الأصل بقاء ما كان ملكاً للدولة على ما كان

 

الأصل بقاء ما كان ملكاً للدولة على ما كان

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من القواعد التي استقرت في القانون والفقه والقضاء ً قاعدة ً ( الأصل بقاء ما كان على ما كان) ومن تطبيقات هذه القاعدة بقاء ما كان في الماضي من املاك الدولة بقاؤه في الوقت الحاضر على ما كان عليه في الوقت الماضي حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21/10/2018م في الطعن رقم (60101) حيث قضت المحكمة الابتدائية بانه (حيث ثبت ان الأرض محل النزاع فيما بين المدعي والمدعى عليه هي ملك للدولة حسبما ورد في شهادات الشهود وماورد في الحكم الجزائي الصادر في اعتداء سابق  على الأرض المجاورة للأرض محل النزاع حيث اكد الحكم وشهادات الشهود أن تلك الاراضي جميعها في تلك المنطقة ملك للدولة مما يستوجب تطبيق قاعدة الاستصحاب وبقاء ما كان على ما كان عليه طالما ولم يرد ما يناهض هذه القاعدة حيث  عجز المدعون عن إثبات ملكيتهم للأرض ) وقد قضت الشعبة الاستئنافية بتأييد الحكم الابتدائي، ثم أقرت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (برجوع الدائرة إلى الأوراق مشتملات ملف القضية فقد وجدت الدائرة ان الطاعن قد اثار في عريضة الطعن المسائل الموضوعية التي سبق له أن اثارها امام محكمتي الموضوع اللتين ناقشتا تلك المسائل تفصيلاً حيث جاء في اسباب الحكم الابتدائي انه قد ثبت لدى محكمة اول درجة ان الأرض محل النزاع والأراضي المجاورة لها من كل الجهات هي ملك للدولة بحسب ما ورد في شهادات الشهود والحكم الجزائي، وحيث ان الحكم الاستئنافي قد ناقش ذلك وتوصل إلى تأييد الحكم الابتدائي وفقاً لإجراءات صحيحة، لذلك فان الحكم الاستئنافي قد جاء موافقاً لأحكام الشرع والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : معنى قاعدة  الأصل بقاء ما كان على ما كان :

أصل هذه القاعدة هو الاستصحاب كدليل من الادلة الشرعية المعتبرة في الفقه الاسلامي، حيث يعني الاستصحاب بقاء ما كان على ما كان عليه  حتى يرد مايدل على خلافه ، فهذه القاعدة تعني : انه عند الخلاف أو النزاع بشان شى في الحاضر فانه يتم النظر إلى حالة هذا الشيء المتنازع عليه  في الماضي كيف كان في ذلك الماضي فيتم الحكم على الشى في الوقت  الحاضر بحسب الحال التي كان عليها في  الماضي  مالم يقم دليل على خلافه، لان تحقق وجود ذلك الشيء في الماضي يعني ان ذلك الوجود مستمر في الوقت الحاضر فيتم الحكم بدوامه واستمراره في الحاضر، ومن تطبيقات هذه القاعدة المشهورة عند الفقهاء :انه من تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو طاهر، وكذا بقاء عدة  المطلقة، فالأصل بقاء العدة وهكذا (درر الحكام 5/2) ومن المسميات المرادفة لقاعدة (الأصل بقاء ما كان على ما كان) قاعدة القديم يترك على قدمه وقاعدة الأصل عدم المسقط  وقاعدة الأصل بقاء ما وجب، وقاعدة ما يثبت بزمان يحكم ببقائه مالم يوجد دليل على خلافه، فالواقع الذي يثبت في الزمان الماضي ثبوتاً أو نفياً  يبقي على حاله فلا يتغير مالم يوجد دليل على تغيره، فاذا جهل في وقت الخصومة حال الشيء وليس هناك دليل يتم الحكم بمقتضاه وكان لذلك الشيء حال سابقة معهودة فان الأصل في ذلك ان يحكم ببقائه واستمراره على تلك الحال المعهودة التي كان عليها حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك فيصار حينئذ اليه، (الاسنوي 2/432).

الوجه الثاني : تطبيقات قاعدة (بقاء ما كان على ما كان) على أراضي الدولة 

من المشهور والمتعارف عليه في الفقه الإسلامي وقانون أراضي الدولة  ان الجبال والآكام والاحراش والغابات والصحاري والأراضي الموات والاراضي التي لايعرف مالكها هي ملك بيت المسلمين أو ملك الدولة ، وتبعاً لذلك فان ملكية الدولة او الملكية العامة ثابتة يقيناً لتلك الأراضي فهذا هو الأصل حيث يجب ان تبقى ملكية الدولة لتلك  الاملاك  في الحاضر لأنها كانت كذلك في الماضي، فالأصل بقاء ما كان على ما كان مثلما قضى الحكم محل تعليقنا، فكل ماهو مقرر ومعروف بانه من املاك الدولة  فيجب ان يبقى ملكاً للدولة في الوقت الحاضر أي وقت النزاع إلا اذا ورد دليل يقيني ينقله من ملكية الدولة إلى غيرها، لان الأصل والقاعدة بقاء ما كان على ما كان.

الوجه الثالث : القيمة العلمية والقضائية لقاعدة (بقاء ما كان على ما كان) فيما يتعلق بأراضي وعقارات الدولة :

في حالات كثيرة يصعب على هيئة أراضي الدولة عند حدوث نزاعات في الوقت الحاضر بشأن أراضي الدولة يتعذر على الهيئة تقديم ادلة على ملكية الدولة للأرض محل النزاع لاسباب ليست محل تعليقنا، ولذلك فان هذه القاعدة الذهبية (بقاء ما كان على ما كان) تعفي هيئة الأراضي من إثبات ملكية الدولة للأراضي محل النزاع لان الهيئة ستكون  متمسكة بالأصل او القاعدة، فعلى من يدعي خلاف الأصل ان يثبت هو عدم ملكية الدولة للأرض محل النزاع، لان ملكية الدولة ثابتة بموجب الأصل أو القاعدة المشار اليها، ولذلك لاحظنا تطبيق الحكم محل تعليقنا لهذه القاعدة،بعد أن اختلف المتنازعون على أرض الدولة  وعندئذ قدم بعضهم الشهود والحكم على أن  الأرض محل النزاع كانت في الماضي مراهق عامة.  

الوجه الرابع : قاعدة (بقاء ما كان على ما  كان) في القانون اليمني :

يصرح القانون المدني وهو القانون الاساسي والشريعة العامة للقوانين الأخرى يصرح بان قاعدة (الأصل بقاء ما كان على ما كان) قاعدة معتبرة في القانون  وواجبة الإعمال والتطبيق في القضاء وغيره حيث ذكرها القانون المدني ضمن القواعد العامة والكلية في تطبيق القانون للتدليل على اهميتها ونطاق تطبيقها ولزوم العمل بمقتضاها في مختلف القوانين والتطبيقات القضائية ،حيث نصت المادة (11) مدني على ان (الأصل الظاهر العدم فمن تمسك به فالقول قوله ومن ادعى خلافه فالبينة عليه، والأصل بقاء ما كان حتى يثبت غيره) وبناءً على هذا النص فان تطبيق هذه القاعدة واجب لانها لم تعد اجتهاداً فقهياً كما سبق ان ذكرنا بل انها قد صارت نصاً قانونياً واجب التطبيق، والله اعلم.