متى يجبر الوارث على بيع نصيبه في البيت المشترك؟
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
من اخطر واكثر
الاشكاليات الواقعية العملية التي تثير الشحناء والبغضاء بين الاقارب اشتراكهم في
الانتفاع ببعض الاموال او المرافق المشتركة في البيوت، حيث ان قسمات التركات
القديمة وبعض القسمات المعاصرة تتم على اساس تقسيم البيوت بين الورثة بحسب الانصبة
الشرعية حيث يظل انتفاعهم باجزاء البيت مشتركا على سبيل الشيوع؛ فتجد فصول القسمة
تحكي ان للوارث فلان ذراعان في حر البقر واربعة اذرع في الديوان السفلي وذراع في
المفرج ونصف الحمام وربع الديمة (المطبخ)ونصف الغرفة؛ ومع هذا التداخل فقد كان
الناس في العصور الماضية اهل دين وورع وتقوى وزهد حيث تعايشوا مع هذا الوضع، لكن
في العصر الحاضر تغيرت الطباع والعادات والاوضاع والنفوس فقد صار الناس يتضجرون من
الانتفاع المشترك بالبيوت على هذا النحو ويلحقهم الضيق والعنت من جراء
الانتفاع بالبيوت المشتركة على هذا النحو
وفي احيان يتسبب هذا الوضع في وجود اشكاليات واضرار بين الورثة في البيوت لا تصل
الى ساحات المحاكم وهي الغالبة ولكنها تورث الشحناء والبغضاء بين الورثة الاقارب
وفي احيان اخرى تصل الى ساحات المحاكم؛ ولذلك نجد انه من اللازم التوعية بالموقف
القانوني والقضائي من هذه الاشكاليات، فوجدنا حكم تاريخي للمحكمة العليا تصدت فيه
المحكمة بذاتها لهذه الاشكالية وقضت في حكمها
باجبار الوارث على بيع نصيبه الشائع في غرف البيت ومرافقه اذا كان الانتفاع
المشترك يفضي الى الضرر، وهذا الحكم من مفاخر المحكمة العليا، ولذلك اخترنا التعليق
عليه وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة
بتاريخ 14/12/2011م في الطعن المدني رقم (43545) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية
التي تناولها هذا الحكم ان احد الورثة كثر اولاده وكبروا في البيت المشترك الذي
يسكن فيه الذي صار يضيق به وبأولاده وكان اخيه العازب الوارث يشاطره السكن في
البيت حيث كان له ربع الحمام المشترك ونصف احدى غرف الطابق الثالث في حين كانت
للاخ المتزوج صاحب الاولاد غرفة في الدور
الرابع وبجوارها فضاء يمكن انشاء حمام
مستقل فيه للاخ العازب فاستحكم الخلاف بين الاخوين فرفض العازب بيع نصيبه في احدى
الغرف وربع الحمام المشترك حتى وصل الخلاف الى المحاكم التي اصدرت فيها خمسة احكام
واحد منها حكم ابتدائي قضى باجبار العازب على بيع نصيبه وحكمان استئنافيان قضيا
بعدم اجبار المذكور على بيع نصيبه وحكمان للمحكمة العليا قضى الاخير منهما في
الموضوع فقضى باجبار الاخ العازب على بيع نصيبه دفعاً للضرر الذي استحكم بين
الاخوين ، وقد جاء في حكم المحكمة العليا محل تعليقنا (فقد تبين للدائرة ان الطاعن
ينعي على الحكم الاستئنافي المطعون فيه مخالفته للقانون لانه لم يتقيد بملاحظات
المحكمة العليا الواجبة الاتباع وفقاً للمادة (300) مرافعات الواردة في حكمها
السابق حيث قضى الحكم الاستئنافي المطعون فيه ببقاء الحمام والغرفة محل الدعوى في
الطابق الثالث على الشيوع غير مكترث بما يسببه ذلك من ضرر وما يجره من مشاكل، وحيث
