القتل العمد بالحجارة
وضع الفقه الاسلامي علامة لاستظهار قصد القتل
العمد ومن ذلك إستعمال الجاني الحجارة الثقيلة(المثقل) أو الحادة لأنها تقتل غالب
الناس إذا القيت عليهم،ولذلك أهتم الفقه الاسلامي بوضع ضوابط لحجم الحجارة
المستعملة في القتل واوصافها بقصد التفرقة بين القتل العمد بالحجارة والقتل شبه
العمد ،فمن خلال حجم الحجارة وصفتها وما إذا كانت حادة وراضة يتحدد نوع القتل هل هو قتل عمد أم شبه عمد كما يسميه بعض الفقهاء أو ضرب أفضى إلى موت حسبما يسميه شراح القانون الجنائي ، وقد تناول هذه المسألة المهمة الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة
بتاريخ 18/12/2017م في الطعن رقم (59938) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا
الحكم ان المجني عليه القتيل قام قبل قتله بقلع بعض نبات
الذرة في الأرض محل الخلاف فيما بينه وبين الجاني ، فعندما كان المجني عليه يقتلع الذرة
بادره الجاني برجمة اصابت جبين المجني عليه الذي وقع ارضاً ثم قام الجاني برجمه رجمة ثانية وقعت خلف راسه فمات
المجني عليه، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بإدانة المتهم والحكم عليه
بالقصاص لتوفر العمدية باستعماله لأداة قاتلةوهي (المثقل) أي الحجارة الثقيلة ولثبوت القتل
باعتراف المتهم وشهادة الشهود وتقرير الطب الشرعي، وعند الطعن في الحكم الابتدائي قامت الشعبة الجزائية بتعديل الوصف للجريمة من قتل عمد
إلى ضرب أفضى إلى موت،لانه قد ورد في حديث النبي صلى
الله عليه واله وسلم: أن قتيل السوط والعصاء والحجر لاقصاص فيه، ولذلك فقد حكمت الشعبة بالزام المجني عليه بدفع الدية المغلظة وهي خمسة ملايين وسبعمائة الف ريالا بالإضافة إلى مليوني ريالا مخاسير واغرام وكذا حبس المدان خمس سنوات، وعند الطعن بالنقض امام الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا قبلت الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي ،وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد عاب
الطاعنون على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون لعدم مناقشته أدلة الإثبات
وتغييره القيد والوصف بالمخالفة لما نص عليه القانون ولنفيه عدم توفر القصد
الجنائي لدى الجاني مع ان الأداة المستخدمة في القتل هي الحجار القاتلة لكبر حجمها حيث يزيد بعضها عن كيلو غرام حيث توصل الحكم
الاستئنافي إلى عدم العمدية في إستعمال الجاني
للحجارة، وبتأمل الدائرة لأوراق القضية فقد ظهر لها ان الحكم المطعون فيه قد وقع
في الخطأ من عدة أوجه منها القصور في التسبيب وبيان مستند الحكم في ان الحجارة غير قاتلة وتغيير القيد والوصف القانوني للواقعة إلى ضرب أفضى إلى الموت دون بيان أسباب ذلك وإهمال الحكم المطعون فيه لما ورد بشهادات الشهود ونتائج التقرير
الطبي مما يستوجب نقض الحكم والإعادة إلى محكمة الاستئناف للفصل في القضية وبتشكيل
جديد) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: القتل بالمثقل (الحجارة وما في حكمها) في الفقه الإسلامي:
اتفق الفقه الإسلامي على أن الحجارة وسيلة قتل ينتج عن استعمالها في الغالب قتل المجني عليه بها،ويقرر الفقه
الاسلامي ان الحجارة لاتكون (مثقلة) إلا اذا
كانت ثقيلة ترض الجسم وتهشم الاعضاء ولا تكون كذلك إلا
اذا استجمعت عليها كف الإنسان الوسط أي كان حجم الحجرة ملء الكف فأكثر ،اما اذا كانت أقل
من ذلك فهي الحصاة، وبناءً على ذلك فإذا قام انسان برجم غيره بحجر مثقل فقتله فانه
يكون قاتلاً عامداً اذا قصد الفعل اما اذا رجم غيره بحصاة عادية فقتله فهذا قتل شبه
العمد لان الحصاة لا تقتل غالباً (التشريع الجنائي الإسلامي، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، صـ154).
الوجه الثاني: إستعمال الحجارة
دليل العمدية:
نصب الفقه الإسلامي وسيلة القتل مكان القصد، لان القصد أمر باطني لا يعلمه إلا الله ولذلك فقد استظهر الفقه الإسلامي
قصد القاتل من الوسيلة التي استعملها في القتل ،فان كانت قاتلة في الغالب أي تقتل غالب الناس فيكون عمداً إلا اذا اثبت الفاعل انه لم يكن يقصد الفعل أو النتيجة او هما معا، فمن يتعمد رجم غيره بحجر ملء كفه فهو قاتل عامد
إلا اذا اثبت خلاف ذلك كأن يثبت انه اراد ان يرجم الثعبان فوقعت
الحجر في الإنسان فقتلته.
الوجه الثالث: تعديل الحكم الاستئنافي لوصف القتل من عمد إلى شبه عمد:
قضى الحكم الاستئنافي بتعديل وصف الجريمة من قتل عمد إلى ضرب أفضى إلى موت حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا، في حين ان الجاني كان قد استعمل حجارة مثقلة وليس حصاة، حسبما ورد في التقرير الطبي الذي دل على ان سبب وفاة المجني
عليه إصابته بحجارة حادة وراضة أي مثقلة وحادة قطعت اللحم واسالت الدم وكذا دلت شهادات الشهود
ان الجاني قد رجم المجني عليه بحجارة ملء اليد وان الجاني قد اصاب المجني عليه
بحجرين منها واحدة في جبينه والثانية خلف إذنه حتى سال الدم من
الجرحين، وقد ذكر حكم المحكمة العليا انه كان من الواجب على الحكم الاستئنافي
مناقشة هذه المسألة تفصيلاً لتحديد نوع الحجارة وما اذا كانت مثقلة أو حادة أو حصوات فلا يكفي ان يرد في اسباب الحكم الاستئنافي القول بان القتل بالسوط والعصاء والحجر لا يكون عمداً وإنما شبه عمد أو ضرب أفضى
إلى موت، فذلك قصور في تسبيب الحكم الاستئنافي حسبما ورد في حكم المحكمة العليا.
الوجه الرابع: متى يكون القتل بالحصاة قتلا عمدا؟:
يقرر الفقه الإسلامي ان الأصل في القتل بالحصاة الصغيرة التي تقل عما
تستجمع عليه كف الإنسان الوسط يكون شبه عمد عند الفقهاء الذين يقولوا بشبه العمد قتيل السوط والعصا ويكون خطأ عند
الفقهاء الذين لا يقولوا به، إلا أنه من المتفق عليه في الفقه الإسلامي ان القتل بالحصاة يكون عمداً اذا قام الجاني برجم المجني عليه بالحصوات أي لعدة حصوات في موضع واحد من جسمه فمات او اذا تعمد رجمه بحصاة
واحدة في مكان قاتل، او قذف الحصاة بآلة رمي قوية تنطلق منها الرمية بقوة فتنفذ في
جسم المجني عليه أو ترضه بقوة فتصرعه كرمي الكرة الزجاجية (الزرقيف) بمقلاع فتصيب المستهدف فتقتله ،وكذلك الحال اذا كانت الحصاة حادة نافذة تدخل في جسم الإنسان ففي هذه
الأحوال يكون القتل عمداً،والله اعلم.
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء