وجوب التحقق من التزامات المورث

 

وجوب التحقق من التزامات المورث

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

للأسف الشديد ان ثقافة المغالطة هي السائدة والمتحكمة في سلوك وتصرفات افراد المجتمع حيث تتحول الافعال والتصرفات غير المشروعة وغير القانونية إلى اشياء عادية مألوفة لدى المجتمع الذي لا ينكرها او يستجن فاعلها بل ان ينظر اليها على انها على  ذكاء وشطارة فاعلها ، وهذه الثقافة هي التي تفسر كثرة الافعال والتصرفات غير المشروعة وانتشارها وتفاقمها وعدم احترام الافراد لأحكام الشرع والقانون ، ولذلك ينبغي على من ينشد الاصلاح القانوني والتشريعي ان لا يهتم بنصوص القوانين والتشريعات فقط حيث يجب عليه ان يتجه الى تغيير ثقافة المجتمع ومواقفه السلبية وغرس قيم الحق والعدالة واحترام القانون والنظام وتغيير المواقف والثقافات السلبية في هذا الشأن، ومن مظاهر ثقافة المغالطة تجنيب بعض اموال التركات من القسمة بذرائع شتى فأحيان بذريعة الاختصاص أي ان هذه الاموال المجنبة عن القسمة تخص بعض الورثة دون غيرهم وتارة بذريعة الوصية واحيان بذريعة ان المورث مدين وانها مرهونة، وفي بعض الاحيان يكون لتجنيب بعض اموال التركة سبب شرعي اكيد وفي احيان اخرى يكون هذا التجنيب من قبيل حيلة بعض الورثة على بعضهم الاخر، ولا ريب ان وظيفة القضاء هو البحث والتحقق من شرعية وقانونية هذا التجنيب وسلامته في ضوء مذكرات ومرافعات الخصوم، ودور القضاء في هذا الشأن، ويظهر دور القضاء في هذا المجال جلياً من خلال التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7/4/2012م في الطعن الشخصي رقم (44340) لسنة 1433هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان شخصا مات وانحصر ورثته في ولدين قاما بقسمة التركة وبعد حين علم احدهما وكان يعمل ويقيم في المدينة علم ان هناك مواضع زراعية لم تتم قسمتها وتم تجنبيها عن القسمة فطلب من اخيه قسمتها فرفض الحايز للمواض المجنبة فقام طالب القسمة برفع دعوى امام المحكمة الابتدائية تضمنت مطالبته بقسمة تلك المواضع الزراعية التي تم تجنيبها وعدم قسمتها بين الورثة، فرد المدعى عليه بان المورث كان مدينا وان تلك المواضع مرهونة من قبل المورث، وبعد ان سارت المحكمة في اجراءاتها توصلت الى الحكم بالزام الورثة بسداد دين مورثهما بالتساوي بينهما وبعد ذلك يتم مسح تلك المواضع وقسمتها بين الاخوين بالتساوي وبحسب ما تم الاتفاق عليه في القسمة الاصلية، وقد ورد في اسباب الحكم الابتدائي (من خلال اقوال الطرفين فقد ثبت للمحكمة ان المواضع المدعى بها لم تتم قسمتها ولذلك فان اللازم الطرفين قسمتها بعد الزامهم بسداد الدين وفك  الرهن على ان  يجري مسح المواضع  من قبل خبيرين عدلين يختارهما الطرفان وبعد ذلك تتم قسمتها بينهما بالتساوي) فلم يقبل المدعي  بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن الشعبة الشخصية رفضت استئنافه وقضت بتأييد الحكم الابتدائي، فلم يقنع المستأنف بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض، فقبلت الدائرة الشخصية طعنه وقررت نقض الحكم الاستئنافي، وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد تبين للدائرة ان الطعن مؤثر في الحكم الاستئنافي المطعون فيه لأن الحكم اعتبر اتفاق الورثة على ان  المواضع محل الخلاف لم تدخل ضمن القسمة دليل على انها مرهونة بدين على المورث اعتمادا على قول المدعى عليه المطعون ضده عى عليه  مع انه لم يتم تقديم ما يثبت وجود الدين والرهن والادلة على ذلك فكان يجب استدعاء المرتهن ومعرفة الدين أو وثيقة الرهن ومقدار الارض المرهونة وهل هي تشمل المواضع ام غيرها فهذا القصور عيب مبطل مما يستوجب القرار بنقض الحكم) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : واقعة الرهن ووجوب التحقق منها والغاية من ذلك:

