مسئولية سائق السيارة عن انقلابها
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
السيارة
آلة ميكانيكية خطيرة ينطبق عليها تماماً الوصف القانوني للآلات التي تحتاج إلى
عناية بحسب تعبير القانون المدني أو الى حراسة بحسب تعبير الفقهاء اضافة الى ان
انقلاب السيارة يودي الى تداخل المسؤولية الجزائية بالمسئولية المدنية وتداخل
الخطا الشخصى للسائق بالمسئولية عن فعل السيارة على اساس ان السائق حائز
للسيارة مسؤول عن اي فعل ضار يحدث
منها للغير لان الحائز للسيارة هو المسئول عن الجنايات التي تحدثها السيارة ومن
ذلك ما تحدثه السيارة عند انقلابها، ولتكرار حوادث انقلاب السيارات التي تنجم عنها وفيات واصابات وتلفيات للأموال فقد اخترنا التعليق على
الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
19/11/2013م في الطعن الجزائي رقم (50762) لسنة 1434هـ وتتلخص وقائع القضية التي
تناولها هذا الحكم أن سيارة انقلبت ونجم عن ذلك وفاة شخص وإصابة اخر وفقدانه لعينه
اليسرى وتلف السيارة وحمولتها من القات، وبعد الإجراءات حكمت محكمة المرور
الابتدائية بإدانة السائق بجريمة التسبب بخطائه في وفاة أحد الركاب وإصابة اخر
والزام السائق بدفع مبلغ ستون الف ريال غرامة إلى الخزينة العامة وثبوت عفو أولياء
دم القتيل وإلزام السائق المدان بدفع أرش عين المجني عليه نصف دية ودفع قيمة
السيارة لمالكها بعد تقييمهابواسطة خبيرين عدلين وتعويض مالك السيارة عن الاجرة
اليومية للسيارة بواقع الفين وخمسمائة ريال لثبوت الخطأ الصادر من السائق الذي
تسبب في انقلاب السيارة نتيجة لإهمال السائق في صيانة السيارة فقد أكدت الادلة أن
اطار السيارة الخلفي انفجر عندما كانت السيارة تسير بسرعة محملة بحمولة زائدة من
(القات) كما ثبت أن فرامل السيارة كانت ضعيفة، فلم يقبل السائق بالحكم الابتدائي
فقام باستئنافه، وقد قضت الشعبة الجزائية الاستئنافية بتعديل الحكم الابتدائي
بتحديد قيمة قطع السيارة التالفة والزام السائق بدفعها حتى لا يكون الحكم معلقا
على تقرير الخبراء العدولً، فلم يقنع السائق بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه
بالنقض إلا أن الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد تضمنت
أسباب حكم المحكمة العليا أنه (اما مناعي الطاعن فمردود عليها بما هو ثابت في قرار
الاتهام والادلة المرفقة به التي تؤكد بأن سبب الحادث عدم صلاحية الفرامل وانفجار الاطار
الخلفي والسرعة الزائدة والحمولة الزائدة التي بلغت مائة بندل قات) وسيكون تعليقنا
على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الاتية :
الوجه الأول : مسئولية السائق الجزائية عن انقلاب السيارة :
يكون السائق مسئولاً
جنائياً عن انقلاب السيارة بحسب الادلة التي يثبت بها الحادث المروري فقد يكون
مسئولاً على سبيل الخطأ اذا لم يتعمد السائق قلب السيارة كأن يقود السيارة بسرعة
أو رعونة أو يخالف تعليمات وإرشادات المرور أو لا يبذل العناية المعتادة في صيانة
السيارة أو يحمل السيارة بحمولة زائدة مثلما وقع في القضية التي تناولها الحكم محل
تعليقنا، كما قد تكون مسئولية السائق عمدية اذا دلت الادلة على أن السائق قد تعمد
قلب السيارة كما لو القى بالسيارة من شاهق أو القاها في نهر أو بحر ا في سيل جارف، كما قد تنتفي مسئوليته عن انقلاب
السيارة اذا دلت الادلة على أنه لم يصدر من السائق ما يدل على رعونته أو طيشه أو
مخالفته لتعليمات السير وقواعد الصيانة للسيارة، فعندئذ لا سبيل للقول بمسئولية
السائق العمدية أو الخطائية لأنه لم يصدر منه فعل أو ترك يدل على ذلك، وقد اشار
قانون الجرائم والعقوبات الى المسئولية الجزائية للسائق عن انقلاب السيارة في
المادة (10) التي نصت على (ان يكون الخطأ غير العمدي متوفراً اذا تصرف الجاني عند
ارتكاب الفعل على نحو لا يأتيه الشخص العادي اذا وجد في ظروفه بأن اتصف فعله
بالرعونة أو التفريط أو الاهمال أو عدم مراعاة القوانين واللوائح والقرارات ويعد
الجاني متصرفاً على هذا النحو اذا لم يتوقع عند ارتكاب الفعل النتيجة التي كان في
استطاعة الشخص العادي أن يتوقعها أو توقعها وحسب أن في الإمكان اجتنابها) وفي
السياق ذاته بينت المادة (7) عقوبات بينت رابطة السببية فقد نصت على أنه (لا يسأل
شخص عن جريمة يتطلب القانون لتمامها حدوث نتيجة معينة إلا اذا كان سلوكه فعلاً أو
امتناعاً هو السبب في وقوع النتيجة وتقوم رابطة السببية متى كان من المحتمل طبقاً
لما تجري عليه الأمور في الحياة عادة أن يكون سلوك الجاني سبباً في وقوع النتيجة
وما كان سببه منه فهدر على أن هذه الرابطة تنتفي اذا تداخل عامل اخر يكون كافياً
بذاته لإحداث النتيجة وعندئذ تقتصر مسئولية الشخص عن سلوكه اذا كان القانون يجرمه
مستقلاً عن النتيجة) ولثبوت مسئولية السائق الجزائية فقد قضى الحكم محل تعليقنا
بمعاقبة السائق بالغرامة للخزينة العامة.
