قيام النقابة برفع الدعوى نيابة عن اعضائها


قيام النقابة برفع الدعوى نيابة عن اعضائها

أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

يدور جدل واسع في اليمن وغيرها بشأن جواز قيام النقابات والإتحادات والمنتديات التي تمثل أصحاب المهن المختلفة برفع الدعوى نيابة عن اعضائها أو منتسبيها للمطالبة بحقوقهم أو الدفاع عنها ، وقد صدرت عن المحكمة العليا باليمن عدة أحكام تتضمن اجتهاد المحكمة في هذا الشأن ، ومن ذلك الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية في جلستها المنعقدة بتاريخ 13/12/2017 في الطعن بالنقض المدني رقم (59668) لسنة 1439ه ، وخلاصة أسباب هذا الحكم هي أنه (لما كان الطعن بالنقض قد استوفى شروط قبوله شكلاً وفقاً لقرار دائرة فحص الطعون فإن الأمر يقتضي أن تفصل الدائرة في الطعن من حيث الموضوع، وبرجوع الدائرة إلى الأوراق مشتملات ملف القضية، فقد وجدت الدائرة أن ما ذكرته الشركة الطاعنة في طعنها أن الحكم الإستئنافي المطعون فيه قد خالف القانون حينما قبل الدفع من نقابة عمال الشركة والنقابة لا صفة لها في توكيل المحامي الذي قدم الدفع ، ولما كان البين من الأوراق أن محكمة الإستئناف نظرت القضية بإجراءات صحيحة وفقاً لأحكام المادة (288) مرافعات وحققت وقائع الدفع  والرد عليه وناقشت كل ما أثير أمامها بهذا الخصوص ومن ذلك صفة النقابة القانونية في تمثيل عمال الشركة والدفاع عن حقوقهم التي أثارها محام الشركة في رده على الدفع بعدم جواز استئناف حكم اللجنة التحكيمية العمالية، وحيث أن محكمة الإستئناف قد ناقشت صفة النقابة وثبت لديها أن النقابة هي صاحبة صفة في تقديم الدعاوى للدفاع عن حقوق أعضائها وفي توكيل المحامين ورفع الدعوى ، وقد عللت محكمة الإستئناف ذلك حسبما ورد في الحكم المطعون فيه، بأن صفة النقابة تستند إلى قانون تنظيم النقابات العمالية رقم (35) لسنة 2002م الذي حدد مهام واختصاصات النقابات ومن ضمن اختصاصها بالدفاع عن اعضائها وهو قانون خاص ،وقانون المرافعات قانون عام والخاص مقدم على العام عند التطبيق، فما جاء في المادة (74) مرافعات لا علاقة له بما تقوم به النقابة من الدفاع عن اعضائها فذلك ضمن اختصاصها، فالنقابة هي صاحبة صفة في تقديم هذه الدعاوي وفي توكيل المحامين لرفع الدعاوى، وصفتها في ذلك تستند إلى قانون النقابات العمالية رقم (35) لسنة 2003م إضافة إلى أن العمال بمجرد انتخابهم للنقابة يكون العمال قد قاموا بتوكيل النقابة ضمناً ووفقاً للقانون بالدفاع عنهم) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الأساس القانوني للحكم محل تعليقنا:

يتأسس هذا الحكم في تقريره جواز قيام النقابة برفع الدعاوي نيابة عن أعضائها إلى أسانيد قانونية عدة منها الفقرة (3) من المادة (129) من قانون العمل التي نصت على أن ( لكل منظمة أو لجنة نقابية تكون طرفاً في عقد عمل جماعي أن ترفع جميع الدعاوى الناشئة عن الإخلال بهذا العقد وذلك لمصلحة أي عضو من أعضائها دون حاجة إلى توكيل منه بذلك ويجوز لهذا العضو التدخل في الدعوى المرفوعة لصالحه كما يجوز له رفع هذه الدعوى مستقلاً عن منظمته أو لجنته النقابية في حالة عدم رفع الدعوى من قبل نقابته) ومن خلال الإستقراء لهذا النص نجد أن حق النقابة في رفع الدعاوى نيابة عن أعضائها لا يكون إلا في حالة عقد العمل الجماعي الذي تكون فيه النقابة طرفاً سواءً كانت النقابة طرفاً من جهة ورب العمل طرفاً من جهة أخرى أو كانت النقابة والعمال طرفاً واحداً ورب العمل طرفاً ثانياً أو كانت النقابة طرفاً ثالثاً مستقلاً عن العمال بصفتها النقابية ، أما إذا لم تكن النقابة طرفاً في العقد فبموجب هذه المادة لا يحق للنقابة رفع الدعاوى نيابة عن العمال الذين تمثلهم، أما قانون النقابات العمالية فقد نصت المادة(3) من هذا القانون على أن ( القانون يهدف إلى تحقيق الآتي: الدفاع عن حقوق ومكتسبات العمال وحركتهم النقابية ورعاية مصالحهم المشتركة والعمل على رفع مستواهم الإجتماعي والإقتصادي والثقافي والصحي) في حين صرحت المادة (11) من قانون النقابات العمالية على أنه يجوز قيام النقابة برفع الدعاوى نيابة عن أعضائها دون الحاجة إلى توكيل منهم، حيث نصت هذه المادة على أنه ( للمنظمة النقابية حق التقاضي أمام جميع اللجان التحكيمية والمحاكم والجهات ذات الإختصاص بالنسبة لمصالحها أو المصالح الفردية والجماعية لأعضائها والهيئات الناشئة عن علاقات العمل) وهذا النص القانوني هو الذي  أجاز صراحة للنقابات العمالية أن تقوم برفع الدعاوي نيابة عن أعضائها دون الحاجة إلى توكيل منهم حتى ولو لم تكن النقابات طرفاً في عقد العمل ، ومن هذا المنطلق وبناءً على ما تقدم يجوز للنقابات العمالية في اليمن رفع الدعاوي عن العمال دون قيد أو شرط، وكان موقف القانون المصري ومحكمة النقض في مصر مماثلاً لموقف القانون والمحكمة العليا في اليمن ،  إلا أن  بعض الدول كفرنسا ومصر والعراق تشترط لقبول الدعاوي المرفوعة من النقابات العمالية نيابة عن اعضائها أن تكون هذه النقابات مسجلة ومعترف بها لدى الجهات المختصة قانوناً في الدولة ، كما تشترط أن تكون المصلحة في الدعوى عامة بين أعضاء النقابة كزيادة ساعات العمل وغير ذلك، أما إذا كان الضرر أو المصلحة خاصة بعامل أو بعض العمال فلا تقبل الدعوى.

الوجه الثاني: مدى جواز قيام النقابات غير العمالية برفع الدعاوى نيابة عن أعضائها:

سبق القول أن قانون العمل وقانون تنظيم النقابات العمالية في اليمن قد أجاز صراحة قيام النقابات العمالية برفع الدعاوى نيابة عن أعضائها، ، وهذا يجرنا إلى الحديث عن مدى جواز ذلك بالنسبة للنقابات غير العمالية كنقابة أعضاء هيئة التدريس في الجامعة أو المنتدى القضائي أو نقابة الأطباء أو الصيادلة...الخ، من خلال المطالعة للقوانين اليمنية ذات الصلة نجد  أنها لم تصرح بجواز قيام هذه النقابات برفع الدعاوي نيابة عن أعضائها من غير توكيل، وذلك يقتضي الإسترشاد بتجارب الدول الأخرى ، ففي مصر يجوز للنقابة أو الجمعية وما شابهما بصفتها شخصاً معنوياً أو إعتبارياً لها ذمة مالية مستقلة يجوز لها أن ترفع الدعاوى وفقاً للقواعد العامة في القانون المدني وذلك للمطالبة بحقوقها، أما بالنسبة للدعاوى التي ترفع دفاعاً عن المصلحة العامة المشتركة لأعضاء النقابة فقد اختلف الفقه والقضاء المصري بشأنها، فقد ذهب القضاء المصري في أغلب قراراته إلى عدم جواز الإعتراف للنقابات والجمعيات بصفة عامة بالحق في رفع الدعاوى دفاعاً عن المصالح الجماعية لأعضائها معللاً ذلك في أن الإعتراف للنقابات بهذا الحق يعد مساساً بسلطة النيابة العامة التي خولها القانون هذه الصفة في الدفاع عن المصالح العامة بإعتبارها ممثلة عن المجتمع، وعلى النقيض من ذلك يذهب جانب من الفقه المصري إلى أهمية الإعتراف للنقابات بالحق في الدفاع عن المصالح الجماعية المشتركة لأعضائها أو دفاعاً عن المصالح التي قامت من أجلها  والقول بغير ذلك يعني غل يد النقابة عن تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها ، ويذهب هذا الإتجاه إلى أنه يجب أن يتضمن قانون الجمعيات نص صريح يقرر حق النقابات في رفع الدعاوى نيابة عن أعضائها طالما والقانون قد أعترف بالشخصية الإعتبارية والذمة المالية المستقلة للنقابة، فذلك يقتضي أن يكون لها الحق في رفع الدعاوى لحماية هذه المصلحة ، لأن الدعوى وسيلة الحق ولا حق بلا حماية قانونية، والله أعلم.