تكييف جريمة سلب حقائب النساء
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدينالأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
السلب مصطلح فقهي معناه أخذ مال الغير مغالبة أي بالقوة، والمقصود بالسلب في هذا التعليق هو أخذ او نزع حقائب النساء بالقوة وقد وقعت حوادث كثيرة من هذا القبيل مخالفة للشرع والقانون والاعراف اليمانية النبيلة الاصلية، فقد استوصى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالنساء خيراً فلا يكرمهن الا كريم ، وهذا السلوك المشين يخالف اعراف وقيم وشيم رجال اليمن الذين مدحهم المتنبي رحمه الله وقصر معنى الرجولة فيهم ،فقال لسيف الدولة : وما البحر في البر إلا يداك : وما الناس في الناس إلا اليمن، لكن يشذ عن رجال اليمن وناسها بعض السفهاء حيث يعمدوا إلى سلب النساء حقائبهن اليدوية وهن في الشوارع، فهذه الظاهرة تستحق الدراسة وبيان موقف الشرع والقانون والقضاء منها وهذا ما اظهره الحكم
الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30/7/2018م في الطعن رقم (60633) ، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان المحكمة الابتدائية توصلت إلى الحكم بإدانة اثنين من المتهمين بسلب بعض النسوة حقائبهن من على اكتافهن او ايديهن ومعاقبتهما بالحبس مدة ستة اشهر مع النفاذ يتم احتسابها من تاريخ القبض عليهما والزام النيابة العامة بتسليم الذهب والنقود المحرز لديها إلى النساء المجني عليهن وتسليم الدراجة النارية المستعملة في الجرائم إلى مالكها والزام المدانين بتسليم مسدس مكروف حكومي مع سبع طلقات او ما يعادل قيمتها وكذا تعليقتان ذهب وسلس ذهب وثلاث حبات ذهب وسلس مرجان وساعة نسائية والفين وخمسمائة ريال سعودي ومائة واربعين دولاراً...الخ إلى المجني عليهن، وقد استند الحكم إلى أقوال المتهمين في محاضر جمع الاستدلالات ورفض الحكم دفوع المتهمين بانهم ادلوا بتلك الأقوال مكرهين بالضغوط والاكراه إلا انهم عجزوا عن إثبات ذلك واستند الحكم إلى المواد (109 و 115 و 118 و 300 و 302) عقوبات، وقد أيدت الشعبة الجزائية الحكم الابتدائي، اما الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا فقد نقضت الحكم الاستئنافي لانه قبل بان تؤخذ اليمين المتممة من وكيل احدى المجني عليهن في حين انه كان الواجب ان تؤخذ اليمين من المجني عليها نفسها وليس من وكليها، فقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا (وحيث ان محكمة ثاني درجة في حيثيات حكمها قد ناقشت تفصيلاً مفردات قائمة ادلة الإثبات بأسباب سائغة قانوناً وخلصت إلى انه لا تأثير لما ذكره المتهمون فيما انتهت اليه المحكمة الابتدائية فيما يتعلق بالدعوى المدنية ولما كانت المسئولية المدنية نتيجة مباشرة لثبوت الجانب الجنائي قبل المتهمين الطاعنين كان يستلزم طلب المجني عليها.... والزامهما بالمضي باليمين المتممة لصحة دعواها وحيث ان الحكم الابتدائي اكتفى باليمين المتممة من وكيل المجني عليها وايده بذلك الحكم المطعون فيه خلافاً للشرع والقانون لان اليمين حق شخصي لا يجوز التوكيل لإدائها فان ذلك قصور يترتب عليه بطلان الحكم المطعون فيه فيما يخص تلك الجزئية وهو ما يقتضي قبول الطعن والإعادة لاستيفاء اليمين من المدعية بالحق المدني نفسها) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول: كيفية سلب النساء حقائبهن:
لغرض معرفة تكييف جريمة سلب حقائب النساء فانه من اللازم بيان كيفية وقوع هذه الجريمة من خلال دراسة قرار الاتهام وقائمة الادلة ومحاضر جمع الاستدلالات ،فمن خلال ذلك يظهر ان هناك عصابات متخصصة بإرتكاب هذه الجرائم حيث يقوم شخصان على الاقل بتنفيذ هذه الجرائم التي تتم بواسطة الدراجات النارية مثلما حدث في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا حيث تتم مراقبة المرأة أولا للوقوف على محتويات الحقيبة وبعد ذلك يقوم احد الشخصين بنزع الحقيبة المتدلية من كتف المرأة او عنقها بقوة خاطفة حيث يترتب على ذلك القاء المرأة على قارعة الطريق وكشف ملابسها على ملاء من الناس ،وفي حالات كثيرة يترتب على ذلك سحل المرأة وسحبها في الشارع بسبب تعلق الحقيبة في عنقها او يدها، وفي حالات كثيرة تلحق بالمرأة المجني عليها اصابات كما يصيبها ويصيب النساء الموجودات في ساحة الجريمة ذعر وخوف وهلع شديد، هذا فقط بسبب عملية السلب فقط بصرف النظر عن الموجودات في الحقيبة المسلوبة، وبالطبع يستهدف السالب لحقيبة المرأة يستهدف الحصول على المال المتوقع وجوده في حقيبتها، ونخلص من هذا إلى ان جريمة سلب حقائب النساء تتم جهاراً نهاراً وتتم باستعمال القوة والعنف كما يترتب عليها إخافة المارة في الشارع، كما تتم هذه الجرائم عن طريق عصابات منظمة ،فهناك من يتولى مراقبة المرأة المستهدفة للوقوف على شخصيتها وما اذا كانت من الغنيات ومعرفة نوع الموجودات في الحقيبة ومراقبة تحركات المرأة المقصودة وهناك من يقوم بقيادة الدراجة النارية والمرور بها بمحاذاة المرأة المستهدفة وهناك الراكب خلف قائد الدراجة الذي يقوم بسلب الحقيبة ونزعها من كتف المرأة بصورة خاطفة وعنيفة.