لا يجوز التحكيم نيابة عن القاصرين

 

 لايجوز التحكيم نيابة عن القاصرين

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

لاشك ان التحكيم يختلف عن الصلح، إلا أن التحكيم ملحق بالصلح من حيث منع ولي القاصرين من التحكيم نيابة عن القاصرين ، وقد قضى بذلك الحكم محل تعليقنا، وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18/1/2015م في الطعن رقم (56315) ،وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان احد الأشخاص تقدم أمام محكمة الاستئناف بدعوى بطلان حكم تحكيم لان المدعى عليه بالبطلان قد قام بالتوقيع على وثيقة التحكيم بالأصالة عن نفسه ونيابة عن ورثة عمه القاصرين باعتباره منصوبا عنهم،وقد كان موضوع التحكيم الفصل في الأرض محل الخلاف مع الطرف الآخر في التحكيم، وقد توصلت الشعبة المدنية إلى الحكم بقبول دعوى البطلان وإبطال حكم التحكيم، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (حيث ان الثابت في وثيقة التحكيم حضور المحتكم المدعى عليه بالبطلان عن نفسه ومنصباً عن جميع ورثة عمه حيث لم يتم ذكر اسماء هؤلاء الورثة وعددهم وتاريخ تنصيبه عنهم والجهة التي نصبته وسبب ذلك مما يلزم لاستيفاء صفة الورثة بإعتبارهم طرف في التحكيم فإغفال بيان اسماء الورثة يجعل حكم التحكيم باطلاً لمخالفته نص المادتين (6 و 15) من قانون التحكيم التي تشترط لصحة الحكم ان يكون المحكم أهلاً للتصرف، لان وثيقة التحكيم هي سند ولاية المحكمين وبدونها تنعدم الولاية، كما أنه لا يقبل التحكيم من المنصوب نيابة عن القاصرين إلا بإذن المحكمة الأمر المستوجب بطلان حكم التحكيم لانه حكم لمن لم يكن طرفاً في التحكيم) فلم يقبل المدعى عليه بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن واقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وبرجوع الدائرة إلى الأوراق فقد وجدت ان نعي الطاعن غير سديد حيث ان الحكم المطعون فيه مسبب تسبيبا جيدا فقد جاء فيه ان وثيقة التحكيم قد تضمنت ان الطاعن قد قام بالتوقيع على وثيقة التحكيم بالأصالة عن نفسه وباعتباره منصوباً عن ورثة عمه القاصرين دون ان يحددهم ويذكر اعمارهم والجهة التي قامت بنصبه وتاريخ ذلك، وعليه : فان الطعن قد جاء خالياً من أسباب الطعن) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : صلح الولي أو المنصوب نيابة عن القاصرين :

 من المعلوم ان الصلح عقد يتضمن تنازل المصالح عن الحق أو بعضه حسبما ورد في المادة (668) مدني التي نصت على ان الصلح عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة (وذلك بان يتنازل كل منهما عن جزء من ادعائه) ومن المؤكد ان الصلح طالما وهو يتضمن التنازل  عن الحق أو بعضه فانه لا يجوز للولي عن القاصرين ان يقوم بالتصالح نيابة عنهم، وفي هذا المعنى نصت المادة (671) مدني على انه (لا يصح الصلح ممن لا يملك التبرع كالصبي المأذون له وولي الصغير وناظر الوقف ومن اليهم إلا في حالتين هما -1- اذا كان مدعياً لمن يمثله  وكان المدعى عليه منكراً ولا بينة للمدعي فله ان يتصالح على بعض الحق ولا تبراء ذمة الغريم من الباقي -2- اذا كان من يمثله مدعى عليه ولدى المدعي بينة وحكم بثبوت الحق فيصالح عنه بما امكنه) فالصلح اسقاط، ولذلك فانه ضرر محض،وعلى هذا الاساس لايجوز للولي او المنصب على القاصرين ان يصالح نيابة عن القاصرين لانه سيترتب على ذلك اسقاط حقهم او بعضه،ولايستثنى من ذلك الا الحالتين الاستثنائيتين المشار اليهما في النص السابق التي يجوز فيهما  التصالح نيابة عن القاصرين، فالصلح في هاتين الحالتين  فيه نفع محض للقاصرين لعدم وجود بينة فذلك يعني ان الحكم بموجب البينة سيكون في غير صالح القاصرين، ولذلك فان التصالح نيابة عنهم  سيجنبهم الحكم عليهم بكل الحق، وخلاصة القول عدم جواز التصالح نيابة عن القاصرين إلا في الحالتين المشار اليهما.

الوجه الثاني : عدم جواز التحكيم عن القاصرين :

تصرح المادة (5) تحكيم على عدم جواز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح ،ولذلك تناولنا في الوجه الأول المسائل التي لا يجوز فيها الصلح نيابة عن القاصرين، وفي هذا المعنى نصت المادة (5) تحكيم على انه (لا يجوز التحكيم فيما يأتي : -د- سائر المسائل التي لا يجوز فيها التصالح) وقد اشرنا في الوجه الأول إلى المسائل التي لا يجوز الصلح فيها نيابة عن القاصرين، وبناءً على ذلك فان التحكيم أيضاً لا يصح نيابة عن القاصرين، وقد استند الحكم محل تعليقنا إلى هذا النص في قضائه بعدم جواز التحكيم نيابة عن القاصرين، وان كان التحكيم يختلف عن الصلح من حيث عدم جواز اسقاط المحكم لأي من حقوق الخصوم المحتكمين لان المحكم كالقاضي يجب ان يحكم بالحق من غير اسقاط إلا أن هناك مخاطر تحيق بالقاصر اذا تم التحكيم نيابة عنه  فالمحكم قد يحكم في غير صالح القاصر لان المحكم ليس صاحب خبرة واختصاص كالقاضي إضافة إلى خطورة الاثار المترتبة على حكم التحكيم التي تجعل دور محكمة الاستئناف عند نظرها دعوى بطلان حكم التحكيم مجرد محكمة قانون يقتصر دورها على تحقيق وبحث حالات البطلان المقررة في المادة (53) تحكيم.

الوجه الثالث : جهالة بعض بيانات التحكيم تبطل وثيقة التحكيم ومن ثم حكم التحكيم:

اشار الحكم محل تعليقنا الى جهالة بيانات القاصرين والتنصيب عنهم حيث لم يتم ذكر اسمائهم والجهة التي قامت بالتنصيب وغير ذلك، فعدم تضمين وثيقة التحكيم هذه البيانات الجوهرية عن الخصوم اطراف التحكيم تجعل الوثيقة مجهولة جهالة فاحشة، وهذه الجهالة مؤثرة في حكم التحكيم الذي يستند ويعتمد عليها بإعتبارها مرجعية حكم التحكيم وسنده، ولذلك فقد اجتهد الحكم محل تعليقنا اجتهاداً سديداً في قضائه بان جهالة بيانات اطراف التحكيم في وثيقة التحكيم تبطل حكم التحكيم، والله اعلم.