لا تقبل الشفعة إذا كان ملك الشفيع محل نزاع
قررت الشريعة الإسلامية الشفعة دفعاً لمضار الخلطة والشراكة في المال
وتجاوز وبغي الشركاء الخلطاء على حقوق بعضهم البعض،
وهذا الأمر يقتضي أن تكون ملكية الشفيع في المال المخلوط أو المشترك ثابتة ومستقرة ومتيقنة لانزاع بشانها ولاخلاف باعتبار ان من شروط صحة الشفعة
تحقق سببها وهو ثبوت ملكية الشفيع لجزء من المال الذي يشفع فيه، اما اذا كانت ملكية الشفيع غير ثابتة وغير مستقرة او يوجد نزاع بشانها فيما بين الشفيع والغير فان ملكية الشفيع غير ثابتة أو غير مستقرة أو متيقنة ففي هذه الحالة لا يقبل طلب الشفعة من الشفيع حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 28/8/2016م برقم (57869)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان المدعي تقدم أمام
المحكمة طالباً الشفعة فرد عليه المشتري بان ملكية المدعي في الارض المشتركة محل نزاع فيما بينه وبين الورثة بمن فيهم
البائع لنصيبه وان الأرض الزراعية محل الخلاف ليست بيد المدعي طالب الشفعة، وقد
توصلت المحكمة الابتدائية إلى عدم قبول دعوى الشفعة لعدم صحة سببها، وقد ورد ضمن أسباب الحكم
الابتدائي (ان النزاع دائر حول أصل الملك ولما كانت الدعوى دعوى شفعة والنزاع دائر
فيما بين الشفيع وملاك الأرض بشأن ملكية المدعي لجزء مشاع
من الأرض لذلك فان طلب الشفعة يكون غير مقبولة لعدم تيقن ملك المدعي) ثم قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي،
وبعد ذلك أقرت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة
العليا (والدائرة بعد الرجوع إلى أوراق القضية مشتملات الملف فقد وجدت ان نعي
الطاعن على الحكم الاستئنافي في غير محله إذ أن الحكمين الابتدائي والاستئنافي قد
اسسا قضاءهما على ان ملكية الطاعن في الأرض المطلوب الشفعة فيها محل نزاع فيما بين
الطاعن وباقي الورثة، فالمنازعة في الملك تجعل دعوى الشفعة غير مقبولة ، وقد قضى الحكمان بذلك، ولما كان الأمر كذلك فان الحكم المطعون فيه
موافق لصحيح القانون مما يستوجب رفض الطعن) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو
مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول : السند القانوني للحكم بعدم قبول الشفعة اذا كانت ملكية الشفيع محل نزاع:
اشترط القانون المدني في المادة (1260) لصحة الشفعة ان يكون الشفيع
مالكاً للسبب الذي يشفع به اي أن يكون مالكاً لجزء من الأرض الذي يطلب الشفعة فيها، حيث نصت هذه المادة
على ان (يشترط لصحة الشفعة ما يأتي: 4- ان يكون الشفيع مالكاً للسبب الذي يشفع به)
أي ان الشفعة لا تصح ولاتقبل اذا طلبها الشخص
وليس له ملك في الأرض التي يريد الشفعة فيها.
الوجه الثاني: يجب على الشفيع ان يثبت ملكيته لسبب الشفعة:
بما ان المادة (1260) مدني السابق ذكرها قد اشترطت لصحة الشفعة ان يكون
الشفيع مالكاً لسبب الشفعة فانه يجب عندما يتقدم أمام المحكمة بدعوى الشفعة يجب
عليه إثبات ملكيته لسبب الشفعة لان النص السابق قد جعل ملكية الشفيع لسبب الشفعة
شرطاً لصحة الشفعة والمطالبة بها فلا تقبل دعوى الشفعة إلا اذا تحقق هذا الشرط
فضلاً عن ان مركز الشفيع حين طلبه الشفعة يكون مركز المدعي وذلك يحتم عليه بصفته مدعياً ان يقدم البينة على دعواه، ويتم إثبات سبب الشفعة غالباً بوثائق أو مستندات ملكية الأراضي المكتوبة كبصائر الشراء أو الفصول أو مستندات الوصية أو الهبة وغيرها.
الوجه الثالث: النزاع في ملكية السبب الذي يعطل طلب الشفعة:
من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان طالب الشفعة كان من ضمن ورثة تقاسموا تركة والدهم فكانت الأرض التي
يريد الشفعة فيها لم يتم ذكرها في الفصل الخاص بالشفيع وإنما ذكر القسام في وثيقة اخرى ان الشفيع يستحق نقيصة لان الأرض التي تحددت لإخوانه
أفضل من الأرض المقابلة لها التي صارت وتحددت في فصل الشفيع مقابل الأرض
التي كان يريد الشفعة فيها إضافة الى ان تلك
الأرض كانت بحيازة وثبوت اخوانه بموجب الفصول التي بايديهم، وبناءً على ذلك فان النزاع على ملكية سبب الشفعة
لا يكون معطلاً لطلب الشفعة إلا اذا كان من المرجح عدم قبول
دعوى الشفيع في الملكية لضعف ادلتها او عدمها اما اذا كانت ملكية الشفيع
ثابتة ومتيقنة ولكن هناك من
ينازعه أو يعارضه فيها مع ثبوت ملكيته وفقاً للوثائق الشرعية المعتبرة فلا تكون هذه المنازعة أو المعارضة معطلة لملكيته لسبب الشفعة ، لان ملكيته ثابتة شرعاً وقانوناً فلا يكون عندئذ تأثير لمنازعته في ملكية سبب الشفعة، والله اعلم.
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء