نطاق المنازعة العمالية
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
هناك
غموض فيما يتعلق بنطاق المنازعة العمالية حيث يعمد البعض إلى توسيع هذا النطاق
ليدخل فيه الدين الذي يكون بذمة العامل او
البضاعة التي قد تسلم إلى العامل باسمه ويلتزم في الوقت ذاته بإعادة قيمتها أو عند
ما يكون لدى العامل عهدة شخصية لصاحب العمل، في حين يقصر البعض الآخر المنازعة
العمالية على المنازعة المترتبة على عقد العمل بصفة مباشرة، وقد جاء الحكم محل
تعليقنا كي يفصل في هذه المسألة، وهو الحكم الصادر عن الدائرة التجارية في جلستها
المنعقدة بتاريخ 20/1/2018م في الطعن رقم (59331) وتتلخص وقائع القضية التي
تناولها هذا الحكم ان احدى الشركات التجارية الخاصة تقدمت بدعوى تجارية امام
المحكمة التجارية مدعية:انها كانت تقوم بتسليم العامل لديها (مندوب المبيعات) بضاعة بموجب فواتير باسم ذلك العامل الذي كان
يقوم بتوزيعها على المحلات ثم يقوم لاحقا بسداد قيمتها إلى الشركة، وكانت الشركة
تمنحه عمولة 10% من قيمة المبيعات ،
وقد ادعت الشركة بان العامل قد انقطع عن العمل واختفى عن الأنظار ولازالت في ذمته
قيمة البضاعة التي استلمها آخر مرة، وطلبت الشركة الحكم على العامل بإعادة المبالغ
التي بذمته، وقد توصلت المحكمة التجارية الابتدائية إلى الحكم بإلزام العامل
المدعى عليه بدفع المبلغ الذي بذمته للشركة، فقام العامل باستئناف الحكم الابتدائي
حيث تضمن استئنافه : انه قد دفع أمام المحكمة الابتدائية بعدم اختصاص القضاء
التجاري بنظر القضية لان القضية عمالية فقضت الشعبة التجارية بقبول الدفع وعدم
اختصاص المحكمة التجارية بنظر النزاع وإحالة القضية إلى اللجنة التحكيمية
العمالية، وقد عللت الشعبة حكمها بان العلاقة فيما بين الشركة والعامل هي علاقة
عقد عمل وليست علاقة تجارية بالنظر إلى طبيعة عمل العامل المستأنف لانه مندوب
مبيعات، فلم تقنع الشركة بالحكم الاستئنافي فقامت بالطعن فيه بالنقض ،فقبلت
الدائرة الطعن ونقضت الحكم، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (فقد وجدت
الدائرة ان الطاعن ينعي على الحكم الاستئنافي انه قد اخطأ في تطبيق القانون حينما
بني الحكم على أساس ان العلاقة بين الطرفين
في موضوع القضية عمالية في حين انها تجارية وليست عمالية، فالقضية متعلقة
بإستلام وبيع بضائع لا علاقة لها البتة بالمنازعات العمالية ،فالشعبة اخطأت في
تطبيق القانون لان الطاعنة شركة تجارية تبيع منتجاتها إلى المطعون ضده بموجب
فواتير آجله وهو بدوره يقوم ببيعها على تجار الجملة والتجزئة ثم يقوم بعد ذلك
بتوريد القيمة إلى الشركة، الأمر الذي تنطبق عليه أحكام المادتين (14 و 17) تجاري،
والدائرة تجد هذا النعي سديد ذلك ان المادة (6) من قانون العمل تنص على (ان تمثل
الأحكام الواردة في هذا القانون الحد الادنى لحقوق العمال أي أن المنازعة متعلقة
لحقوق العامل وكذا المادة (132)التي حددت منازعات العمل وذكرت انها المنازعات
والخلافات الناشئة بين اصحاب العمل والعمال فيما يتعلق بأحكام قانون العمل ونظمه
ولوائحه وعقود العمل والمخالفات المحالة على لجان التحكيم المتعلقة بالتفتيش على
منشأت العمل، أي ان قانون العمل ينظم حقوق العمال وشروط العمل وكيفية تسوية
المنازعات بهذا الخصوص، وحيث ان النزاع فيما
