الإعتداء على الرهق الخاص الشائع
أ.د/ عبدالمؤمن
شجاع الدين
الأستاذ بكلية
الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
الرهق الخاص الشائع هو الرهق التابع
للأرض المشتركة،فهو الرهق الذي لم يتم تمييز
ما يخص أو يتبع كل جزء من اجزاء
الأرض المشتركة ،وتحدث بشأن الإنتفاع بالرهق الخاص الشائع نزاعات كثيرة إلى درجة ان بعض
الورثة او الشركاء يستقووا بالنيابة العامة محاولين إقحامها في نزاعاتهم المدنية
بشأن الرهق الشائع، وقد اشار إلى جانب من هذه المشاكل الحكم
الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18/4/2018م
في الطعن رقم (60550) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان النيابة
العامة اصدرت قرارا بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية في مواجهة المتهم بالاعتداء على الرهق الخاص الشائع فيما بينه وبين الملاك
الاخرين للأرض الزراعية التي يتبعها الرهق الخاص الشائع، وقد ورد ضمن أسباب
القرار ان التهمة المسندة للمتهم وهي تهمة الاعتداء على ملك الغير لم تكتمل
اركانها، حيث ان جريمة الاعتداء على ملك الغير
تستلزم ثبوت ملكية المجني عليه للأرض
المعتدى عليها ،فهذا العنصر يلزم توفره قبل البحث في بقية الاركان، وحيث ان الرهق مازال شائعا لم يتم تحديد مايخص كل واحد من ملاك الأرض الاصلية فيه،وهذا يدل على ان الرهق الخاص ما زال على الشيوع وهو موضع جريمة الاعتداء
على ملك الغير وتبعا لذلك فليس هناك ملك محدد ومميز للشاكي والمشكو به في الرهق وهو الأمر الذي يدل بان عنصر الملكية في الرهق ما زال محل نزاع يحتاج إلى عرضه على القضاء
المدني المختص للفصل فيه وتمييز مايخص كل واحد من ملاك
الارض الاصلية ،فهذا التحديد من صميم اختصاص
القضاء المدني) وعند استئناف قرار النيابة توصلت محكمة الاستئناف الى تاييد قرار النيابة ،وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (فقد تبين ان الرهق محل دعوى
الاعتداء لا زال على الشيوع بين الملاك ولم يتحدد او يميز ملك الشاكي فيه ولان
إثبات جريمة الاعتداء على ملك الغير تستلزم ابتداءً ثبوت ملكية المجني عليه للأرض محل دعوى الاعتداء وهو مالم يتم) وقد اقرت الدائرة الجزائية في المحكمة العليا الحكم الاستئنافي،وقد ورد ضمن
أسباب حكم المحكمة العليا (اما نعي الطاعن فيكذبه الثابت في اسباب الحكم المطعون فيه التي اشتملت على أسباب سائغة صرحت
فيها الشعبة بان الرهق محل دعوى الاعتداء على ملك الغير لا زال على الشيوع بين
ملاك الموضع المشترك فلم يتحدد او يتعين ملك المدعي الطاعن)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : ماهية الرهق الخاص الشائع :
هو الرهق التابع للأرض الزراعية المشتركة بين عدة ملاك غالباً يكونوا ورثة او شركاء في ملكية الأرض الزراعية التي يتبعها الرهق الشائع ، وهذا الرهق خاص
وتابع للأرض الزراعية لأنه يتم ذكر هذا الرهق في وثائق ملكية الأرض (مثل وثائق
الشراء والفصول والاجارات) حيث يتم ذكر الرهق على أنه تابع وملحق بالارض وغالباً ما يتم ذكر حدود الرهق التابع للارض، وغالباً ما يكون
الرهق الخاص الشائع عبارة عن صبابات يصب منها
ماء المطر إلى الأرض الزراعية المشتركةاو الاراضي
المجاورة لبعضها، والرهق الخاص تابع للأرض وملحق بها بموجب أحكام القانون المدني، وبما
ان الرهق الخاص تابع للأرض الزراعية فهو متعلق بالأرض وملحق بها وليس بالأشخاص فهو تابع للأرض وليس الاشخاص فعند تقسيم الأرض
الزراعية بين الورثة او الشركاء فان الرهق الخاص يكون لكل مقاسم بالقدر الذي آل
اليه في الارض التي يتبعها الرهق فاذا كان نصيبه في الأرض الزراعية عشرين لبنة أي ما يعادل نصف الأرض
الزراعية التي يتبعها الرهق فيكون نصف الرهق
الخاص الشائع تابع للنصف الذي آل
اليه، ويتم تحديد مايخص كل مالك من الرهق الشائع في بعض الأعراف على أساس ان يكون لكل مالك من الرهق مايقابل ملكه بصرف النظر عن المساحة التي آلت إلى الوارث اوالشريك ،وفي حالات كثيرة يحدد القسام مقدار ما يخص
كل وارث او شريك من الرهق التابع للأرض التي يتم تعيينها
له منعاً
للخلاف على الرهق الشائع بين الورثة في المستقبل.
