سرقة السيارات بين الحد والتعزير
أ.د/ عبدالمؤمن
شجاع الدين
الأستاذ بكلية
الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
من الجرائم التي يكثر وقوعها في العصر الحاضر سرقة
السيارات من الشوارع العامة وكذا تقدير الاضرار التي تلحق بالمجني عليه جراء سرقة سيارته وحرمانه من الإنتفاع بها طوال فترة السرقة، وقد تناول ذلك الحكم الصادر من الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في
جلستها المنعقدة بتاريخ 27/9/2018م في الطعن رقم (60974) وتتلخص وقائع القضية التي
تناولها هذا الحكم ان النيابة العامة اتهمت شخصا بانه سرق سيارة من الشارع الذي بطل عليه منزل المجني عليه مالك السيارة وان الادلة قد تساندت في إثبات وقوع الجريمة ونسبتها إلى المتهم ،حيث توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بادانة المتهم بواقعة السرقة المنسوبة له وحبسه ستة شهر والزامه بإعادة السيارة
المسروقة إلى الحالة التي كانت عليها ساعة سرقتها والزام المتهم بتعويض المجني عليه عن حرمانه من الانتفاع
بسيارته طوال فترة سرقة السيارة حتى يوم اعادتها اليه وذلك بواقع ثلاثة الف ريال
في اليوم الواحد ،وقد ورد في اسباب الحكم الابتدائي (فقد
تبين للمحكمة ثبوت واقعة السرقة بالمحاضر الرسمية المتضمنة اقوال المتهم وشهادات
الشهود وحيث لم تتوفر في السرقة الشروط اللازمة لإقامة الحد الشرعي لان السرقة
للسيارة كانت من الشارع وحيث ان المجني عليه قد طالب بتعويضه عما لحقه من ضرر وما
فاته من كسب محقق واستناداً إلى المادتين (296 و 300) عقوبات) وقد قضت الشعبة الجزائية
بتأييد فقرات الحكم الابتدائي باستثناء
الفقرة الرابعة وهي تعويض المجني عليه بمبلغ ثلاثة الف ريالاً عن كل يوم
حتى تسليم السيارة ، اما الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا
فقد اقرت الحكم الاستئنافي باستثناء الفقرة الخاصة بالغاء التعويض حيث قضت الدائرة
بتعويض المجني عليه بمبلغ مليوني ريال عن حرمانه عن الانتفاع بسيارته طوال فترة سرقتها، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة
العليا (اما بالنسبة للطعن المقدم من الطاعن فانه من حيث الموضوع قد نعى على الحكم
المطعون فيه بانه قد قضى بالغاء الفقرة الرابعة من الحكم الابتدائي الذي قضى بتعويضه عما لحقه من ضرر وحرمانه من كسب محقق عن كل يوم بدءا من يوم السرقة حتى تسليم السيارة اليه، والدائرة تجد ان هذا النعي في
محله حيث قضى الحكم المطعون فيه بالغاء الفقرة الرابعة من الحكم الابتدائي الخاصة
بتقدير التعويض دون ان يذكر الحكم الاستئنافي سبب ذلك، ولذلك فان الدائرة تقدره التعويض بمبلغ مليوني ريال)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : تكون السيارة محلا لجريمة السرقة لأنها من المنقولات :
من شروط المال المسروق ان يكون منقولاً، فالسيارة منقول بحسب تعريف الفقهاء
للمنقولات، فالمنقول هو الذي يكون محلاً للسرقة حيث يمكن اخذه وإخراجه من حرزه،
ولذلك ينطبق تعريف الفقهاء للمال المسروق على السيارة اذ انها من المنقولات التي
يمكن اخذها وإخراجه من حرز مالكها أو من حرز غيره.
الوجه الثاني : حرز السيارة (حرز المكان وحرز الحافظ) :
بما ان السيارة من المنقولات فانها تحتاج إلى حرز يحفظها (حرز المكان) او
إلى حارس يراقبها ويلاحظها (حرز الحارس) ويمكن تلخيص ذلك كما يأتي :
1-
حرز المكان بالنسبة
للسيارة : هو المكان المعد أصلاً لحفظ السيارة وحمايتها مثل المرآب أو الجراح او حوش البيت في لهجة اهل اليمن, وهو المكان
المعهد أصلاً لحفظ السيارة وهو مكان مغلق لا يستطيع دخوله إلا الاشخاص المأذون لهم بالدخول كمالك السيارة وسائقها والمقيمين في الدار، وتعد من احراز
السيارات أي الاماكن المعدة لحفظها معارض
السيارات اذا كان هناك سياج او جدار يمنع الغير من دخوله وله باب مغلق وكذلك افنية
اماكن اصلاح السيارات (الحوش) وكذا تعد افنية الوزارات
والمصالح والهيئات والشركات العامة والخاصة من حرز المكان المعد لحفظ السيارات ,فسرقة
السيارات من الاماكن المعدة عرفاً لحفظها تكون سرقة حدية باتفاق الفقهاء، وهو ما
أخذ به قانون الجرائم والعقوبات اليمني في تعريفه للسرقة الحدية والحرز في المادتين 294 و
296).
