وجود حساب سابق يمنع تعيين محاسب
أ.د عبدالمؤمن شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
من الإشكاليات العملية التي يعاني منها القضاء تعمد بعض الخصوم إطالة
إجراءات التقاضي وإرهاق خصومهم عن طريق مطالبة المحكمة بتعيين محاسب مع أن المبالغ
المختلف بشأنها ثابتة في مستندات يستطيع القاضي بنفسه الوقوف عليها ومعرفة الدائن
من المدين ، كما أنه في دول أخرى غير اليمن يتخوف أو يتحرج بعض القضاة من الحكم
بثبوت الدين إستناداً الى المحررات التي يستطيع القاضي معرفة الدائن من المدين
ومقدار الدين من خلال المطالعة لها ، ومع ذلك يتهرب القاضي ويتحرج من الحكم مباشرة
فيتوسل بتعيين محاسب لتحديد الدائن من المدين ومقدار الدين وبموجب تقرير المحاسب
يحكم القاضي ، ولذلك فقد تصدت المحكمة العليا باليمن لهذا الظاهرة حيث أصدرت
أحكاماً عدة منها الحكم محل تعليقنا ، وهو الحكم الصادر عن الدائرة التجارية
بالمحكمة العليا في جلسة 24/1/2016م في الطعن التجاري رقم (57109) لسنة 1437هـ
وخلاصة أسباب هذا الحكم ( أن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانن
لأنه طلب من محكمة الاستئناف تعيين محاسب قانوني لمراجعة حسابات المطعون ضده
للوقوف على حقيقة المديونية والتأكد مما إذا كان المطعون ضده قد قام بقيد ثمن
العقارين المباعين من الطاعن للمطعون ضده بقيد الثمن في حساب المطعون ضده وما إذا
كان قد تم خصم الثمن من المديونية التي بذمة الطاعن للمطعون ضده ولكن الشعبة لم
تفصل في طلب الطاعن وبدلاً من ذلك قامت بالتصدي لهذه المسألة الحسابية من تلقاء
ذاتها ، والدائرة تجد هذا النعي مردود حيث أن التأكد من قيد ثمن العقارين
المذكورين في حسابات المطعون ضده بالريال والدولار لا يحتاج الى محاسب قانوني ، إذ
أنه برجوع الدائرة الى الحكم الابتدائي وجدت انه جاء في اسباب ذلك الحكم ان
المطعون ضده قد قام بإثبات قيد ثمن العقارين في حسابي الطاعن لدى المطعون ضده
بالريال والدولار حيث قدم البنك المطعون ضده كشفي حساب الطاعن بالريال والدولار
ومُثبت فيهما قيد الثمن مع إشعار القيد للمبلغين وقد أيد الحكم الاستئنافي الحكم
الابتدائي مستنداً إلى أسباب الحكم الابتدائي بما فيها هذه المسألة الحسابية ومما
يؤكد أيضاً خصم قيمة العقارين من مديونية الطاعن إلتزام الطاعن في إتفاقية الجدولة
للمديونية المبرمة فيما الطاعن والمطعون ضده بتاريخ 23/11/2008م إلتزامه بإخلاء
العقارين وتسليمهما للمطعون ضده ، أما قول الطاعن أن تلك الاتفاقية تمت بالإكراه
فقول مرسل لا يعوّل عليه حيث سبق للطاعن أن تمسك بالاتفاقية في عريضة الاستئناف
المقدمة منه الى محكمة الاستئناف حيث ذكر الطاعن أن تلك الإتفاقية شاملة لما عليه
من مديونية للمطعون ضده
ولذلك فان الدائرة تحكم برفض الطعن موضوعاً ومصادرة الكفالة واعادة
ملف القضية للتنفيذ بنظر المحكمة الابتدائية المختصة) وسيكون تعليقنا على هذا
الحكم بحسب الأوجه الآتية:
الوجه الأول: المسائل المحاسبية الفنية التي يجب على المحكمة أن تقوم بتكليف محاسب لبحثها ودراستها وتقديم تقرير بشأنها:
المسائل المحاسبية المهنية والفنية : هي تلك المسائل التي يدق فهمها
او الاحاطة بها من قبل القاضي ، ولا يستطيع فهمها او الالمام بها والاحاطة
بجزيئاتها الا اهل الخبرة والاختصاص من المحاسبين الذي يقومون بهذه المهمة خير
قيام على وفق أصول وقواعد المهنة ، والمسائل المحاسبية الفنية التي يلجأ القاضي
الى تعيين محاسب فيها تتحدد في حالة عدم وجود حساب بين أطراف الخصومة ، أو عندما
تكون العمليات والقيود الحسابية كثيرة أو إذا كانت المستندات المؤيدة للعمليات
الحسابية كثيرة ومتنوعة أو إذا كانت المستندات المؤيدة للعمليات الحسابية كثيرة
ومتنوعة أو إذا كانت المستندات والحسابات التي يتمسك بها اطراف الخصومة متناقضة او
غامضة او محل خلاف بين الاطراف او اذا اراد القاضي ان يقف على طريقة عمل وتعامل
اطراف الخصومة وحقيقة هذا التعامل من خلال دراسة المحاسب لسجلات ومستندات الخصوم
حتى يتمكن القاضي من تكييف العلاقة القائمة بين طرفي الخصومة تكييفاً صحيحاً ،
فهذه الحالات والحالات المماثلة لها تستوجب على القاضي أن يقوم بتكليف محاسب لجمع
وثائق وسجلات و مستندات اطراف الخصومة ودراستها وبيان طريقة وكيفية تعامل الاطراف وتحديد
الدائن والمدين ومقدار الدين على وفق اصول وقواعد مهنة المحاسبة مع بيان النصوص
والقواعد التي استند اليها المحاسب وان يكون ذلك في تقرير يقدمه المحاسب الى
المحكمة وان يرفق به كافة المستندات والوثائق التي استند اليها المحاسب في اثناء
عمله وفي تقريره.
الوجه الثاني: المسائل المحاسبية الواقعية التي لا مجال فيها لتعيين محاسب:
المسائل الواقعية المحاسبية : هي المسائل التي يستطيع القاضي فهمها
واستخلاص النتائج منهما على النحو المشار اليه في الحكم محل تعليقنا حيث يستطيع
القاضي بمجرد مطالعته للمستندات واوراق القضية ان يقف على الحقيقة ويستخلص النتيجة
ويكون ذلك في حالة اذا كانت المسألة محل الخلاف هي قيد محاسبي واحداً أو عملية
محاسبية واحدة او اذا كانت هناك حسابات قد تصادق عليها اطراف الخصومة او اذا كانت
هناك مستندات تتضمن اقرار احد طرفي الخصومة بالمديونية او بالمسألة الحسابية محل
الخلاف او اذا كان هناك قواطع حساب بين اطراف الخصومة تبين الدائن والمدين ومقدار
الدين مثلما ورد في الحكم محل تعليقنا ، ففي هذه الحالات وما يماثلها يستطيع
القاضي من خلال مطالعته للمستندات والوقائع المعروضة عليه يستطيع القاضي ان يستخلص
منها الحقيقة او النتيجة مثلما حصل في الحكم محل تعليقنا باعتبار هذه المسائل من
المسائل الموضوعية غير الفنية التي تخضع للسلطة التقديرية للقاضي ، فالقاضي في هذه
الحالة هو خبير الخبراء.
الوجه الثالث: مدى قبول قول الطاعن بالإكراه على تسوية الحساب:
قرر الحكم محل تعليقنا عدم قبول قول الطاعن بأنه كان مكرهاً عند
توقيعه على إتفاقية الجدولة للمديونية وتسوية الحساب ، وقد استند الحكم في رفضه
لقول الطاعن بأن دعواه تلك مرسلة لم يسندها بدليل ، ومن خلال مطالعتنا للحكمين
الابتدائي والاستئنافي فقد وقفنا على أن الطاعن كان يقصد الإكراه المعنوي إلا أنه
لم يُحسن تفصيل دعواه تلك وأدلتها ، لأن الإكراه لا يكون عذراً إلا اذا ترتب عليه
إعدام الإرادة والاختيار ، اضافة الى ان الاكراه سواء المادي او المعنوي يُشترط ان
يكون عن طريق افعال او ايحاءات صادرة من المطعون ضده ، في حين انه كان بوسع الطاعن
ان يدعي بان الضرورة قد الجأته الى توقيع الاتفاقية ، لانه كان يستطيع اثبات
الضرورة التي ألمت به لأنه الادرى بها بخلاف ادعائه بالاكراه المعنوي ، كما ان
الطاعن قد تمسك بالاتفاقية امام محكمة الاستئناف واستدل بها على حسمها للنزاع
ومقدار المديونية فلو كان الطاعن مكرهاً عليها لتنصل منها لاحقاً، والله أعلم.