1430هـ وتتلخص القضية التي تناولها هذا الحكم أن سبعة من الشباب اشتبكوا في عراك حدث مصادفة امام محل تجاري فكان أربعة منهم في جانب وهم العاملين في المحل الذي حدث امامه الاشتباك وكان الثلاثة الاخرون في الجانب الاخر وكان في كل جانب مسلح احدهما بمسدس (مجري)  هم جماعة صاحب المحل والثاني بمسدس تاتا (روسي) وهم الجماعة المشتبكة مع جماعة صاحب المحل.وفي ثناء العراك والاشتباك بالايدي بين الجانبين تبادل المسلحان  اطلاق النار الذي سبب مقتل أحد المشتبكين من غير جماعة المحل التجاري. ولان الواقعة حدثت على  مشهد من الناس فقد كثرت الشهادات وتناقضت فيما بينهما كما ان بعض هذه الشهادات قد تناقضت مع  تقرير المختبر او المعمل الجنائي، وقد قضت المحكمة الابتدائية بالقصاص من المتهم الاول صاحب المسدس المجري على اساس ان المقتول من الجماعة الثانية حيث رجحت هذه القرينة شهادات بعض الشهود الذين ذكروا ان صاحب المسدس المجري كان يطلق النار في اتجاه تلمجني عليه الذي كان مشتبكا مع احد عمال المحل بالاضافة الى الحكم على بقية المتهمين السبعة بعقوبات متفاوتة ، فقام المحكوم عليهم باستئناف الحكم الابتدائي حيث قبلت الشعبة الجزائية استئناف المحكوم عليه بالقصاص وقضت بسقوط القصاص لتناقض الشهادات وتقرير المختبر الجنائي وبدلاً من ذلك قضت بدية القتل العمد ومبلغ ثلاثمائة الف ريال مصاريف ونفقات لأولياء الدم على اساس وجود لوث في الواقعة  فلم يقبل المحكوم عليهم ومن جملتهم المحكوم عليه بدية العمد فقاموا بالطعن بالنقض بالحكم الاستئنافي لأول مرة فقضت الدائرة الجزائية بنقض الحكم الاستئنافي الأول وتوجيه الشعبة الجزائية باستيفاء بحث القضية ودفع التناقضات بالطرق القانونية والحكم وفقاً للشرع والقانون فحكمت الشعبة الجزائية للمرة الثانية بسقوط القصاص باللوث وتحميل المحكوم عليه ( الطاعن بالنقض دية القتل العمد فلم يقبل المحكوم عليه بالحكم الاستئنافي الثاني فقام بالطعن فيه بالنقض للمرة الثانية فقبلت الدائرة الجزائية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي وقضت ببراءة المتهم حيث فصلت المحكمة العليا في الموضوع لان الطعن كان للمرة الثانية، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا ( والدائرة تجد ان محكمة الاستئناف في حكمها الثاني لم تلتزم في حكمها الاخير بما كان سبباً للارجاع اليها من قبل المحكمة العليا حيث قضت بما سبق ان قضت به في حكمها الأول وقد بنت حكمها على وجود اللوث وسقوط القصاص وتحميل المتهم دية عمد وثلاثمائة الف ريال مع حبسه في الحق العام لمدة خمس سنوات مع انه كان ب بوسع محكمة الاستئناف مطالعة أوراق القضية امعرفة القاتل الحقيقي فقد ورد في محاضر تحقيقات النيابة قول المتهم الثامن شقيق المجني عليه أن شخصا  غير المتهم بالقتل قد نزع منه السلاح وعندها سمع اطلاق النار الى الجهة التي كان اخوه فيها مشتبكاً مع العاملين في المحل التجاري وانه سمع الناس يقولوا : قتل اخاه ، كما ورد في اقوال الشهود ان المتهم الثامن شقيق المقتول المجني عليه كان يطلق النار نحو المحل التجاري حيث كان اخوه المجني عليه يتعارك مع العاملين في المحل التجاري وكان صاحب المحل يرد باطلاق النار في الهواء وذكر الشاهد انه عند قيام المتهم الثامن باطلاق احدى الطلقات شاهد المجني عليه يستدير نحو اخيه الذي أطلق النار ويسقط في الأرض قتيلاً إضافة إلى ان تقرير المختبر الجنائي قد أكد على المقذوف الذي تم العثور عليه في جثة المجني عليه هو مقذوف مسدس روسيي نوع (تاتا) وهو المسدس الذي كان المتهم الثامن يطلق منه النار، وحيث ان الطعن بالنقض للمرة الثانية فقد صار من اللازم على المحكمة العليا التصدي لموضوع الدعوى في واقعة القتل وإعمال احكام القانون بهذا الشان من خلال تصحيح الحكم الاستئنافي المطعون فيه طبقاً للمواد (343 و 445 و 446) إجراءات وحيث تبين بجلاء من خلال الثابت في الاوراق براءة المتهم الأول الطاعن من تهمة قتل المجني عليه واتجاه الاتهام بقتل المجني عليه المذكور الى اخيه المتهم الثامن ولذلك فان الدائرة تحكم بنقض الحكم الاستئنافي المطعون فيه وإعادة الأوراق الى محكمة الاستئناف لإحالتها إلى النيابة العامة للتحقيق في واقعة القتل مع المتهم الثامن والتصرف وفقاً للقانون والحكم ببراءة المتهم الأول الطاعن) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :

الوجه الأول : مفهوم اللوث واثاره في جرائم القتل :

اللوث له معان كثيرة والذي يعنينا منها في هذا التعليق الموجز أن اللوث يطلق على العداوة أو التهمة اوالمطالبات بالاحقاد او القرينة او الشبهة. فاللوث مستفاد من التلوث أي التلطخ بجريمة قتل، كما ان معني اللوث يطلق على شبهة الدلالة أي القرينة وعدم اكتمال الأدلة في الجراحات، ولذلك فقد اصطلح الفقه الاسلامي على تعريف اللوث بأنه : قرينة حالية أو مقالية تدل على صدق المدعي بانه يغلب على الظن صدقه (مغني المحتاج 4/111) ولان اللوث قرينة فان القصاص لا يثبت باللوث بل على خلاف ذلك فان القصاص يدرأ باللوث لانه قرينة والقرينة تفيد الشبهة والحدود تدرا بالشبهات ولا تثبت بها والقصاص يلحق بالحدود من حيث درئه بالشبهات، ولذلك فان قرينة اللوث تكون وسيلة للترجيح بين الادلة لإثبات القسامة عندما لا يتم التعرف على القاتل الحقيقي، فاذا قتل شخص بين جماعتين متعاركتين أو مشتبكتين ولم يتم التعرف  على قاتله فان القسامة تنطبق على الجماعة المعادية له. وفي هذا المعنى نصت المادة 82 عقوبات على ان يشترط لقبول القسامة ماياتي 3 وجود لوث شبهة يغلب معه الظن ان الفاعل من بين المتهمين كوجود جثة القتيل في محلة اعدائه او تفرق جماعة عن قتيل بينهم . لذلك فان الحكم الاستئنافي قد قام بتطبيق احكام اللوث بصورة مخالفة لما هو عليه في مفهوم الفقه الاسلامي والنص القانوني السابق .فالقاتل شبه معروف اما ان يكون المتهم الأول الذي كان يطلق النار من المسدس (المجري) أو شقيق القتيل وهو المتهم الثامن الذي كان يطلق النار من المسدس (الروسي) فليس هناك أي مسلح بين الجماعتين المتعاركتين من يحمل السلاح أو يطلق النار غيرهما، كما أن هناك أدلة ترجح أن يكون القاتل هو شقيق القتيل حسبما اشار الحكم محل تعليقنا وتبعاً لذلك فلا مجال لتطبيق أحكام اللوث الذي هو مقدمة من مقدمات القسامة ، إضافة إلى أن الحكم الاستئنافي قام بتطبيق اللوث بصورة مخالفة للفقه الاسلامي فاللوث في الفقه في هذه الحالة يكون العداوة فاذا قتل شخص بين جماعتين ولم يتم التعرف على القاتل فأنه يرجح لوث العداوة فتعتبر الجماعة المعادية له هي قاتلته ويتم عندئذ تطبيق أحكام القسامة  حيث تقسم الجماعة المعادية فرداً فرداً بانه لم يقتله ولا يعلم له قاتلاً حتى يدفعوا القصاص عن انفسهم ويلزمهم دفع دية القتل (التشريح الجنائي، د.عبدالمؤمن شجاع الدين ص118) ولكن الحكم الاستئنافي لم يطبق حكم اللوث كما قرره الفقهاء وانما افترض ان الشخص الذي اطلق النار من الجماعة المعادية للقتيل هو القاتل وحده وتحميله دية العمد، ونخلص من هذا الوجه الى القول بان اللوث متعلق بالقسامة فلا يتم تطبيق اللوث الا اذا كان القاتل مجهولاً فيتم تطبيق القسامة حيث يجب على الجماعة المعادية ان تقسم اليمين وتدفع الدية لوجود تهمة العداوة او اللوث.

