وجوب اكتمال هيئة التحكيم حتى صدور حكمها

 

 

وجوب اكتمال هيئة التحكيم حتى صدور حكمها

أ.د عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والقانون

جـــامعــة صــنعــاء- الـــيــمــن

 

الحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر بتاريخ  26/3/2013م عن الدائرة التجارية (هيئة ب) بالمحكمة العليا وهو الحكم الذي قرر وجوب اكتمال هيئة التحكيم حتى صدور حكمها ووجوب حضور جميع المحتكمين عند قيام هيئة التحكيم بفتح باب المرافعة ومواجهتهم بالأدلة وغيرها التي يتم الإدلاء بها بعد فتح باب المرافعة، وحتى يحقق التعليق على هذا الحكم مقاصده من المناسب أن نذكر الحكم أولاً ثم نبين أوجه التعليق عليه-وقد جاء في الحكم محل تعليقنا إنه (لم يقتنع الطاعن (....)بحكم الشعبة آنف الذكر ، وتقدم بعريضة طعن بالنقض أقامه على الأسباب الآتية خلاصتها :

1) أن مناقشة الشعبة للسبب الأول من دعوى البطلان بشأن عدم صلاحية المحكم (....)كونه قاضياً بحسب ظنَّنا وطالما تبين أن عمله إداري فإن رد الشعبة على هذا السبب يتفق مع صحيح القانون ونحن معها في ذلك .

2) أما مناقشتها للسبب الثاني وهو عدم إعلاني بمواعيد الجلسات التي تم تحديدها بعد حجز القضية للحكم، حيث ذكرت في حيثيات حكمها ما خلاصته: ( ...إلا أن هيئة التحكيم حين رأت عدم التزام المدعى عليه بحضور جلسات التحكيم رأت إبلاغه عبر ضامنه (...)الذي أقر أمام الشعبة بأن المدعي وأحد المحكمين أعلناه بإبلاغ (...)بالحضور أمام هيئة التحكيم ، وكان الأولى بالمدعى عليه الالتزام بحضور جلسات هيئة التحكيم طالما قدم دفاعه على الدعوى ، إلا أن الثابت من محاضر هيئة التحكيم وجلساتها المنعقدة بشكل مستمر تهرب المدعى عليه عن باقي جلسات نظر القضية من هيئة التحكيم ، لذلك فإن نعي المدعي ببطلان الإجراءات لعدم حضوره جلسات التحكيم المتبقية يكون غير مُجدٍ ، وما سارت عليه هيئة التحكيم يتوافق مع ما قررته أحكام المادة (41) تحكيم ...) وهذا الاستناد غير صحيح ؛ لأن الشعبة اجتزأت  النص وتركت آخره الذي ينص على الآتي: ( بحيث لا يخل ذلك بحقوق الطرفين التي تنظمها أحكام هذا القانون )، والمقصود بلجنة التحكيم وفقاً لنص المادة (1) تحكيم هي( الهيئة التي تتكون من محكم فرد أو عدة محكمين وفقاً لشروط اتفاق التحكيم ولأحكام هذا القانون) ، وبما أن  لجنة التحكيم في هذه القضية مشكلة من ثلاثة محكمين فإنه يشترط لنظرها والسير في أي إجراء من إجراءاتها حضورهم جميعاً كل جلسات التقاضي وفقاً لأحكام المادة (11) مرافعات، وتغيب أحدهم يوجب تأجيل الجلسات ويترتب على مخالفتها البطلان عملاً بأحكام المواد (25، 26، 27) تحكيم ، ولو كان انفراد بعض هيئة التحكيم بالإجراءات جائزاً لما وجدت هذه النصوص ولسادت الفوضى في حل النزاعات وكان على المحكمين تأجيل الجلسة حتى حضور المحكم الثالث أو تطبيق أحكام المادتين آنفتي الذكر، غير أنهما انفردا في الإجراءات على نحو ما هو ثابت في  محضر الجلسات ، وفي هذا السبب ما يكفي الشعبة لأن تقضي ببطلان حكم التحكيم دون حاجة لمناقشة أي سبب آخر من أسباب دعوى البطلان.

