مسئولية مالك لوحة رقم السيارة

 

مسئولية مالك لوحة رقم السيارة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

لوحة رقم السيارة هي هوية السيارة التي يتم الاستدلال بها عن مالك السيارة وأوصافه وعمله وعنوانه واوصاف السيارة وغير ذلك من المعلومات والبيانات، إضافة إلى ان للوحة السيارات أوجه استدلال اخرى كدفع الرسوم الجمركية وغير ذلك، ولا شك أن قيام الشخص بنزع لوحة سيارة ووضعها على سيارة اخرى جريمة، ومع ذلك  فأن نزع لوحات أرقام السيارات ووضعها على سيارات اخرى ظاهرة شائعة في اليمن تستحق الاشارة اليها في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8/4/2013م في الطعن رقم (47880) ،وتتلخص وقائع هذه القضية ان نيابة المرور اتهمت احد الاشخاص بانه  تسبب بخطائه في اصابة المجني عليه عندما اصطدم بالمجني عليه الذي كان يعبر الشارع العام مترجلاً إضافة إلى أنه لم يقم بإسعافه حيث هرب عقب ارتكابه للحادث المروري فلم يقم بإسعاف المجني عليه وتركه مرمياً على قارعة الطريق، وطلبت النيابة معاقبة المتهم بالمادتين (70و70مكررالفقرتين 1 و 2) من قانون المرور، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم ببراءة صاحب لوحة الرقم لثبوت أنه لم يقم بإرتكاب الحادث لأن السيارة التي تسببت بالحادث ليست سيارته وإنما سيارة اخيه  الذي  وضع لوحة رقم سيارة اخيه على سيارته التي تسببت في حادث صدم المجني عليه كما حكمت المحكمة الابتدائية بان يخلى المجني عليه وسكوته تجاه مالك السيارة الذي قام بتركيب الرقم الخاص بسيارة اخيه على سيارته التي تسببت في الحادث،لان المجني عليه لم يرفع دعواه في مواجهة صاحب الرقم ، وقد جاء ضمن أسباب الحكم الابتدائي (فقد تبين للمحكمة صحة نقل لوحة رقم السيارة وكذا صحة رقم السيارة التي صدمت المجني عليه وهربت وقد تأكدت المحكمة أن السيارة التي ارتكبت الحادث ليست سيارة المتهم وحيث ثبت للمحكمة بان لوحة الرقم التي كانت مركبة على السيارة التي ارتكبت الحادث تخص سيارة اخرى فذلك يقتضي الحكم ببراءة مالك لوحة الرقم وحيث ان المجني عليه لم يتقدم بدعوى الحقين الشخصي والمدني ضد صاحب السيارة التي صدمته فان المجني عليه يخلى وسكوته) فلم تستعمل النيابة الحكم غير أن  المجني عليه لم يقبل بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه فقبلت الشعبة الجزائية ذلك وقضت بإلغاء الحكم الابتدائي بجميع فقراته والحكم بإدانة صاحب لوحة الرقم بواقعة استعمال لوحة سيارته للسيارة التي ارتكبت حادث الاصطدام وامتناعه عن اعطاء المعلومات عن الشخص مرتكب الحادث وحبسه  في الحق العام مدة ستة اشهر مع وقف التنفيذ وفي الحق الخاص تسليم ارش المجني عليه بحسب التقرير الطبي المعتمد) فلم يقبل صاحب رقم السيارة بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض حيث نقضت الدائرة الجزائية الحكم الاستئنافي جزئياً، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فان الدائرة تجد أن ما نعى به الطاعن أن الحكم الاستئنافي صدر مخالفاً للقانون لانه قضى عليه بعقوبة سالبة للحرية في حين لم تكن النيابة العامة مستأنفة للحكم فهذا النعي في محله لان المادة (417) إجراءات تنص على ان استئناف المدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها لا يطرح على محكمة الاستئناف إلا الدعوى المدنية) ولذا فان الحكم بعقوبة سالبة للحرية دون طلب من النيابة العامة التي لم تستأنف ولذلك فإن الحكم الاستئنافي يكون قد قضى  بخلاف القانون مما يستلزم نقض هذه الجزئية، اما ما نعى به الطاعن من ان الشعبة عدلت الوصف القانوني للواقعة فذلك نعي غير صحيح لانها قضت على المدعى عليه المتهم الطاعن حالياً فلم يخرج قضاؤها عن مضمون تلك الدعوى ونسبتها للمدعى عليه، فما قامت به الشعبة من تصحيح الخطأ الذي وقعت فيه محكمة أول درجة جاء موافقاً للشرع والقانون مما يقتضي رفض هذه الجزئية من الطعن، وحيث ان ما انتهت اليه محكمة الاستئناف موافق لصحيح الشرع والقانون في الحق المدني والشخصي لما عللته واستندت اليه من اعترافات المتهم بملكيته للرقم محل الدعوى وحصول نقله من سيارته نوع ... إلى السيارة التي ارتكبت الحادث ونوعها ...)  وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب الأوجه الاتية :