عندما طلب المدعي قسمة المواضع التي لم تتم قسمتها افاد المدعى عليه بأن تلك المواضع مرهونة وهذه دعوى كان ينبغي على المدعى عليه بيان وقائعها وادلتهاواسانيدها وتاريخ الرهن واجراءاته ومبلغ الدين وتاريخه والغرض منه وعقد الرهن ومساحة الارض المرهونة ووثائق الارض المرهونة وهل هي لدى المدعى عليه ام لدى المرتهن وهل الرض بحيازة المدعى عليه ام الدائن المرتهن ومصير غلال الارض المرهونة وغير ذلك من الوقائع والاسانيد والادلة على صحة واقعتي الدين والرهن حتى تتأكد المحكمة من جدية دعوى الدين والرهن وصحتها وحتى لا يكون في الأمر حيلة على بقية الورثة ولذلك فقد قضى حكم المحكمة العليا بنقض الحكم الاستئنافي المؤيد للحكم الابتدائي الذي قضى بالزام الورثة بسداد مبلغ الدين للمرتهن  قبل القسمة من دون ان يتم التحقق من واقعتي الرهن والدين والتأكد من صحتها بل ان محكمة الموضوع لم تكلف نفسها عناء استدعاء المرتهن والاستماع الى اقواله مع انه المعني بهذا الموضوع.

الوجه الثاني : وجوب التحقق من أي دعاوى يترتب عليها تحميل التركات اعباء مالية:

يقوم بعض الورثة بتجنيب بعض اموال التركة عن القسمة بدعاوى كثيرة مثل قيمة سفر وعلاج مورثنا في الخارج او مقابل قضاء ديون كانت على المورث او وصايا اوصى بها المورث ...الخ فهذه الدعاوى وغيرها التي يتعلل بها المجنب لبعض اموال التركة لا بد من ان يتم التحقق منها والتثبت من صحتها مثلما ارشد الحكم محل تعليقنا؛ فهذه الدعاوى مثلها مثل دعوى الدين الذي بذمة المورث ورهنه للأموال المجنبة ؛فهذه الدعاوى وما يماثلها ينطبق عليها الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثالث : الغاية من التحقق من صحة الرهن وغيره من الالتزامات المدعى بها على التركة :

الحكم عنوان الحقيقة مقولة نرددها جميعاً في كتاباتنا وهي مقولة صحيحة وشرعية وقانونية؛ الا انه  لايمكن تطبيق هذه المقولة في الواقع العملي الا اذا احاط الحكم القضائي بكافة جوانب القضية  حتى يكون الحكم مرآة صادقة وامينة تعبر عن الحقيقة، ولا ريب ان الحكم القضائي اذا لم يتحقق من بعض المسائل المتعلقة بأموال التركة مثل دعاوى الديون والالتزامات القائمة على التركة فان الحكم في هذه الحالة باطلً حسبما صرح الحكم محل تعليقنا.

الوجه الرابع : كيفية واجراءات التحقق من الدعاوى والالتزامات القائمة على التركة :

من المعلوم انه لا يجوز للقاضي من تلقاء نفسه ان يقوم بالتحقق والتحقيق من صحة الدعاوى المتعلقة بالالتزامات والديون القائمة على اموال التركة؛لان القاضي ليس محامياً لاي من اطراف الخصومة وانما واجب القاضي ان يدير هذه الدعاوى ومقتضى ذلك انه حينما يطلب الخصوم او يدعوا بان على اموال التركة ديون او رهون او التزامات اخرى فعندئذ ينبغي على القاضي ان يلزم كل من يدعي بان على اموال التركة أي حق او دين بان يبين وقائع وتفاصيل دعواه وان يقدم الادلة على صحة هذه الدعوى وفقاً للقانون حتى تتبين للقاضي الحقيقة، والله اعلم.