لا يسري الانعدام على الأحكام القديمة

 

لا يسري الانعدام على الأحكام القديمة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

اخذ قانون المرافعات اليمني باحكام الانعدام ضمن التعديلات في قانون المرافعات عام 2002م ومنذ ذلك التاريخ تم تطبيق احكام وقواعد انعدام الاحكام ، في حين ان فكرة الانعدام فكرة مادية قبل ان ينظمها القانون، لان الافعال والتصرفات عندما تصدر ممن لا يملك التصرف تكون منعدمة، وإنما القانون يتدخل في تنظيمه للانعدام حيث ببين ماهيته واحواله حتى تكون الدعوى بالانعدام أو الدفع به منضبطاً لاسيما فيما يتعلق بأحكام القضاء، ولا شك ان التنظيم القانوني للانعدام يعمل به من تاريخ صدوره، فلا يسري على الأحكام القضائية أو احكام التحكيم الصادرة قبل تنظيم انعدام الأحكام الذي اخذ به القانون بدءاً من عام 2002م حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15/2/2017م في دعوى الانعدام المرفوعة إلى الدائرة المدنية برقم (58868)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان المطلوب التنفيذ ضده عند مباشرة اجراءات تنفيذ الحكم عليه دفع بانعدام الحكم المطلوب تنفيذه الذي اقرته المحكمة العليا فرفعت محكمة التنفيذ الدفع إلى المحكمة العليا حيث قضت الدائرة المدنية (بعدم سريان أحكام الانعدام على الحكم المدعى بانعدامه ورفض الدفع بالانعدام والزام الدافع بالانعدام بتسليم مبلغ مائتي الف ريال اغرام ومخاسير للمدفوع ضده والزام الدافع بالانعدام بدفع الغرامة المنصوص عليها في الفقرة (ج) من المادة (58) مرافعات وهي خمسمائة الف ريال) وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث ان الحكم المدعى بانعدامه كان صدوره بتاريخ 3/ربيع الأول/1410هـ وحيث ان قواعد وأحكام الانعدام قد تضمنها القانون الصادر برقم (4) لسنة 2002م بشأن المرافعات وحيث ان المادة (3) من هذا القانون تنص على انه يسري هذا القانون على مالم يكن قد فصل فيه من الدعاوى ...الخ، ولان الحكم المدعى بانعدامه كان قد صدر قبل صدور القانون المشار اليه بثلاثة عشر عاماً فانه يمتنع على المحاكم النظر في الدفوع والدعاوى بالانعدام المتعلقة بالأحكام الصادرة قبل صدور قانون المرافعات(2002) عملاً بالمادة (3) السابق ذكرها لعدم سريان قواعد الانعدام  على الأحكام الصادرة قبل صدور ذلك القانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : أحكام الانعدام ونطاق سريان قانون المرافعات :

استند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة (3) مرافعات التي نصت على ان (يسري قانون المرافعات والتنفيذ المدني على مالم يكن قد تم الفصل فيه من الدعاوى ومالم يكن قد تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل به) في حين نصت المادة (504) مرافعات على ان (يعمل بهذا القانون من تاريخ صدوره) وقد صدر قانون المرافعات المتضمن أحكام الانعدام بتاريخ 12/10/2002م ، وبموجب ذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بان أحكام وقواعد الانعدام لا تسري الا على الدعاوى والدفوع التي يتم الفصل فيها بأحكام صادرة بعد صدور قانون المرافعات المتضمن أحكام الانعدام اما الأحكام الصادرة قبل صدور هذا القانون فلا تسري عليها أحكام الانعدام عملاً بمبدأ عدم رجعية القانون، وعلى هذا الأساس فان الحكم محل تعليقنا قد اخذ بفكرة التنظيم القانوني للانعدام باعتبار ان القانون هو الذي أوجد نظام الانعدام وقننه واعترف به ونظم أحواله وكيفية مواجهته، فقبل هذا التنظيم لم يكن هناك وجود قانوني للانعدام فلا يجوز التمسك به طالما لا وجود له في القانون.

الوجه الثاني : استقرار المعاملات وعدم سريان قواعد الانعدام على الأحكام السابقة :

من المعلوم ان الحكم المنعدم لا يتحصن بمضي الوقت لأنه أصلاً غير موجود في نظر القانون بخلاف الحكم الباطل الذي يتحصن بمضي الوقت، ومن هذا المنطلق فان مواجهة الحكم المنعدم والتحلل منه متاح في كل وقت بصرف النظر عن تاريخ صدوره وهذا يعني ان المراكز القانونية المستمدة من تلك الأحكام السابقة والقديمة ستكون في خطر عظيم إضافة إلى ان أحكام وقواعد الانعدام المنصوص عليها في قانون المرافعات النافذ تختلف جذرياً عن النظم التي صدرت على وفقها الأحكام السابقة والقديمة، فهذه الأحكام وان كانت منعدمة وفقاً للقانون النافذ فان ذلك لا يعني ان كانت منعدمة في نظر القوانين والنظم التي كانت نافذة عند صدور تلك الأحكام السابقة والقديمة، لأني مطالع ومتابع لأحكام قديمة كان بعضها يصدر بداية (أي حكم ابتدائي) يصدر من محكمة الاستئناف كما ان الأحكام القديمة لم تكن تتضمن البيانات التي اشترطها القانون النافذ  ولذلك فان تطبيق قواعد الانعدام على الأحكام السابقة والقديمة سوف يترتب عليه هدر للمراكز القانونية وفساد عظيم،كما أن الاحكام القديمة لها حجيتها الدائمة وليس الوقتية، والله اعلم.