موقف الفقهاء من تقنين أحكام الشريعة الإسلامية
دراسة
مقارنة
د.
عبد المؤمن عبد القادر شجاع الدين
الأستاذ
المساعد بقسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون
جامعة
صنعاء – اليمن
الملخص
العربي للبحث:
يشتمل هذا البحث على مقدمة ومبحثين وخاتمة، حيث بينت في المقدمة أسباب
اختيار البحث في هذا الموضوع وأهميته وطريقة البحث وخطته، أما المبحث الأول فقد
أشرت فيه إلى تعريف تقنين أحكام الشريعة الإسلامية وبدايات فكرة التقنين وتطورها، في حين تعرضت في
المبحث الثاني إلى أقوال الفقهاء الذين أجازوا التقنين وأدلتهم، وأقوال الفقهاء الذين
يرفضون تقنين أحكام الشريعة وأدلتهم ,وفي ضوء المناقشة لأدلة الفريقين ذهبت إلى ان
القول بجواز التقنين هو الجدير بالترجيح وذكرت أسباب الترجيح ، في حين ذكرت في
الخاتمة أهم نتائج البحث وتوصياته.
الملخص الإنجليزي للبحث:
Scholar's Position of codifying Islamic Guide
Dr. Abdulmomen Shuja'a Aldeen
Assistant
Professor, Department of Comparative Jurisprudence, Faculty of Sharia and Law
Sana'a University
Research Summary
The search is included of introduction, two
thesis and conclusion
In the introduction stated the most important
reasons that led me to discuss the subject of the position of scholars from the
codifying Islamic guide.
I Thesis
In this thesis I mentioned the definition of
the codifying Islamic guide and its beginnings and developments.
II Thesis
In this thesis I talk about the opinion
of the scholars who permit and don’t permit the codifying, and after the
comparison between both I agreed with the first side with presenting the
reasons.
Conclusion
I presented at the conclusion the results of
the research and its recommendations.
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ,محمد وآله
وصحبه الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد أنزل
الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم على قلب النبي e، و تضمن القرآن الأحكام كافة التي يحتاج لها
البشر في مختلف الأزمنة والأمكنة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها تصديقاً لقوله
تعالى ] مَا فَرَّطْنَا
فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [([1]).
حيث قام النبي e ببيان الأحكام التي نحتاج إليها بأقواله وأفعاله وتقريراته
تصديقاً لقوله تعالى ] وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ
لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [([2])،
وفي الوقت الحاضر ترتفع الدعوات الصادقة في العالم الإسلامي لتطبيق أحكام
الشريعة الإسلامية والاحتكام لشرع الله إعمالاً لقوله تعالى ] إِنْ
الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ[([3]) بعد أن جربت الدول
الإسلامية نظريات ومناهج بشرية شتى جلبت للأمة الإسلامية الخراب والتخلف والتبعية
والفتن والصراع.
ومن أهم وسائل تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في الوقت الحاضر تقنين هذه الأحكام في قوانين
بدلاً عن القوانين ذات المحتوى الغربي.
أسباب اختيار البحث في هذا الموضوع:
1-
تقنين أحكام الشريعة الإسلامية من
أهم الوسائل المعاصرة لتطبيق الشريعة الإسلامية في الوقت الحاضر وأسلمه القوانين.
2-
التقنين مسألة معاصرة لم يتعرض لها الفقهاء
المتقدمون تفصيلاً، وأختلف بشأنها الفقهاء المعاصرون خلافًاً واسعاً ومتشعباً، وما
زال هذا الخلاف قائما، وذلك يؤثر من حيث التزام بعض الناس بأحكام القوانين والعمل
على وفقها,لظنهم بأن التقنين يخالف الشريعة الإسلامية، وذلك يحتاج للبحث والدراسة
والمناقشة.
3-
تتجه الدول الإسلامية إلى تقنين أحكام
الشريعة الإسلامية على تفاوت بين هذه الدول، والبحث في هذا الموضوع سوف يبين بطريقة
علمية مزايا وعيوب التقنين، ويضع التوصيات المناسبة لتجاوز عيوب التقنين.
4-
تتنوع تجارب الدول الإسلامية في تقنين أحكام
الشريعة الإسلامية, وتسليط الضوء على بعض هذه التجارب سوف يسهم في استفادة الدول
الإسلامية من هذه التجارب في عملية التقنين.
5-
المسائل المتعلقة بالتقنين وردت
مبعثرة في المراجع الفقهية والقانونية والرسائل العلمية، وتحتاج إلى جمع شتاتها في
بحث علمي محايد ملتزم بأصول البحث العلمي وقواعده العامة يتسم بالعمق والإحاطة يدرسها
ويخلص إلى نتائج وتوصيات مفيدة بشأنها.
خطة البحث:
سيتم البحث في هذا الموضوع على وفق الخطة الآتية:
المبحث الأول:
ماهية
تقنين أحكام الشريعة الإسلامية.
المبحث الثاني:
خلاف
الفقهاء بشأن تقنين أحكام الشريعة الإسلامية.
خاتمة البحث:
وتتضمن
نتائج وتوصيات البحث.
المبحث الأول
ماهية تقنين أحكام الشريعة الإسلامية
وسنبين في المطلب الأول المقصود بتقنين أحكام الشريعة الإسلامية، وفي المطلب الثاني سوف نشير إلى بدايات فكرة تقنين أحكام
الشريعة الإسلامية وتطورات هذه الفكرة، أما
المطلب الثالث فسوف نستعرض فيه بإيجاز تجارب بعض الدول الإسلامية في تقنين أحكام
الشريعة الإسلامية.
المطلب
الأول
المقصود
بتقنين أحكام الشريعة الإسلامية
وسنذكر المعنى اللغوي للتقنين في الفرع الأول، ثم نذكر المقصود
بالتقنين عند الفقهاء المعاصرين وذلك في الفرع الثاني.
الفرع
الأول
المعنى
اللغوي للتقنين
نستطيع القول بثقة أن كلمة التقنين ليست عربية لأنها مشتقة من كلمة
قانون، وكلمة قانون ليست عربية أيضاً، حيث ورد في لسان العرب: أن ابن الإعرابي
قال: والتقنين الضرب بالقنين وهو الطنبور باللغة الحبشية، ويقال النرّد، وقال
الأزهري: وهذا هو الصحيح، وأتقن الشيء: أكمله، وإتقانه: إحكامه، والإتقان الإحكام
للأشياء , ومن ذلك قوله تعالى ] صُنْعَ
اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ[([4]) ورجل تقن: متقن
للأشياء حاذق. وقانون كل شيء: طريقه ومقياسه، وقال ابن سيده وآراها دخيلة،
والقوانين: الأصول، الواحد قانون، وليس بعربي. ([5])
وقال صاحب المصباح المنير: القانون الأصل والجمع قوانين. ([6])
الفرع
الثاني
معنى
التقنين عند الفقهاء المعاصرين
لبيان معنى التقنين بدقة فإن ذلك يقتضي أولاً تعريف التقنين عند
الفقهاء المعاصرين,ثم التعرض لبيان معنى القانون وخصائصه عند شراح القانون,
وثالثاً صياغة التعريف الجامع للتقنين.
أولاً: تعريف
التقنين عند الفقهاء المعاصرين:
التقنين أمر حادث ولذلك لم يتعرض
الفقهاء المتقدمون لتعريفه، أما الفقهاء المعاصرون فقد عرّفوا التقنين
بتعريفات كثيرة منها:
1-
صياغة الأحكام في شكل مواد قانونية مرتبة مرقمة على غرار القوانين
الحديثة من مدنية وجنائية وتجارية...
إلخ. وذلك لتكون مرجعاً سهلاً محدداً يمكن بيسر أن يتقيد به القضاة ويرجع إليه
المحامون ويتعامل على أساسه المواطنون. ([7])
2-
صياغة الأحكام الفقهية في مواد
قانونية سهلة لغرض تطبيقها في مجال القضاء. ([8])
3-
صياغة أحكام المعاملات وغيرها من عقود ونظريات
في صورة مواد قانونية يسهل الرجوع إليها. ([9])
4-
صياغة الأحكام الفقهية بعبارات آمرة , والتمييز بينها بأرقام متسلسلة ومرتبة ترتيباً منطقياً
بعيداً عن التكرار والتضارب. ([10])
5-
وضع مواد تشريعية يحكم بها
القاضي ولا يتجاوزها.
([11])
6-
صياغة
الأحكام الشرعية في عبارات إلزامية لأجل إلزام القضاة بالحكم بها. ([12])
ثانياً: تعريف القانون وخصائص القاعدة القانونية عند
شراح القانون:
ومن وجهة نظرنا فإن
صياغة التعريف الجامع للتقنين يتحدد في ضوء تعريفات الفقهاء السابق ذكرها ,وكذا في ضوء تعريف القانون وخصائص القانون عند
شراح القانون.
وفي هذا الشأن يذهب شراح القانون إلى أن مصطلح ( القانون) ينصرف بصفة عامة إلى كل قاعدة مطردة
مستقرة يفهم منها نتائج معينة، وبهذا المعنى العام يستعمل لفظ (القانون) في
المجالات المختلفة كالعلوم الطبيعية والرياضية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
فيقال مثلاً( قانون الجاذبية) و( قانون
العرض والطلب)، أما في مجال الدراسات القانونية فإن مصطلح القانون ينصرف إلى مجموعة القواعد التي تحكم
سلوك الأفراد في الجماعة والتي يتعين عليهم الخضوع لها ولو بالقوة إذا لزم الأمر،
وهذا التعريف يبين الخصائص الجوهرية للقانون وهي:
1-
القواعد القانونية قواعد عامة مجردة، فهذه القواعد ينبغي أن تصاغ بحيث تنطبق
على الأشخاص أو الوقائع بصيغة عامة، فلا تنطبق
على شخص معين أو على واقعة معينة ، ولكنها تنطبق إذا توافر في الشخص
أو في الواقعة صفات أو شروط معينة.
2-
القواعد القانونية قواعد اجتماعية، لأن الغرض منها
هو تنظيم روابط الأفراد فيما بينهم، فوجود
الإنسان في جماعة يستدعي قيام علاقات بينه وبين أفراد الجماعة ,والقانون يتدخل لتنظيم هذه العلاقات.
3-
القواعد
القانونية تحكم السلوك الظاهر لأفراد المجتمع، فلا يهتم القانون بالمشاعر أو
النوايا طالما أنها لم تظهر إلى العالم الخارجي، فقد ينوي شخص قتل غيره ,فعندئذ لا
يتدخل القانون إلا إذا أفصح الشخص عن نيته في شكل تعدٍ بالضرب أو القتل.
4-
القواعد القانونية قواعد ملزمة، وذلك يقتضي أن
تكون مقترنة بجزاء، فالقواعد القانونية تنظم علاقات الأفراد في المجتمع، ولذلك
ينبغي أن تكون ملزمة تجبر الأفراد على احترامها عن طريق توقيع جزاء على من يخالفها،
فخاصية الجزاء تعد من
أبرز الخصائص التي تميز القاعدة القانونية عن غيرها من القواعد الاجتماعية الأخرى. ([13])
ثالثاً: التعريف الجامع لتقنين أحكام الشريعة
الإسلامية:
في ضوء تعريفات الفقهاء المعاصرين
للتقنين ,وتعريف شراح القانون للقانون وبيان خصائصه السابق ذكرها , نستطيع تعريف تقنين
أحكام الشريعة الإسلامية بأنه ( قيام الجهات المختصة بالدولة الإسلامية بصياغة
الأحكام الفقهية في قواعد عامة ومجردة
وملزمة على شاكلة النصوص القانونية وإقرار
ذلك وإصداره على هيئة قانون).