الوجه الثاني: جريمة سلب حقائب النساء والسرقة:
من المقرر في الشرع والقانون ان السرقة هي : اخذ مال الغير خفية، في حين ان سلب حقائب النساء لا يتم خفية وإنما جهاراً نهاراً ،ولان السرقة تتم خفية فان السارق لا يستعمل القوة مثلما يستعملها سالب حقائب النساء، وتبعاً لذلك فان وصف السرقة لا ينطبق على السالب للحقائب واذا كانت عقوبة السارق هي قطع اليد فان عقوبة السالب يجب ان تكون اكبر من عقوبة السرقة وفقاً للقواعد العامة في الشريعة والقانون التي تقضي بان العقوبة حتى تكون مناسبة للجريمة فانه ينبغي ان تزاد عقوبة السالب للحقائب على عقوبة السارق.الوجه الثالث: سلب حقائب النساء والحرابة:
تعرف المادة (306) عقوبات المحارب بانه (من تعرض للناس بالقوة اياً كانت في طريق عام او صحراء او بنيان او بحر او طائرة فأخافهم وارعبهم على نفس او مال او عرض واحداً او جماعة لأي غرض غير مشروع قهراً او مجاهرة اعتبر محارباً) وعند استقراء هذا النص نجد انه ينطبق تماماً على من يقوم بسلب حقائب النساء لانه فعله يتم جهاراً وبالقوة وفي الشارع العام (السبيل) وتنص المادة (307) عقوبات على ان (يعاقب المحارب : ثانياً : بقطع يده اليمنى من الرسغ ورجله اليسرى من الكعب اذا اخذ مالاً منقولاً مملوكاً لغيره ويعاقب شريكه الذي يأخذ مالاً بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات) فهذه العقوبة هي الواجبة التطبيق على جريمة سلب حقائب النساء ،فسائق الدراجة والمراقب للمرأة ورئيس العصابة تكون عقوبتهم السجن الذي لا يزيد على عشر سنوات في حين تكون عقوبة الشخص الذي يقوم بنزع الحقيبة وسلبها من كتف المرأة هي القطع من خلاف ليده ورجله، هذا حكم الله وحكم القانون.الوجه الثالث: جريمة سلب حقائب النساء والسرقة بإكراه:
من مظاهر الفساد القانوني إيجاد نصوص مزدوجة لجريمة واحدة مثلما صنع قانون الجرائم والعقوبات اليمني الذي نظم الحرابة وعاقب عليها حسبما سبق بيانه حتى يتم تطبيق الحرابة على بعض المحاربين في حين يتم تطبيق حكم السرقة بإكراه وهي أخف على المحاربين لله ورسوله الخدومين الذين يقدمون خدمات خاصة ،فقد نصت المادة (301) عقوبات على انه (اذا صاحب الجريمة التي لا تتوفر فيها شروط الحد إكراه او تهديد كان من شأنه تعريض حياة المجني عليه او صحته للخطر او وقعت الجريمة من شخصين فأكثر بإستعمال اسلحة او اشياء أخرى تستعمل كأسلحة وتسبب عن استعمال القوة حدوث جراح بالغة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات دون إخلال بالقصاص أو الدية او الأرش في احوالها) فهذه المادة هي رديفة للمادة (307) المتضمنة عقوبات الحرابة وقد تم تقرير عقوبة السرقة باكراه بقصد تعطيل حد الحرابة وتمكين بعض الاشخاص من الافلات من عقوبة الحرابة الرادعة، وقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد استند إلى هذه المادة الملعونة في قضائه بحبس المتهمين ستة اشهر فقط.!!!الوجه الرابع: جريمة سلب النساء والظروف المشددة:
كانت العرب في الجاهلية تكرم النساء وتحترمهن وهذه من مكارم العرب التي بعث الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليتممها وظلت الاعراف اليمنية الاصلية تكرم النساء وترعاهن حتى اليوم نظراً لضعف المرأة البدني والنفسي، وقبل ذلك فقد حث الدين الإسلامي على إكرام النساء والرفق بهن، وكذلك القوانين والاتفاقيات الدولية التي جعلت حقوق ومصالح النساء اولى بالرعاية، ولذلك فان جريمة سلب حقيبة المرأة لا تكون جريمة حرابة فقط بل انه تجتمع معها جرائم اخرى كهتك العرض بالقوة لان الجاني يمس بدن المرأة كما ان جريمة سلب حقيبة المرأة اعتداء صارخ لاحكام الدين والعرف والاخلاق والمرؤة مما يستوجب تشديد عقوبة الفاعل لهذه الجريمة القبيحة، والله اعلم.![]() |
تكييف جريمة سلب حقائب النساء. |