مسئولية ولي الطفل عن جنايته
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
يقرر
قانون رعاية الاحداث عدم جواز رفع الدعوى المدنية عن جنايات الحدث أمام محكمة
الاحداث، وذلك يعني جواز رفع الدعوى المدنية عن الاضرار الناجمة عن جنايات الطفل
الحدث حيث ترفع هذه الدعوى على ولي الحدث أمام المحكمة المدنية المختصة، لان الطفل
الحدث ليس أهلاً للمسئولية المدنية والجزائية، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا
التعليق على الحكم الصادر من الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة
بتاريخ 9/3/2013م في الطعن المدني رقم (47224) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها
هذا الحكم أن احد الأطفال قام بالاعتداء على طفل آخر في مركز الرعاية الاجتماعية
التابع لوزارة الشئون الاجتماعية وقد ترتب على الاعتداء فقدان الطفل المجني عليه
لبصره في احدى عينيه، وقد قام ولي الطفل المجني عليه برفع الدعوى المدنية أمام
المحكمة المدنية المختصة حيث اختصم كلاً من وزارة الشئون الاجتماعية التي يتبعها
دار الرعاية الاجتماعية بالإضافة إلى ولي أمر الطفل الجاني، وقد توصلت المحكمة
الابتدائية إلى الحكم بإلزام المدعى عليهما بعلاج المجني عليه خارج الوطن وأن لم
يتماثل للشفاء فيلزم المدعى عليهما دفع دية عين المجني عليه وما قد تسببه الاصابة
من مضاعفات على العين الاخرى والزام المدعى عليها بدفع مبلغ ثمانمائة الف ريال مقابل ما سبق تقديمه لعلاج المجني عليه داخل البلاد
والزام المدعى عليهما بدفع مبلغ مائتين الف ريال مصاريف تقاضي) وقد ورد ضمن أسباب
الحكم الابتدائي (لما كان الثابت أن النيابة العامة قد قررت بأن لاوجه لإقامة
الدعوى الجزائية قبل الحدث المتهم لامتناع مسائلته جزائياً لانه لم يبلغ سن
الخامسة عشرة وحيث انه قد ثبت أن المجني
عليه يبلغ سن السابعة، ولما كان ولي الحدث قد قام برفع الدعوى المدنية أمام
المحكمة وحيث أن الخطأ مفترض بالنسبة لمتولي الرقابة أو ولي الحدث لانه يجب عليه
ملاحظة ورقابة الطفل حتى لا يلحق الضرر بغيره ولان المركز الذي يدرس فيه الطفل
المجني عليه من مدارس الدولة التابعة لوزارة الشئون الاجتماعية ولذلك فان الدولة
ممثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية مسئولة عن مدير المركز وجميع المدرسين مسئولية
المتبوع عن التابع وملزمة بتعويض الضرر الذي يحدثه القاصر بالغير بسبب فعله الضار
اثناء وجوده بالمركز، وتقوم هذه المسئولية على اساس خطأ المفترض من جانب ولي الطفل ومتولي الرقابة
على الطفل فيلزمهما تعويض المضرور من فعل
الطفل غير المشروع، فالخطأ المفترض من جانب الولي ومتولي الرقابة هو الاخلال بواجب
الرقابة والملاحظة للطفل ومنعه من الافعال الضارة، وحيث ان مسئولية المركز لا تعني
اعفاء الاب من المسئولية لان مسئولية الاب في هذه القضية متحققة لمنع خطأ ارتكبه ابنه القاصر وهو في
المركز لان العمل الذي ارتكبه ما كان له ان يحدث لولا سوء تربية الاب لانه بحسب ملابسات القضية ان الاب قد تعود على
تدليل ابنه الجاني وسمح له بحمل الآلات الحادة والدخول بها إلى مركز الخدمات
الشاملة مما يتعين معه قيام مسئولية والد المدعى عليه الى جانب مسئولية مركز
الخدمات بالتساوي وعملاً بالمادتين 311،313 من القانون المدني فقد حكمت المحكمة) فلم
يقبل ولي امر الطفل المدعى عليه بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه وامام الشعبة طلب
المدعي المستانف ضده التعويض عن الاصابة التي لحقت بابنه فقضت الشعبة المدنية بتأييد الحكم الابتدائي
بالاضافة الى الحكم بتعويض المدعي بمبلغ ستمائة الف ريال فلم يقبل المدعى عليه
المستأنف بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة المدنية أقرت
الحكم الاستئنافي عدا مبلغ التعويض الذي قضت بإلغائه، وقد ورد في أسباب حكم
المحكمة العليا (اما النعي الذي اورده الطاعن على حكم محكمة الاستئناف بقوله أن
محكمة الاستئناف قد فصلت في طلب جديد وهو الحكم بمبلغ ستمائة الف ريال كتعويض في
حين أن المحكمة الابتدائية لم تتناول مسألة التعويض على اعتبار انها قد قضت بتحميل
ولي أمر الطفل ووزارة الشئون الاجتماعية تكاليف علاج الطفل المصاب وتحمل أية
مضاعفات إلا أن المدعي لم يطلب امام المحكمة الابتدائية التعويض، ولذلك فان طلب
التعويض أمام محكمة الاستئناف يعد طلبا جديداً لا يجوز تقديمه أمام الاستئناف
ولذلك فان الدائرة تقبل الطعن في هذه الجزئية) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما
هو مبين في الأوجه الاتية :
الوجه الأول : عدم مسئولية الطفل الجزائية والمدنية :
من المقرر في الشريعة
والقانون عدم مسئولية الطفل الجزائية والمدنية ولذلك لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا
قد اشار الى ان النيابة العامة قد قررت بأن لاوجه لإقامة الدعوى قبل الطفل الجاني،
وبناءً على ذلك قام ولي الطفل المجني عليه برفع الدعوى المدنية أمام المحكمة
المدنية حيث طلب فيها معالجة أبنه خارج اليمن بعد أن ثبت عدم جدوى علاجه داخل
البلاد كما طالب بدفع المبالغ التي سبق له ان دفعها لعلاج أبنه داخل اليمن ،
فالطفل لا يسأل مدنياً أو جزائياً عن الافعال الجرمية التي يرتكبها لنقص أو عدم
ادراكه لأفعاله، ولكن ذلك لا يعني أن تكون الاضرار التي تلحق بالغير بسبب افعال
الطفل هدراً، ولذلك قرر القانون مسئولية ولي الطفل أو متولي الرقابة على الطفل عن
معالجة وتعويض الاضرار التي تحدث بسبب افعال الطفل غير المشروعة حيث يحق للمضرور
من افعال الطفل ان يرفع دعواه المدنية في
مواجهة ولي الطفل او المتولي الرقابة على الطفل.
