معايير تقدير الخطأ الجسيم للإدارة
أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
من السهل جدا تقدير الخطأ
الشخصي الجسيم للأفراد لسهولة الاعتبارات
التي يتم في ضوئها تقدير جسامة الخطأ الشخصي او غيره لان المسئول عن ارتكابه شخص طبيعي من
السهل معرفة ظروفه وظروف واقعة الخطأ الصادر منه لكن الحال يختلف اذا كان هذا
الخطأ صادرا عن الادارة التي تختلف ماهيتها وظروفها ومسئولياتها عن الشخص الطبيعي,
ومن الاحكام التي حاولت بيان المعايير والاعتبارات التي ينبغي العمل بموجبها عند
تقرير الخطأ الاداري الحكم الصادر عن الدائرة الادارية بالمحكمة العليا باليمن في
جلستها المنعقدة بتاريخ 14\11\1999م وخلاصة اسباب هذا الحكم انه ( اذا قام المرفق
او الادارة بعمل مادي كالخطأ في الافعال المادية ( الإهمال – الترك - التأخير ) في
أي صورة من الصور فالقضاء الاداري لا يقر مسئوليته الادارية الا اذا كان الخطأ على
درجة معينة من الجسامة يتم تحديدها وفقا لاعتبارات معينة اهمها الآتي :
1- مراعاة ظرف الزمان
الذي تؤدي فيه الادارة ( المرفق ) خدماتها فإذا كانت الادارة تؤدي خدماتها في ظروف
عادية فأن مسئوليتها تختلف عن مسئوليتها
عندما تؤدي خدماتها في ظروف استثنائية ,ففي ظل الظروف الاستثنائية قد لا يحكم
القضاء على الادارة بالتعويض بل يحكم بإعفائها من المسئولية او تخفيف المسئولية
بحسب الحالة .
2- مراعاة اعباء الادارة
( المرفق ) لمواجهة التزاماته وكذا موارده وامكانيته وقدراته فالإدارة التي تواجه
ضغطا او التزامات اكثر من قدراتها وامكانيتها تختلف مسئوليتها عن مسئولية الادارة
التي تتمتع بالقدرات والامكانيات والخبرات والكفاءات اللازمة فالإدارة الاولى تعفي
من المسئولية ,
3- مراعاة موقف طالب
التعويض من الادارة ( المرفق ) من حيث صلة عمله بالإدارة مباشرة او بصفة غير
مباشرة ومن حيث الضرر الذي لحق به هل كان في اثناء تقديم الادارة لخدماتها للمضرور
ومن حيث مجانية الخدمة التي تقدمها الادارة او رمزية رسومها, فاذا كانت الادارة
تقدم خدماتها بصفة غير منتظمة وغير مباشرة ومجانا او كان طالب التعويض لا علاقة له
بالإدارة فتكون المسئولية اخف مما اذا كان التزام الادارة على خلاف ذلك .
4- مراعاة طبيعة المرفق او الادارة واهميتها الاجتماعية, فالقضاء الاداري يتشدد في درجة الخطأ المنسوب للمرفق ويتطلب ان يكون الخطأ جسيما او خطيرا او ظاهر الوضوح وان تكون اثار الخطأ واضحة وقوية, فالمرافق او الادارات التي تقوم بأعمال مهمة وخطيرة او يحتاج عملها الى مجهود كبير ومرهق ودقيق تختلف عن غيرها ولذلك ينبغي مراعاة هذه الاعتبارات عند تقدير جسامة الخطأ المنسوب للإدارة او المرفق وعدم المجازفة في تقدير الخطأ الجسيم للإدارة لان الادارة لا تكون مسؤولة الا اذا كان الخطأ الصادر منها جسيما ولذلك فان المسؤولية الإدارية تختلف باختلاف الاعتبارات المشار اليها فهذه المسئولية تزيد وتنقص بحسب الاعتبارات السابق ذكرها , وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الاوجه الاتية :
الوجه الأول : مفهوم مسئولية الادارة وخصائصها التي ينبغي مراعاتها عند تقدير الخطأ الإداري الجسيم و تقرير مسئولية الادارة:
تتحمل مرافق الدولة واداراتها المختلفة مسئولية اعمالها وتصرفاتها
التي تتسبب في اضرار ينبغي عليها تعويض المتضررين من اعمال الإدارة وتصرفاتها ,
وهذه المسئولية تدل على احترام الدولة لحقوق ومصالح المتعاملين معها او المنتفعين
بخدماتها وتقرير مسؤلية الادارة دليل على احترام
الدولة للقانون وخضوعها لمبدأ سيادة القانون على الجميع بمن. فيهم الافراد والدولة
ذاتها حيث تلتزم الدولة بتعويض الافراد عن اية افعال غير مشروعة قد تصدر منها
وتلحق الضرر بالأفراد, ولاريب ان مسئولية الادارة لها خصائص تميزها عن المسئولية التقصيرية
للأفراد المنصوص عليها في القانون المدني , ولذلك فان من اهم خصائص مسئولية
الادارة استبعاد او عدم تطبيق قواعد المسئولية التقصيرية المنصوص عليها في القانون
المدني لأنها لا تتناسب مع نشاط الادارة ,وهذا ما قرره الحكم محل تعليقنا بان
مسئولية الادارة ليست قواعد مطلقة وعامة يتم تطبيقها على شاكلة واحدة وبطريقة
واحدة في كافة ادارات الدولة ومرافقها
وانما هي قواعد خاصة تلائم مقتضيات المصلحة العامة واحتياجات ومتطلبات المرافق
العامة ونظامها القانوني كل مرفق على حدة , كما ان من خصائص مسئولية الادارة انها
تسعى للتوفيق بين المصلحة العامة للمرافق العامة والمصلحة الخاصة للأفراد, اضافة
الى ان مسئولية الادارة حديثة وسريعة
التطور وقد اشار الحكم محل تعليقنا الى هذه الخصائص بإسهاب, وقد صرح الحكم على ان
هذه الخصائص هي معايير ينبغي مراعاتها عند تقدير الخطأ الاداري الجسيم ومن ثم تقرير مسئولية الادارة .
الوجه الثاني: نطاق خطأ الادارة الجسيم:
اشار الحكم محل تعليقنا الى ان الادارة لا تكون مسئولة عن الخطأ الا اذا كان جسيما وبذلك فان نطاق المسئولية عن خطأ الادارة يضيق عما هو عليه في القانون المدني ولذلك فان الامر يستدعي الاشارة بإيجاز بالغ الى ذلك, فخطأ الادارة هو الخطأ الذي ينسب الى الادارة او المرفق العام حتى ولوكان الذي قام به هو احد موظفي الادارة والخطأ الجسيم هو الذي يصدر نتيجة عدم بذل العناية المعتادة وأخذ الحيطة اللازمة المفترضة والمعتادة , وقد عرفت محكمة النقض المصرية الخطأ الجسيم بانه الذي يقع بدرجة غير يسيرة ولا يشترط ان يكون متعمدا, والخطأ الجسيم بهذا المفهوم يختلف من مرفق الى اخر بحسب طبيعة العمل المرفق وأهميته وهذا ما اشار اليه الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.