منع الاشخاص المتنازعين من استئجار الوقف
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
لا
ريب أن مصلحة الوقف قد تقتضي منع أشخاص معينين وفي حالات معينة من استئجار أموال
الوقف، فهذا هو المبدأ الذي قرره الحكم محل تعليقنا، ولا شك أن التعليق على هذا
الحكم مفيد للغاية لبيان التأصيل الشرعي والقانوني لهذا المنع والاشارة إلى حالات
المنع ودواعيها، وعلى هذا الأساس فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة
المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/4/2010م في الطعن المدني رقم
(35191) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن ابناء عمومة
اختلفوا بشأن الانتفاع بأرض الوقف في احدى المدن اختلافا كبيرا استحكم بينهم حيث انقسموا الى فريقين فكان كل فريق منهم يدعي احقيته في
البناء على تلك الأرض وقد تميز هذا الخلاف باللدد واصرار كل فريق على ان يتنتفع
بالارض الطرف الاخر ، ولذلك فقد طالت إجراءات النظر في هذا الخلاف وتعطلت العين
الموقوفة طوال مدة الخلاف الطويلة حتى قضت محكمة الموضوع بمنع الطرفين من الانتفاع
بالارض واستئجارها من الأوقاف وأقرت المحكمة العليا هذا الحكم إلا أن احد الطرفين
توسل بأبنه الذي قام باستئجار الأرض محل النزاع فثار النزاع مرة اخرى واشتد بين الطرفين، فشرع الطرف الذي حصل على عقد الايجار من الأوقاف باسم أبنه
شرع في البناء على الارض فقام الطرف الاخر برفع دعوى اعتداء على الأرض الموقوفة،
فحكمت المحكمة الابتدائية بعدم صحة الدعوى وعدم صحة عقد الايجار الصادر عن مكتب
الأوقاف لسبق صدور حكم من المحكمة العليا بمنع الطرفين من استئجار الأرض محل
النزاع كما قضى الحكم الابتدائي بالزام مكتب الأوقاف بتأجير الأرض لغير الطرفين
حفظاً للعين وقطعاً للنزاع، فلم يقبل المدعى عليهم حيث قاموا باستئناف الحكم إلا
أن محكمة الاستئناف رفضت الاستئناف وقضت بتأييد الحكم الابتدائي، وقد ورد ضمن
أسباب الحكم الاستئنافي (فقد تبين للشعبة صدور حكم من المحكمة العليا قضى بمنع
مكتب الأوقاف من تأجير الأرض محل النزاع لأي من الطرفين المتنازعين، ولذلك فأن
قيام المدعى عليهم باستئجار تلك الأرض من الأوقاف باسم احد اولاد المدعى عليهم يعد
احتيالاً على حكم المحكمة العليا السابق، لان المنع يعم الاباء والابناء، كما أن
قيام مكتب الأوقاف بتأجير تلك الأرض لاحد أبناء المدعى عليهم يعد مخالفة قانونية
لحكم المحكمة العليا المشار اليه وتشجيع لمخالفة الأحكام القضائية) فلم يقبل
المدعى عليهم بالحكم الاستئنافي فقاموا بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة المدنية
أقرت الحكم الاستئنافي ومع ذلك فأن الدائرة قد اشارت الى أن محكمة الموضوع لم
تتقيد بنطاق الدعوى ، فما كان ينبغي لها أن تتعدى إلى ابطال عقد الإيجار، وقد ورد
في اسباب حكم المحكمة العليا (لا غبار على الحكم المطعون فيه فيما أورده عن الحكم
السابق للمحكمة العليا بشأن منع تأجير الطرفين من استئجار الأرض محل النزاع ولكن
كان ينبغي على محكمة الموضوع أن تتقيد بنطاق الدعوى المرفوعة أمامها ولا تتعدى إلى
خارج هذا النطاق فتحكم على الأوقاف) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين
في الأوجه الاتية :
الوجه الأول : حكم المحكمة العليا السابق بمنع تأجير الأرض محل النزاع للاطراف المتنازعة على ارض الوقف :
من
خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد أنه تناول في وقائعه حكم المحكمة العليا السابق
الذي قضى بمنع تأجير الأرض لأي من الطرفين المتنازعين عليها وقد استند ذلك الحكم
في اسبابه إلى أن الخلاف بين الطرفين قد تسبب في تعطيل الانتفاع بأرض الوقف وادخال
الأوقاف في خصومات واشكاليات لا حصر لها
نتيجة اللدد والخصام بين الطرفين المتنازعين واصرار كل طرف على عدم تأجير الأرض
لخصمه، وقد قضى الحكم الابتدائي بالغاء عقد الإيجار فيما بين مكتب الأوقاف وبين
أبن أحد الطرفين الذي اشعل الخلاف فيما بين الطرفين وأعاده الى القضاء حتى تم
الفصل فيه في درجات التقاضي حتى وصل إلى المحكمة العليا للمرة الثانية.
الوجه الثاني : التأصيل الشرعي والقانوني لمنع تأجير أرض الوقف للمتنازعين عليه :
يتأسس التأصيل الشرعي
وينطلق من ان المالك لأرض الوقف هو الله تعالى مالك الملك وأن نظارة الوقف وإدارته
منوطة بوزارة الأوقاف التي يحق لها تقرير الطريقة الملائمة للانتفاع بالوقف
واستثماره عن طريق التأجير وغيره ،كما يحق للوزارة اختيار الأجير الذي تراه اصلح
واجدر للوفاء بالتزاماته قبل الأوقاف والمحافظة على عين الوقف علاوة على حق وزارة
الأوقاف في الحفاظ على أصل مال الوقف ودفع الاضرار والمخاطر عنه ومن ذلك تجنيب
اموال الوقف خلافات ونزاعات الخصوم التي تعطل منفعة اموال الوقف وتخل بأغراض
الوقف، وقريب من التأصيل الشرعي التأصيل القانوني لمنع تأجير أرض الوقف للمتنازعين
حيث أن هدف قانون الوقف ولائحة تأجير الوقف للمنتفعين هو حسن ادارة أموال الوقف
وزيادة إيراداتها لتحقيق أهداف الأوقاف وأغراض الواقفين، وبما أن الخلاف والنزاع
الطويل الأجل والمكايدات بين الخصوم اذا تعلق بأرض الوقف يترتب عليه تعطيل عين
الوقف وتحميل الأوقاف بأعباء مالية وفنية وادارية وقضائية لمواجهة النزاعات التي
يفتعلها الخصوم المتنازعون على سبيل اللدد والخصام مثل نفقات التقاضي والتعويضات.
الوجه الثالث : تجاوز محكمة الموضوع لنطاق الدعوى في حكمها الاخير :
قضى حكم المحكمة
العليا الاخير بأن محكمة الموضوع قد تجاوزت نطاق الدعوى حينما قضت بإلغاء عقد
الإيجار المبرم فيما بين مكتب الاوقاف وبين احد ابناء الطرفين المتنازعين والزام
مكتب الاوقاف بتأجير الأرض محل الخلاف لغير الطرفين المتخاصمين فيما لم يتم إدخال
أو تدخل الأوقاف وذلك مخالف للقانون حيث أن هذا الحكم سيكون حجة على مكتب الأوقاف
الذي لم يمثل في الدعوى فكان الواجب على محكمة الموضوع إدخال مكتب الأوقاف وفقاً
لقانون المرافعات حتى يكون الحكم حجة على الأوقاف، والله اعلم.