الوجه الثاني : المسئولية المدنية لولي الطفل :
ولي الطفل هو المسئول
عن تربية الطفل وتهذيبه وتقويم سلوكه والمحافظة عليه والقيام بأمره، وكذا منعه من
الاعتداء على غيره وحمله على احترام احكام الشرع والقانون، ولذلك فان قيام الطفل
بإرتكاب أية افعال تسبب اضراراً بالغير يكون دليلاً على إهمال وتقصير الولي في
القيام بواجبه في منع الطفل من الاعتداء على غيره وهذا ما يعبره عنه بالخطأ
المفترض من جانب ولي امر الطفل حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا استنادا الى المادة311مدني.
الوجه الثالث : مسئولية المركز او المدرسة عن افعال الطفل داخل المدرسة :
سبق القول أن الطفل
غير مسئول جزائياً أو مدنياً عن الافعال التي يرتكبها لنقص أو عدم ادراكه للأفعال
التي يباشرها ولذلك يفترض أن يكون المسئول مدنياً عن تلك هو الشخص الذي يكون الطفل
تحت ملاحظة ورقابته، وبناءً على ذلك فان معلم التلاميذ الذي يكون موجوداً مع الطفل
اثناء جنايته يكون المعلم في هذه الحالة هو المسئول مدنياً على أساس الخطأ المفترض
بأن المعلم لم يقم بواجبه في حفظ الطفل ومنعه من الاعتداء على غيره وبالطبع تكون
هذه المسئولية مدنية وليس جزائية حيث تقتصر المسئولية على معالجة الاضرار المترتبة
على جناية الطفل وتعويض المضرور منهاعملا بنص المادة 311مدني.
الوجه الرابع : مسئولية ادارة المدرسة عن مدرسيها ومسئولية الوزارة عن اخطاء المعلمين في المدارس :
استند الحكم محل
تعليقنا إلى الخطأ المفترض من جانب المعلم في الفصل الدراسي الذي كان يتواجد فيه
التلميذان الجاني والمجني عليه حيث أنه كان يفترض أن يراقب المعلم سلوك التلاميذ
داخل الفصل وان يمنع الجاني من الاعتداء على غيره، ومع ذلك فأن الحكم محل تعليقنا
قد حكم على الوزارة التي تتبعها المدرسة أو المركز وهي وزارة الشئون الاجتماعية،
ويتأسس هذا الحكم على أساس أن وزارة الشئون الاجتماعية هي التي قامت بتعيين المعلم
أو المعلمة والوزارة هي التي قامت بتعيين ادارة المدرسة أو المركز التي تتولى
الاشراف والمتابعة على المعلمين ،فالمعلم وادارة المركز يتبعا وزارة الشئون
الاجتماعية ،ولذلك فالوزارة مسئولة مدنياً عن الخطأ المفترض للمعلم مسئولية
المتبوع عن اعماله تابعهبموجب المادة بموجب المادة 313مدني ، ومع هذا يحق للوزارة الرجوع على التابع لاقتضاء أية مبالغ قد
تدفعها الوزارة للمتضرر من الخطأ المفترض للتابع بمقتضى المادة314 مدني.
الوجه الخامس: عدم جواز تقديم طلبات جديدة امام محكمة الاستئناف :
كان حكم المحكمة
العليا قد قضى بنقض فقرة من فقرات منطوق الحكم الاستئنافي التي قضت بقبول الطلب
الجديد بالتعويض ، لان يخالف المادة 288مرافعات كما انه يعطل مبدا التقاضي على درجتين فضلا عن
انه لايجوز ان يضار الطاعن بطعنه حيث الطاعن بالاستئناف هو المحكوم عليه
بالتعويض، والله اعلم.