2-
حرز حافظ السيارة
وحارسها : حارس السيارة وحافظها هو الانسان المناط به حفظ السيارة
وحمايتها عند ما تكون خارج حرز المكان المعد لحفظها ،فقد يكون الحارس هو قائد السيارة او احد ركابها وقد يكون حارس الشارع او الساحة التي تقف فيها السيارة، فإذا تمت سرقة السيارة من الشارع وهناك حافظاً وحارس لها اولحراسة الساحة أو
الشارع أي مكلف بذلك فان سرقة السيارة في هذه الحالة تكون سرقة حدية.
الوجه الثالث : اخذ السيارة بالقوة تكون حرابة
لا سرقة حدية :
السرقة في الفقه الاسلامي والقانون اليمني هي اخذ مال الغير خفية او بدون
علم مالك المال المسروق او حارس المال ، وعلى هذا الأساس
فان سلب السيارة او اخذها جهاراً نهاراً وصاحبها او حارسها معها تكون جريمة حرابة
وليس سرقة وكذلك الحال اذا اقتحم الشخص مكان حفظ السيارة وأخذها عنوة فتكون
الواقعة حرابة لا سرقة، وكذا اعتراض السيارات في الطرق وسلبها من مالكيها او سائقيها فان الواقعة تكون حرابة لا سرقة.
الوجه الرابع : سرقة السيارة المكبلة او التي يوجد فيها جهاز انذار أو آمان :
المقصود بالسيارة المكبلة هي التي يضع قائدها او مالكها قيودا اواقفال تمنع حركة السيارة او يضع فيها جهاز انذار او آمان ينبه الناس إلى
فعل السرقة ويكشف السرقة او يعطل حركة
السيارة اذا اراد السارق الانطلاق بها، فاقفال السيارة واجهزة الأمان والانذار قد
جرى عرف وعادة الناس على إتخاذها لحفظ وحماية سياراتهم من السرقة كما ان ذلك يدل على
حرصهم وعدم تفريطهم في حفظ سياراتهم وأخذهم بسبل وطرق
حمايتها من السرقة بوضع الأقفال المثقلة عليها وكذا تركيبهم لأجهزة الأمان
والانذار عليها لمنع سرقتها ففي هذه الحالة تكون السرقة حدية لان الحرز في مفهوم
الفقه الإسلامي دليل على حرص وعناية المالك للمال على حفظه ومنع سرقته وعدم تفريطه
(التشريع الجنائي الإسلامي، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، صـ72)
الوجه الخامس : سرقة الاشياء من داخل السيارة :
سرقة الاشياء من داخل السيارة في الشارع تكون سرقة حدية اذا
جرى العرف على حفظ هذه الاشياء مؤقتاً في السيارة (كالجنبية) وهي الخنجر اليماني الذي
يتمنطق به الرجل اليماني وكذا السلاح الناري الذي يضعه صاحب السيارة فيها عند دخوله إلى المستشفيات والمصالح التي تمنع دخول الاشخاص بالسلاح
الابيض او الناري وكذا سرقة الاشياء
الخاصة بالسيارة المحفوظة داخلها كالإطار الاحتياطي والمسجلة وغيرها، فتكون السرقة في هذه الحالة سرقة حدية لان العرف قد جرى
على حفظ هذه الاشياء داخل السيارة كما ان السيارة ذاتها حرز لما هو موجود بداخلها
إضافة إلى ان هناك اقفال ومفاتيح تمنع فتح السيارة فالاشياء الموجودة بداخلها تكون
محرزة، وكذلك سرقة بطارية السيارة فاذا كان مكان البطارية
مقفلاً تكون السرقة حدية.
الوجه السادس : سرقة الاشياء المثبتة بالسيارة من خارجها :
يذهب غالبية الفقه الإسلامي إلى ان التثبيت حرز لبعض الاشياء ،فحرز الشجرة في الوادي هو ثباتها في الأرض ،فالاشياء التي جرى العرف على ان حرزها هو تثبيتها تكون محرزة طالما وهي مثبتة سواء كانت مثبتة لبمسمار أو تراب او حجارة او غيره فتكون سرقتها سرقة حدية، وبحسب هذا المفهوم فان سرقة اطارات السيارات او
مراياها او الاشياء المثبتة من خارج السيارة تكون سرقة حدية لان السارق قد انتهك
وفك حرزها وهو تثبيتها.
الوجه السابع : السرقة التعزيرية للسيارة :
اذا كانت السيارة موضوعة في شارع وليس عليها حافظ او حارس وليس عليها
جهاز امان او انذار وليس عليها اقفال تمنع حركتها فان سرقتها في هذه الحالة سرقة
تعزيرية، مثل الواقعة التي تناولها الحكم محل تعليقنا لان عدم تحريزها من مالكها
دليل على تفريطه بها فهو لم يأخذ بأسباب حفظها فجعل أعين السراق
تتطلع اليها وأغراهم بسرقتها (التشريع الجنائي الإسلامي، أ.د.عبدالمؤمن شجاع
الدين، صـ82)، والله اعلم.