شرح
التعريف:
قيام
الجهات المختصة: وقد ذكرنا ذلك في التعريف, لان التقنين ينبغي أن يتم بنظر الجهات المختصة في
الدولة الإسلامية التي تضم العلماء أهل الدراية والخبرة والاختصاص في هذا الشأن وهي هيئة تقنين أحكام
الشريعة الإسلامية التي تقوم بإعداد مشروع
التقنين وتعرضه على الجهات التي يحق لها اقتراح القوانين أو تعديلها كمجلس الشورى
أو السلطة التشريعية التي تقوم بمناقشته ثم إقراره وإحالته بعدئذٍ إلى ولي الأمر
لإصداره على هيئة قانون.
صياغة الأحكام
الفقهية: وذكرنا ذلك في
التعريف ,لأن هذه العبارة قد وردت في تعريفات الفقهاء للتقنين.
قواعد عامة مجردة
وملزمة على شاكلة القواعد القانونية:
لأن التقنين لا يكون
قانوناً إلا إذا كان على هذا النحو بحسب ما ورد في تعريف
القانون وخصائصه عند شراح القانون.
إقرار ذلك وإصداره
على هيئة قانون: وذكرنا
ذلك في التعريف ,لأن التقنين لا يكون قانوناً ملزماً إلا إذا تم إصداره وإعلانه
وافتراض علم المكلفين به.
المطلب الثاني
فكرة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية
هذه الفكرة قديمة ,فقد حاول عبد الله بن المقفع إقناع أبي جعفر
المنصور المتوفي سنة (158هـ) بتقنين أحكام الشريعة الإسلامية، وذلك في رسالة حررها
إلى أبي جعفر المنصور، وقد قال ابن المقفع في هذه الرسالة( فلو رأى أمير المؤمنين أن يأمر
بهذه الأقضية والسير المختلفة فترفع إليه في كتاب ويرفع معها ما يحتج به كل قوم من
سنة أو قياس ثم ينظر أمير المؤمنين في ذلك فيمضي في كل قضية رأيه الذي يلهمه الله
ويعزم عليه عزماً وينهي عن القضاء بخلافه). ([14])
وفي عام (148هـ) دعا
الخليفة أبو جعفر المنصور إلى إلزام الناس بموطأ الإمام مالك بن أنس المتوفي سنة
179هـ فامتنع الإمام مالك عن ذلك، ثم أعاد
أبو جعفر المنصور المحاولة مرة أخرى عام(163هـ) فامتنع الإمام مالك أيضاً، وفي عهد
الخليفة المهدي المتوفي سنة(169هـ) حاول إلزام الناس بموطأ الإمام مالك فامتنع
أيضاً،
([15])
وفي أواخر القرن الثالث عشر الهجري شكلت الدولة
العثمانية لجنة مكونة من سبعة علماء أسمتها ( جمعية المجلة) وكان يرأسها أحمد جودت
باشا ناظر ديوان الأحكام العدلية( وزير العدل) وأسندت إلى هذه الجمعية مهمة وضع قانون
المعاملات المدنية من الفقه الحنفي دون التقيد بالرأي الراجح، واستمر عمل هذه الجمعية
سبع سنوات من سنة 1286هـ وحتى سنة 1293هـ حيث صدر هذا القانون في 26 شعبان 1293هـ
وكان اسمه (مجلة الأحكام العدلية )وقد احتوت هذه المجلة على(1825) مادة تتناول
أحكام البيوع والإيجارات والكفالة والحوالة والرهن والهبة والغصب والإتلاف والحجر
والإكراه والشفعة والشركات والوكالة
والصلح والإبراء والإقرار والدعوى والبينات والتحليف والقضاء، ولم تتناول المجلة
مسائل العبادات, وقد اتبعت المجلة أسلوب القوانين الحديثة من حيث ترتيب الأبواب والفصول وترتيب المواد، وعقب ظهور مجلة
الأحكام العدلية في تركيا ظهر قانون حقوق العائلة العثماني عام 1326هـ، الذي ينظم
الزواج والفراق، ولم يلتزم هذا القانون بأحكام المذهب الحنفي بل أخذ في بعض
المسائل بأحكام المذاهب الأخرى، وبعد ذلك صدر قانون الجنايات. ([16])
المطلب الثالث
تقنين
أحكام الشريعة الإسلامية في بعض الدول العربية
شاعت وانتشرت خلال النصف الثاني من القرن الرابع
عشر الهجري ظاهرة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية في مختلف الدول الإسلامية،
وسنكتفي في هذا المطلب بالإشارة بإيجاز
إلى جهود التقنين في بعض الدول العربية وهي اليمن والكويت والسعودية ومصر.
الفرع
الأول
تقنين
أحكام الشريعة الإسلامية في اليمن
كان الشطر الجنوبي من اليمن محتلاً من قبل الاستعمار البريطاني الذي
استمر حتى 30/11/1967م، وفي هذا التاريخ تولت
الجبهة القومية مقاليد الحكم ثم الحزب الاشتراكي اليمني حتى قيام الوحدة المباركة
في 22/5/1990م ولذلك لم نقف على جهود تقنين أحكام الشريعة الإسلامية هناك، أما في
الشطر الشمالي من اليمن الذي كان يرزح تحت حكم الأئمة، فقد بدأت محاولات التقنين
في أواخر عهد الإمام يحيى حميد الدين وفي عهد ابنه الإمام أحمد حميد الدين عن طريق
ما كان يسمى( بالاختيارات) حيث كان يتم اختيار قول واحد من الأقوال الفقهية ليحكم
القضاء بموجب القول المختار، فكان يتم إلزام القضاة بذلك، وتواصلت(الاختيارات) على
يد المرحوم العلامة القاضي عبد الرحمن بن يحيى الإرياني عندما تم تعيينه وزيراً
للعدل في أول حكومة بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م كما صدر الدستور الدائم وبعض
القوانين والتشريعات المستفادة من أحكام الفقه الإسلامي في عهد المرحوم العلامة
القاضي عبد الرحمن الإرياني حينما كان رئيساً للجمهورية، حيث كان ينص ذلك الدستور على أن الشريعة الإسلامية مصدر القوانين
جميعا ([17]).
وفي 1975م صدر قرار مجلس القيادة رقم(74) لسنة 1975م بتشكيل الهيئة
العلمية لتقنين أحكام الشريعة الإسلامية من كبار علماء اليمن، حيث قامت هذه الهيئة
بإعداد مشروعات عدة قوانين وتقديمها إلى مجلس الوزراء الذي وافق عليها ثم أحالها
إلى مجلس القيادة لإقرارها وإصدارها، حيث كان البرلمان معلقاً خلال تلك الفترة،
ومن هذه القوانين التي تم إصدارها خلال تلك
الفترة بعد أن تم إعدادها من قبل الهيئة العلمية لتقنين أحكام الشريعة الإسلامية، قرار مجلس القيادة
بالقانون رقم(24) لسنة 1976م بشأن المواريث الشرعية وقرار مجلس القيادة بالقانون
رقم(142) لسنة 1976م بشأن الوصية وقرار مجلس القيادة بالقانون رقم(78) لسنة 1976م
بشأن الوقف وقرار مجلس القيادة بالقانون رقم(77) لسنة 1976م بشأن الهبة، وقرار
مجلس القيادة بالقانون رقم(3) لسنة 1978م بإصدار قانون الأسرة.
وعند إعداد الهيئة العلمية لتقنين
أحكام الشريعة لمشاريع القوانين لم تلتزم الهيئة بمذهب معين، وإنما كانت
تستمد النصوص القانونية من الأدلة الشرعية الأصلية وتختار الأقوى دليلاً في نظر
الهيئة وذلك من مجموع المذاهب الفقهية. ([18])
وبعد إنشاء مجلس الشعب التأسيسي عام 1978م تم تشكيل لجنة تقنين أحكام
الشريعة الإسلامية ضمن لجان المجلس,حيث
واصلت اللجنة أعمالها في تقنين أحكام الشريعة وتقديم مشاريع القوانين إلى المجلس
حيث تم الانتهاء من إصدار القانون المدني بإصدار الكتاب الرابع منه بالقانون رقم(17) لسنة 1983م وكذا تم اصدار قانون الإثبات وقانون الإجراءات الجزائية وغير
ذلك من القوانين ,ولا زالت لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية تباشر أعمالها حتى
اليوم ضمن اللجان المتخصصة بمجلس النواب
حيث قامت باعداد ومراجعة مشروعات قوانين كثيرة تم إصدارها ولا يتسع المجال لذكرها
هنا.
الفرع
الثاني
تقنين
أحكام الشريعة الإسلامية في الكويت
شهدت الكويت منذ بداية الستينات نهضة
تشريعية كبرى, حيث كانت الكويت أول دولة في الجزيرة العربية على الإطلاق تقوم
بإصدار الدستور، حيث صدر الدستور الكويتي بتاريخ14 جمادي الثانية 1382هـ الموافق
11/11/1962م وقد اشتمل الدستور على(183) مادة من أهمها المادة(2) التي تنص على أن
دين الدولة الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع، كذلك صدرت قوانين
كثيرة في وقت مبكر منها قانون التسجيل العقاري الصادر بالمرسوم بقانون رقم(5) لسنة
1959م وقانون التأمينات العينية الصادر عام 1961م وقانون تنظيم الالتزامات الناشئة عن العمل
غير المشروع عام 1961م وتعديلاته عامي 1967م و 1976م ، وقانون العمل في القطاع
الحكومي رقم(18) لسنة 1960م وقانون العمل في القطاع الأهلي رقم(38) لسنة 1964م
وقانون العمل في قطاع الأعمال النفطية رقم(28) لسنة 1969م وقانون إيجار العقارات
رقم(35) لسنة 1978م والقانون المدني رقم(67) لسنة 1980م، وقانون المرافعات المدنية
رقم(83) لسنة 1980م، وقانون التجارة رقم(68) لسنة 1980م، وقانون التجارة البحرية عام
1980م، وقانون الأحوال الشخصية عام 1983م، وقانون الإثبات رقم(39) لسنة 1980م
وقانون تنظيم القضاء رقم(19) لسنة 1959م، والمعدل بالقانون رقم(61) لسنة 1980م،
وقانون تنظيم الخبرة رقم(40) لسنة 1980م، ,غيرها كثير. ([19])
الفرع الثالث
تقنين أحكام الشريعة الإسلامية في السعودية
جرت في السعودية
محاولات فردية لتقنين أحكام الشريعة الإسلامية, حيث قام الشيخ أحمد بن عبد الله
القاري المتوفي سنة 1309هـ رئيس المحكمة الشرعية الكبرى بمكة المكرمة حينها بإعداد
مجلة الأحكام الشرعية حيث استفاد هذه الأحكام من مذهب الإمام أحمد بن حنبل من واقع
كتب الحنابلة المعتمدة، حيث احتوت هذه المجلة على(2382) مادة، وقد أعد الشيخ
القاري هذه المجلة على غرار مجلة الأحكام العدلية العثمانية .
([20])
وذهب بعض الباحثين
الى انه(قد دعا إلى التقنين في الديار السعودية بعض الناس في عهد الملك عبد العزيز
بن سعود رحمه الله، فأجمع العلماء رحمهم الله على ردّها حينذاك).
([21])
في حين ذهب بعض الباحثين إلى أن الملك عبدالعزيز
رحمه الله (فكر في وضع مجلة للإحكام الشرعية حيث يعهد الى لجنة من خيار علماء
المسلمين لاستنباط الأحكام الشريعة من كتب المذاهب الأربعة المعتبرة على غرار مجلة
الأحكام العدلية العثمانية إلا أنها تختلف
عنها في عدم التقيد عند الاستنباط بمذهب دون أخر بل تأخذ بما تراه في صالح الإسلام
والمسلمين بحسب قوة الدليل) ([22])
والواقع أنه صدرت في
السعودية تشريعات كثيرة تُسمى هناك ( نظم) ولا يوجد في الوثائق والمصادر الرسمية
السعودية تحديد دقيق للمقصود (بالنظام)، ولكن يطلق في السعودية على التشريع الذي
ينظم موضوعاً ما مصطلح (نظام ) ,حيث تصدر هذه
النظم من الملك ومجلس الوزراء ، ومن يمعن النظر في كافة الأنظمة التي صدرت في
السعودية يستطيع أن يقرنها بفكرة التقنين المعروفة في الدول الأخرى، فهذه النظم
عبارة عن نصوص قانونية تعالج مسائل ومواضيع عدة كنظام الموظفين العام ونظام الآثار ونظام العمل
والعمال ونظام التأمينات الاجتماعية، وهذه النظم تعد قوانين طبقاً لتعريف القانون وخصائصه السابق
ذكرها في المطلب السابق , وعلى هذا الأساس صدرت في السعودية نظم كثيرة(تقنينات) من أقدمها
التعليمات الأساسية التي كانت تنظم أصول الحكم في السعودية والتي أعدتها هيئة
تأسيسية عند مبايعة الملك عبد العزيز آل
سعود ملكاً على نجد والحجاز، حيث كانت تنص هذه التعليمات على أن السعودية ملكية
شوروية إسلامية، وأن الملك هو صاحب السلطة العليا في البلاد، وأنه مقيد بالالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية والقرآن والسنة. ([23])
وفي سنة
1412هـ صدر النظام الأساسي للحكم في السعودية الذي نص في المادة الأولى منه على أن
( المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة دينها الإسلام
ولغتها هي اللغة العربية)، في حين تنص المادة السابعة من هذا النظام على أن( يستمد
الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله e وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة
الدولة). ونصت المادة السادسة والأربعون على أن ( القضاء سلطة مستقلة ولا سلطان على القضاة في قضائهم بغير سلطان الشريعة
الإسلامية). ونصت المادة الثامنة والأربعون على أن ( تطبق المحاكم على القضايا
المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة وما
يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة).
([24])
وفي الآونة الأخيرة صدرت في السعودية نظم
كثيرة (تقنينات) من أهمها نظام الإجراءات الجزائية ونظام المرافعات الشرعية، ونظام
الوكالات التجارية ونظام الأوراق التجارية ونظام الشركات المهنية ونظام السجل
التجاري ونظام الضمان الاجتماعي ونظام هيئة التحقيق والإدعاء العام ونظام الأحوال
المدنية ونظام الخدمة المدنية ونظام المحاماة ونظام القضاء وغيرها من الأنظمة التي
لا يتسع المجال لحصرها هنا.
الفرع الرابع
تقنين أحكام الشريعة الإسلامية في مصر
لم يتم العمل بمجلة الأحكام العدلية العثمانية في مصر التي
كانت نافذة في تركيا والأقطار التابعة لها، لأن مصر كانت قد استقلت عن تركيا قبل
العمل بمجلة الأحكام العدلية، وقد صدر بمصر أول قانون استمدت أحكامه من الشريعة
الإسلامية عام 1920م، وهو القانون رقم(25) لسنة 1920م المنظم لبعض مسائل الأحوال
الشخصية كالزواج والنفقة والعدة والطلاق والنسب والمهر والحضانة والمفقود، وفي عام
1923م صدر القانون رقم(57) بتحديد حد أدنى لسن الزواج معتمداً في ذلك على رأي ابن
شرمة وعثمان البتي وأبي بكر الأصم، خلافاً لما ذهبت إليه المذاهب الأربعة، وكذا
صدر قانون المواريث 1943م كما صدر القانون رقم(71) لسنة 1946م الخاص بالوصية
وأحكامها ، وقد صدر الدستور المصري الذي ينص على أن الشريعة الإسلامية مصدر للتشريع
,وتبعاً لذلك صارت اللجان التشريعية المتعاقبة في البرلمان المصري تدرس فقه
الشريعة الإسلامية للاستفادة منه عند إعداد القوانين ومناقشتها وإقرارها. ([25])
ومن مشروعات القوانين المستمدة من
الشريعة الإسلامية والتي قام بإعدادها أفراد ولم يتم إصدارها كقوانين نافذة ما يأتي:
1-
وضع المرحوم
محمد قدري باشا ثلاثة مشاريع قوانين وهي:
أ.
مرشد الحيران
إلى معرفة حقوق الإنسان في المعاملات الشرعية على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان،
ويتضمن هذا الكتاب(1045) مادة.
ب.
الأحكام الشرعية
في الأحوال الشخصية على مذهب أبي حنيفة النعمان، وقد قام بشرحه محمد زيد الإبياني،
ويقع في ثلاثة مجلدات.
ج.
قانون العدل والإنصاف للقضاء على مشكلات الأوقاف ويشتمل
على (646) مادة،وقد قامت بطباعته وزارة المعارف المصرية عام1893م.
2-
ملخص الأحكام الشرعية
على المعتمد من مذهب مالك ,وقد أعده الأستاذ محمد محمد عامر على هيئة مواد
قانونية. ([26])
3- مشروع تقنين المعاملات على
المذاهب الأربعة (الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي)، وقد أعد هذا التقنين مجمع
البحوث الإسلامية في مصر، على هيئة مواد تم شرحها وبيان المقصود منها وقد قام مجمع
البحوث بنشر هذا المشروع ولكنه كما ذكرنا
ليس ملزماً للقضاة والأفراد لأنه ليس قانوناً و لم يصدر من قبل البرلمان.
([27])
المبحث
الثاني
خلاف
الفقهاء بشأن تقنين أحكام الشريعة الإسلامية
اختلف الفقهاء بشأن تقنين أحكام الشريعة
الإسلامية، حيث ذهب بعضهم إلى جواز التقنين
مستدلين بأدلة كثيرة وسنبين تلك الأدلة وتناقشها في المطلب الأول، في حين ذهب بعض
الفقهاء إلى عدم جواز التقنين واستدلوا بأدلة كثيرة وسوف نبينها ونناقشها في المطلب الثاني، أما المطلب الثالث فسوف نذكر
فيه الرأي الراجح وأسباب الترجيح.
المطلب
الأول
الفقهاء
المجيزون لتقنين أحكام الشريعة الإسلامية
ذهبت جماعة من الفقهاء المتقدمين إلى جواز أن يقوم ولي الأمر بإلزام القضاة وغيرهم بالحكم بمذهب معين ويصح اشتراط ولي
الأمر على القاضي أن يقضي بهذا المذهب ،
وهذا هو قول الحنفية وهو قول عند المالكية، وبه قال السبكي وغيره من الشافعية. ([28])
كما ذهب كثير من الفقهاء
المعاصرين إلى جواز تقنين أحكام الشريعة الإسلامية، ومنهم الإمام محمد عبده والشيخ
محمد رشيد رضا والشيخ أحمد شاكر، والشيخ محمد أبو زهرة والشيخ علي طنطاوي والشيخ
مصطفى الزرقاء والدكتور الشيخ يوسف القرضاوي والدكتور وهبة الزحيلي والدكتور زكريا
البري والدكتور موسى عبد العزيز موسي والدكتور محمد سلام مدكور كما ذهب إلى هذا
المذهب بعض علماء السعودية ومنهم الشيخ صالح بن غصون والشيخ عبدالعزيز بن محمد بن
إبراهيم آل الشيخ والدكتور عبد الرحمن القاسم والشيخ محمد بن جبير والشيخ عبد
المجيد بن حسن والشيخ عبد الله خياط والشيخ عبد الله بن منيع والشيخ راشد بن خنين
والدكتور صالح بن عبد الله بن حميد([29]) ولا يتسع المجال
لحصر جميع الفقهاء المعاصرين الذين ذهبوا إلى جواز التقنين لكثرتهم.
استدل
الفقهاء الذاهبون الى جواز التقنين بأدلة
كثيرة بيانها على النحو الآتي:
1-
فكرة التقنين اقتضتها اعتبارات كثيرة، ولذلك حظت
باهتمام الفقهاء والولاة في العصور المختلفة حسبما ذكرنا في المبحث السابق، ولا شك
أن الباعث على التقنين في الوقت الحاضر ضرورة أو حاجة. ([30])
واعترض المانعون
للتقنين على هذا الاستدلال بأن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، وقد
تعاقبت على المسلمين عصور وفترات وظروف مختلفة حيث اتسعت الدولة الإسلامية اتساعاً
عظيماً، إذ كانت تشمل القارات الثلاث وقد انحسرت الدولة ثم اتسعت مرة أخرى، وفي
أثناء تلك الفترات والعصور الطويلة حدثت
متغيرات كثيرة، ومع ذلك فقد ظلت الشريعة حاكمة ونافذة خلال تلك العصور المتعاقبة
والمتغيرة من غير حاجة إلى تقنين, و بفضل الشريعة الإسلامية انتشر اليسر وارتفع
الحرج والعسر، وفي أثناء تلك العصور لم يعرف عن واحد من الأئمة المعتبرين أن ذهب
إلى وجوب إلزام القضاة والناس بمذهب أو رأي معين، بل أن الثابت خلاف ذلك كما هو
الحال عندما رفض الإمام مالك ذلك حسبما سبق بيانه، فأين الاعتبارات والضرورات
والحاجيات التي اقتضت تقنين الشريعة.
كما أن تقنين أحكام الشريعة
على وفق متطلبات كل عصر يجعل لكل عصر شريعة، في حين ان الشريعة الإسلامية شريعة كل
العصور. ([31])
2-
التقنين والإلزام بقول معين من أقوال الفقهاء
كان المتبع في مناطق إسلامية كثيرة، فالتقنين ليس إلا تدويناً لما يتم في الواقع
بالفعل، ومن ذلك قرار الهيئة القضائية في
السعودية رقم(3) بتاريخ 17/1/1347هـ والمصادق عليه بتاريخ 24/3/1347هـ والذي ينص
بأن على جميع المحاكم في السعودية أن تقضي بالقول المفتى به في مذهب الإمام أحمد بن حنبل فأن وجد القضاة في ذلك
مشقة أو مخالفة لمصلحة العموم, فيجري النظر والبحث في باقي المذاهب بما تقتضيه المصلحة، على أن تعتمد
المحاكم في قضائها وفقاً لمذهب الإمام
أحمد على كتابي شرح المنتهى وشرح الإقناع، فما اتفقا عليه أو انفرد به أحدهما فهو
المتبع، وما اختلفا فيه , فالعمل على ما في المنتهى ,وإذا لم يوجد في المحكمة
الكتابان المذكوران فيكون الحكم بما في شرحي الزاد أو الدليل ، وإذا لم يجد القاضي
حكم القضية في هذه الشروح طلب حكمها في كتب المذهب المذكور التي هي أبسط منها وقضى
بالراجح. ([32])
ويمكن الاعتراض على هذا الاستدلال بأن ما كان متبعاً
في الدول الإسلامية هو التمذهب ,وهو العمل بالمذهب الغالب في الدولة الإسلامية هذه
أو تلك، ومن هذا المنطلق جاء قرار الهيئة
القضائية في السعودية المشار إليها سابقاً, والعمل بمذهب معين أو بكتب معينة من المذهب
ليس كالتقنين في ضيقه واختصاره لكثير من الأحكام والمسائل الفقهية في مواد قانونية
مقتضبة, تعد قواعد عامة ومجردة، والأهم من هذا وذاك أن العمل بمذهب معين كان يتم
برضا الناس واختيارهم ولم يتم إلزامهم به كما هو الحال في التقنين.
3-
النصوص الشرعية تقطع في دلالتها على وجوب طاعة ولي الأمر فيما يراه يحقق مصالح
الأمة، ومن ذلك تقنين أحكام الفقه ونشرها في الأمة وإلزام القضاة وغيرهم بالحكم
بها أو العمل بموجبها.