ان الحكم المطعون فيه قضى ببقاء الحمام والغرفة على الشيوع بحجة انه يتعين قسمةالحمام
والغرفة محل النزاع والقسمة قد يترتب عليها ضرر للطرفين حيث استند الحكم في ذلك
بالمادة (1206) مدني التي تنص على انه : اذا تبين من الغرض الذي اعد له الشيء
المشترك انه لا يتحقق الا ببقائه دائماً على الشيوع فليس للشركاء ان يطلبوا قسمته،
والدائرة قد لاحظت ان الحكم المطعون فيه لم يكمل بقية المادة والبقية هي : على ان
لكل واحد بيع حصته كما استند الحكم المطعون فيه الى المادة (1201) التي تنص على
انه اذا كان يترتب على القسمة ضرر على المتقاسمين او بعضهم فلا يجابون اليها ولا
يجبر من امتنع عنها ؛وماورد في المادتين المشار اليهما لاخلاف بشانه وانما المأخذ
هو على ما انتهى اليه الحكم المطعون فيه من وجوب بقاء الحمام والغرفة محل الخلاف
على الشيوع مع وجود الضرر لان من شان ذلك ان يطيل امد النزاع القائم أصلاً بين
الطرفين ويسبب الضرر خاصة للطاعن جراء الاستعمال المشترك للحمام والغرفة، وحيث ان
الطرفين لا يطالبان بالقسمة وانما بحل الاشكال الناجم عن الاستعمال المشترك للحمام
والغرفة وحيث يطالب الطاعن بالزام المطعون ضده ببيع نصيبه في الحمام وهو الربع
ونصف الغرفة الملاصقة للحماما لان الطاعن
في حاجة لكامل الحمام والغرفة لاستعماله من قبل اسرته الكثيرة العدد ولان الطاعن
يملك غرفة في الطابق الرابع ولان المطعون
ضده بإمكانه بناء حمام في الدور الرابع الذي يملك غالبيته، وحيث ان القضية منظورة
امام الدائرة للمرة الثانية ومن أجل حسم الخلاف بين الطرفين وازالة التداخل بين
سكنيهما ومنعاَ للضرر وعدم التعسف في استعمال الحق ومنعاً لحدوث اية مشاكل بين
الطرفين قد تؤدي الى ما لا يحمد عقباه نتيجة للخلاف القائم لاسيما ان الطرفين
أقارب واستناداً للمادة (300) مرافعات التي توجب على المحكمة العليا الفصل في
الطعن من حيث الموضوع اذا كان للمرة الثانية وبناءً على الحديث الشريف (لا ضرر ولا
ضرار) وقاعدة (الضرر يزال) فان الدائرة تحكم بنقض الحكم المطعون فيه والزام
المطعون ضده ببيع نصيبه في الغرفة الحمام الملاصق لها في الدور الثالث وذلك الى
الطاعن حتى يصير الطابق الثالث بالكامل
ملكا له على ان يتم الزام الطاعن ببيع الغرفة المملوكة له الواقعة في الدور الرابع
وسماحه للمطعون ضده ببناء حمام خاص به مجاور لها) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم
حسب ما هو مبين في الاوجه الأتية :
الوجه الأول : اشكالية انتفاع الورثة بالمنزل المشترك:
نتيجة تمام القسمة
بين الورثة وتحديد نصيب كل وارث في البيوت على سبيل الشيوع ظاهرة شائعة في اليمن
وللاسف مازالت سارية حتى يومنا هذا عند بعض القسامين والقضاة حيث يقومون بتحديد
نصيب كل وارث في البيوت على اساس الثمن والربع والخمس والسدس في كل انحاء البيت
بحيث يتعذر على الورثة الانتفاع بالبيت للسكن فيه وان كانت هذه الطريقة تمكنهم من
تقاسم ايجار البيت اذا تم تأجيره أو ثمنه اذا تم بيعه الا ان هذه الطريقة تورث
المشاكل والنزاعات بين الورثة مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل
تعليقنا، فكيف يستطيع الوارث ان ينتفع بنصف الغرفة أو ربع الحمام أو نصف
المطبخ.!!!
