لا صفة للولد العاق في التقاضي نيابة عن والديه
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة
صنعاء
للاسف
تصدر من بعض الابناء دعاوى تتنافى مع الواجب الديني والقانوني والاخلاقي للولد
تجاه والديه، حيث يتهم بعض الأولاد في
دعاويهم والديهم بالجنون اوالخرف لمجرد أن يتصرف الوالد او الوالدان ببعض ماله حتى لو كان التنازل قد تم لاقرب المقربين، وقد صرح الحكم محل
تعليقنا بأن لا صفة للولد في التقاضي نيابة عن والديه اثناء حياتهما ما دام لم
يصدر حكم بالحجر عليهما،فالحكم محل تعليقنا صدر عن الدائرة المدنية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10/3/2013م في الطعن المدني رقم (46995) وتتلخص
وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان ولدا
مات في اثناء حياة والديه فقام والداه
باستدعاء الأمين الشرعي فصرحا امامه بانهما قد تنازلا عن نصيبهما وهو السدس لكل
واحد منهما من تركة ابنهما المتوفي وذلك التنازل لاولاد ابنهما المتوفي، فقام ولد
المتنازلين برفع دعوى ضد الأمين الشرعي الذي حرر التنازل حيث زعم الولد المدعي بان والديه مختلان عقلياً وإنهما
يعانيان من الخرف والزهايمر وطلب الولد العاق في دعواه بإبطال محرر التنازل وتأديب
الأمين الشرعي، وقد توصلت محكمة اول درجة إلى الحكم بعدم قبول دعوى الولد العاق
لان المدعي رفع دعواه نيابة عن والديه المتنازلين من غير ان تكون للولد صفة أي من غير ان تكون له وكالة من والديه أو
حكم تنصيب عليهما فهما ما زالا على قيد الحياه وهما حران في التصرف بأموالهما ويحق
للمحكمة التصدي لهذه المسألة حتى ولو لو يطلب
الخصوم باعتبار هذه المسالة من
النظام العام حسبما ورد في اسباب الحكم الابتدائي، فلم يقبل الولد بالحكم
الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن وكيل الوالدين تقدم بدفع بعدم قبول الاستئناف
لانتفاء صفة الولد المستأنف، فقضت الشعبة
الاستئنافية بعدم قبول استئناف الولد وتاييد الحكم الابتدائي لعدم صفة الولد، فلم يقبل الولد بالحكم الاستئنافي
فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم
الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (والدائرة بعد الرجوع إلى
الأوراق وجدت أن ما ينعي به الطاعن على الحكم الاستئنافي في غير محله لان المحكمة
العليا من خلال دراستها لملف القضية وجدت أن ما قضى به الحكم الاستئنافي هو عين
الصواب وان ما ورد في الطعن من مناعي ليست سوى تكرار لما سبق للطاعن اثارته أمام
محكمتي الموضوع اللتين فصلتا فيها بأسباب سائغة كافية ولها سند من الأوراق
والقانون، فالطعن بالنقض لا يجوز ولوجه الا اذا تحققت أحدى حالاته المنصوص عليها
حصراً في حين ان مناعي الطاعن لا تندرج ضمن حالات الطعن) وسيكون تعليقنا على هذا
الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : حياة الوالدين وحالتهما وصلة ذلك بالصفة :
في اثناء حياة
الوالدين وتمتعهما بالصحة العقلية والذهنية يكونا هما أصحاب الصفة في التقاضي سواء
في رفع الدعاوى او دفعها اوالرد عليها، فللوالدين في هذه الحالة شخصيتهما واهليتهما
وصفتهما في تمثيل نفسيهما اصالة أو عن طريق وكيل يوكلانه لتمثيلهما امام القضاء،
كما يحق للوالدين في هذه الحالة التصرف في أموالهما بيعاً وشراء وهبة وغيرهً ،فيحق
لهما التنازل أو الهبة وفقاً للشروط الشرعية ، غير انه لا يجوز لهما الوصية أو
الهبة لوارث أو وارث الوارث.