([33])
ومن النصوص الشرعية التي توجب طاعة ولي الأمر قوله تعالى ] يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ
مِنْكُمْ [([34])
واعترض المانعون للتقنين على هذا الاستدلال بأن الطاعة لولي الأمر لا
تكون في معصية، وإلزام القضاة بالحكم بقول معين في أحكام مناطها الاجتهاد يخالف
الشريعة ,ولذلك فهو معصية، لان القاضي قد
يعتقد ديانة وشرعاً أن الحق هو القول المخالف لما ورد في التقنين ([35])
4-
القضاة وكلاء ونواب عن ولي الأمر، وهو الذي يقوم
بتعيينهم، والوكيل مقيد بشروط موكله, ولا ينبغي له أن يخالفها، فإذا ألزم ولي
الأمر القضاة بالحكم بما ورد في التقنين, وجب على القضاة الحكم بالتقنين والالتزام
بذلك. ([36])
ويمكن الاعتراض على هذا الاستدلال بأن الوكيل أو النائب
لا يجوز له تنفيذ الوكالة إذا كانت بمعصية ، لأن الموكل أو الأصيل محظور عليه
ارتكاب المعصية، ومن باب أولى محظور عليه إنابة الغير أو توكيله لارتكابها، ومن
وجهة نظر المانعين للتقنين فإن التقنين يعد معصية حسبما سيأتي بيانه.
5-
أغلبية القضاة في الوقت الحاضر مقلدون، والقضاة
المجتهدون نادرون جداً، ولذلك يتعذر على القضاة في الوقت الحاضر الاجتهاد لاستنباط
الأحكام الشرعية من الأدلة وتطبيقها على الوقائع والقضايا التي تعرض على القضاة للفصل فيها. ([37])
واعترض المانعون من التقنين على هذا الاستدلال بأن جمهور
الفقهاء يشترطون توفر الاجتهاد فيمن يولى القضاء، وذلك بأن يكون عارفاً بالأصول
التي ترجع الأحكام إليها,، كما أن كليات الشريعة ومعاهد القضاء تقوم بتدريس علوم
الشريعة التي اشترطها العلماء في المجتهد ,واذا كان بعض القضاة يتخرج وهو لا يفقه هذه العلوم فلا يسري حكمه على
الكل، والذي ينبغي في هذا الشأن هو حسن الاختيار لوظائف القضاء،([38]) كما
أن بعض العلماء يذهبون إلى أن الاجتهاد يتجزأ، وعلى هذا الأساس فإذا كان لدى
القاضي القدرة على الإحاطة بالمسألة وكان لديه معرفة حسنة بأصول الفقه فلا مانع من
اجتهاده الجزئي في هذه القضية واستنباط الحكم فيها . ([39])
6-
في الوقت الحاضر تتزايد باضطراد المستجدات التي
لم يتناولها الفقهاء المتقدمون ولم يبينوا الحكم الشرعي فيها كالمعاملات
الإلكترونية وقضايا التأمين والمقاولات ووسائل الإثبات العصرية والتعاقد بالوسائل
العصرية وغير ذلك، وليس من الحكمة ترك هذه المستجدات لتقدير واجتهاد القضاة من غير
تقنين ، لا سيما ومشاغل القضاة كثيرة وكذا الأعباء التي تتزايد عليهم يوماً فيوم. ([40])
وقد اعترض المانعون للتقنين على هذا الاستدلال بأن التقنين ليس حلاً
للمستجدات ,وإنما الحل هو رفع هذه المستجدات إلى كبار العلماء والقضاة الذين
يتدارسون ويبحثون هذه المستجدات ويقترحون
الأحكام المناسبة لهذه المستجدات كي يستعين بها القضاة فقط ولا تكون ملزمة للقضاة
وإنما تكون عوناً لهم للوصول إلى الأحكام الواجبة التطبيق على المستجدات. ([41]) كما أنه في العصور
السابقة كانت تحدث مستجدات وكان القضاة يجتهدون لتطبيق الأحكام الشرعية عليها ,ولم
يذهب أحد إلى معالجة
هذه
المستجدات بالتقنين.
7-
سهولة الرجوع إلى نصوص التقنين مقارنة بالمراجع
الفقهية، فمن المعروف أن المراجع الفقهية تم تأليفها بأسلوب يختلف عن أسلوب العصر
الحاضر، فهي زاخرة بالخلافات والآراء والمناقشات والردود والاعتراضات والنظريات في
نطاق المذهب الواحد، فما بالك فيما بين المذاهب المختلفة، وهذا يجعل أغلب القضاة
والمحامين والمكلفين في حرج وعسر وضيق وحيرة حينما يريدون تطبيق الحكم الفقهي على قضية
او واقعة ما ، كما أن استنباط الأحكام
الفقهية وتطبيقها على القضايا المنظورة أمام القضاء يحتاج إلى مهارة علمية وملكة
قوية ودراية بكثير من العلوم والمعارف وقدرة على تمييز قوي الروايات من ضعيفها,
وهذه المهارة لا يحسنها أكثر القضاة في
العصر الحاضر، فإذا ما تم تقنين أحكام الفقه بعبارات سهلة مألوفة صار ميسوراً على القاضي والفقيه
والمحامي والمسلم العادي معرفة أحكام شريعته، وربما عزف الكثيرون عن تطبيق أحكام الشريعة في العصر الحاضر لصعوبة الرجوع إلى كتب الفقهاء ولذلك اتجه بعضهم
إلى الأخذ بالقوانين الوضعية لأنها سهلة التطبيق
مرتبة ومنظمة.
([42])
وأقصى ما يمكن ان
يقال في الاعتراض على هذا الاستدلال هو أن كتب الفقه الإسلامي المختلفة مبوبة
ومرتبة ومفهرسة, وكثيرٌ منها قد تم تحقيقها وشرح مصطلحاتها وتخريج أحاديثها، ولذلك
يسهل الرجوع إليها أيضاً.
8-
التقنين يضبط الأحكام الشرعية عن طريق بيان
الرأي الراجح الذي ينبغي الحكم به والعمل به, لأن الخلافات الفقهية بين المذاهب
وفي نطاق المذهب الواحد كثيرة ومتنوعة, بل لدى إمام المذهب نفسه , فقد يكون له
أكثر من قول في المسالة الواحدة, في حين يكون لأصحابه أقوال, وفي الوقت ذاته يكون للمتقدمين
قول وللمتأخرين قول, ويصعب في هذا العصر عصر السرعة وتعقد المعاملات, وكثرة
القضايا المنظورة أمام القضاء، فقد تتجاوز المائة قضية يومياً أمام قاضٍ واحد، يصعب في هذا العصر ضبط الأحكام
الشرعية وبيان الرأي الراجح من أراء
الفقهاء الذي ينبغي تطبيقه والعمل بموجبه,ولذلك فمن الواجب أن يتم تقنين الأحكام الفقهية والنص
في التقنين على الحكم الفقهي الذي يجب على
القاضي أن يقضي به.([43])
ولم يعترض المانعون للتقنين على هذا الاستدلال.
9-
التقنين يحقق وحدة أحكام القضاء, ويضمن عدم
تضارب الأحكام القضائية أو تناقضها، لأن القاضي
لا يملك إلا تطبيق نصوص التقنين الموحدة ,والتي
لا تختلف باختلاف القضاة أو المحاكم ,أما في حالة عدم التقنين فأن تطبيق الأحكام
الفقهية يكون متروكاً لاجتهاد القضاة في أرجاء البلاد المختلفة، فتصبح أحكام
القضاء في الدولة الواحدة متعارضة، وهذا يحدث بلبلة واضطراباً ويهدر الثقة
بالمحاكم وبالقضاء وبأحكام القضاء وقد حدث
فعلاً تناقض أحكام القضاء في بدء قيام
المملكة العربية السعودية قبل إلزام القضاة بالحكم بمضمون كتب معينة ([44]) كما وقع هذا
الاختلاف بين محكمتي التمييز في الرياض ومكة المكرمة([45]).,وحدث هذا التناقض في
اليمن قبل تطبيق ( الاختيارات الفقهية) وقبل التقنين, كما أن عدم التقنين يسبب الاختلاف
في الحكم القضائي في القضية الواحدة بين
القاضي الابتدائي وقاضٍ الاستئناف وقاض النقض من حيث تطبيق الحكم الفقهي على
الواقعة الواحدة.
وقد اعترض المحرمون للتقنين على هذا الاستدلال
بأنه إذا اختلف الحكم القضائي في قضيتين
متماثلتين من قبل قاضٍ واحد في زمنين مختلفين وتم ذلك عن اجتهاد ونظر فهذا سائغ
شرعاً ,كما وقع من عمر وغيره من الصحابة y فلا تثريب،
وكذلك الحال فيما إذا اختلف الحكم في
قضيتين متماثلتين من قبل قاضيين في مكانين مختلفين فلا حرج في ذلك أيضاً,ما دام أن
كل واحد منهما قد اجتهد وأخذ برأي مأثور مجتهداً فيه متحرياً الحق, أما حدوث التجاذب والاختلاف بين القاضي الابتدائي وهيئة
التمييز أو الاستئناف ومحكمة النقض فلا حرج في ذلك, لأن الاجتهاد وفهم الوقائع
يختلف من قاضٍ إلى قاضٍ آخر، ومع هذا فإن هذا الاختلاف أو التجاذب أقل منه في حالة
التقنين، فاختلاف أحكام القضاء ما زالت ظاهرة موجودة في الدول التي قامت بتقنين
أحكام الشريعة ,بل زادت ظاهرة اختلاف أحكام القضاء في تلك الدول بدلاً من أن تقل. ([46])
كما
أن القضاة والمحامين في الدول التي تطبق
القوانين مختلفون في تفسير القوانين والمراد بها, لأن القاعدة القانونية كما هو
معلوم عامة ومجردة، والعمومية والتجريد في النص القانوني تثير أسباب الخلاف في فهم
النص القانوني، ولذلك اختلفت الأقضية في تلك الدول، وصار التقاضي على ثلاث درجات(
الدرجة الابتدائية – الدرجة الاستئنافية- درجة النقض) ولذلك أيضاً وجدت مكاتب
المحاماة الكثيرة في تلك الدول ,فلم يرفع التقنين الاختلاف أو يحد منه. ([47])
10- التقنين
يسد الذرائع التي يتذرع بها المعوّقين لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، والذين
يسعون دوماً إلى اختلاق الأعذار والمبررات للحيلولة دون تطبيق أحكام الشريعة
الإسلامية، ومن أهم هذه الذرائع الزعم بأن أحكام الشريعة الإسلامية ليست مقننة، وانه
من الصعب في الوقت الحاضر الرجوع إلى كتب الفقه الإسلامي, ومن ثم يصعب تطبيق هذه
الأحكام. ([48])
وقد اعترض المحرمون للتقنين على هذا الاستدلال بأن التقنين لن يحول ولن يقطع دابر الذرائع
للتهرب من تطبيق أحكام الشريعة, لأن أعداء الإسلام يناصبون الشريعة العداء، فما
أسهل لهؤلاء أن يختلقوا ذريعة أخرى غير التقنين، بل أن التقنين ذاته سيكون ذريعة
ووسيلة لهم لعدم تطبيق الشريعة كما حصل في
بعض البلدان الإسلامية([49]).
11- تترتب
على عدم التقنين مفاسد كثيرة، ويحقق التقنين مصالح كثيرة ’وقد أشرنا إلى بعضها
فيما سبق، وإذا كان التقنين لا يخلو من مفاسد، فإن المفاسد التي تترتب على عدم
التقنين أكثر وأكبر ضرراً من مفاسد التقنين، والقاعدة أنه إذا تعارضت مفسدتان ,فتدفع
المفسدة الأكبر ضرراً بارتكاب أخفهما ضرراً. ([50])
ويمكن الاعتراض على هذا الاستدلال بالقول: إن مفاسد التقنين أكبر
وأعظم من مفاسد عدم التقنين حسبما سيرد في
أدلة المانعين من التقنين، فتكون القاعدة التي استدل بها المجيزون للتقنين حجة
عليهم وليس لهم.
12- التقنين
يحول دون أن يحكم القاضي بالهوى فليس هناك من سبيل أمام القاضي إلا تطبيق التقنين
في حكمه.
