مناقشة الخصم للمحرر العرفي تسقط حقه في انكاره
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من المسائل المعلومة
من القانون بالضرورة ان مناقشة الخصم للمحرر العرفي تمنعه بعدئذ من انكار المحرر
الذي سبق له ان قام بمناقشة محتوياته، ولكن ماهية هذه المناقشة وشروطها ومكانها
ووقتها غير مفهومة أو معلومة لدى البعض، وقد تعرض لهذه المسألة الحكم الصادر عن
الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 13/12/2016م في الطعن
رقم (58600) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان ثلاثة اخوة اتفقوا في
محرر عرفي على تقسيم عمارتهم، وأمام المحكمة المختصة خاضوا جميعاً في مناقشة محرر
الاتفاق على قسمة العمارة ،وبعد ذلك انكر احد الأخوة ان يكون التوقيع على المحرر
هو توقيعه أو البصمة بصمته، وعندما استدعت
محكمة أول درجة كاتب المحرر المشار اليه وشهوده قبل المنكر شهادة كاتب المحرر لكنه
بعد ذلك أدعى انه مجروح العدالة، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بصحة
محرر قسمة العمارة باعتباره اتفاقاً بين الاخوة على قسمة العمارة ولزوم قنوع
الجميع بما ورد في ذلك المحرر ،وقد أيدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي ولاحقاً
أقرت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي ،وقد ورد ضمن أسباب حكم
المحكمة العليا (فقد وجدت الدائرة ان الطاعن يعيب في الحكم الاستئنافي انه قد أهمل
طلباته ودعاويه ومنها دعواه الفرعية بتزوير محرر قسمة العمارة ومحرر اخر طلب
احالتهما إلى المعمل الجنائي لمضاهاة التوقيعات والبصمات المنسوبة اليه ...الخ،
والدائرة تجد ان تلك المناعي غير مؤثرة في الحكم المطعون فيه لان طلب إحالة المحرر
إلى المعمل الجنائي في غير محله فلا يستند إلى مسوغ قانوني لان المقرر أن من ناقش
محتوى المحرر المحتج به عليه لا يقبل منه إنكار الخط أو الامضاء أو الختم أو بصمة
الأصبع حسبما هو مقرر في المادة (105) إثبات كما ان قبول الخصم بشهادة الشاهد قبل
ادائه الشهادة تعديل للشاهد لا يقبل بعد الجرح فيه حسبما هو مقرر في المادة (55)
إثبات مما يتعين رفض الطعن موضوعاً) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين
في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : عدم قبول إنكار المحرر ممن سبق له مناقشة محتواه :
صرحت بذلك المادة
(105) إثبات التي نصت على أنه (من احتج عليه بمحرر عرفي وناقش محتواه فلا يقبل منه
إنكار الخط أو الامضاء أو الختم أو بصمة الأصبع) ومن خلال استقراء هذا النص يظهر
الآتي : -1- لا يسقط الحق في إنكار المحرر الا اذا كانت المناقشة للمحرر قد
تمت أمام هيئة معنية أو مختصة بالفصل في
المحرر المبرز كمحكمة أو محكم او جهة ادارية مختصة، اما اذا كانت المناقشة قد تمت من غير ان يتم
الاحتجاج بالمحرر كأن تتم مناقشته بين الخصوم أنفسهم أو خارج جهات الاحتجاج فلا تكون المناقشة مسقطة الحق في الانكار -2-
لا تسقط المناقشة الحق في الانكار الا بالنسبة للمحرر العرفي اما بالنسبة للمحرر
الرسمي فله حجيته الرسمية فلا مجال لإنكاره -3- يذهب استاذنا الجليل المرحوم أحمد
ابو الوفاء في كتابه القيم (الإثبات في المواد المدنية والتجارية صـ105) إلى ان
سقوط الحق في إنكار المحرر العرفي لا يكون إلا بمناقشة موضوع المحرر اما المناقشة
في صحة التوقيع أو الخط فلا تسقط ذلك وكذا يذهب استاذنا المرحوم أبو الوفاء إلى
انه اذا ناقش الخصم موضوع المحرر مع التوقيع أي الأمرين معاً فلا يسقط حقه في
الإنكار لأنه عندئذ لا يكون قد اقر بصحة توقيعه أو بصمته -4- سقوط الحق بالإنكار
للمحرر لا يعني سقوط حق الخصم في رفع دعوى التزوير الفرعية لان على المدعي عبء
إثبات التزوير بخلاف الإنكار الذي يكون موقف المنكر فيه سلبياً حسبما ذكر استاذنا
ابو الوفاء -5- تكون المناقشة بان يذكر الخصم موقفه من محتويات المحرر كأن يتعرض لبعض البنود والوقائع ويقر
ببعضها وينكر بعضها أو يتحدث عن تفاصيل
حسابات أو مبالغ أو وقائع مذكورة في المحرر كحلف يمين أو تصرف معين، ولا تكون
المناقشة مسقطة الحق في الانكار إلا اذا أقر الخصم المناقش ببعض الوقائع وانكر
بعضها أو أقر بها كلها أما اذا انكر في سياق المناقشة كل الوقائع أو البيانات
الواردة في المحرر فلا تكون تلك المناقشة مسقطة -6- اذا ناقش محامي الخصم مضمون
المحرر بحضور موكله فان هذه المناقشة مسقطة لحقه في الإنكار مالم يتنصل الموكل أو
يعترض في الجلسة على مناقشة محاميه.
الوجه الثاني : قبول الخصم للشهادة تعديل للشاهد :
قضى الحكم محل تعليقنا بان قبول الخصم بشهادة الشاهد تعديل للشاهد نفسه حيث يمتنع على الخصم بعد ذلك جرح الشاهد أو الادعاء بجرحه، وسند الحكم في قضائه هو المادة (55) إثبات التي نصت على أن (قبول الخصم لشهادة الشاهد قبل ادائه رضاء بها وتعديلاً للشاهد لا يقبل بعده الجرح) ويتحقق قبول الخصم بالشهادة بأمور عدة منها طلب الخصم استدعاء الشاهد للإدلاء بشهادته أو تصريح الخصم بانه يقبل شهادة الشاهد اوتزكية الخصم للشاهد بانه عدل أو ثقة اوغير ذلك، ويشترط ان يكون القبول قبل اداء الشاهد الشهادة لان ذلك كما ورد في النص بمثابة تعديل من الخصم للشاهد وتبعاً لذلك لا يحق له ان يجرح الشاهد بعد ذلك، والله اعلم.