منازعة الغير لا تعد من منازعات التنفيذ


منازعة الغير لا تعد من منازعات  التنفيذ

أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 بموجب  تعديل قانون المرافعات عام 2010م أصبحت الأحكام  الصادرة في منازعات التنفيذ محصنة من الطعن بالنقض حيث صرحت المادة(501) مرافعات أن أحكام محاكم الإستئناف في منازعات التنفيذ غير قابلة للنقض بخلاف الحال قبل تعديل المادة المشار إليها ، وقد ذكرنا في تعليق سابق أن هذا التعديل معيب وأن البعض يستغل تحصين هذه الأحكام من الطعن بالنقض في الإنحراف بإجراءات التنفيذ،  بل أن البعض قد فهم أن هذا التعديل القانوني المعيب قد اسبغ الحصانة من النقض على أية أحكام يصدرها قاض التنفيذ حتى لو كانت ماسة بأصل الحق أو كانت مرفوعة من غير أطراف الحكم محل التنفيذ،  والحكم محل تعليقنا يتصدى بشجاعة لإنحراف الأحكام الصادرة في منازعات التنفيذ وفي الوقت ذاته فإن هذا الحكم يظهر عيوب التعديل للمادة (501) مرافعات، والحكم محل  تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا باليمن في جلستها المنعقدة بتاريخ 15/7/2018م في دعوى الإنعدام رقم (61176) لعام 1439ه وتتلخص وقائع هذا الحكم  أن قاض التنفيذ  بالمحكمة الإبتدائية  قام بمعاينة الأرض المطلوب التنفيذ عليها وتسليمها للمحكوم عليه حيث وجد أن هناك أبنية قد قامت عليها من البلوك فقام أحد الأشخاص الذين أقاموا الأبنية بالمنازعة في التنفيذ من غير أن يكون طرفاً في الحكم الموضوعي محل التنفيذ، وحينها أصدر القاضي قراراً بإستحالة  تنفيذ الحكم لوجود بناء على الأرض وجهالة محل التنفيذ حسبما ورد في القرار المشار إليه، فقام  طالب التنفيذ بالطعن بالإستئناف في قرار قاضي التنفيذ على أساس أن التقرير بإستحالة التنفيذ  قد مس موضوع الحق ، إلا أن محكمة الإستئناف أيدت قرار  قاض التنفيذ فما كان من طالب التنفيذ إلا أن قام بالطعن بالنقض في الحكم الإستئنافي، وعند نظر دائرة فحص الطعون في المحكمة العليا في الطعن من الناحية الشكلية قررت عدم قبول الطعن بالنقض شكلاً لأنه صادر في منازعة تنفيذ عملاً بالمادة (501) مرافعات السابق ذكرها فلم ييئس طلب التنفيذ الطاعن بالنقض حيث تقدم أمام المحكمة العليا بدعوى انعدام حكم دائرة فحص الطعون الذي قضى بعدم قبول طعنه حيث  أسس دعوى الإنعدام على أساس أن الحكم الإبتدائي بإستحالة التنفيذ حكم موضوعي قد صدر من قاضي التنفيذ ولا ولاية له في المنازعة الموضوعية ولذلك فإنه منعدم وإن الإنعدام بدوره قد سرى إلى الحكم الإستئنافي المؤيد للحكم الإبتدائي وتبعاً لذلك فإن قرار دائرة فحص الطعون منعدم كذلك لأنه قد أقر الحكم المنعدم أصلاً، وعند نظر الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في دعوى الإنعدام خلصت في أسباب حكمها إلى أنه ( يجب على كل قاض من قضاة التنفيذ أن يدرك أنه  حينما يتعرض للفصل في منازعات  التنفيذ فإنه لا يعتبر محكمة عليا بالنسبة للحكم القضائي السند التنفيذي وما يرتبه ذلك من التزامات عدة حيث يجب على قاض التنفيذ عدم المساس بأحكام المحكمة العليا سندات التنفيذ فلا يعتقد أن عليه اصلاح فاسد الأحكام إن وجدت وأن عليه أن يعرف الغاية من تكليفه بعمل قاضي التنفيذ هو إيصال الحق المحكوم به لطالب التنفيذ، كما أن التعديل الحاصل في المادة (501) مرافعات في عبارته غير قابل للنقض لا ينبغي أن يفهم منه أن وظيفة المحكمة العليا فيما تصدره من أحكام وفيما يرفع إليها من الطعون تقتصر على النقض فالمادة (291) مرافعات بينت أن وظيفة المحكمة العليا هي النقض او الإقرار للأحكام بالإضافة إلى ما يسمى الإستكمال أو الإستيفاء ، وعليه فليس كل حكم صدر في منازعة تنفيذية مما يجب نقضه حتى يأتي التعديل للمادة (501) بالحرص فقط على عدم النقض وإذا كان من اقترح تعديل المادة (501) قد حرص على أمر ما فإنه قد أصاب العدالة وأوجعها بتحقيق الظلم  في المجتمع وأن تقرير التعديل فيه الإثم الكبير وأننا نقول بهذا براءة للذمة لما في هذا التعديل من مخالفة لوظيفة المحكمة العليا ولذلك يجب سرعة إعادة النظر في النصوص في القوانين الإجرائية  التي تحول دون رقابة المحكمة العليا على الأحكام لأن من شأن ذلك عدم توحيد مسار محاكم الإستئناف في محافظات الجمهورية في كل ما تصدره من أحكام يمتنع عرضها على المحكمة العليا، وحيث أوجب القانون على المحكمة العليا في المادة (57) مرافعات عند نظر دعوى الإنعدام متى ثبت صحتها النظر في الطعن والرد عليه وحيث أن دائرة فحص الطعون في قرارها المدعى انعدامه تكون قد فصلت في الطعن بالنقض من حيث الشكل بقبوله ثم التقرير بعدم جوازه وبعد دراسته تبين ورود  السبب المؤثر في الحكم المطعون فيه كونه قضى بتأييد حكما غير صحيح صدر في منازعة من الغير دون أن تلاحظ محكمة الإستئناف ما يجب عليها في استئناف مسمى المنازعة والحكم الصادر فيها على غير هدى ولم تنتبه أن المنازعة تصدرت في دعوى بطلان إجراءات التنفيذ وصدر الحكم بإستحالة التنفيذ لجهالة محل التنفيذ المحكوم فيه بموجب السند التنفيذي وهو الأمر الذي يلزم معه إحالة الحكم الصادر في مسمى المنازعة والحكم الذي أيده إلى هيئة التفتيش القضائي لتقييم الأداء، فماذا يعني  الحكم بإستحالة التنفيذ لجهالة المحل بعد محاكمة استمرت سنين عدة؟ ولما تقدم واستناداً إلى نصوص المواد (300و292و236و222و76و58و57) مرافعات وبعد المداولة حكمت الدائرة بالآتي:

1- قبول دعوى الإنعدام شكلاً وموضوعاً.

2- التقرير بإنعدام الحكم المدعى بإنعدامه وسحبه بمعرفة الأمانة العامة للمحكمة العليا ورفع نسخة من هذا الحكم إلى رئيس المحكمة  العليا للتوجيه بتنفيذه.

3- قبول الطعن موضوعاً ونقض الحكمين الإستئنافي والإبتدائي.

4- إحالة الحكمين المنقوضين إلى هيئة التفتيش لتقييم الأداء بالنظر إلى قضاء السند التنفيذي.

5- إعادة ملف القضية إلى محكمة الإستئناف ومنها إلى المحكمة الإبتدائية لمراجعة إجراءات التنفيذ وفقاً للقانون وتجاوز الإجتهادات غير الموفقة  بعد الفصل في اعتراضات الغير بأحكام) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:

الوجه الأول : خطورة تحصين القرارات الصادرة  في منازعات التنفيذ من الطعن بالنقض:

يظهر الحكم محل تعليقنا هذه الخطورة حيث أن الإختصاص الأساس للمحكمة العليا هو الرقابة على مدى التزام  المحاكم الأدنى بالقانون وعدم مخالفته، فتقرير عدم قابلية قرارات التنفيذ للطعن بالنقض يعطل هذه الرقابة وفي الوقت ذاته يوجد بيئة فساد ومخالفات للقانون من غير رقيب ولا حسيب ، بالإضافة إلى خطورة التجاوزات والإنحرافات التي قد تقع في أثناء تنفيذ الأحكام وهي ليست نادرة حيث يتعذر تداركها ومعالجتها إذا تم تحصينها من الطعن بالنقض، ولذلك أشار الحكم محل تعليقنا إلى أن تعديل المادة (501) مرافعات قد أصاب العدالة بمقتل وأنه قد مس بإختصاص المحكمة العليا.

الوجه الثاني: الإعتبارات التي تم الإستناد إليها في تعديل المادة (501) مرافعات:

أهم الأسباب الموجبة لتعديل المادة المشار إليها هو أن إتاحة الطعن بالنقض في القرارات الصادرة في منازعات التنفيذ يعطل إجراءات التنفيذ ويطيل إجراءات التقاضي ويؤدي إلى تأخير وصول أصحاب الحقوق المحكوم بها موضوعياً إلى حقوقهم ، وهذه الأسباب وجيهة ولكن عند الموازنة بينها وبين المفاسد والتجاوزات التي تحدث في أثناء التنفيذ حسبما أشار الحكم محل تعليقنا يجد المتابع والمحب للعدل أن هذه الأسباب تهون قياساً بالمفاسد والتجاوزات التي تحدث في أثناء التنفيذ.

الوجه الثالث: من أسباب التجاوزات والإختلالات التي تحدث أثناء التنفيذ:

أشار الحكم محل تعليقنا إلى ذلك ، ولذلك نشير بدورنا إلى ذلك مجرد إشارة لأن هناك مؤلفات ورسائل قد تناولت هذا الموضوع تفصيلاً ، ومن أهم أسباب الإختلالات والتجاوزات التي تحدث أثناء التنفيذ هو عدم وضوح منطوق الحكم وإجماله واعتبار أسباب الحكم جزءاً من المنطوق وصياغة منطوق الحكم بعبارات مرسلة وعدم ترتيب فقرات منطوق الحكم، ولذلك ينبغي على القاضي حينما يصيغ منطوق الحكم أن يتصور نفسه أنه قاض التنفيذ فعندئذ سوف يستطيع صياغة منطوق قابل للتنفيذ بالفعل .

الوجه الرابع: المنازعة المرفوعة من الغير في اثنا التنفيذ لا تكون منازعة تنفيذ:

تناول قضاء الحكم محل تعليقنا بإنعدام الاحكام التي قررت أن المنازعة المرفوعة من غير اطراف الحكم الموضوعي محل التنفيذ من قبيل منازعات التنفيذ في حين أنها منازعة موضوعية تسمى دعوى الإستحقاق إن كان لها وجه، والله أعلم.