وقد اعترض المانعون للتقنين على هذا الاستدلال بالقول: إن اتهام
القاضي في حكمه لم يسلم منه أحد حتى النبي e، كما أنه
يشترط لتولية القاضي العدالة, وذلك يحد من حكم القاضي بالهوى، إضافة إلى أن حكم
القاضي ينفذ ظاهراً لا باطناً، لأن القاضي عرضة للخطأ وهو مأجور في الحالتين.([51])
13-
التقنين يجعل
الأحكام الشرعية معلومة للناس كافة حتى تكون أفعالهم وتصرفاتهم على وفقها , وحتى
تكون ملزمة لهم، وذلك أدعى لتحقيق الردع والزجر عن ارتكاب المعاصي ومعرفة الناس لما
يصح وما لا يصح من المعاملات والتصرفات وكيفية إجراء هذه المعاملات والعقود، كما
أن علم الناس كافة بالأحكام الشرعية يحقق العدالة والمساواة والتيسير على الناس،
والتطمين لهم بالنسبة لعمل القضاة، لأن الناس في هذه الحالة يعلمون مسبقاً ما سيحكم به القضاة. ([52])
وقد اعترض المانعون من
التقنين على هذا الاستدلال بالقول: أن
القوانين الوضعية مدوّنة ولها لوائح تفسيرية وتنفيذية، يفترض علم الكافة بها, ومع
ذلك يجهلها السواد الأعظم من الناس، ولا يعرفها إلاً قلة من المتخصصين والباحثين
والقضاة والمحامين، ولهذا كثرت مكاتب المحاماة في تلك الدول لتبصير الناس بهذه
القوانين وتلك اللوائح. ([53])
14- وجد من فعل السلف ما يدل على شرعية التقنين، ومن
ذلك جمع عثمان t الناس على
مصحف واحد وقراءة واحدة، وأحرق عثمان t المصاحف
الأخرى وفيها القراءات الشاذة وغيرها، وذلك سداً منه لباب الخلاف في القران ،
فكذلك الحال في التقنين الذي يمنع الخلاف في أحكام القضاء وغيرها ([54]).
وقد اعترض المحرمون للتقنين على هذا الاستدلال بالقول: أن عثمان t جمع الناس على حرف واحد لا على قراءة واحدة ([55])، ولذلك فالإجماع
منعقد على جواز الأخذ بأي من القراءات السبع , فلم يلزم الناس بقراءة واحدة، كما
أن جمع القرآن كان بناءً على إجماع الصحابة ولم ينكر ذلك أو يعترض عليه أحد من
المتقدمين أو المتأخرين، أما التقنين فقد أنكره أغلب العلماء على مر العصور. ([56])
15-
ذهب جمهور علماء العصر الحاضر إلى جواز
التقنين، والإجماع ينعقد بقول الأكثر من علماء العصر، والمخالفة لهم شذوذ ولذلك فهي
مطروحة، وعلى هذا الأساس فالتقنين جائز
بإجماع الأكثرية من أهل العصر.
وقد اعترض المحرمون للتقنين على هذا الاستدلال بالقول: أن الإجماع لا
ينعقد بقول الأكثرين من أهل العصر عند جمهور العلماء، فقد قال ابن قدامة (ولا ينعقد
الإجماع بقول الأكثرين من أهل العصر عند الجمهور) ([57])، كما أنه من الصعب
قبول القول بإجماع علماء العصر على تدوين وتقنين آلاف المسائل الفقهية أو أن يكون
الرأي فيها واحداً بالإجماع من قبل علماء العصر كافة ، حتى لو تم ذلك في مجمع فقهي
تتوفر في أعضائه الشروط التي تؤهلهم لذلك،
لأن الجماعة القليلة العدد من العلماء عندما تتدارس مسألة فقهية واحدة فقط تختلف هذه الجماعة الصغيرة بشأنها
اختلافاً واسعاً ,فما بالك بعلماء العصر كافة وبالمسائل الفقهية كافة التي تم تقنينها. ([58])
16-
ليس هناك دليل يمنع التقنين،
ولذلك فهو من المصالح المرسلة، وقد رآه المسلمون حسناً، ولذلك فهو عند الله حسن ([59])،
وينطبق على ذلك قوله e(ما
رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون سيئاً فهو عند الله سيء). ([60])
وقد اعترض المحرمون للتقنين على هذا الاستدلال بأن هناك أدلة كثيرة
قاطعة في منع التقنين وتحريمه وسيرد ذكرها في المطلب الثاني، أما حديث( ما رآه
المسلمون حسناً) فإنه لم يثبت مرفوعاً إلى النبي e ، حيث قال
العجلوني: رواه أحمد في كتاب السنة عن ابن مسعود وهو موقوف حسن([61]) ، وقال السيوطي: قال
العلائي: لم أجده مرفوعاً في شيء من كتب الحديث أصلاً بعد طول البحث وكثرة الكشف
وإنما هو قول عبد الله بن مسعود موقوفاً عليه. ([62])
المطلب الثاني
الفقهاء المحرمون لتقنين أحكام الشريعة الإسلامية
ذهب بعض الفقهاء المتقدمين إلى عدم جواز تقنين أحكام
الشريعة الإسلامية, فلا يجوز عندهم إلزام القاضي بالحكم بمذهب معين أو اشتراطه على
القاضي ,بل إن ذلك غير ملزم للقاضي ، وهو قول عند المالكية والراجح عند الشافعية
وبه قال الحنابلة.
([63])
وقد ذهب إلى هذا القول بعض الفقهاء المعاصرين
ومنهم بعض علماء السعودية كالشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ عبد العزيز
الشتري والشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم والشيخ عمر بن حسن والشيخ عبد العزيز بن باز
والشيخ عبد الله بن عبدالرحمن البسام والشيخ عبدالله بن حميد والشيخ عبد الله بن
عقيل والشيخ عبد العزيز بن رشيد والشيخ عبد اللطيف بن محمد والشيخ محمد بن عودة
والشيخ محمد بن مهيزع والشيخ عبدالرحمن الشتري ، وقد أصدر هؤلاء بياناً في هذا
الشأن،([64])ويذهب إلى هذا المذهب أيضاً الشيخ محمد الأمين الشنقيطي والشيخ عبد
الرزاق عفيفي والشيخ عبد العزيز بن صالح والشيخ محمد الحركان والشيخ سليمان العبيد
والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان والشيخ صالح بن فوزان الفوزان والشيخ بكر
بن عبدالله أبو زيد والشيخ عبد الرحمن بن
عبد الله العجلان والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين والشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان
والشيخ عبد العزيز عبد الله الراجحي وغيرهم ([65])
واستدل هؤلاء بأدلة كثيرة منها:
1-
أن الله سبحانه وتعالى أمر عند
التحاكم أو التقاضي أن يحكم القاضي بالقسط
فقال تعالى ] وَإِنْ
حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [([66])، فأثناء نظر القاضي
للقضية قد يظهر له وفقاً للأدلة الشرعية أن القول الصحيح على خلاف القول المنصوص عليه في التقنين،
والعدل والقسط يقتضي أن يحكم القاضي على وفق ما يعتقد أنه الصحيح وليس وفقاً للقول
المنصوص في التقنين ([67]).
ويمكن الاعتراض على هذا الاستدلال بالقول أن التقنين يتضمن القول
الراجح الذي يعتمد على أقوى الأدلة, حيث يتم اختيار هذا القول من قبل العلماء
المجتهدين عند التقنين، وهذا القول الراجح يتفق غالبا مع عقيدة القاضي واجتهاده ، والقاعدة أن التشريع
للغالب.
2-
ذكر الله سبحانه
وتعالى المرجع عند التنازع والتخاصم ,وهو الرد والرجوع إلى الله تعالى وإلى رسوله e، فقال تعالى
(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ
كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلاً )([68])،
وفي تفسير هذه الآية قال ابن القيم : منعنا سبحانه وتعالى من الرد إلى غيره وغير
رسوله,وهذا يبطل التقليد([69])
، وقال البيهقي في باب ما يقضي به القاضي ويفتي به المفتي: فإنه غير جائز له
أن يقلد أحداً من أهل دهره، ولا أن يحكم أو يفتي بالاستحسان([70]),وعلى
ذلك فعلى القاضي ان يرجع عند اختلاف الخصوم إلى القران الكريم والسنة النبوية
المطهرة وليس الى التقنين .
وقد اعترض
المجيزون للتقنين على هذا الاستدلال بأن الآية عامة وليست في موضع النزاع، كما أنه
غير صحيح القول بأن ما يختاره العلماء عند
التقنين من الأقوال الراجحة في الفقه الإسلامي المستمدة من القران الكريم والسنة
النبوية هو خلاف الحق، أو أن الرجوع إلى هذه الأقوال الراجحة المثبتة في التقنين
هي رجوع إلى غير كتاب الله وسنة النبي e.([71])
3-
أن مبنى شهادة أن لا إله إلا الله
وأن محمداَ رسول الله يقوم على تجريد الإخلاص لله وتجريد المتابعة للنبي e، وفي التقنين الملزم توهين لتجريد الإتباع، حيث أن حكم القاضي على
وفق ما ورد في التقنين تقديم القاضي للتقنين
على قول الله سبحانه وتعالى ، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, والله
سبحانه وتعالى لا يقبل عملاً إلا إذا كان خالصاً له تعالى، وإذا اتبع العامل في
عمله سنة النبي e.([72])
ويمكن الاعتراض
على هذا الاستدلال بما سبق الاعتراض به على الدليل السابق ,فالعمل بالتقنين هو
إتباع للقول الراجح المختار عند التقنين والمستند الى الدليل الشرعي القوي ,وهو
قول الله سبحانه وتعالى وقوله e،
وفي ذلك عمل بقول الله تعالى ومتابعة للنبي e.
4-
قوله e (
القضاة ثلاثة، إثنان في النار, وواحد في الجنة : رجل عرف الحق فقضى به فهو في
الجنة ,ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في
الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار). ([73]) وعلى هذا فإن عمل القاضي بما ورد في التقنين وهو يرى أنه خلاف
الحق يدخل في هذا الوعيد ,كما أن القاضي
في أحيان لا يستطيع الجزم بأن التقنين شرع الله الحق الواجب الحكم به أو أن
التقنين يوافق شرع الله , فالقاضي يكون في
شك و ليس متاكداً من الحق ، وعلى هذا الأساس فإن القاضي يحكم على خلاف ما يرى أنه
الحق. ([74])
ويمكن الاعتراض على هذا الاستدلال بما سبق
الاعتراض به على الدليل السابق,وهو أن التقنين يتضمن القول الراجح المعتمد على
الدليل الشرعي من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والذي تم اختياره عند
التقنين من قبل العلماء المجتهدين ، وهو ليس خلاف الحق.
5-
التقنين خلاف ما عليه هدي القرون المفضلة، فلم
يثبت عن الصحابة أو التابعين أو تابعيهم إلزام واحد منهم للآخر بقوله، بل الثابت
عنهم خلاف ذلك كما تقدم . ([75])
وقد اعترض المجيزون
للتقنين على هذا الاستدلال بالقول: أن عدم وجود فكرة التقنين عند السلف الصالح لا
يعني منعها على الخلف، فربما أن دواعي التقنين لم تكن موجودة في عصر السلف، كما أن
رأي الإمام مالك رحمه الله في التقنين قد خالفه فيه غيره، وأن لم يخالفه أحد فليس
قوله بمجرده حجة. ([76])
6-
التقنين يتم
من قبل أفراد أو لجان، وهؤلاء بشر،ولذلك فإن التقنينات تتأثر ببشرية هؤلاء
ويخالطها الهوى ,ونسبة هذه التقنينات إلى شرع الله ليست دقيقة، في حين أن نصوص
الشارع تبارك وتعالى ربانية خالية من الهوى والخطأ ,وهي ثابتة النسب إلى أحكام
الله تعالى ,ولذلك يحترمها أفراد المجتمع ويحرصون على تطبيقها طلباَ للثواب
وفراراَ من العقاب .