الوجه الثاني : الاعتداء على الرهق الشائع :
في بعض الحالات لا يتم تقسيم الرهق لعدم
اهميته فيظل شائعاً في حين يتم تقسيم وفرز وتعيين مايخص كل وارث او شريك في الأرض الزراعية، مثلما حصل في القضية التي تناولها
الحكم محل تعليقنا فعندئذ يكون لكل واحد من الورثة نصيب شائع في الرهق فيحق لملاك
الأرض الانتفاع بالرهق الشائع التابع للأرض التي قد تم تقسيمها ولكن هذا الانتفاع
بالرهق الشائع لم يتحدد او يتعين لكل مقاسم بجزء معين ومحدد من الرهق، ولذلك فان مايخص كل وارث أو شريك في الرهق
لم يتعين او يتحدد بجزء او مساحة معينة ومحددة من الرهق حتى يكون هذا الجزء ملكاً خاصاً وخالصاً له ،ولذلك فان الاعتداء
على الرهق الشائع من غير المقاسمين
ملاك الأرض الزراعية يكون جريمة اعتداء على ملك الغير لان المعتدي من الغير فليس له ملك في الرهق الشائع، اما اذا كان الاعتداء على الرهق قد وقع من احد
ملاك الأرض التي يتبعها الرهق الشائع فإنه لا يشكل
اعتداء على ملك الغير لانه مالك للرهق على الشيوع فلم يتحدد او يتعين نصيب كل واحد من الرهق حتى يقال : انه قد تم الاعتداء
على حقه الخاص او ملكه الخاص فيكون عندئذ من الغير الذي ينطبق عليه وصف جريمة الاعتداء على ملك الغير، ولذلك فان اعتداء بعض ملاك الأرض على
الرهق الشائع لا يكون جريمة اعتداء على ملك الغير وإنما
نزاع مدني بشأن نسبة ملكية كل واحد من هؤلاء
في الرهق الشائع الذي لم يقسم بعد وتكون المسألة في هذه الحالة مدنية وليست
جزائية.
الوجه الثالث : التثبت من ملكية المجني عليه هي العنصر الأول الذي ينبغي التحقق منه قبل العناصر الأخرى المكونة لجريمة
الاعتداء على ملك الغير :
قضى الحكم محل تعليقنا بانه يجب التأكد من ملكية المجني عليه للأرض التي وقع عليها الاعتداء حتى يمكن القول بان هناك اعتداء على ملك الغير،
فيجب على المجني عليه إثبات ملكيته للأرض المعتدى عليها وبعد ذلك يتم التدرج
والبحث في العناصر الأخرى المكونة لجريمة الاعتداء على ملك الغير كفعل الاعتداء
والقصد وغير ذلك ،لان التحقق من ملكية المجني عليه مدخل لنظر بقية عناصر جريمة الاعتداء على ملك الغير، فعلى
المجني عليه ان يثبت ملكيته للأرض
بالمستندات التي تثبت ملكيته للأرض وهذا هو
الأصل لان الجريمة اسمها جريمة الاعتداء على ملك الغير ،فالأصل ان الملكية تثبت بالوثائق كبصائر الشراء كما انه يمكن إثبات
الملكية عن طريق الثبوت القانوني المستقر طوال المدة المقررة في القانون المدني (30) سنة،
وقد ذكرنا في تعليق سابق كيفية الإثبات والترجيح بين أدلة الملك والثبوت ومعايير
ذلك، والله اعلم.