الوجه الثاني : اضرار الانتفاع بالمنزل المشاع :
من اهداف القسمة
الرضائية والقضائية الفرز والتعيين لانصبة الورثة وازالة الشيوع الواقع قبل القسمة
حتى يسود الوئام والانسجام والعلاقة الطيبة بين الورثة، لكن هذا الهدف النبيل لا
يتحقق اذا تمت قسمة اجزاء المنزل الى اخماس واسداس وارباع واثمان على الشيوع او قسمتها على اساس
نصف غرفة ربع حمام وثمن مطبخ حيث ان هذه الوضعية تثير الاشكاليات والنزاعات بين
الورثة، كما ان بعض الورثة يلحقهم الضرر بسبب هذه القسمة ان لم يلحق الضرر
بالجميع؛ والشريعة تحرم الضرر والاضرار وتأمر بازالة الضرر.
الوجه الثالث: ازالة الضرر الواقع بسبب الانتفاع بالمنزل المقسم بالأنصبة الشائعة:
اشار الحكم محل
تعليقنا بان القضية ليست قسمة جديدة حتى يقال يجوز اجبار الورثة على البيع من عدمه
لان الواقع ان القضية دعوى ضرر بعض الورثة من الانتفاع باجزاء من المنزل السابق
قسمة غرفه ومرافقه بين الورثة على اساس (اخماس واسداس وارباع وانصاف) دون تمييز
حيث ان بعض الورثة متضررون من ذلك، وعلى هذا الاساس فان دور القضاء هو التحقق من
وجود الضرر والبحث عن الوسائل المناسبة لازالة الضرر والتي تستخلصها المحكمة من
دعاوى الخصوم وطلباتهم حتى لا تحكم المحكمة بما لم يطلبه الخصوم، حيث يتم ازالة
الضرر عن طريق البيع او المناقلة بين الانصبة وتجميعها في غرفة معينة ومرافقها
مثلما قضى الحكم محل تعليقنا باجبار المطعون ضده على بيع نصيبه في الحمام (ربع
الحمام) ونصف الغرفة لأخيه الطاعن المدعي واجبار الطاعن على بيع الغرفة نصيبه في
الدور الرابع لاخيه العازب والسماح له ببناء حمام ملاصق لتلك الغرفة حتى
يصيرالطابق الثالث كاملاً للاخ المتزوج صاحب الاولاد والدور الرابع خالصاً للعازب
منعاً للضرر وقطعاً للنزاع ؛وفي سبيل ازالة الضرر كان الحكم محل تعليقنا ان يحكم
بحسب طلب الخصوم باجبار الورثة المتضررين من الانتفاع بالبيت المقسوم على النحو
السابق بيانه ان يجبرهم على بيع المنزل
كاملا وتقاسم ثمنه بحسب انصبتهم كما كان يستطيع ان يجبر بعض الورثة على مغادرة
المنزل وتأجير انصبتهم للباقين في المنزل.
الوجه الرابع : أوجه الترجيح في ازالة الضرر في الانتفاع في البيت :
من خلال مطالعة الحكم
محل تعليقنا نجد انه قد رجح صاحب الحق الاكثر في كل طابق من طوابق المنزل او اجزاء
المنزل فعندما وجد ان حق الطاعن في الحمام
ثلاثة ارباع والمطعون ضده الربع قضى الحكم بالزام المالك للربع ببيعه لمالك
الثلاثة الارباع وكذا الزام مالك نصف غرفة فقط في طابق ببيع هذا النصف لاخيه
المالك لبقية غرف الطابق الثالث وكذلك الحال بالنسبة للاخ العازب الذي نصيبه في
الدور الرابع اكثر من نصيب المتزوج فأجبر الحكم المتزوج على بيع نصيبه الاقل الى
اخيه العازب صاحب النصيب الاكثر، كما ان الحكم محل تعليقنا قد المح الى وجه من
أوجه الترجيح وهو عدد الاولاد ومدى الاحتياج الملح للسكن في المنزل.
الوجه الخامس : التبرير الشرعي والقانوني لاجبار الوارث على بيع نصيبه في حالة الضرر :
يصرح الله سبحانه وتعالى على مضار الخلطة والخلطاء في قوله تعالى (وان
كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض الا الذين
امنوا وعملوا الصالحات ) ولا مجال للشفعة بين الورثة المتقاسمين لازالة ضرر
الخلطة فلم يبق الا البيع او المناقلة او غيرها من وسائل دفع مضار الخلطة، والله اعلم.