وقد اعترض المجيزون للتقنين على هذا الاستدلال بأن
التقنين مثله مثل الفقه، حيث يتم التقنين بصياغة أحكام الفقه على هيئة مواد مرتبة
ومبوبة، ولذلك فالتقنين أمر شكلي لتسهيل
الرجوع الى الأحكام الفقهية، ولا تؤثر هذه
الصياغة أو التقنين في مضمون الأحكام الفقهية. ([77])
7- إلزام القضاة بالحكم طبقاً
للتقنين لا يجوز عند العلماء الثقاة([78])
فقد قال ابن قدامة (ولا يجوز أن يقلد القاضي أحداً أو أن يحكم بمذهب بعينه وهذا
مذهب الشافعي ولا أعلم فيه خلافاً) ([79])،
وقال ابن فرحون انه لا يصح للقاضي ان يقلد أحداً (لان التقليد لا يصح
للمجتهد فيما يرى خلافه بإجماع )([80])وقال
ابن تيمية عن ولي الأمر( وليس له أن يلزم أحداً بقبول غيره وإن كان حاكماً، وإذا
خرج ولاة الأمر عن هذا فقد حكموا بغير ما أنزل الله) ([81])،
بل إن ابن تيمية نفسه قال( ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب فإن تاب وإلا قتل).
([82])
وقد اعترض المجيزون للتقنين
على هذا الاستدلال بالقول: أنه قد وجد من العلماء من قال بخلاف قول ابن قدامة وابن
تيمية، كما أن أقوال ابن قدامة وابن تيمية وابن فرحون قد تصح عندما كان القضاة مجتهدين، أما في العصر
الحاضر فإن أكثرهم لم يبلغوا هذه المرتبة، ولذلك فإن إلزامهم بقول واحد في هذه
الحالة أمر سائغ. ([83])
8- التقنين لم يثبت
على وتيرة واحدة، بل أنه دوماً عرضة للتغيير والتبديل والتعديل، وما أكثر
التعديلات القانونية، وكثرة التعديلات والتبديلات تؤدي إلى التبديل الكلي للشريعة
كما حدث في الدول التي سارت في هذا الاتجاه، حيث صارت قوانينها تماثل وتشابه
القوانين النافذة في غير الدول الإسلامية، ولذلك فالتقنين مدخل لتغيير الشريعة
بزيادة أو نقص أو تبديل وتعديل، فالتقنين طريق إلى الحكم بغير ما أنزل الله , إضافة إلى
أن تعديل الأحكام الشرعية المقننة يؤدي إلى زعزعة الثقة بالشريعة الإسلامية ,وكثرة
التعديلات تبعد التقنينات عن أصلها الشرعي ,كما أن كلمة (التقنين) يخشى منها أن تكون طريقاً لإحلال
القوانين الوضعية مكان الشريعة الإسلامية فيكون التشابه أولاً في الاسم ثم المضمون
ثانياً,فمنع التسمية واجب من باب الحذر([84])
.
وقد اعترض المجيزون للتقنين على هذا الاستدلال
بالقول: إن القاضي غير ملزم بالبقاء على اجتهاده الأول إذا صح لديه الدليل
باجتهاده الجديد، ومنعه في هذه الحالة يؤدي إلى المنع من الأخذ بالدليل، ولا يقول
به أحد، والتقنين مثله، كما أن القول بعدم تعديل القوانين إذا ظهرت المصلحة في
تعديلها يناقض بناء الإسلام على رعاية مصالح الناس وصلاحيته للتطبيق في كل زمان
ومكان، كما أن التقنين مصطلح المراد منه مفهوم ومعلوم للجميع، ولا مشاحة في
المصطلح ,وبالإمكان استعمال أي مصطلح آخر
مناسب كمصطلح (النظام) المعمول به في السعودية([85])
9- يعد التقنين حجراً على الاجتهاد، فلا سبيل أمام
القاضي إلا تطبيق التقنين بدلاً عن الاجتهاد لمعرفة الحكم الشرعي في القضية أو
الواقعة، كما أن التقنين سبيل إلى هجر الفقه الشرعي كله وعدم الرجوع إليه، وذلك
يؤدي إلى القضاء على التراث الفقهي الإسلامي نهائياً، إذ أن اهتمام القضاة
والمحامين والباحثين وغيرهم سوف يقتصر على التقنين ([86])
.
وقد اعترض المجيزون للتقنين على هذا الاستدلال
بالقول : إن التقنين لا يحجر الاجتهاد ولا يمنعه ، فالواقع المعاصر يفرز مستجدات كثيرة
كما أن الوقائع والقضايا تختلف وتتفاوت وذلك
يترك للقاضي مجالاً واسعاً في الاجتهاد عند
تطبيق نصوص التقنين على تلك الوقائع والمستجدات, إضافة إلى أن الاجتهاد المطلوب من
القضاة في الوقت الحاضر هو الاجتهاد في تطبيق الحكم الشرعي على الوقائع والقضايا المختلفة , أما الاجتهاد بمعناه الواسع فينبغي
تركه للعلماء الذين يقومون باختيار الأحكام الشرعية عند التقنين .( [87])،
كما أن للتقنينات مذكرات إيضاحية وشروح تستفاد من كتب الفقه ([88])
.
كما أن كثيراً من التقنينات تنص على ان كتب الفقه الإسلامي هي المرجع عند تطبيق التقنين
أو تفسيره أو عند عدم وجود نص في التقنين، ومن ذلك قانون الأحوال الشخصية الكويتي
حيث تنص المادة (343) منه على أن ( كل مالم يرد له حكم في هذا القانون يرجع فيه إلى
المشهور في مذهب الإمام مالك فإن لم يوجد المشهور طبق غيره فإن لم يوجد حكم أصلاً
طبقت المبادئ العامة في المذهب ) وفي هذا الاتجاه يذهب القانون المدني اليمني الذي
ينص في المادة (18) على أن (المرجع في تفسير نصوص القوانين وتطبيقها هو الفقه
الإسلامي والمذكرات الإيضاحية والكتب الشارحة الصادرة من الهيئة التشريعية
المختصة) وكذلك قانون الأحوال الشخصية اليمني الذي ينص في المادة (349) على أن (كل
مالم يرد به نص في هذا القانون يعمل فيه بأقوى الأدلة في الشريعة الإسلامية ) كما
أن المعاهد والكليات والجامعات والمدارس تقوم بتدريس العلوم الشرعية والفقهية ،
ولذلك لن يترتب على التقنين تعطيل الاجتهاد أو هجر العلوم الشرعية والفقهية.
10- التقنين فيه
تضييق على المسلمين بحملهم على قول واحد بصفة مستديمة.([89])
ويمكن الاعتراض
على هذا الاستدلال بالقول: أنه عند التقنين يتم اختيار القول الراجح الذي يناسب
مصالح واحتياجات الناس في الزمان والمكان،
كما يتم تعديل التقنين بسهولة إذا كان فيه تضييق على الناس أو صار لا يناسبهم .
المطلب الثالث
الترجيح بين
قول المجيزين للتقنين وقول المانعين له
في المطلبين السابقين استعرضنا قول المجيزين
للتقنين وأدلتهم وكذا قول غير المجيزين للتقنين وأدلتهم،وناقشنا أدلة الفريقين
تفصيلاً على النحو السالف بيانه، وفي ضوء ذلك فإننا نرى أن القول بجواز التقنين
جدير بالترجيح للأسباب الآتية:
1- قوة
الأدلة التي استدل بها أصحاب هذا القول وسلامتها وقلة الاعتراضات عليها، ومناسبة هذا
القول للواقع في العصر الحاضر الذي تكاثرت مستجداته وتشابكت وتعقدت علاقاته، حيث
صار العالم قرية واحدة في علاقاته واتصالاته التي تنظمها التقنينات الوطنية
والدولية، ولأن هذا القول يلائم صلاحية
الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان
.
2-
الأدلة التي
استند إليها المحرمون للتقنين هي نصوص شرعية عامة لا تتصل مباشرة بموضع النزاع،
كما أن الاستدلال بها لم يسلم من الاعتراض كما سبق بيانه .
3- التقنين
في الوقت الحاضر وسيلة من وسائل الوحدة بين المسلمين ومظهر من مظاهرها، حيث ستكون
الأقضية والأحكام والمعاملات والتصرفات واحدة بين مختلف المسلمين في نطاق الدولة
الإسلامية الواحدة, كما أن تقنين أحكام الفقه الإسلامي سيكون بإذن الله الطريق
الأقرب إلى الوحدة بين الدول الإسلامية، فعند تقنين أحكام الفقه الإسلامي ستكون
المعاملات والعلاقات بين المسلمين واحدة وإن تعددت أقطارهم وأمصارهم، ولاشك أن ذلك
سيكون مظهراً من مظاهر الوحدة والقوة بين المسلمين، لا سيما والمسلمون في الوقت
الحاضر في حاجة ماسة للوحدة.
4- التقنين
وسيلة من وسائل التقريب بين المذاهب الفقهية، فعند التقنين يقوم العلماء باختيار
القول الراجح الذي يستند إلى الدليل الشرعي القوي بعد الدراسة والتمحيص لأقوال
المذاهب كافة ,واتفاق العلماء في هيئة التقنين على هذا الاختيار وبعدئذ يتم إثباته كنص من نصوص التقنين الواجبة
التطبيق على المسلمين عامة في الدولة الإسلامية بصرف النظر عن مذاهبهم أو مشاربهم
الفقهية، وهذا بدوره يؤدي إلى تقوية وتمتين الجبهة الداخلية للدول الإسلامية
وتحصينها من الخلافات المذهبية العميقة التي تكون باعثاً للصراعات الدموية كما يحدث في بعض الدول الإسلامية.
5- التقنين
من أهم وسائل التنظيم والانضباط في الدولة المعاصرة، وبدون ذلك تكون الدولة نهباً
للفوضى والانفلات، ولذلك فالدول الإسلامية تحتاج إلى هذه الوسيلة التنظيمية
الهامة.
6- التقنين عملية تنظيمية محضة ليس لها هوية دينية أو سياسية
أو فكرية، فالعبرة بالمحتوى، ولذلك فالتقنين يوافق الشريعة الإسلامية مادام محتواه
مستمداَ منها، وإن كان التقنين نظاماً غريباً عن الشريعة الإسلامية, فلا حرج ولا
تثريب من أخذ المسلمين بهذا النظام أو التنظيم لأنه مجرد نظام إجرائي ليس له هوية
سياسية أو دينية، وقد أخذ المسلمون الأوائل بكثير من النظم عن الدول الكافرة مثل
نظام الدواوين وغيره، كما أن النبي e امتدح بعض نظم الكفار كنظام الجوار الذي كان
يتيح للأشخاص أن يجيروا من يطلب حمايتهم، وأجاز النبي eالحلف الذي كان في الجاهلية في بيت عبد
الله بن جدعان بل إن النبي eقال
(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)([90])،
وهذا يدل على أن للعرب في الجاهلية مكارم وفضائل ونظم لم ينسخها الإسلام مع أنهم
كانوا كفاراً، كما أن المسلمين في الوقت الحاضر قد أخذوا نظماً كثيرة من غير
المسلمين في شتى المجالات كالتجارة والسياسة والتعليم والإدارة وغيرها.
7- المطاعن والعيوب التي تشوب التقنين بالإمكان تلافيها أو
الحد منها، في حين أنه يتعذر تلافي واحتواء مفاسد عدم التقنين.
