مراحل صياغة العقد

مراحل صياغة العقد


من المعروف أن صياغة العقد والتوقيع عليه من قبل أطراف العلاقة العقدية لايتم فجأة وبدون مقدمات ومفاوضات وتحضيرات، فصياغة العقد تتدرج بمراحل تختلف باختلاف العقود، فالعقود النمطية والمألوفة تكون مراحل صياغتها أقل وايسر من غيرها من العقود،كما أن مراحل الصياغة تطول وتقصر بحسب خبرة المتعاقدين والشخص الذي يتولى صياغة العقد، ونؤكد أن الصياغة للعقد تظل حاضرة في كل مراحل الصياغة حتى بعد التوقيع على العقد، ولذلك ينبغي الإشارة إلى مراحل صياغة العقود في المطالب الآتية :

المطلب الأول : خطابات نوايا المتعاقدين.
المطلب الثاني : جمع البيانات والمستندات اللازمة للصياغة .
المطلب الثالث : صياغة مسودة العقد .
المطلب الرابع : مراجعة وتنقيح مسودة العقد.
المطلب الخامس : التوقيع على العقد وتوثيقه وتسجيله.

المطلب الأول: خطابات نوايا المتعاقدين

تتبادل أطراف العقد خطابات أو مذكرات تتضمن تصوراتهم ووجهات نظرهم ومواقفهم من العلاقة العقدية التي يعتزمون ابرامها مستقبلا فيما بينهم ،وهذه المذكرات والخطابات تكشف عن ارادات الأطراف الراغبة في التعاقد ولذلك تكتسب أهميتها بالنسبة للشخص الذي سيتولى صياغة العقد، ويطلق على هذه المذكرات خطابات النوايا أو مذكرات التفاهم، ويتم تكييفها من قبل رجال القانون على انها وعد بالتعاقد، ويتم تبادل خطابات النوايا ومذكرات التفاهم عن طريق الإيميل أو الواتس او الرسائل الهاتفية القصيرة كما قد تكون مستندات ورقية وفي بعض الأحيان قد تكون اتصالات هاتفية فيما بين الأطراف المقبلة على التعاقد، وفي دول العالم المختلفة يقوم الشخص الذي ينوي التعاقد بتقديم خطابات النوايا إلى الشخص الذي سيتولى صياغة العقد حيث تكون هذه الخطابات هي نواة صياغة العقد والمادة الأولية لصياغة مسودة العقد وفي الوقت ذاته فإن خطابات النوايا تكون اول محتويات ملف صياغة العقد، إلا أنه في اليمن وبعض الدول لايقوم الأشخاص بتقديم هذه الخطابات إلى الشخص الذي يتولى صياغة العقد إلا إذا كان مستشارا قانونيا للشخص الذي ينوي التعاقد لأن هذه الخطابات تتضمن أسرار شخصية وتجارية وفي هذه الحالة يتوجب على الشخص الذي يتولى الصياغة أن يطلب من الشخص الرافض تقديم خطابات أن يقدم له مذكرة يلخص فيها مضمون تصوراته وتصورات الطرف الآخر عن العقد، أما إذا كان العقد من العقود الإدارية فإنه من الواجب على الإدارة القانونية أن تطلب من المعنيين في الجهة الإدارية موافاتها بالخطابات والمذكرات المتبادلة والمحاضر الإدارية التي تثبت استكمال الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة للبدء بصياغة العقد وفي كل الأحوال وفي كل الجهات يتوجب على من يتولى صياغة العقد أن يقوم بدراسة خطابات النوايا دراسة دقيقة للتأكد من كفاية البيانات الواردة فيها للصياغة وللتأكد من بعض المصطلحات والالفاظ الفنية غير القانونية وبعد الانتهاء من دراسة خطابات النوايا يجب على متولي الصياغة أن يقوم بتوجية مذكرة إلى الجهة أو الشخص طالب التعاقد يبين فيها البيانات والمستندات الواجب استيفاؤها وكذا بيان المصطلحات والالفاظ الفنية غير القانونية.

