نظام تخصص القضاة في اليمن

 

نظام تخصص القضاة في اليمن

أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

تخصص القضاة له تأثير بالغ في تحسين اداء القضاة وتجويد أعمالهم ومن ثم إيجاد قضاء عادل ونزيه، وعلى هذا الأساس فإن تخصص القضاة من أهم وسائل تطوير القضاء في اليمن، وسوف نتناول هذا الموضوع حسب التبويب الآتي:

أولاً: المقصود بتخصص القضاة:

تخصص القضاة هو إلزام القاضي بنظر نوع معين من القضايا ضمن فرع من فروع القانون المختلفة مثل ( قاضي تجاري/ ويتفرع منه /قاضي بنوك –قاضي علامات وأسماء تجارية-قاضي تأمين-قاضي وكالات – قاضي شركات...الخ) بحسب كثرة القضايا وتنوعها في فروع القانون التجاري ومثل ( قاضي مدني/ ويتفرع منه قاضي منازعات إيجار- قاضي منازعات ملكية- قاضي إعسار- قاضي تأمينات) بحسب كثرة وتنوع القضايا المدنية ومثل (قاضي أحوال شخصية/ ويتفرع منه / قاضي أسرة- قاضي مواريث وقسمة- قاضي وصايا ونذور) بحسب تنوع القضايا وكثرتها في قضاء الأحوال الشخصية.

ثانياً: فوائد تخصص القضاة:

لتخصص القضاة فوائد كثيرة من أهمها ما يأتي:

1-   إكساب القضاة خبرات ومهارات نوعية في مجال معين من فروع القانون المختلفة، وكذا في نوع معين من القضايا حيث يكون هؤلاء خبراء في هذا المجال.

2-   نتيجة لاكتساب القاضي المهارات والخبرات القانونية والإجرائية في مجال معين فإن نظر القاضي في القضايا النوعية يتم بسلاسة وسرعة كما إن ذلك يتم بصورة جيدة وتبعاً لذلك تتصاعد نسبة إنجاز القضاة للقضايا.

3-   قلة أخطاء القاضي المتخصص بل وندرتها لأن القاضي المتخصص لديه الخبرة النوعية المناسبة التي تجعله لا يقع في الأخطاء التي يقع فيها القاضي غير المتخصص.

4-   لتقسيم العمل مزاياه الكثيرة التي لا يتسع المجال لحصرها هنا، وهذه المزايا تتحقق في نظام تخصص القضاة ومنها قدرة القاضي المتخصص على إيجاد الحلول والمعالجات لكثير من الإشكاليات التي تحدث عن تطبيق النصوص القانونية على الوقائع المختلفة.

ثالثاً: الوقت المناسب لتخصص القضاة:

من المؤكد أنه من غير المناسب تخصص القضاة المعينين في القضاء لأول مرة من حيث يجب أن يباشر هؤلاء أعمال قضائية متنوعة ومختلفة في مجالات ومحاكم مختلفة، حتى يكتسبوا المهارات والخبرات العامة في مجال القضاء والتقاضي، وبعد مضي مدة تتراوح ما بين ثلاث إلى أربع سنوات يكون من المناسب تخصص القضاة حسب ما هو متبع في مصر وفرنسا وغيرهما.

رابعاً: مقتضيات ومقترحات بشأن تخصص القضاة:

تخصص القضاة له مقتضيات ومقترحات من أهمها:

1-   إعادة النظر في مقررات الدراسة في المعهد العالي للقضاء، حيث  ينبغي أن تكون مقررات كل سنة من السنوات الثلاث في المعهد ثلاث مواد أساسية إجبارية يدرسها كافة الطلبة في حين تكون هناك مواد اختيارية تغطي فروع الشريعة والقانون المختلفة المناسبة لتخصص القاضي بحيث يختار الطالب منها ثلاث مواد تخصصية ، ومجرد أن يختارها الطالب تكون إجبارية بالنسبة له شريطة أن تكون المواد الإجبارية والاختيارية معمقة وتخصصية يحتاجها بحسب التخصصات القضائية المتنوعة، وهذا الأمر متبع في كثير من المعاهد القضائية، فهذه الدراسة تجعل القاضي مؤهلاً للتخصص في الفرع المناسب له أو الذي يرغب في التخصص فيه.

