لا يجوز طلب الشفعة بعد الادعاء بالملك
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
مع
ان الشفعة مقررة شرعاً وقانوناً لدفع مضار الخلطة في الأموال ومساقيها والطريق
اليها إلا أن الواقع العملي يشهد ان طلبات الشفعة في غالبها تأتي بغرض المشاغلة
والحصول على سعاية ضمن الثقافة السائدة التي تخلط بين المغالطة والشطارة، كما ان
الجهل بأحكام الشفعة سبب من أسباب سوء
استعمال طلبات ودعاوى الشفعة ومن ذلك الجهل بعدم جواز طلب الشفعة بعد ادعاء طالب
الشفعة ملكية العين التي يطلب شفعتها حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 4/10/2017م في الطعن رقم (59152)
وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا
الحكم ان شخصا تقدم أمام المحكمة الابتدائية مدعياً بان الأرض التي تصرف بها
البائع هي من ضمن أملاكه، وعندما لمس المدعي ضعف موقفه القانوني طلب الحكم له
بالشفعة لتحقق سببها المتمثل في الخلطة في أصل المال والمسقى والطريق ،إلا أن
المحكمة الابتدائية قضت بسقوط الشفعة لانه لا يجوز طلب الشفعة بعد الادعاء بالملك،
فلم يقبل طالب الشفعة بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه وذكر في الاستئناف بان
الأرض التي ادعى ملكيتها ليست بالضبط الأرض التي يطلب الشفعة فيها إلا أن الشعبة
قضت بتأييد الحكم الابتدائي ،فلم يقنع طالب الشفعة بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن
فيه بالنقض، الا ان الدائرة قضت برفض
الطعن واقرار الحكم الاستئنافي، وقد ورد
ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (بعد اطلاع الدائرة على مشتملات ملف القضية فقد وجدت
ان ما نعاه الطاعن غير سديد ،فالقول بحصول الخطأ في تطبيق القانون مجرد توهم لدى
الطاعن ،فمن الثابت انه قد ادعى بالملكية وبعد ذلك قام بطلب الشفعة مع انه من
المقرر انه : لا يجوز طلب الشفعة بعد ادعاء الملك) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم
حسبما هو مبين في الوجوه الأتية :
الوجه الأول : السند القانوني للحكم بعدم جواز طلب الشفعة ممن سبق له الادعاء بملكية الأرض المشفوعة :
السند القانوني لهذا
الحكم هو المادة (1269) مدني التي نصت على ان (تبطل الشفعة ويسقط حق الشفيع فيها بأحد الأمور الاتية : -6- طلب
الشفيع العين المشفوعة بغير لفظ الشفعة عالما أو ادعاؤه ملكيتها بغير الشفعة) فهذا
النص صريح بان الادعاء بملكية الأرض
المراد شفعتها يبطل طلب الشفعة بعد ذلك.
الوجه الثاني : المقصود بادعاء الملك المسقط للشفعة :
المقصود بالادعاء هنا
هو الادعاء الجاد: وهو قيام الشخص بتقديم دعوى أمام المحكمة المختصة مدعياً فيها
ان الأرض المطلوب شفعتها هي ملك للمدعي, فاتصال المحكمة بالدعوى دليل على جدية
الدعوى، وكذا يتحقق ادعاء الملكية اذا قام الشخص بتكليف من بيده الأرض المشفوعة
تكليفه بتسليم الغلة أو تكليفه بإخلاء الأرض أو قيام الشخص باختيار محكم للفصل في
مطالبته بملكية الأرض المشفوعة أو تكليف شخص أو اشخاص للتوفيق والإصلاح فيما بين
طالب الشفعة ومالك الأرض، اما اذا لم يكن الادعاء جاداً ولم يفصح عنه طالب الشفعة
حسبما سبق بيانه فانه لا يكون ادعاءا مسقطاً للشفعة.
الوجه الثالث : مبررات سقوط الشفعة بادعاء الملك:
هناك اسانيد ومبررات
لذلك من اهمها ان الشافع ينازع المالك في ملكيته أي ان طالب الشفعة لا يسلم للمالك
بملكيته للأرض المطلوب شفعتها في حين انه من اللازم ان تكون الأرض المشفوعة مملوكة
لغير الشافع وهو مالم يسلم به الشافع، إضافة إلى ان هناك أمام الشافع وسيلة لدفع
الضرر وهي دعوى الملكية التي قد تفلح في وصول الشافع إلى تملك العين من غير سلوكه
طريق الشفعة، فضلا عن ان سبق ادعاء الشافع بالملكية سوف يولد النزاع لاحقاً فيما بين الشافع
والمشتري من المالك، والله اعلم.