وقت اختيار المحكم المرجح
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
اشترط قانون التحكيم
أن يكون عدد المحكمين وترياً (1 ، 3 ، 5 ، 7..) حتى يصدر الحكم بالأغلبية عند
اختلاف المحكمين ولتلافي صدور أكثر من حكم تحكيم مثلما حصل في القضية التي تناولها
الحكم محل تعليقنا، ومع أن القانون قد اشترط أن يكون عدد المحكمين وترياً إلا أنه
في حالات كثيرة تقوم اطراف التحكيم باختيار محكمين اثنين حيث يختار كل طرف
محكما من جانبه دون أن يحددا المحكم المرجح، ولذلك فان هذا الموضوع يحتاج
إلى التوعية بشأنه ولفت الأنظار اليه، ومن هذا المنطلق اخترنا التعليق على الحكم
الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31/5/2010م
في الطعن المدني رقم (36599) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا
الحكم أن طرفا التحكيم اختار كل واحد منهما محكماً واحد؛ واثناء نظر المحكمين في
النزاع اختلفا فقام كل محكم منهما بإصدار حكم تحكيم مستقل لصالح الطرف الذي اختاره
وحيث أن الحكمين متناقضين فقد اختار طرفا القضية والمحكمان اختاروا محكماً
لترجيح أحد الحكمين وبالفعل قام المحكم
الثالث بترجيح أحد الحكمين، فقام الطرف المستفيد من الحكم المرجوح بتقديم دعوى
بطلان حكم التحكيم الذي قضى بترجيح الحكم الصادر لخصمه، فقضت الشعبة الاستئنافية
بقبول دعوى البطلان وابطال احكام التحكيم الثلاثة الصادرة في القضية ومن له دعوى
من الاطراف فعليه تقديمها إلى المحكمة الابتدائية المختصة، فلم يقبل المدعى عليه
بالبطلان بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة المدنية رفضت
الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا(بعد الاطلاع
على أوراق القضية فقد وجدت الدائرة أن الطاعن ينعي على الحكم الاستئنافي المطعون
فيه أنه خالف المادة(22؛) تحكيم التي اجازت
لأطراف التحكيم الاتفاق على عدد المحكمين أياً كان شفعاً أو وتراً وأنه لا بطلان
في تشكيل لجنة التحكيم بما في ذلك المحكم المرجح وفقاً للمادة (22) تحكيم،
والدائرة تجد أن هذا الطعن لا يستند إلى سند قانوني سليم، فقول الطاعن : أن الحكم
المطعون فيه مخالف للقانون غير صحيح ؛فاستدلال الطاعن بالمادة ؛( 22) تحكيم استدلال باطل وفي غير محله حيث أن التخيير الذي قصدته المادة
المشار اليها هو في اختيار الأشخاص وعددهم قبل التحكيم وليس بعد التحكيم كما حصل
في هذه القضية؛ فاختيار المحكم الثالث المرجح في هذه القضية قد تم بعد صدور انتهاء
التحكيم وبعد صدور حكمي المحكمين المتناقضين) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما
هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : التحكيم الوتري وجزاء عدم الالتزام به :
التحكيم الوتري يعني
أن تكون لجنة التحكيم مكونة من عدد فردي وليس زوجياً فتتكون لجنة التحكيم من (3 أو
5 أو 7 محكمين) وقد قرر قانون التحكيم وجوب تشكيل لجنة التحكيم من عدد وتري حيث
نصت المادة (17) تحكيم على أنه (يجب تعيين شخص المحكم أو المحكمين في اتفاق
التحكيم وفيما عدا التحكيم بين الزوجين أو الحالات التي يتفق فيها الطرفان على
خلاف ذلك اذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وتراً وإلا كان التحكيم باطلاً) ومن
خلال استقراء صياغة هذا النص نجد انها تفيد الوجوب فذلك ظاهر من صيغة (وجب ان يكون
عددهم وتراً والا كان التحكيم باطلاً) وبناءً على ذلك فان اشتراط أن يكون عدد
المحكمين وتراً واجباً وأن جزاء مخالفة هذا الوجوب هو بطلان التحكيم؛ وتبعاً لذلك
بطلان الحكم الذي يستند إلى وثيقة التحكيم الباطلة، ولا ريب أن الحكمة من اشتراط
الوترية في عدد المحكمين تحاشى تعطيل إجراءات التحكيم بسبب تساوي العدد الزوجي (2
أو 4 أو 6) فالعدد الزوجي لا يمكن لجنة التحكيم من حسم الحكم بينهم بأغلبية اعضاء
اللجنة، ومع ان قانون التحكيم يصرح بكيفية اختيار المحكم المرجح في حالة قيام
اطراف التحكيم باختيار لجنة تحكيم مكونة من عدد زوجي إلا أن المادة (22) تحكيم قد
المحت الماحًا إلى أنه اذا لم تتفق أطراف التحكيم على اختيار المحكم المرجح فان
المحكمين السابق اختيارهم يتولون اختيار مرجح لهم فان لم يتفق المحكمون على ذلك
فان المحكمة المختصة اصلاً بنظر النزاع تتولى تعيين المحكم المرجح.