الوجه الأول : وظيفة لوحة رقم السيارة ودلالتها:

لوحة رقم السيارة يتم وضعها في مكان بارز من السيارة وتتكون من لوحة امامية ولوحة خلفية وتكون ارقامها بارزة حتى يستطيع الجمهور مشاهدتها بيسر وسهولة، فرقم لوحة السيارة مثل الرقم الوطني للشخص الطبيعي، فرقم السيارة عبارة عن رمز تستطيع الجهات المختصة من خلاله معرفة كافة البيانات والمعلومات عن مالك السيارة وعنوانه ووظيفته ...الخ كذلك يمكن الاستدلال عن طريقه لمعرفة بيانات السيارة مثل موديلها وطرازها ونوعها والدولة التي صنعتها والاشخاص الذين تعاقبوا على شرائها ...الخ، ولذلك فقد تم الاستدلال على مالك الرقم في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا من خلال معرفة رقم السيارة التي تسببت في الحادث حيث تأكدت الجهات المختصة من عنوان ووظيفة مالك الرقم حيث تم العثور على المالك الأول للسيارة الذي افاد بدوره بأنه قد باع السيارة التي تحمل الرقم إلى الطاعن ومن خلال الرقم تم التأكد أيضاً ان الطاعن أمام المحكمة العليا كان يشترك مع أخيه في استعمال الرقم، وان السيارة التي ارتكبت الحادث ليست السيارة صاحبة الرقم وإنما سيارة شقيق مالك الرقم ، فكل هذه البيانات تم الحصول عليها عن طريق الرقم، ومن هذا المنطلق تبرز أهمية وخطورة نزع الأرقام ووضعها على سيارات اخرى ولذلك يقوم المجرمون باستعمال ارقام سيارات مسروقة أو ارقام مسروقة من سيارات اخرى.

الوجه الثاني : مسئولية مالك أو صاحب لوحة رقم السيارة :