الوجه الثاني : دور اللوث في الترجيح بين الادلة في جرائم القتل :

مع ان اللوث شبهة او قرينة كما سبق بيانه إلا أن لها دور مهم في الترجيح بين الادلة المتعارضة اذا تساوت في ذهن القاضي، فمثلاً لو كان جميع افراد الجماعتين المتعاركتين مسلحين وتبادلوا اطلاق النار ولم يتم التعرف على القاتل لتضارب الأدلة وتهاترها وتساقطها فعندئذ يتم تطبيق اللوث وهو العداوة فتكون الجماعة المعادية كلها قاتلته فيجب على افرادها اليمين ودفع الدية.

الوجه الثالث : اللوث والتمالو والعلاقة بينهما ومكافحة العصابات المسلحة :

يقرر قانون الجرائم والعقوبات ان التمالو في القتل يكون بحضور الجناة في مسرح الجريمة فيتم اعتبارهم جميعا في هذه الحالة قتلة او فعلة حيث نصت المادة (27) عقوبات على انه ( يعد فاعلاً من يحقق بسلوكه عناصر الجريمة ويشمل ذلك المتمالئ الموجود على مسرح الجريمة) فوفقاً لهذا النص فان المتمالئ الموجود على مسرح الجريمة يكون فاعلاً لان النص قد قرر أن مفهوم الفاعل يشمله .وتبعاً لذلك فان المتمالئ الموجود في مسرح الجريمة يكون فاعلا.ً لان النص قد قرر ان مفهوم الفاعل يشمله وتبعاً لذلك فان المتمالئ المناصر والمعاون للقاتل يكون قاتلاً أو فاعلاً لان النص يشمله، فلا مجال هنا لتطبيق احكام اللوث اذا حدث اطلاق نار من الجماعة المعتدية ولم تبادلها الجماعة المعتدى عليها اطلاق النار فالجماعة المعتدية التي انفردت باطلاق النار يكون جميع افرادها فاعلين فعندئذ لا مجال لتطبيق حكم اللوث بالقول انه لم يتم التعرف على الشخص الذي اطلق النار من الجماعة المعتدية وإلا لضاعت الدماء بين افراد العصابات المسلحة ولفلتت هذه العصابات المسلحة من العقاب، علماً بان فكرة التمالو في القانون اليمني قد جاءت أصلاً لمواجهة خطر العصابات المسلحة التي تروع الأمنين، والله اعلم.