الوجه الثاني : ولاية هيئة التحكيم اولجنة هيئة التحكيم :
مع أن للتحكيم
خصوصيته إلا أنه من المقرر قانوناً وفقها وقضاءً أن ولاية لجنة التحكيم أو هيئة
التحكيم تكون للهيئة مجتمعة كهيئة واحدة غير قابلة للتجزئة، ولذلك لا يصح انعقاد
هيئة التحكيم اذا تخلف احد اعضائها عن الحضور مثلها في ذلك مثل هيئات الحكم
القضائي، وعلى هذا الأساس فان ولاية لجنة التحكيم يجب ان تكون ثابتة قبل صدور حكم
التحكيم بل يجب أن تتوفر هذه الولاية في كل إجراءات التحكيم التي تباشرها اللجنة
ماعدا عند التوقيع على المذكرات أو محاضر الجلسات حيث يتم التوقيع عليها من قبل
أمين سر الهيئة ورئيس الهيئة دون بقية اعضاء الهيئة.
الوجه الثالث : وقت اختيار المحكم المرجح :
سبق أن ذكر في الوجه السابق ضرورة أن تكون ولاية هيئة التحكيم ثابتة
في كل إجراءات التحكيم حتى النطق بالحكم، ولذلك فان الوقت اللازم لاختيار المحكم
المرجح يكون في الجلسة الثانية لانعقاد هيئة التحكيم فاذا لم يتم في تلك الجلسة
وتم اختيار المحكم المرجح بعد ذلك فينبغي أن تعاد الإجراءات السابقة أمام المحكم
المرجح المختار لاحقاً، لأنه لا يجوز له قانوناً أن يشترك في المداولة أو النطق
بالحكم وهو لم يسمع مرافعات اطراف التحكيم، وعند تطبيق هذا المفهوم على الحكم محل
تعليقنا نجد أن المحكم المرجح قد تم اختياره بعد ان قام كل محكم بإصدار حكمه لصالح
الطرف الذي اختاره فاختيار المحكم المرجح قد تم بعد استكمال إجراءات التحكيم،
ولذلك قضى الحكم محل تعليقنا بإبطال احكام التحكيم الثلاثة الصادرة في القضية.
الوجه الرابع : وحدة الولاية لهيئة التحكيم :
ولاية هيئة أو لجنة
التحكيم واحدة موحدة غير قابلة للتجزئة فيجب ان تتم كافة إجراءات التحكيم أمام هذه
اللجنة صاحبة الولاية الموحدة ويجب تباشر الهيئة إجراءات التحكيم في جلسات يحضرها
كافة اعضاء الهيئة، فلا يجوز لأي عضو أو اعضاء ان يباشر بعض الإجراءات منفرداً،
وعند تطبيق هذا المفهوم على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد أن كل محكم
قد أنفرد بإصدار حكم يخالف الحكم الذي أصدره الاخر ؛فهذا العمل ينافي مبدأ ولاية
هيئة التحكيم ووحدتها فهذه الولاية غير قابلة للتجزئة والتقسيم بين اعضاء الهيئة،
فانفراد كل محكم بإصدار حكم يناقض الاخر لا يحسم نزاعاً بل انه يؤجج النزاع بين
اطراف التحكيم، فحكم التحكيم هو ثمرة إجراءات التحكيم فيجب ان يتم النطق به من قبل
الهيئة مجتمعة فاذا حدث خلاف بين اعضاء الهيئة بشأن الحكم فلا يجوز أن يقوم كل
محكم بإصدار حكم بل يجب اتباع الإجراءات التي حددها القانون في المادة (48) تحكيم
التي نصت على أنه (في حالات صدور الحكم بالأغلبية فأنه يجوز للمحكم الذي لم يوافق
على الحكم عدم التوقيع مع ذكر الأسباب).
الوجه الخامس: الترجيح بين أحكام المحكمين المختلفين وتوصيتنا للمقنن اليمني:
في التحكيم القبلي أو العرفي نجد في بعض تطبيقاته فكرة الترجيح بين أحكام المحكمين المختلفين واختيار الأولى منها في التطبيق حيث يتم عرض أحكام المحكمين المختلفين على (المراغة) أو (المنهى) وهو الشيخ العارف بالعرف حيث يقوم بدراسة تلك الاحكام المتعارضة ويبين الحكم المختار من بينها للعمل بموجبه، وربما أن هذه الفكرة كانت سائدة لدى الطاعن بالنقض الذي ظل يدافع عنها كما لو انها الحقيقة المجردة، وهذه احدى إشكاليات التحكيم في اليمن حيث يتداخل التحكيم العرفي أو القبلي مع التحكيم المدني والتجاري، ولذلك نجد غالبية الاحكام القبلية تتم إجراءاتها وصياغة أحكامها على غرار احكام التحكيم في المسائل المدنية والتجارية بل ويتم الاستناد فيها إلى نصوص قانون التحكيم، كما أن احكام التحكيم في المسائل المدنية والتجارية لا تخلوا من الاشارات الى احكام العرف، ولذلك نوصي المقنن اليمني بأن يفرد باباً مستقلا في قانون التحكيم لتظيم إجراءات التحكيم العرفي؛ وعوداً على بدء نقول: أن قانون التحكيم في اليمن لا يجيز للمحكم المرجح أن يتولى الترجيح بين الأحكام الصادرة من المحكمين المختلفين مثلما وقع في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا لان القانون يوجب اختيار المحكم المرجح قبل إجراءات التحكيم وقبل صدور حكم التحكيم حيث يكون المرجح ضمن قوام هيئة التحكيم فالمرجح ليس هيئة طعن تتولى التمييز والترجيح بين الاحكام؛والله اعلم.