8- التقنين هو الوسيلة الوحيدة في العصر الحاضر لتطبيق أحكام
الشريعة الإسلامية ، فبهذه الوسيلة يتم اختيار القول الراجح في الفقه الإسلامي المستند
إلى الدليل القوي ويتم تدوينه في التقنين، وهكذا إذا تم تطبيق هذه العملية في
المجالات كافة ستكون أحكام الشريعة الإسلامية نافذة في الدولة الإسلامية ، وسيكون
العمل والحكم بها واجباً وملزماً ويعاقب من لا يعمل بها، وقد ذكرنا في بداية البحث
أن من خصائص القانون أنه يكون ملزماً ومقترناً بعقاب على من يخالفه.
9- تقنين أحكام الشريعة الإسلامية سيحدث نهضة فقهية شاملة
واهتماماَ بالغاَ بالفقه الإسلامي ، لأن عملية التقنين تقتضي الدراسة والنقاش
والحوار أولاً بين العلماء والفقهاء في الدول الإسلامية عند إعداد مشروع التقنين
ثم تتم مناقشة هذا المشروع من قبل الجهة المختصة بالحكومة كمجلس الوزراء ثم تكون
المناقشة العلنية له في البرلمان الإسلامي (مجلس الشورى أو مجلس النواب) حيث تقوم
وسائل الإعلام المختلفة بنقل وقائع هذه
النقاشات , إضافة إلى إن كثيراً من الدول الإسلامية عندما تزمع تقنين مسألة ما
تعقد ندوات ومؤتمرات ولقاءات علمية للمتخصصين الذين يناقشون هذه المسألة من
جوانبها المختلفة، وتتابع وسائل الإعلام هذه النقاشات وتبثها على الجمهور.
10- تقنين أحكام الشريعة الإسلامية على هيئة مواد على غرار
القوانين، وبالطريقة العصرية المألوفة للناس في العصر الحاضر، يتيح للمسلمين فرصة
اطلاع غيرهم على أحكام الشريعة الإسلامية المختلفة كي يدرك هؤلاء عظمة الشريعة
الإسلامية ودقة تنظيمها وشمولها لسائر نواحي الحياة، وعندها سيظهر لغير المسلمين
تفوق الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية، وسيدرك هؤلاء أيضاً أن هذه الشريعة
من لدن عليم خبير.
11- تقنين
أحكام الشريعة الإسلامية يحقق الانسجام بين عقيدة المسلم وسلوكه، فتقنين أحكام
الشريعة الإسلامية في مختلف نواحي الحياة المعاصرة يجعل المسلم يلتزم في سلوكه ومعاملاته وتصرفاته
بأحكام الشريعة طواعية أو جبراً، وذلك ينسجم مع عقيدة المسلم ومع نظرته إلى الإسلام كونه عقيدة وشريعة([91]).
الخاتمــــــة
الحمد
لله الذي أنزل القرآن بلسان عربي مبين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما
بعد:
فبعون
الله وبفضله تمكنت من إتمام هذا البحث، وفي أثنائه توصلت إلى نتائج كثيرة سأشير
إلى أهمها في المطلب الأول، أما التوصيات فسوف أستعرضها في المطلب الثاني.
المطلب الأول
نتائج البحث
في أثناء البحث
توصلت إلى نتائج كثيرة قمت بإثباتها في مواضعها من البحث، وسأكتفي هنا بالإشارة
إلى أهمها، وعلى النحو الآتي:
1- وردت تعريفات كثيرة للتقنين وللقانون حسبما هو مبين في
موضعه من البحث،إلا أن هذه التعريفات ليست جامعة مانعة، وفي ضوء هذه التعريفات قمت
بصياغة التعريف الجامع المانع للتقنين وهو ( قيام الجهات المختصة بالدولة
الإسلامية بصياغة الأحكام الفقهية في قواعد عامة ومجردة وملزمة على شاكلة النصوص
القانونية وإقرار ذلك وإصداره على هيئة قانون) وقد قمت بشرح مفردات هذا التعريف.
2- فكرة التقنين قديمة بدأت في عصر الخليفة العباسي أبي جعفر
المنصور ثم تحولت هذه الفكرة إلى حقيقة في عصر الخلافة العثمانية.
3- تجارب الدول الإسلامية في التقنين وجهودها في هذا الشأن
متفاوتة ومختلفة إلى حد ما، وإلى جانب الدول ساهم بعض العلماء في عملية التقنين
حسبما هو مبين في موضعه من البحث.
4- اختلف الفقهاء بشأن التقنين خلافا ًواسعاً ومتشعباً حيث
ذهب بعضهم إلى جواز التقنين وساقوا أدلة كثيرة لمذهبهم ، وقد عرضنا تلك الأدلة
وناقشناها تفصيلاً في موضعها من البحث، في حين ذهب بعض الفقهاء إلى عدم جواز
التقنين واستدلوا أيضاً بأدلة كثيرة ذكرناها وناقشناها تفصيلاً في موضعها من
البحث، وفي ضوء المناقشة المستفيضة لأدلة الفريقين وجدنا أن القول بجواز التقنين
هو القول الجدير بالترجيح، وقد ذكرنا أسباب الترجيح في موضعها من البحث.
المطلب
الثاني
توصيات
البحث
وخلاصة هذه التوصيات مبينة على النحو التالي:
1- إنشاء
هيئات في الدول الإسلامية لتقنين أحكام الشريعة الإسلامية تضم كبار العلماء
المشهود لهم بنبذ التعصب المذهبي شريطة أن تتوافر في أعضاء الهيئة شروط الاجتهاد،
وعلى أن تكون هذه الهيئة أو اللجنة مستقلة ومحايدة ولا تتبع أي جهة أو سلطة من
سلطات الدولة الثلاث، حيث تقوم هذه الهيئة بإعداد مشاريع التقنينات أو مراجعتها ثم
تقديمها إلى الجهة التي تملك حق اقتراح القوانين أو تعديلها (الحكومة أو البرلمان)
وبعد إقرار السلطة التشريعية لها ينبغي عرضها على الهيئة للتثبت من أن التعديلات
التي تمت أثناء نقاشها في السلطة التشريعية لا تخالف أحكام الشريعة ، وتقدم الهيئة
توصياتها إلى رئيس الجمهورية أو الملك أو الأمير الذي يحق له وفقاً للدستور إصدار
القانون أو إعادته إلى السلطة التشريعية لاستيعاب توصيات الهيئة.
2- عدم
الالتزام بمذهب معين عند تقنين أحكام الفقه الإسلامي، ففي ذلك تحجير لما وسع الله
من شرعه وتضييق دائرة الفقه الرحبة التي تعد من مفاخر الفقه الإسلامي، ولذلك ينبغي
الانتفاع بهذه الثروة كلها عند التقنين، فلو أن علماء الدولة العثمانية أخذوا نصوص(مجلة
الأحكام العدلية) من سائر المذاهب المعتبرة ولم يتقيدوا بالمذهب الحنفي وحده، ما
وجدت القوانين الوضعية منفذاً لتحل محل الشريعة في الدول الإسلامية([92]),
ويُحبذ عند التقنين الأخذ بالدليل الشرعي
القوي كما فعلت هيئة تقنين أحكام الشريعة في اليمن دون التقيد بمذهب معين .
3- أن
يكون القول المختار في التقنين هو الراجح دليلاً والأوفق بمقاصد الشريعة والأليق
بتحقيق مصالح الناس ودفع الحرج والعنت عنهم.
4- مشاورة
المشتغلين بتطبيق القانون عند التقنين كالقضاة والمحامين لمعرفة ملاحظاتهم لأنهم
الأدرى بظروف وملابسات التطبيق وأوجه القصور وطرائق المعالجة لها.
5- عقد
ندوات ولقاءات وحوارات ومنتديات لمناقشة المسائل المطلوب تقنينها من قبل العلماء
والباحثين والمهتمين وتدوين وتوثيق التوصيات والملاحظات التي تتمخض عن تلك اللقاءات
والندوات العلمية.
6- تفعيل
دور المجامع الفقهية الإسلامية ومؤسسات الاجتهاد الجماعي في العالم الإسلامي
وإشراكها في تقرير المعالجات الفقهية للمسائل والمستجدات المعاصرة التي لم يتعرض لها الفقهاء المتقدمون، وإخطار هيئات التقنين بما يتقرر في هذا الشأن
للاستفادة منها عند التقنين.
7- عند
تعديل التقنين ينبغي أن تكون هناك أسباب موجبة لهذا التعديل، وإن يتم إعداد هذه
الأسباب من قبل المعنيين مباشرة بتطبيق التقنين وإن ترفق هذه الأسباب بالصيغة المقترحة لتعديل التقنين.
8- ينبغي
مشاورة رجال القانون وأساتذته فيما يتعلق
بأسلوب صياغة التقنين وتبويبه وترتيبه.
9- تبادل
البيانات والمعلومات والخبرات المتعلقة بتقنين أحكام الشريعة الإسلامية بين الدول
الإسلامية، والتنسيق والتشاور بين هيئات التقنين في الدول الإسلامية.
قائمة أهم
مراجع البحث ومصادره
1-
الأشباه والنظائر- للإمام جلال
الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفي سنة 911هـ - دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة
الأولى 1403هـ.
2-
إعلام الموقعين عن رب العالمين-
للإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن قيم الجوزية المتوفي سنة 751هـ شركة
الطباعة الفنية المتحدة مصر سنه 1388هـ - تحقيق طه عبد الرؤوف سعد.
3-
تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام للشيخ برهان
الدين أبي الوفاء إبراهيم بن محمد بن فرحون المالكي المتوفي 799هـ - المطبعة
العامرة القاهرة سنه 1301هـ .
4-
تطبيق الشريعة الإسلامية في
المملكة العربية السعودية وآثاره في الحياة العملية- د. عبد الرحمن الزنيدي –
الرياض- 1999م.
5-
التقنين والإلزام- الشيخ بكر بن
عبد الله أبو زيد- مطابع دار الهلال بالرياض الطبعة الأولى 1982م
6-
تقنين الأحكام الشرعية- د. عبد
الرحمن بن أحمد الجرعي – منشور على الموقع الإلكتروني (الإسلام اليوم) today.net
http://www.islam
7-
تقنين
الشريعة بين التحليل والتحريم- الشيخ عبد الرحمن بن سعد الشتري- منشور في الموقع
الإلكتروني.http:\\www.said.net
8-
تقنين
الشريعة الإسلامية أضراره ومفاسده- للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام.
9-
جهود
تقنين الفقه الإسلامي- د. وهبة الزحيلي – مؤسسة الرسالة بيروت- الطبعة الأولى1987م
.
10-
حلية
الأولياء وطبقات الأصفياء – للحافظ أبي النعيم الأصبهاني المتوفي سنة 430هـ الطبعة
الخامسة – دار الريان القاهرة 1407هـ .
11-
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار- للعلامة محمد أمين بن عمر
بن عبد العزيز الشهير بابن عابدين المتوفي سنة 1252هـ مطبعة مصطفى البابي الحلبي
1386هـ .
12-
روضة
الناظر وجنة المناظر- للإمام موفق الدين عبد الله أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي
المتوفي سنة 620هـ - دار الفكر العربي.
13-
سنن ابن
ماجة للحافظ محمد بن يزيد القزويني
المتوفي سنة 273هـ الطبعة الثانية – دار إحياء التراث العربي تحقيق محمد فؤاد عبد
الباقي.
14-
سنن أبي داود – للحافظ أبي داود
سليمان بن الأشعث السجستاني المتوفي سنة 275هـ الطبعة الأولى – بيروت 1389هـ دار
الحديث.
15-
سنن الترمذي الجامع الصحيح
للحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي المتوفي سنة 279هـ تحقيق أحمد شاكر-
بيروت- دار الكتب العلمية.
16-
السنن الكبرى للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله البيهقي
المتوفي سنة 458هـ- طبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد- الهند، الطبعة الأولى.
17-
فتاوى الشيخ علي طنطاوي – دار
المنارة – جدة.
18-
الفتاوى – للشيخ محمد رشيد رضا- جمع الدكتور
صلاح الدين المنجد ويوسف خوري- دار الكتاب الجديد بيروت.