2-   إقامة ندوات وحلقات نوعية للقضاة في أثناء خدمتهم، لأن التدريب القضائي لهم مفيد ومجد لأنه يتركز على جزئيات معينة بدلاً من المفاهيم العامة التي تكون فائدتها محدودة بالنسبة للقضاة.

خامساً: الأسباب الموجبة لتخصص القضاة:

هناك أسباب كثيرة تستوجب الأخذ بمبدأ تخصص القضاة من أهمها ما يأتي:

1-   استحالة إلمام القاضي بكل فروع القانون وشروحه ودقائقه وتفاصيله وإجراءات تطبيقه على الوقائع المختلفة والمتجددة.

2-    كثرة القضايا تحول دون متابعة القاضي لبعض المسائل المرتبطة بالقضايا التي ينظر فيها، فما بالكم بالمسائل الأخرى وفي التخصصات الأخرى؟

3-   الاختصاص القضائي النوعي متعلق بالنظام العام وهذا من البديهيات القانونية في الدول كلها، ولا شك أن لذلك أسباب موجبة ومبررات منطقية مقبولة لدى الجميع، وموجبات و مبررات الاختصاصي القضائي النوعي هي ذاتها التي تستوجب الأخذ بمبدأ تخصص القضاة، فلا فرق بين هذا وذاك.

4-   توسع القضاء في اليمن في إنشاء محاكم متخصصة ونوعية كثيرة مثل محكمة الضرائب ومحكمة الجمارك والمحكمة الإدارية والمحكمة الجزائية ومحكمة الأموال العامة، وهذا التخصص في المحاكم يستوجب تخصص القضاة أيضاً.

سادساً: تخصص القضاة في القوانين المقارنة:

تأخذ كل الدول تقريباً بمبدأ تخصص القضاة إما عن طريق النص عليه في قانون السلطة القضائية أو من غير الحاجة إلى نص، فمثلاً قانون السلطة القضائية المصري أخذ بمبدأ تخصص القضاة ولضمان تحقيقه وتطبيقه في الواقع فقد تم النص عليه في هذا القانون،  حيث نصت المادة (12) من ذلك القانون على أن ( أ- جواز تخصص القاضي بعد مضي أربع سنوات على تعيينه في ووظيفته ب-وجوب اتباع نظام التخصص بالنسبة للمستشارين وبالنسبة لمن يكون من القضاة قد مضى على تعيينه ثمان سنوات ج- تفويض وزير العدل بإصدار قرار بالنظام الذي يتبع في التخصص بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية على أنن تراعى فيه القواعد الآتية:

1-   يكون تخصص القضاة في فرع أو أكثر من الفروع الآتية: ( جنائي-مدني-أحوال شخصية- تجاري- مسائل اجتماعية- تأمينات...الخ) ويقرر المجلس الأعلى للهيئات لقضائية الفرع الذي يتخصص فيه القاضي بعد استطلاع رغبته ويجوز عند الضرورة ندب القاضي المتخصص من فرع إلى آخر)  في حين تأخذ بعض الدول بنظام تخصص القضاة من غير أن تنص على ذلك في قانون السلطة القضائية وهذا ما نوصي به المختصين في اليمن، والواقع ان السلطة القضائية في اليمن  تتجه إلى الأخذ بنظام تخصص القضاة ولكن هذا الاتجاه لا يواكبه نظام الدراسة التأهيلية للقضاة إضافة إلى أن التخصص يتم دون مراعاة المدة التي ينبغي أن تسبق التخصص، وفي هذا الشأن فأننا نوصي مجلس القضاء الأعلى بتنظيم وترشيد نظام تخصص القضاة حتى يحقق الغايات المتواخاة منه.