لا يجوز للتاجر اللجوء إلى الاعسار المدني
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
نظم
القانون التجاري اشهار افلاس التاجر وحدد حالاته وإجراءاته والاثار المترتبة عليه،
في الوقت ذاته حدد القانون من هو التاجر وماهي الاعمال التجارية بصرف النظر عن
القائم بها ،وهذا يعني ان نظام الافلاس خاص بالتجار، في حين نظم القانون المدني
الاعسار المدني الذي يلجاء اليه غير التجار وحدد القانون المدني احواله وإجراءاته
وفي سياق تنظيم القانون المدني للاعسار خلط بين الاعسار والافلاس فاجاز الحجر على
المعسر مثل المفلس وبذلك فقد خالف القانون المدني قوله تعالى (وان كان ذو عسرة
فنظرة الى ميسرة ) ،وتبعا لذلك فأن الواقع العملي يظهر ان هناك خلط بين الاعسار
المدني والافلاس التجاري، فقد كان هذا الامر باعثاً على التعليق على الحكم الصادر
عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7/4/2013م في الطعن
المدني رقم (46730) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن احد المقاولين
كان مديناً لعدة أشخاص من ضمنهم بنك، فعجز المقاول عن الوفاء بالديون التي بذمته
للغير ،فتقدم المقاول بدعوى اعسار امام القاضي المدني الابتدائي الذي حكم بإعساره
فقام البنك الدائن باستئناف حكم الاعسار، وقد قبلت الشعبة المدنية الاستئناف وقضت
بالغاء حكم الاعسار، وقد جاء في أسباب الحكم الاستئنافي أنه (بالرجوع إلى الأوراق
نجد أن مهنة مدعي الاعسار بحسب ماهو موضح في الحكم الابتدائي مقاول أي أنه يسري
عليه القانون التجاري فعند اضطراب احوال التاجر المالية يلجاء التاجر إلى نظام
الافلاس بحسب شروطها المنصوص عليها
قانوناً في المادة ( 575)
من القانون التجاري بدلاً من اللجوء إلى تقديم دعوى الإعسار فكان اللازم على
القاضي الابتدائي اثناء تقديم دعوى الإعسار اليه ان ينبه المدعي إلى حقه في أن
يسلك نظام الافلاس كونه مقاولاً إلا أن ذلك لم يحصل وبدلاً من ذلك قبل القاضي
الدعوى المرفوعة من التاجر الذي طلب فيها الحكم باعساره وبالفعل حكم بإعسار المدعي
دون أن يقدم المدعي البرهان الشرعي الصحيح على دعواه وبذلك يكون الحكم المطعون فيه
مجانباً للصواب)، فلم يقبل المقاول بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا
أن الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم
المحكمة العليا (حيث أن المادة (10) من القانون التجاري قد حددت ما تعد اعمالاً
تجارية ومنها اعمال المقاولة المذكورة في الفقرة (15) من تلك المادة وهي المادة
التي استندت اليها الشعبة المدنية في أسباب حكمها المطعون فيه ،وبناءً على ذلك
ولان مهنة الطاعن هي المقاولة فقد وجهته الشعبة باللجوء إلى نظام التفليسة المنصوص
عليها في القانون التجاري بدلاً من اللجوء الى تقديم دعوى الإعسار ،ومن ثم فان
الشعبة تكون قد اصابت فيما قضت به في منطوق حكمها المطعون فيه وبررت لذلك بأسباب
سائغة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :
الوجه الأول : الإعسار في القانون المدني وخلطه بين الإعسار والإفلاس وتوصيتنا للمقنن اليمني :
نظم
القانون المدني اليمني الإعسار وبيّن أحكامه في المواد من (361 إلى 365) وخلاصة
ذلك أنه يجب على المدين المعسر أن يسعي
بأية طريقة لإبراء ذمته من الدين وانه اذا كان مفلساً فلدائنه حق المطالبة بالحجر
عليه، وانه من كان ظاهره الإعسار قبل قوله بيمينه، وانه اذا ثبت بحكم القضاء إعسار
المدين حيل بينه وبين دائنيه إلى ان يثبت
اعساره، ويظهر الخلط في القانون المدني بين الإعسار والإفلاس في نص المادة (362) التي نصت على أنه اذا كان المدين مفلساً فلدائنه
حق طلب الحجر عليه وهذا هو عين الإفلاس الذي يترتب عليه منع المفلس من التصرف في
امواله، والإعسار المدني الذي نظمه القانون المدني يتم سلوكه بالنسبة للدائنين
المدنيين غير التجار، ومن خلال ما تقدم يظهر ان أحكام الإعسار المدني أكثر تساهلاً
وتسامحاً من نظام الإفلاس التجاري ،ويرجع ذلك إلى التوجيه الرباني بإمهال المدين
المعسر حسبما ورد في قوله تعالى { وَإِنْ كَانَ ذُو
عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } [280
سورة البقرة] ومع ذلك فان كثيراً
من التجار يلجؤون إلى نظام الإعسار بدلاً عن نظام الإفلاس لان الإعسار أفضل من
الإفلاس بالنسبة للتجار مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، ،ومن
جهة نظرنا فان القانون المدني اليمني لم يكن موفقاً في اجازته للحجر على المدين
المعسر، لان الحجر يضاعف شدة المعسر ويضيق عليه فرص السعي لقضاء الديون التي بذمته
فضلاً عن ان تقرير الحجر على المعسر يخالف قوله تعالى {
وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ }.
الوجه الثاني : نظام الإفلاس في القانون التجاري :
سبق القول أن نظام
الإفلاس الذي نظمه القانون التجاري خاص بالتجار، فكل من ينطبق عليه وصف التاجر او
ينطبق على عمله وصف العمل التجاري يكون سبيله سلوك نظام الافلاس التجاري وليس الاعسار المدني ،ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بأن
الطاعن لا يحق له اللجوء إلى نظام الإعسار المدني طالما وهو يمارس عملاً تجارياً
وهو عمل المقاولة التي نصت المادة (10) في الفقرة (15) على أن اعمال المقاولة تعد
اعمالاً تجارية بصرف النظر عن صفة القائم بها أو نيته، حيث اشار الحكم محل تعليقنا
إلى أن السبيل القانوني الجائز للتاجر
الذي اضطربت اعماله ان يطلب شهر افلاسه بموجب المادة (575) تجاري فلا يحق
له اللجوء إلى نظام الاعسار المدني، وتترتب على الحكم بشهر الإفلاس اثار خطيرة
منها سقوط حقوق المفلس السياسية وخضوعه للمراقبة كما يحجر على التاجر المفلس ويمنع من التصرف حسبما ورد في المادة
(592) تجاري، ولذلك فان المنع أو الحجر في الإفلاس التجاري يماثل الحجر على المعسر
في الإعسار المدني المقرر في القانون المدني الذي تقدم بيانه، ومن خلال ذلك
يظهر ان القانون المدني قد خلط بين
الإعسار والإفلاس، ولن يزول هذا الخلط الا اذا تم حذف النص في القانون المدني الذي
قرر الحجر على المدين المعسر، والله اعلم.