الوجه الثاني : تكييف تنازل الوالدين عن نصيبهما في تركة ابنهما المتوفي:
من خلال مطالعة الحكم
محل تعليقنا نجد أن اساس الخلاف هو تنازل الوالدين عن نصيبهما في تركة ابنهما
المتوفي في اثناء حياتهما حيث تنازلا عن نصيبهما لأولاد ابنهما، ويعد هذا التنازل هبة
طالما وليس هناك عوض أو مقابل لهذا التنازل ،فذلك التصرف هبة من الوالدين لأولاد
ابنهما المتوفي وتسري على هذا التنازل أحكام الهبة، فالهبة لأولاد الابن المتوفي
جائزة لانهم ليسوا وارثين حتى لو اقعدوهم جديهما لان الاقعاد يكون تكييفه وصية
اختيارية، فيجوز على القول الراجح لاولاد الابن المتوفي أن يجمعوا بين الاقعاد وتنازل جديهما عن
نصيبهما في تركة أبيهم، في حين يذهب بعض العلماء إلى عدم جواز الجمع بين تنازل
الوالدين والاقعاد الا اذا كان اجمالي
نصيب الوالدين في تركة ابنهما المتوفي وما سيؤل إلى اولاد الابن عن طريق الاقعاد
يقل عن ثلث تركة كل من الوالد والوالدة، لان قانون الأحوال الشخصية قد الحق الهبة
بالوصية من حيث حكمها، وتبعاً لذلك فلا يجوز ان يزيد اجمالي قيمة الوصية والتنازل
عن ثلث تركة كل من الوالد والوالدة.
الوجه الثالث : صفة الولد بالنسبة لوالديه اثناء حياتهما :
ليس للولد أية صفة
فيما يتعلق بتمثيل والديه امام القضاء او غيره الا اذا صدرت من الوالدين وكالة له
بذلك، ولذلك فقد لاحظنا أن المحكمة الابتدائية قد قضت من تلقاء نفسها بعدم قبول
دعوى الولد لعدم صفته باعتبار هذه المسألة من النظام العام الذي يستوجب على المحكمة
التصدي لها والفصل فيها من تلقاء ذاتها ولو لم يطلب ذلك الخصوم وقد مضت محكمة
الاستئناف والمحكمة العليا في هذا الاتجاه.
الوجه الرابع : متى يكون للأمين صفة في تمثيل والديه اثناء حياتهما :
لا تكون للولد صفة في
تمثيل والديه اثناء حياتهما الا اذا كانت لديه وكالة قد صدرت منهما أو من احدهما
وفي حدود هذه الوكالة، كما يكون للولد هذه الصفة اذا ثبت من قبل لجنة طبية مختصة
أن الوالدين قد فقدا الادراك والتمييز والقدرة العقلية والذهنية مع صدور حكم قضائي
بات بذلك على ان يتضمن الحكم الحجر على الوالدين ومنعهما في التصرف لذلك السبب وان
يتضمن الحكم ايضا تنصيب الولد لرعاية مصالح والديه المحجور عليهما كما قد تقرر المحكمة لاحقاً
تنصيب الولد لرعاية شئون والديه فعندئذ وبموجب الحكم أو القرار بالتنصيب يكتسب
الولد الصفة في تمثيل والديه، إلا أنه من النادر جداً في بلد الايمان والحكمة أن
يطلب الولد الحجر على والديه أو احدهما
حتى لو كان هناك سبب موجب لذلك، وهذه فضيلة من فضائل أهل اليمن.لان منازعة الولد
لوالديه وطلبه الحجر عليهما ومنعهما من
التصرف عقوق صريح ومعصية عظيمة لاسيما اذا لم يكن هناك موجب لطلب الحجر، والله
اعلم.