المطلب الثاني: جمع البيانات والمستندات اللازمة للصياغة

لصياغة العقد يتوجب قبل الشروع في عملية الصياغة أن يقوم متولى الصياغة بفتح ملف يتضمن خطابات النوايا والايضاحات المقدمة من أطراف العلاقة، وبالإضافة إلى ذلك يجب على متولي صياغة العقد ان يقوم بمخاطبة الأشخاص المعنيين أو الجهات المعنية بموافاته بالبيانات والمستندات اللازمة للصياغة، ويمكن الإشارة إلى البيانات والمستندات اللازمة للصياغة على النحو الآتي:

أولاً: البيانات اللازمة لصياغة العقد

١- تاريخ العقد ( اليوم / التاريخ / الساعة )
٢- مكان التوقيع على العقد ( المقر/ المدينة /الدولة )
٣- أسماء الأشخاص الذين سيقومون بالتوقيع على العقد وصفاتهم والبيانات الشخصية عنهم (رقم البطاقة الشخصية أو الجواز وتاريخ الصدور ومكانه )
٤- موضوع العقد أو الشي المتعاقد عليه وماهيته والبيانات الخاصة به وحدوده وحالته ...الخ.
٥- شروط المتعاقدين والبنود المقترحة منهم، وبيان البنود اللازمة وغير اللازمة من وجهة نظرهم.
٦- مدة العقد والقانون الواجب التطبيق على العقد وكذا المحكمة أو المحكم المختص بالفصل في اية نزاعات قد تحدث أثناء تنفيذ العقد.
٧- اسماء الشهود الذين سيشهدوا على التوقيع على العقد.

ثانياً: المستندات اللازمة لصياغة العقد

١- طلب الجهة أو الشخص لمتولي الصياغة بصياغة العقد .
٢- خطابات النوايا السابق ذكرها والمذكرات الايضاحية بشأن ذلك .
٣- صورة من قرار تعيين الشخص الذي سيقوم بالتوقيع على العقد للتأكد من صفته ، ويمكن أن تحل محل قرار التعيين البطاقة الوظيفية التي تثبت مهنته كما لوكان مقاولا أو محاميا او طبيبا.
٤- صورة من جواز السفر أو البطاقة الشخصية للشخص الذي سيقوم بالتوقيع على العقد للتاكد من شخصيته .
٥- صور من وثائق الشيء المتعاقد عليه أو موضوع العقد، وهذه الوثائق تختلف باختلاف الشيء المتعاقد عليه .
٦- صور من المحاضر والموافقات على إبرام العقد التي تدل على استكمال الإجراءات التي قد يتطلبها القانون قبل إجراء العقد .
٧- صور من البطاقة الضريبية والزكوية.

وهناك وثائق أخرى لا يتسع المجال لحصرها في هذه الدراسة التدريبية، ويتوجب على متولي صياغة العقد بعد أن يفرغ من جمع البيانات والمستندات اللازمة للصياغة أن يقوم بدراسة تلك البيانات والمستندات للتأكد من كفايتها وسلامتها ومخاطبة الأشخاص والجهات المعينة بإستيفاء اي نقص أو معالجة اي خلل أو قصور قبل الشروع في الصياغة.

