يجب على محكمة الموضوع معرفة الغرض من التوقيع المجرد

 

يجب على محكمة الموضوع معرفة الغرض من التوقيع المجرد

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

التوقيع المجرد هو  وجود توقيع غير مقرون بالغرض من قيام الشخص بوضع هذا ،فذلك يعني ان الغرض من وضع التوقيع مجهول ،ولذلك يجب على قاضي الموضوع ان يتحقق من ذلك الغرض حتي يقف القاضي على الحقيقة، ومن هذا المنطلق اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10/2/2014م في الطعن رقم (53954) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان محكمة الاستئناف قضت برفض دعوى بطلان حكم التحكيم (لان حكم التحكيم صار حجة على طرفيه بما جاء فيه بغض النظر عن المناعي الواردة في عريضة دعوى البطلان وبغض النظر عن شكل ذلك الحكم محل دعوى البطلان لان الطرفين قد شرفاه، فمهما اعترت حكم التحكيم من اختلالات شكلية فان الشعبة لا يمكن لها الخروج عن ارادة طرفيه التي اتجهت إلى قبوله والتوقيع عليه مما يعني رفض دعوى البطلان) فلم يقبل المدعي بالبطلان لم يقبل بالحكم الاستئنافي حيث قام بالطعن فيه بالنقض، وقد قبلت الدائرة التجارية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (فانه بالرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف وجدت الدائرة أن الطاعن اقام طعنه على سبب مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون حينما تأسس الحكم على ان توقيع الطرفين ببصمة ابهام كل منهما على حكم التحكيم رغم ان ذلك التوقيع توقيع مجرد فليس فيه ما يفيد تشريف الحكم ولا القبول به وافاد الطاعن ان الغرض من ذلك التوقيع هو اثبات استلام نسخة من الحكم، وتقرر الدائرة ان هذا السبب محل قبول لان الشعبة لم تستجوب طرفي التحكيم عن القصد او الغرض من توقيعهما على حكم التحكيم، لان التوقيع المجرد من  البيان يقبل التأويل فالمادة (273) مرافعات تنص على أنه (لا يجوز ان يطعن في الأحكام من قبلها صراحة في محضر الجلسة أو في جلسة لاحقة أو ممن قام بتنفيذ الحكم من تلقاء نفسه كما ينبغي على محكمة الموضوع خلال نظرها القضية معرفة ما اذا كان التوقيع بالبصمة قبولاً صريحاً بحكم التحكيم أم لا حتى ترفض دعوى البطلان؟ فلم يكن الحكم الاستئنافي موفقاً في تكييفه للتوقيع بالبصمة على أنه بمثابة صلح، لان الصلح كما عرفته المادة (668) مدني عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً ...الخ كما أنه لم يكن محرر عرفياً قام بالتوقيع عليه طرفاه بعد كتابته من الغير لان تطبيقات المادة (46) تحكيم تقرر ان تقوم لجنة التحكيم بتضمين الصلح الذي توصل اليه الطرفان في وثيقة منهية للخلاف، لذلك فالخصومة المنظورة محل دعوى البطلان تتعلق بحكم تحكيم فعلى الشعبة التجارية اعمال رقابتها القضائية في حدود ما ورد بأسباب دعوى البطلان) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول : ماهية التوقيع المجرد وحكمه :

المقصود بالتوقيع المجرد هو وجود توقيع صحيح للشخص على محرر دون ان يسبق التوقيع بيان يوضح الغرض من وضع التوقيع، فقد يكون التوقيع المجرد على بياض أي لا تسبق التوقيع  أية كتابة أو بيان يستدل منه على الغرض من وضع التوقيع، اما اذا تم وضع التوقيع المجرد على محرر أو وثيقة مطبوعة أو مكتوبة بخط غيرصاحب التوقيع فان التوقيع في هذه الحالة لايكون مجردا بل يكون المحرر والتوقيع حجة على صاحب التوقيع  لان مضمون هذه الوثيقة  منسوب للشخص الذي يقوم بالتوقيع عليها، اما اذا كان مضمون الوثيقة غير منسوبة لصاحب التوقيع فان الوثيقة والتوقيع لايكون حجة كان يقوم شخص بالتوقيع على عقد بعد التوقيع عليه من قبل اطرافه وشهوده من دون بيان الغرض من التوقيع كشاهد أو مصادق على توقيع طرفي العقد أو على خط وتوقيع كاتب العقد فتوقيع هذا الشخص يكون مجرداً عن البيان أي لا يستدل فيه على الغرض من وجوده بالوثيقة، ومثل التوقيع المجرد أيضاً وجود توقيع الشخص على حكم تحكيم دون بيان حيث يكون الغرض من وجود هذا التوقيع مجهولا ،ً فقد يفسر وجود هذا التوقيع على انه موافقة من صاحب التوقيع على ما قضى به الحكم أو ما يسمى تشريف الحكم وقد يمكن تفسير وجود هذا التوقيع على أنه إثبات استلام صاحب التوقيع لنسخة الحكم مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، وحكم التوقيع المجرد أنه موقوف على ورود البيان اما من صاحب التوقيع الذي ينبغي عليه ان يبين الغرض من قيامه بالتوقيع على الوثيقة على أساس أن ذلك اقرار من صاحب التوقيع كما يتم إثبات الغرض من وجود التوقيع المجرد بواسطة طرق الإثبات المقررة شرعاً وقانوناً مثل الشهود الذين حضروا وقت قيام الشخص بالتوقيع كما يتم إثبات ذلك عن طريق القرائن.