الطرفين ينصب على قيمة بضاعة تدعى الشركة الطاعنة تسليمها للمطعون ضده وان
لم يورد قيمتها للشركة فهو نزاع تجاري تبعي للأعمال التجارية الأصلية عملاً
بالمادتين (13 و 14) تجاري) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه
الأتية :
الوجه الأول : حدود المنازعة العمالية :
المنازعات العمالية
وفقاً لما ورد في الحكم محل تعليقنا والنصوص القانونية التي استند اليها الحكم: هي
المنازعة التي يكون موضوعها حقوق وواجبات أو التزامات العامل وصاحب العمل المنصوص
عليها في عقد العمل المبرم فيما بين الطرفين أو تلك المنصوص عليها في قانون العمل
مثل مطالبة العامل بحقوقه كالراتب أو مقابل الاجازة أو اجر العمل الإضافي وقيمة
العلاج ومكافأة نهاية الخدمة وراتب شهر الانذار وتعويضه عن الفصل التعسفي وكذا
المطالبة بالتعويضات، وبناءً على ذلك فلا تدخل الدعاوى الاخرى ضمن منازعات العمل
مثل المطالبة بديون في ذمة العامل أو قيمة بضاعة، وكذا لا تدخل ضمن المنازعات العمالية
الدعاوي الجزائية بشان الافعال الجنائية التي قد يرتكبها العامل أو صاحب العمل حتى
لو كانت مخالفة للالتزامات والواجبات المقررة على الطرفين مثل جرائم الاختلاس
والسرقة وخيانة الأمانة والسب والشتم والضرب ...الخ، لان الافعال الجنائية تختص
بتحقيقها والتصرف فيها النيابة العامة والتي تباشر اجراءات رفع الدعوى الجزائية
غير انه يجوز للعامل أو لصاحب ان يرفع دعواه المدنية أمام القاضي الجزائي تبعا للدعوى الجزائية أو
بصفة مستقلة للمطالبة باستعادة أمواله
المعتدى عليها أو تعويضه عن الاضرار التي لحقت به جراء تلك الافعال الجزائية، وفي
كل الأحوال فإن هذه المنازعات لا تندرج ضمن المنازعات العمالية ولا يختص بها
القاضي العمالي.
الوجه الثاني : المنازعات بشأن اعمال الموزعين للبضاعة على المحلات التجارية:
اعمال الموزعين
للبضائع على المحلات تختلف وهذا الاختلاف يحدد طبيعتها وما اذا كانت منازعة عمالية
أم منازعة تجارية، فاذا كان عمل الموزع يقتصر على استلام البضاعة وتحميلها ونقلها
إلى المحلات التجارية التي يحددها صاحب العمل ويتم تحرير فواتير بيع البضاعة بإسم
تلك المحلات فان أي نقص في البضاعة أو عدم تسليمها لا تكون منازعة تجارية وان كان
العامل أو السائق أو الموزع قد تسبب في ذلك أو اهمل ،لان المنازعة في هذه الحالة
عمالية أو جزائية بحسب الفعل المسند للعامل فلا تكون تجارية، اما اذا تم تسليم
البضاعة إلى السائق أو الموزع بموجب فاتورة باسم الموزع نفسه حيث يتم تسويقها
وتصريفها بنظر الموزع وعلى مسئوليته فإن ذلك التصرف يخضع لأحكام القانون التجاري
ويخضع لاختصاص القضاء التجاري حسبما قضى حكم المحكمة العليا محل تعليقنا، وحتى
يكون الموزع أو السائق مسئولاً عن البضاعة التي يقوم بتسويقها أو توزيعها فان
شركات كثيرة تدون في نهاية الفاتورة التي تسلم بموجبها البضاعة إلى السائق أو
الموزع عبارة (البضاعة عهدة في ذمة المستلم ولا تبرى ذمته إلا بتسليم قيمة البضاعة
الموضحة اعلاه أو اعادة البضاعة عينها) حيث تتيح هذه العبارة للشركات صاحبة
البضاعة مسائلة الموزع جزائياً بإعتباره مرتكباً لجريمة خيانة الأمانة أو مطالبته
تجارياً بالبضاعة أو قيمتها حسبما ورد في العبارة المشار اليها، والظاهر ان الشركة
الطاعنة في الحكم محل تعليقنا كانت تصدر فواتير للعامل على النحو السابق
ذكره، والله اعلم.