19-
الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام أبي
العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم الشهير بابن تيمية المتوفي سنة 728هـ دار الغد
العربي الطبعة الثالثة سنة 1991م .
20-
فتح الباري شرح صحيح البخاري
للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفي سنة 862هـ - تحقيق محمد فؤاد عبد
الباقي المكتبة السلفية سنة 1407هـ .
21-
الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي – للأستاذ محمد بن الحسن الحجوي- دار التراث القاهرة.
22-
قانون الأحوال الشخصية اليمني
رقم (20) لسنة 1992م وتعديلاته- إصدار وزارة الشئون القانونية سبتمبر 2003م –
مطابع دائرة التوجيه المعنوي صنعاء.
23-
قانون
الأحوال الشخصية الكويتي منشور ضمن ملحقات الجزء الرابع من كتاب الأحوال الشخصية
للمرحوم محمد قدري باشا – دار السلام القاهرة الطبعة الاولى 2006م.
24-
القانون المدني اليمني رقم (14)
لسنة 2002م- الجريدة الرسمية العدد السابع الجزء الأول 2002م- مطابع دائرة التوجيه
المعنوي صنعاء.
25-
القول المفيد في أدلة الاجتهاد
والتقليد- للإمام محمد بن علي الشوكاني المتوفي 1250هـ - تحقيق محمد صبحي حسن حلاق
– دار الهجرة صنعاء – الطبعة الأولى 1990م .
26-
كشف الخفاء
ومزيل الإلباس عما أشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للشيخ إسماعيل بن محمد
العجلوني المتوفي سنة 1162هـ - مكتبة الغزالي ومؤسسة المناهل.
27-
لسان العرب المحيط للشيخ جمال
الدين احمد بن مكرم الأنصاري الملقب بابن منظور المتوفي سنه 711هـ دار الجيل بيروت
1988م.
28-
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أبي
العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم الشهير بابن تيمية المتوفي سنة 728هـ مكتبة
الإرشاد جدة.
29-
مجلة الأحكام الشرعية – الشيخ
أحمد بن عبدالله القاري المتوفي سنة
1309هـ - تحقيق د. عبد الوهاب أبو سليمان والدكتور محمد إبراهيم محمد علي- مطبوعات
تهامة جدة- الطبعة الأولى 1981م.
30-
مختار الصحاح – للشيخ محمد بن
أبي بكر بن عبد القادر الرازي المتوفي سنة 666هـ - دار الكتاب العربي – بيروت
1981م.
31-
مدخل لدراسة
الشريعة الإسلامية – د.يوسف القرضاوي- مكتبة وهبة بمصر 1990م.
32-
المدخل لدراسة الفقه الإسلامي – د. موسى عبد العزيز موسى – مطبعة النسر
الذهبي، القاهرة 1985م.
33-
المدخل لدراسة الفقه الإسلامي-
د. علي أحمد القليصي- مكتبة الإرشاد صنعاء
، الطبعة الأولى 2001م.
34-
المدخل للعلوم القانونية – د.
توفيق حسن فرج – مؤسسة الثقافة الجامعية مصر – الطبعة الثانية 1981م.
35-
مدخل الفقه الإٍسلامي – د. درويش
الأهدل- مطابع النهضة صنعاء 1990م.
36-
مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر
– الآفاق للطباعة والنشر صنعاء – الطبعة الأولى 2007م
37-
المستدرك على الصحيحين للحافظ
أبي عبد الله محمد بن البيع المعروف بالحاكم المتوفي 405هـ - مكتبة المطبوعات
الإسلامية بحلب.
38-
مسيرة الفقه الإسلامي المعاصرة-
شويش المحاميد- دار عمار – عمان، الأردن.
39-
المصباح المنير- العلامة أحمد بن
محمد بن علي الفيومي المقري المتوفي سنة 770هـ - مكتبة لبنان 1987م .
40-
المغني – للإمام أبي محمد عبد
الله بن أحمد بن قدامة المقدسي المتوفي سنة 620هـ تحقيق د. عبد الله التركي ود.
عبد الفتاح الحلو- دار هجر- القاهرة.
41-
مقدمة في أصول التشريع في
المملكة العربية السعودية- د. جعفر عبد السلام ود. عماد الدين الشربيني – دار
الكتاب الجامعي القاهرة- الطبعة الأولى 1983م.
42-
مواهب الجليل شرح مختصر سيدي
خليل- للشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب المتوفي سنة
954هـ دار الفكر- بيروت.
43-
المهذب – للإمام أبي إسحق
إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الشافعي المتوفي سنة 476هـ ، مطبعة مصطفى البابي
الحلبي بمصر سنة 1343هـ.
([5]) لسان العرب المحيط للشيخ جمال الدين أحمد بن مكرم الأنصاري
الملقب بابن منظور- المتوفي سنة 711هـ- دار الجيل بيروت، 1988م، مادة (قنن).
ومختار الصحاح- للشيخ محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي المتوفي سنه 666هـ
-دار الكتاب العربي –بيروت 1981م مادة (قنن).
([6]) المصباح المنير- العلامة أحمد بن محمد بن علي الفيومي المقري،
المتوفي سنة 770هـ- مكتبة لبنان 1987م، مادة(قنن).
([12]) تقنين الشريعة – الشيخ
عبد الرحمن بن سعد الشتري- منشور في الموقع الإلكتروني:http://www. Said.net، صـ10.
([13]) المدخل للعلوم القانونية –د.توفيق حسن فرج – مؤسسة الثقافة
الجامعية مصر- الطبعة الثانية 1981م صـ15
([14]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء
للحافظ أبي النعيم الأصبهاني المتوفي سنه 430هـ الطبعة الخامسة دار الريان القاهرة – سنه 1407هـ 6/332 والتقنين والإلزام-
الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد- الطبعة
الأولى،1982م، مطابع دار الهلال بالرياض، صـ14.
([15]) القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد للإمام محمد بن على
الشوكاني المتوفي سنه 1250هـ - تحقيق محمد صبحي حلاق – دار الهجرة صنعاء 1990م الطبعة
الأولى صـ59.
([16]) المدخل لدراسة الفقه الإسلامي- د. موسى عبد العزيز موسي- مطبعة
النسر الذهبي ، القاهرة،1985م، صـ125.
([17]) مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر –
الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر – الطبعة الأولى 2007م – الأفاق للطباعة –صنعاء
صـ182.
([18]) المدخل لدراسة الفقه الإسلامي- د. علي أحمد القليصي- مكتبة
الإرشاد، صنعاء، الطبعة الأولى، سنة 2001م، صـ 273.
([20]) مجلة الأحكام الشرعية- الشيخ أحمد بن عبد الله القاري- المتوفي
سنة 1309م، تحقيق د. عبد الوهاب أبو سليمان والدكتور محمد إبراهيم محمد علي،
مطبوعات تهامة جدة ، الطبعة الأولى، 1981م، صـ30-31.
([23]) مقدمة في أصول التشريع
في المملكة العربية السعودية- د. جعفر عبدالسلام ود. عماد الدين الشربيني- دار
الكتاب الجامعي، القاهرة، الطبعة الأولى،1983م، صـ16، 17، 69.
([24]) تطبيق الشريعة الإسلامية
في المملكة العربية السعودية وآثاره في الحياة، د. عبد الرحمن بن زيد الزنيدي، صـ
194, 195، 1999م، صدر هذا الكتاب بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة.
([28]) رد المحتار على الدر
المختار شرح تنوير الأبصار للعلامة محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز الشهير بابن
عابدين المتوفي سنة 1252هـ- مطبعة مصطفى البابي الحلبي سنة 1386هـ 14/181،
والأشباه والنظائر للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفي سنة 911هـ ، دار
الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى،1403هـ، صـ 82. والفكر السامي في تاريخ الفقه
الإسلامي- للأستاذ محمد بن الحسن الحجوي- دار التراث، القاهرة، صـ 76.
([29]) تقنين الأحكام الشرعية- د. عبد الرحمن بن أحمد الجرعي- بحث منشور
على الموقع الإلكتروني( الإسلام اليوم) صـ 11.
([30]) تقنين الأحكام الشرعية-
د. عبد الرحمن بن أحمد الجرعي – بحث منشور على الموقع الإلكتروني( الإسلام اليوم) http://www.islam today. Net.
([33]) الفتاوى- للشيخ محمد
رشيد رضا – جمع الدكتور صلاح الدين المنجد ويوسف خوري- دار الكتاب الجديد
بيروت،2/625.
([55]) فتح الباري شرح صحيح
البخاري، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني-
المتوفي سنة 862هـ تحقيق- محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة السلفية، سنة
1407هـ،9/30.
([57]) روضة الناظر وجنة
المناظر- للإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي- المتوفي سنة
620هـ، دار الفكر العربي، صـ71.
([60]) المستدرك على الصحيحين-
للحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري، كتاب معرفة الصحابة3/78 وقال صحيح
الإسناد.
([61]) كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة
الناس- للشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني المتوفى سنة 1162هـ مكتبة الغزالي ومؤسسة
المناهل، حديث رقم(2214) جـ2/263.
([62]) الأشباه والنظائر- للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي،
المتوفي سنة 911هـ ، دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى،1983م. صـ89.
([63]) مواهب الجليل شرح مختصر أبي الضياء سيدي خليل- تأليف الشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن
المعروف بالحطاب، المتوفى سنة954هـ، دار الفكر بيروت9/93و98. والمهذب- تأليف
الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الشافعي المتوفى سنة 476هـ،
مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر سنة 1343هـ 2/291 والمغني- تأليف الإمام أبي محمد
عبد الله بن أحمد بن قدامه المقدسي، المتوفى سنة620هـ تحقيق- د. عبد الله التركي
ود. عبد الفتاح الحلو- دار هجر، القاهرة 14/91.
([65]) المرجع السابق صـ31 وتقنين الشريعة الإسلامية
أضراره ومفاسده – للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام صـ3.
([69]) إعلام الموقعين عن رب العالمين – تأليف الإمام شمس الدين أبي عبد
الله محمد بن قيم الجوزيه المتوفي سنة 751هـ ، شركة الطباعة الفنية المتحدة مصر 1388هـ تحقيق طه
عبد الرؤوف سعد 2/170.
([70]) السنن الكبرى للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله
البيهقي المتوفي سنة 458هـ طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد- الهند، الطبعة الأولى10/113.
([73]) سنن أبي داود للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني
المتوفي سنه 275هـ الطبعة الاولى بيروت سنه 1389هـ - دار الحديث تحقيق عزت دعاس
4/5 حديث رقم (3573) وسنن الترمذي الجامع الصحيح للحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى بن
سورة الترمذي المتوفي سنه 279هـ تحقيق احمد شاكر – بيروت – دار الكتب العلمية
3/613 حديث رقم 1322 وسنن ابن ماجه للحافظ محمد بن يزيد القزويني المتوفي سنه
273هـ الطبعة الثانية دار إحياء التراث العربي- تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي 2/776
حديث رقم 2315 والمستدرك على الصحيحين للإمام أبي عبدالله محمد بن البيع المعروف
بالحاكم المتوفي سنه 405هـ , مكتب المطبوعات الإسلامية حلب 4/90 والسنن الكبرى للإمام
أبي بكر احمد بن الحسين البيهقي المتوفي سنه 458هـ, دار المعرفة بيروت 10/116 .
([80]) تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام للشيخ برهان الدين أبي
الوفاء إبراهيم بن محمد بن فرحون المالكي المتوفي سنه 799هـ - المطبعة العامرة مصر
سنه 1 130هـ 1/57.
([81]) مجموع فتاوى شيخ الاسلام
ابي العباس تقي الدين احمد بن عبدالحليم
الشهير بإبن تيمية المتوفي 728هـ - مكتبة الإرشاد – جدة – 53/387.