الوجه الثاني : دور محكمة الموضوع في بيان التوقيع المجرد :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نلاحظ انه قد نقض الحكم الاستئنافي لانه لم يناقش التوقيع المجرد ولم يسأل الخصوم عن الغرض من وجود هذا التوقيع المجرد على حكم التحكيم وهل الغرض منه تشريف الحكم أم استلام نسخة الحكم أم ماذا ؟ حيث كان ينبغي على محكمة الاستئناف ان تتحقق من هذه المسألة لاهميتها وجوهريتها اذ يترتب على تحقيقها تغيير وجه الرأي في الحكم، وعلى هذا الأساس فانه يجب على محكمة الموضوع ان تناقش الخصوم عندما يرد التوقيع المجرد في الوثيقة وان تستمع إلى أقوال الخصوم وادلتهم على صحة اقوالهم، لان وجود التوقيع المجرد يكون محلاً للخلاف بين الخصوم، لان التوقيع المجرد يكون الغرض منه غامضاً ،فعلى القاضي الموضوعي ان يستجلي هذا الغموض حتى يكون الحكم عنواناً للحقيقة كما يجب على القاضي الموضوعي أن يناقش في أسباب حكمه التوقيع المجرد وان يبين الغرض من التوقيع والمنهج الذي سلكه القاضي في بيان الغرض من التوقيع المجرد.

الوجه الثالث : الفرق بين الصلح والتحكيم :

اشار الحكم محل تعليقنا إلى أن الأمر قد التبس في الحكم الاستئنافي بين الصلح والتحكيم حيث ورد في أسباب الحكم الاستئنافي ان التوقيعات المجردة على حكم التحكيم تدل انهما قد تصالحا على ما ورد في الحكم وقد ذكر الحكم محل تعليقنا في أسبابه ان هناك فروق جوهرية بين حكم التحكيم والصلح، فالصلح عقد يجب ان تتوفر فيه اركان وشروط العقد،  في حين ان حكم التحكيم حكم يجب ان تتوفر فيه اركان الحكم وشروطه وان الصلح قد يتضمن اسقاط بعض حقوق الخصوم المتصالحين بخلاف حكم التحكيم الذي يقضي بالحق من غير اسقاط إضافة إلى ان عقد الصلح اذا شابه أي خلل فان طريق مواجهته هو دعوى إبطال العقد التي يتم رفعها أمام المحكمة الابتدائية أما حكم التحكيم فيتم الادعاء  ببطلانه  لاسباب محددة في المادة (53) تحكيم ويتم هذا الادعاء أمام محكمة الاستئناف وليس أمام المحكمة الابتدائية، وقد ذكر الحكم محل تعليقنا أن الحكم الاستئنافي قد اخطأ في تكييف التوقيع المجرد الوارد في ادنى حكم التحكيم حيث ذكر الحكم الاستئنافي في أسبابه ان التوقيع يدل على ان حكم التحكيم كان عقد صلح قام على تراضي المحتكمين على ما ورد في حكم التحكيم واشار الحكم محل تعليقنا إلى أن القانون يقرر ان الخصوم اذا تصالحوا في اثناء اجراءات التحكيم فانه يتوجب ان يقوم المحكمون بإثبات ما تصالح عليه الخصوم في حكم التحكيم وان القضية او المنازعة قد انتهت بالتصالح على النحو المثبت والمبين في حكم التحكيم وان يقوم المحكمون بالتوقيع على حكم التحكيم بصفته حكم تحكيم وليس عقد صلح فلا يلزم ان يقوم الخصوم المحتكمون بالتوقيع على الحكم، فلا يلزم ان يقوم الخصوم بالتوقيع على الوثيقة أو المحرر الا اذا كان عقد الصلح قد تم بين الخصوم خارج نطاق التحكيم حيث يكون عقد صلح يتم بتراضي الخصوم من غير حكم قضائي أو حكم تحكيم فيكون عقد الصلح في هذه الحالة محرراً عرفياً حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.