الوجه الثاني : مسئولية السائق المدنية عن انقلاب السيارة :
سبق القول بان انقلاب
السيارة يرتب على سائقها المسئولية الجزائية والمسئولية المدنية وقد سبق أن اشرنا
إلى المسئولية الجزائية في الوجه السابق أما هذا الوجه فنشير فيه إلى المسئولية
المدنية للسائق عن انقلاب السيارة المتمثلة في مسئولية السائق عن جبر الاضرار التي
تترتب على خطئه مثل تكاليف علاج المصابين وتعويضهم عما فاتهم من كسب لتعطيلهم عن
اعمالهم اثناء فترة الإصابات بالإضافة إلى التعويض عن الاضرار التي تقع نتيجة
الانقلاب مثل التلفيات التي تلحق السيارة ذاتها أو حمولتها، وتظهر اركان المسئولية
المدنية عن انقلاب السيارة بأركانها المعروفة وهي الخطأ والضرر وعلاقة السببية
فيما بين الخطأ والضرر، ويتحقق ركن الخطأ أو الفعل الضار في الفعل أو الترك الصادر
من السائق مثل السرعة الزائدة أو الامتناع عن صيانة فرامل واطارات السيارة أو
الحمولة الزائدة وانقلاب السيارة جراء ذلك ويتمثل ركن الضرر في الاصابات التي لحقت
بركاب السيارة والتلفيات التي لحقت بالسيارة ذاتها أو بحمولتها من القات وتعطيلها
عن العمل المعتاد لها اما ركن السببية فهو العلاقة بين الخطأ أو الفعل الضار
الصادر من السائق والضرر الذي لحق بركاب السيارة المنقلبة وبحمولتها حيث أن هذه
الاضرار نتيجة مباشرة للفعل الضار أو الخطأ الصادر من السائق ومسئولية السائق بحسب
هذا التكييف تكون من المسئولية عن الفعل الشخصي او فعل الشخص نفسه، وإضافة إلى ذلك
فان سائق السيارة حائز لآلة ميكانيكية يتولى تحريكها وتسييرها والسيطرة عليها ومراقبتها
وحراستها، ولذلك فان السائق يكون مسئولاً
عما تحدثه السيارة من اضرار بالغير بمقتضى المادة (317) مدني التي نصت على أن
(حائز الشيء الذي يتطلب عناية خاصة أو حراسة كالآلات الميكانيكية يكون مسئولاً عما
يحدثه هذا الشيء من الضرر على الغير مالم يثبت أن وقوع الضرر كان بسبب اجنبي لا يد
له فيه).
الوجه الثالث : وسائل تحقيق المسئولية الجزائية والمدنية :
من المسلم به في
الحوادث المرورية أن المسئولية الجزائية والمدنية تتداخل، ولذلك قرر قانون
الاجراءات جواز رفع الدعوى المدنية التبعية أمام القاضي الجزائي الذي يفصل أصلاً
في الدعوى الجزائية لان القاضي الجزائي اجدر من غيره على الفصل في الدعوى المدنية
التبعية التي ترفع أمامه من المضرور من الجريمة للمطالبة بتعويضه عن الاضرار التي
لحقت به بسبب الجريمة، ولذلك فان الدعوى الجزائية التي ترفعها النيابة العامة هي وسيلة تطبيق المسئولية الجزائية في حين ان
الدعوى المدنية التبعية هي وسيلة تطبيق المسئولية المدنية، والله اعلم.