المطلب الثالث: صياغة مسودة العقد

مسودة العقد هي النسخة الأولية التي يقوم صائغ العقد بصياغتها بعد استكماله لدراسة ملف الصياغة المتضمن البيانات والمستندات اللازمة للصياغة، حيث يقوم متولي الصياغة بعملية الصياغة مستفيدا من البيانات والمعلومات الموجودة في ملف الصياغة حيث يبدأ بالبسملة ثم اسم العقد ثم يذكر يوم وتاريخ إبرام العقد في مستهل العقد ثم يذكر اسماء وبيانات الأطراف المتعاقدين في ديباجة العقد ثم يذكر في مقدمة العقد مذكرات التفاهم بين الأطراف ورغبتهم في إبرام العقد، وبعد ذلك يذكر في البند الأول موضوع العقد وهو الشيء أو العمل الذي يتم التعاقد عليه حيث يذكر بياناته التي تميزه عن غيره وتجعله معلوما علما نافيا للجهالة وبعد ذلك يذكر في البند الثاني التزامات الطرف الذي سيقدم الشيء أو العمل وذلك على شكل فقرات ( ١-٢-٣ ) ثم يذكر في البند الثالث التزامات الطرف المستفيد من الشيء أو العمل وذلك على شكل فقرات ، وبعد ذلك يذكر في البند الرابع مدة العقد وهي مدة نفاذ العقد وتاريخ بدايتها ونهايتها والتجديد لها ،وبعد ذلك يذكر القانون الذي يكون المرجع فيما لم يرد في العقد بند بشأنه وكذا طريقة تسوية اي نزاع قد يحدث بين أطراف العقد بشأن تنفيذ العقد أو تفسيره وما إذا سيتم حسمه عن طريق التحكيم او أمام المحكمة المختصة ويتم ذكر ذلك كله في البند الخامس على هيئة فقرات ،أما في البند السادس فيتم تضمينه اسماء الشهود وأرقام هوياتهم الشخصية، وبعدئذ يتم تضمين البند السابع نسخ العقد وهي عدد النسخ التي تكون بقدر عدد الأطراف المتعاقدة والجهات المعنية بالتوثيق أو التسجيل أو المصادقة، وبعد ذلك ذيل المسودة التي تتضمن اسماء وتوقيعات أطراف العقد وشهوده وأسماء الأشخاص والجهات التي ستتولى توثيق العقد أو تسجيله أو المصادقة عليه.

وبعد ان يفرغ صائغ العقد من صياغة العقد على النحو السابق بيانه يجب عليه ان يقوم بالمراجعة لمسودة العقد ثلاث مرات على الأقل وان تتم المراجعة في ضوء البيانات والمستندات الموجودة بملف الصياغة، والغرض من المراجعة للمسودة في هذه المرحلة هو استيفاء اي نقص أو قصور في صيغة المسودة وكذا تصحيح وتصويب الأخطاء النحوية والاملائية والطباعية ، وينبغي أن تتم المراجعة عن طريق المقارنة بين المستندات والبيانات الموجودة في ملف الصياغة وبين بنود مسودة العقد لإزالة اي تناقض أو تعارض واستيفاء اي قصور أو نقص، وبعدئذ يتم ارسال المسودة إلى الجهة التي طلبت صياغة العقد.

المطلب الرابع: مراجعة صيغة العقد وتنقيحها

عند استلام الجهة أو الشخص المعني لمسودة العقد أو صيغته الأولية يقوم بدراستها للتأكد من استيعابها لكل طلباته وشروطه فإن وجدها كذلك فكان بها وهذه الحالة نادرة جدا لان الغالب ان الشخص الذي يطلب إعداد صيغة العقد يقوم بدراستها بنفسه كما يقوم باستشارة اعداد هائلة من المختصين والمتخصصين وتكون حصيلة هذه الدراسة ملاحظات واقتراحات كثيرة لتعديل المسودة وبعض هذه الملاحظات صائبة وبعضها غير مناسبة ، وعندئذ يتوجب على متولي صياغة العقد ان يقوم بدراسة الملاحظات والمقترحات بشأن تعديل المسودة التي قام بإعدادها وهذا يتطلب ممن يتولى الصياغة خبرات ومهارات وطاقات لاحدود لها فيما يتعلق بمعرفة مدى صوابية هذه الملاحظات والمقترحات لمصلحة أطراف العقد أو الطرف الذي يمثله ومعرفة مدى مطابقة هذه المقترحات مع القوانين واللوائح والأنظمة ، وكذا يتطلب منه جهدا وصبرا لإقناع المعنيين بالعدول عن الملاحظات والمقترحات المخالفة للقوانين أو غير المناسبة، ولاتقف المراجعة عند هذا القدر او الحد حيث يقوم متولي الصياغة باستيعاب الملاحظات الأولية المشار إليها سابقا وتسليم النسخة إلى الطرف الذي يمثله متولي الصياغة فعندئذ تبدأ جولة مفاوضات أخرى فيما بين أطراف العقد خاصة في اليمن الذي تنعدم فيه خطابات النوايا النظامية وحيث تسود فيه ثقافة التذاكي والشطارة وأحيانا المغالطة ،حيث ينظر كل طرف إلى مصالحه وحقوقه وكيف يحافظ عليها فقط في صيغة العقد بصرف النظر عن الجوانب القانونية ومصالح وحقوق الطرف الآخر وايضا قد يكون عند طرفي العقد أكثر من صيغة للعقد، وهذا يتطلب من صائغ العقد قدرة وخبرة قانونية كبيرة حيث يستطيع السيطرة على طرفي العقد لأنه سيكون المتحكم والقادر على السيطرة حيث يشهر في وجوه طرفي العقد نصوص القانون والأعراف السائدة والحالات المماثلة وعندها يتراجع الجميع ويذعنوا لأحكام القانون وغيرها، وفي كل حالات المراجعة لصيغة العقد يتوجب على الصائغ الرجوع المستمر عند كل مراجعة إلى كافة البيانات والمستندات الموجودة في ملف الصياغة لأنها بمثابة الأعمال التحضيرية لصيغة العقد وهي تسهم في تقريب وجهات النظر وضمان حياد واستقلالية صائغ العقد وبعده عن الهوى والمزاج ،ونؤكد على أن عملية المراجعة لصيغة العقد تستمر في حلقات متواصلة في كل مراحل الصياغة بداية من الانتهاء من صياغة المسودة حتى التوقيع على النسخة النهائية للعقد.

المطلب الخامس: التوقيع على العقد وتوثيقه وتسجيله

بعد مطالعة أطراف العقد للصيغة النهائية للعقد تتم تلاوة الصيغة جهرا حتى يسمعها الشهود ثم يتم التوقيع عليها من قبل أطراف العقد حيث يقوم الطرف الأول بالتوقيع ثم يليه الطرف الثاني ثم الشهود ،ويتم التوقيع عن طريق قيام كل طرف بكتابة اسمه الرباعي مع اللقب بخط يده ثم يضع امضائه وهي العلامة المعتادة له التي يضعها على كافة مذكراته ثم يضع خاتمه أن كان له ختم وبعد ذلك يتم التوقيع على نسخة العقد من قبل الطرف الثاني ثم يتم التوقيع عليها من قبل الشهود، وتحدث إشكاليات عند التوقيع على العقد ومن ذلك اختلاف امضاء بعض الأشخاص حيث ان امضاء الشخص لا يتطابق إلا بنسبة لا تزيد عن ٠٧% ولذلك تطلب البنوك من الأشخاص أن يقوم بالامضاء أكثر من مرة أحيانا أربع مرات وكذا إشكاليات بصمة الإبهام التي لا تظهر إلا بنسبة ٠٢% ولذلك تقوم الجهات المختصة عند أخذ البصمة بأن تأخذ عدة بصمات بما فيها بصمة العين أو الصوت ...الخ ،وهذه الإشكاليات ممكن معالجتها عن طريق وجوب حضور الشهود الذين يشهدون بأن أطراف العقد قد قاموا بالتوقيع على العقد وان تلك توقيعاتهم وبصماتهم.

وبعد التوقيع على الصيغة النهائية للعقد على النحو السابق بيانه لا ينتهي دور متولي الصياغة حيث يجب عليه الإشراف بحكم خبرته على عملية تسجيل العقد إذا كان يحتاج إلى تسجيل وكذا توثيق العقد وإرشاد أطراف العقد إلى ذلك حيث ان بعض العقود والتصرفات لا تكتسب حجيتها أو نفاذها إلى عن طريق التسجيل أو مايقوم مقامه،إضافة إلى أن بعض العقود قد تحتاج إلى تعميد من المسؤول الأعلى في الجهة الإدارية أو المصادقة عليه من قبل مجلس إدارة أو جمعية عامة وغيره، ولذلك يتوجب على متولي صياغة العقد إرشاد أطراف العقد إلى الإجراءات الواجب عليهم اتخاذها بعد توقيعهم على العقد.

مراحل صياغة العقد
مراحل صياغة العقد.