بما أن لوحة رقم السيارة تكتسب هذه الأهمية البالغة وتؤدي هذه الوظيفة فان مالك الرقم  يكون مسئولاً  جزائياً ومدنياً عن اي استعمال غير مشروع لرقم سيارته ، فلا يستطيع نفي مسئوليته إلا اذا اثبت أنه قد اتخذ كافة الاحتياطات والتدابير اللازمة للحيلولة دون نزع اللوحة وان اللوحة قد تمت سرقتها من سيارته أو سرقة السيارة مع رقمها وأنه قد قام بإبلاغ الجهات المختصة بذلك، اما اذا قام بنزعها من سيارته إلى سيارة اخرى أو أذن لشخص بنزعها وتركيبها في سيارته فان مالك اللوحة يكون مسئولاً جزائياً ومدنياً عن أية افعال ترتكبها السيارة التي تم تركيب لوحته عليها مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، علماً بان المسئولية الجزائية قائمة على صاحب الرقم فلم يفلت صاحب الرقم في الحكم محل تعليقنا من المسئولية الجزائية إلا بسبب عدم استئناف النيابة للحكم فلو كانت النيابة قد قامت باستئناف الحكم الابتدائي لكان الحكم الاستئنافي صحيحاً في قضائه بإدانة صاحب الرقم والحكم عليه بالعقوبة المقضي بها في الحكم الاستئنافي كما ان الحائز للسيارة التي تحمل رقم غيرها يكون مسئولا جزائيا باعتبار فعله يعد من أفعال التزوير وليس كما ورد في قضاء الحكم الابتدائي،وفي هذا المعنى نص قانون المرور في المادة (66) على أنه (مع عدم الاخلال بالمسئولية الجنائية يعاقب بغرامة لا تقل عن خمسة الف ريالاً كل شخص اقدم على اتيان فعل من الافعال الاتية : -1- زوّر أو غير أو شوه أو طمس أية لوحة أرقام معدنية أو رخصة أو تصريح أو أي مستند اخر صادر بمقتضى أحكام هذا القانون -2- استعمل أو عرض او سمح لأي شخص باستعمال أو عرض أية لوحة أرقام معدنية أو رخصة أو تصريح أو أي مستند آخر صادر بمقتضى هذا القانون وهو يعلم بوقوع التزوير أو التغيير أو التشوية أو الطمس فيما ذكر -3- عار أو استعار أو أجر أو استأجر أية لوحة أرقام معدنية صادرة لأي تاجر أو صانع مرخص له بمقتضى أحكام القانون) وهذا النص يصرح بانه لايخل بالمسئولية الجزائية لصاحب الرقم وغيره، فتركيب رقم سيارة على سيارة اخرى يعد جريمة من جرائم التزوير المعنوي بمقتضي قانون الجرائم والعقوبات، لان استعمال الرقم على سيارة اخرى يوحي بان الرقم هو للسيارة التي تم وضع الرقم عليها في حين ان ذلك الرقم لا يخصها، ولذلك لاحظنا ان الحكم الاستئنافي كان قد قضى بمعاقبة صاحب الرقم الذي اقر بان رقم سيارتها يتم استعماله أيضاً في سيارة أخيه التي ارتكبت الحادث.

الوجه الثالث: التطبيق الصحيح لقاعدة يخلى المدعى عليه وسكوته:

من خلال مطالعة الحكم الابتدائي نلاحظ أنه لم يحكم على صاحب السيارة التي صدمت المجني عليه لأن المجني عليه المدعي بالحق المدني والشخصي لم يوجد دعواه إلى صاحب السيارة التي صدمته وإنما إلى صاحب الرقم الذي كان موضوعاً على السيارة التي صدمته ولذلك فليس هناك  دعوى على صاحب السيارة الصادمة وتبعا لذلك لا يحكم للمجني عليه المدعي سكت عن رفع دعواه والقاعدة أن( المدعي يخلى وسكوته) وهذه القاعدة صحيحة ولكن  تطبيق الحكم الابتدائي لها لم يكن موفقا، ولذلك سوف نشير بايجاز إلى هذه القاعدة العظيمة الفائدة ،فهذه القاعدة اصلها ومصدرها هو الفقه إلاسلامي ومعناها:ان المدعي لايحمل ولايجبر على رفع دعواه على الغير، لأن اجبار صاحب الحق أو المدعي على الأعداء يتنافى مع ما تندب إليه الشريعة إلاسلامية من تسامح وتساهل وزهد في للمطالبة بالحقوق، وقد كانت هذه القاعدة الأصل التاريخي للتقرير القانوني بأن(الدعوى حق وليس واجبا),ومقتضى قاعدة يخلى المدعي وسكوته انه لايتم الحكم لصاحب الحق بحقه مادام لم يطلب الحكم له به كما ان القاضي لايكلفه أو يلزمه  بتقديم دعواه، ومع أن الحكم الابتدائي قد استدل بهذه القاعدة إلا أن قد اخطأ في تطبيقها  اذ  أن الدعوى الجزائية والدعوى المدنية التبعية كانتا مرفوعتين امامها على السيارة التي صدمة المجني عليه ولم يتم ذكر رقم السيارةفي الدعويين إلا بغرض الاستدلال على السيارة التي صدمت المجني عليه فلم يكن الغرض من ذلك الادعاء على صاحب الرقم بمعزل عن السيارة التي صدمت المجني عليه، والله اعلم.