معنى الاقرار بفرع الثبوت

 

معنى الاقرار بفرع الثبوت

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعا ء

الاقرار بفرع  الثبوت قاعدة من اهم قواعد الإثبات قررها الفقه الاسلامي لحفظ الحقوق والمصالح، وقد اخذ بها قانون الإثبات اليمني، كما اهتم بها الفقه الزيدي اهتماماً بالغاً حيث وردت هذه القاعدة بصيغتها في متن الازهار للأمام المرتضي رحمه الله ، كما ان هذه القاعدة موجودة في القوانين الوضعية المختلفة ،ولأهمية هذه القاعدة وتكرار ذكرها في كثير من الأحكام والمرافعات فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18/12/2012م في الطعن المدني رقم (46480) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان المقاول الأصلي لبناء مدرسة قام بالاستعانة بمقاول من الباطن لتنفيذ بعض الصبيات، وبعد حين تقدم المقاول من الباطن الذي نفذ صبيات الاسمنت تقدم بدعوى أمام المحكمة الابتدائية مدعياً  بانه قام بتنفيذ بعض اعمال الصبيات في المدرسة وقد تبقى لدى المقاول  الاصًلي ما يقارب مائتي الف ريال يمني فإجاب المدعى عليه  بأنه قد سلم للمدعى عليه جميع حسابه فور انتهائه من العمل، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بقبول الدعوى وإلزام المقاول الاصلي بدفع المبلغ المدعى به استناداً إلى العقد بين الطرفين وتحميل المدعى عليه مصاريف التقاضي، وقد ورد في أسباب الحكم الابتدائي ( وبما ان المدعى عليه قد اقر بقيام المدعي بتنفيذ العمل وان المدعى عليه قداستلم العمل المتفق عليه وان الاستلام قد تم في حضور المدعى عليه، فذلك دليل على سلامة العمل واستحقاق المدعي للمبلغ المتفق عليه والمدعى به لان المدعى عليه لم يقدم مايدل على سداده للمبلغ المدعى به) فلم يقبل المدعى عليه بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن الشعبة المدنية قضت بتأييد الحكم الابتدائي، وقد ورد ضمن اسباب حكمها (حيث تبين للشعبة استناد الحكم الابتدائي على أدلة وبراهين وتقارير خبراء جميعها تتوافق على صحة الدعوى واقرار المدعى عليه بقيام المدعي بتنفيذ العمل) فلم يقنع المدعى عليه المقاول الاصلي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقٌرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث ثبت للشعبة مصدرة الحكم المطعون فيه اقرار المدعى عليه بفرع الثبوت لما ورد في دعوى المدعي بادعاء المدعى عليه أنه قد قام بتسديد المبلغ المتفق عليه كاملاً الى المدعي ،ولكن المدعى عليه عجز عن إثبات الوفاء والتسديد، وحيث أن محكمة الموضوع قد اخذت اليمين من المدعي على المباغ المتبقي له لدى المدعى عليه وأن  المدعى عليه قد راجع الكميات وكانت مطابقة لما تم الاتفاق عليه،لذلك فان الواجب الزام المدعى عليه الطاعن بسداد المبلغ المتبقي في ذمته) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :

الوجه الأول : قاعدة الاقرار بفرع الثبوت في القانون اليمني :

عرف قانون الاثبات الاقرار في المادة (78) التي نصت على أن (الاقرار هو اخبار الانسان شفاهة أو كتابة على ثبوت حق لغيره على نفسه) ويندرج الاقرار بفرع الثبوت ضمن الاقرار الضمنيً،وقد بينت ذلك المادة (83)اثبات  التي نصت على ان (يكون  الاقرار صراحة باية عبارة تودي الى الاعتراف بالحق ،كما يكون ضمنيا كالإقرار بفرع يترتب على ثبوته بثبوت أصله كمن يقر بالطلاق فذلك يتضمن اقراره بالزواج).

الوجه الثاني : معنى قاعدة الاقرار بفرع الثبوت :

معنى هذه القاعدة ان المقر لا يقر صراحة بالواقعة المدعى بها عليه وهي الواقعة الاصلية المدعى بها ولكنه يقر بواقعة فرعية متصلة بالواقعة الاصلية، مثل أن تتقدم امرأة مدعية بزواج المدعى عليه أو المورث منها فيجيب الرجل أو ورثته بأنه قد طلقها، فالطلاق اثر من اثار الزوجية أي واقعة فرعية متفرعة من الواقعة الاصلية وهي الزواج ولذلك فان اقرار الزوج بالطلاق وهو الفرع يعني اقراره بالواقعة الاصلية وهي الزواج، ومثال ذلك الواقعة التي تناولها الحكم محل تعليقنا ،فاقرار المقاول الاصلي بالواقعة الفرعية وهي قيام المقاول من الباطن  بتنفيذ العمل المتفق عليه وهي واقعة فرعية متفرعة كأثر من اثار العقد بين الطرفين فان هذا الاقرار الفرعي يدل على ثبوت استحقاق المدعي لبقية اجره بموجب الواقعة الاصلية وهي العقد بين الطرفين،ومثال ذلك ان يدعي المدعي بمال فيجيب المدعى عليه بان الحق قد تقادم وهكذا.

الوجه الثالث : قاعدة الاقرار بفرع الثبوت في الفقه الاسلامي :

وردت هذه القاعدة بهذا اللفظ في متن الازهار للأمام المرتضى رحمه الله: (ويجب الحق بالاقرار بفرع ثبوته) وقد شرح هذه القاعدة ابن مفتاح بقوله : فالإقرار بما هو فرع لثبوت الشيء اقرار بثبوت ذلك الشيء، فمن قال قد قضيتك ما كان لك علي من دين او قال لمن ادعى عليه عيناً بعها مني أو نحو ذلك فهو بهذا القول قد اقر بان ذلك الشيء المدعى به للمدعي، فيجب استصحاب الحال والحكم على القائل بثبوت ما اقر بثبوته حتى يأتي بما ينقل عن هذا الاستصحاب، وهذا حكم شرعي لا يمكن اقامة العدل الا بإعماله لا بإهماله، لان الإهمال جور وظلم، ومن أمثلة الاقرار بالثبوت اقرار المدعى عليه بأن المدعي قد رد اليه الشيء محل النزاع فان هذا اقرار بفرع ثبوت يد المدعي على ذلك الشيء فيستصحب الحال في ثبوت يد المدعي حتى ينقل عليها ناقل صحيح (البحر الزخار 2/162)

الوجه الرابع : قاعدة الاقرار بفرع الثبوت في القوانين العربية :

هذه القاعدة معتبرة في القوانين العربية ولكنها ترد ضمن الاقرار الضمني، ويتناولها شراح القانون ضمن ما يسمى (بالاقرار المركب) حيث يقول استاذنا المرحوم أحمد أبو الوفاء في كتابه (الاثبات في المواد المدنية والتجارية ص216) يقول : (واما الاقرار المركب فهو كالاقرار الموصوف يشتمل على واقعة اصلية وواقعة اخرى مرتبطة بها وإنما نشأت بعد نشوء الواقعة الأولى الاصلية كاقرار المدين بالوفاء، فالاقرار المركب لا يتجزاء لان الواقعة المستجدة تستلزم حتماً وجود الواقعة الاصلية، فلا يتصور وفاء من غير مديونية ولا يتصور تجديد أو ابراء من غيرها)، والله اعلم.