حجية مذكرة رأي عضو النيابة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
يصرح الدستور ان النيابة العامة من اجهزة السلطة القضائية لانها تصدر اوامر وقرارات قضائية، ويسبق اصدار النيابة لهذه القرارات والأوامر إجراءات ومذكرات راي تتضمن نتائج دراسة أعضاء النيابة القضايا توطئة لاصدار القرارات والاوامر، وتكفل مذكرات الرأي المرفوعة من أعضاء النيابة وتضمن سلامة القرارات والأوامر، فان كان لأوامر النيابة العامة وقراراتها حجية والزامية إلا أن مذكرات الرأي السابقة لهذه القرارات ليس له حجية والزامية للغير بحسب ما قضى به الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15/4/2018م في الطعن رقم (60549) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم :ان الحكم الاستئنافي استند في قضائه بإلغاء الأمر الصادر عن النيابة بان لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية استند إلى مذكرة رأي صادرة من النيابة ذاتها التي اصدرت القرار حيث تضمنت مذكرة الرأي ان النيابة غير مختصة مكانياً، واستناداً إلى ما ورد في مذكرة الرأي الصادرة عن عضو النيابة فقد قضى الحكم الاستئنافي بإلغاء قرار النيابة بان لا وجه لإقامة الدعوى الصادر من النيابة التي سبق لعضو النيابة فيها أن رفع مذكرة إلى وكيل النيابة تضمنت راي عضو النيابة بعدم اختصاص النيابة مكانيا بالتحقيق والادعاء في القضية، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي قضت الدائرة الجزائية بنقض الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد تبين للدائرة ان الطاعن ينعي على الحكم الطعين انه خالف القانون باستناده إلى المذكرة المتضمنة رأي عضو النيابة المتضمن عدم إختصاص النيابة، والدائرة تجد أن هذا النعي في محله حيث أن الحكم المطعون فيه قد تضمن في اسبابه ان هناك قراراً صادراً عن نيابة.... بعدم اختصاص النيابة بنظر القضية في حين ان ذلك ليس قراراً وإنما هو مجرد رأي مرفوع من عضو النيابة،وقد جاء ماهو مدوّن فيه تحت مسمى مذكرة قانونية برأي وفي نهايتها ذكر عضو النيابة رأيه، فذلك مجرد رأي ، الأمر الذي يترتب عليه بطلان الحكم المطعون ويوجب نقضه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : مراحل إصدار النيابة العامة لقراراتها القضائية :
هناك خصائص يتسم بها عمل النيابة العامة منها التبعية التدرجية وعدم التجزئة، فالنائب العام يمثل المجتمع واعضاء النيابة العامة وكلاء عن النائب العام واعضاء النيابة يتبعون وكيل النيابة وتبعا لذلك تتدرج أعمال النيابة بما ذلك مذكرات الرأي التي يرفعها اعضاء النيابة ووكلاؤها من مستوى إلى المستوى الاعلى منه،وهذا التدرج من أهم ضمانات ترشيد قرارات النيابة وموافقتها للقانون وسلامة تطبيقه حيث يوجد في النيابة العامة مستويات عدة حيث يقوم عضو النيابة المختص بدراسة القضية ويخلص من ذلك إلى إعداد مذكرة قانونية تتضمن نتائج دراسته ورايه في ذلك ثم يتم رفع الرأي إلى وكيل النيابة ثم رئيس النيابة وهكذا وبعد ذلك تقوم المستويات الاعلى بدراسة الآراء القانونية التي يتم رفعها من كل مستوى من المستويات وتصويبها والتوجيه بإستيفائها، ولذلك فان المذكرات الصادرة من اعضاء النيابة العامة السابقة لإصدار قرارات النيابة في القضايا تكون مجرد آراء غير ملزمة للمستويات الاعلى منها كما انه ليس لها أية حجية بالنسبة الغير فهي مجرد آراء وليس قرارات مثلما قضى الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني : مذكرات الرأي والقاعدة القانونية العامة المرنة المجردة :
من خصائص القاعدة القانونية انها عامة ومجردة ومرنة ،فهذه الخصائص تجعل الأفهام والأذهان تختلف عند تطبيق النص القانوني وتفسيره فتتعدد الآراء في القضية والمسألة الواحدة التي يحسمها القرار الذي يصدر في المسألة أو القضية فتكون له الالزامية والحجية ، ولا ريب ان تعدد الآراء من قبل اعضاء النيابة مقصود حيث يتم تقليب الآراء المختلفة في المسألة او القضية الواحدة من قبل اعضاء نيابة عدة تختلف مداركهم ومدراسهم وخبراتهم فتكتمل الرؤى كلها قبل إتخاذ القرار الذي يكون ملزماً ،فتكون له حجيته واثره القانوني بخلاف مذكرة الرأي.
الوجه الثالث : الجهة المخاطبة بمذكرة رأي عضو النيابة :
تتضمن مذكرة الرأي التي يعدها عضو النيابة تتضمن نتائج دراسته لأوراق القضية والرأي الذي يراه، وتكون هذه المذكرة موجهة إلى المستوى الأعلى من عضو النيابة، وتبعاً لذلك فان المخاطب بمذكرة الرأي هو الرئيس الأعلى للعضو الذي اعد المذكرة ،ولهذا الرئيس ان يقر ما ورد في المذكرة المرفوعة اليه وله ان يعدل الرأي الوارد فيها وله ان يامره باستيفاء بعض المسائل ، فهذا الرئيس هو المعني وهو المخاطب بالمذكرة المرفوعة اليه ، فإعداد المذكرة قد تم اصلاً على أساس رفعها إلى الرئيس لإقرار الرأي الوارد فيها او تعديله فلم يتم إعداد الرأي لأجل إحتجاج الغير بها، والله اعلم.