3) أما مناقشة الشعبة للسبب الثالث المتمثل بأن أحد أفراد لجنة التحكيم قد قام بالتنحي، مما يعني أن بقية أعضاء اللجنة لم يعد لها ولاية ...إلخ . حيث ذكرت عدم جواز تنحي العضو في نفس يوم النطق بالحكم ،وأنه كان يجب عليه حضور الجلسات وتقديم طلب التنحي أمام اللجنة ، ومخالفة الشعبة للقانون واضحة ؛ لأنه لا يوجد في القانون نص يمنع المحكم من التنحي في أي وقت وصادف تنحيه يوم صدور الحكم من قبل عضوي لجنة التحكيم دون علمه بذلك فلم يعلن ولم يحضر أي جلسة بعد موعد النطق السابق، فكيف تطلب منه الشعبة حضور تلك الجلسات ، وعندما رأى المحكم أنه لا يستطيع استكمال إجراءات التحكيم قرر التنحي في ذلك التاريخ حتى يتسنى للمحكمين الآخرين والأطراف تطبيق أحكام المادتين (25، 26) تحكيم ...إلخ.

وخلص الطاعن إلى الطلبات الآتية:-

1-                       قبول الطعن شكلاً وموضوعاً.

2-                       نقض الحكم المطعون فيه ، والحكم ببطلان حكم التحكيم.

3-                       الحكم بمخاسير وأغرام التقاضي مبلغ قدره (8.000.000) ريال .ا.هـ

وأرفق حافظة بصور مستنداته.

- رَّد المطعون ضده على الطعن مناهضاً كل ما ورد فيه ، ومما جاء في الرد قوله: إن الشعبة قد استدعت أحد المحكمين وهو (...)ووجهت إليه أسئلة عدة ثبت من خلالها أن مدعي البطلان قد تعمَّد التهرب والتملص من حضور الجلسات بعد أن اتضح أن كل الحقوق المدعى بها صحيحة ، وقد شهد ضامنه (..) أمام الشعبة ولم يعترض على شهادته ، ولم تجد الشعبة فيما ورد في دعوى البطلان ما يتفق مع أحكام المادة (53) تحكيم ولم يكن أمامها سوى تأييد حكم التحكيم.

وما جادل به الطاعن بشأن ما حكمت به الشعبة جزافاً تأييداً لحكم التحكيم رغم تنحي المحكم الثالث (...)مردود عليه بأنه لا يجوز قطعاً أن يتنحى أي من أعضاء لجنة التحكيم يوم صدور الحكم ، وذلك ما تحقق فعلاً حيث قرر تنحيه بتاريخ 23/2/2010م يوم صدور الحكم ،حيث كان ذلك لغرض عرقلة صدور الحكم ، مع أن نص المادة (226) مرافعات قد أكد خلافه وكذا نص المادة (47) تحكيم وهو (أن الأحكام تصدر بالأغلبية بعد المداولة ...إلخ). ونص هاتين المادتين لم يستوعبه الطاعن ...إلخ ، وخلص الرد إلى الطلبات الآتية:-

1-                       رفض الطعن.

2-                       تأييد الحكم المطعون فيه بكافة فقراته.

3-                       تحميل الطاعن المخاسير القضائية وأتعاب المحاماة مبلغاً قدره (1.000.000) ريال .ا.هـ

( حيثيات الحكــــــــم ومنطوقه )

لما كان الطعن قد استوفى شروط قبوله شكلاً وفقاً لقرار دائرة فحص الطعون الصادر برقم (518) بجلستها المنعقدة بتاريخ 1/4/1434هـ الموافق 20/2/2013م اقتضى الفصل فيه من حيث الموضوع.

وعليه وبعد الرجوع إلى الأوراق – مشتملات الملف – تجد الدائرة أن ما ينعاه الطاعن في مجمل أسباب طعنه على الحكم المطعون فيه يتمحور في مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه ومخالفة الثابت في الأوراق ، في قضائه برفض دعوى بطلان حكم التحكيم موضحاً بأن الشعبة مصدرة الحكم المطعون فيه أخطأت في رفض دعوى البطلان رغم توافر معظم حالات البطلان المنصوص عليها في المادتين (53، 54) تحكيم ...إلخ.

وحيث إن هذه المناعي في محلها، ذلك أنه بعودة الدائرة إلى أسباب دعوى البطلان يتبين أن مدعي البطلان (...)قد أثار في تلك الأسباب أن لجنة التحكيم حجزت القضية للحكم لجلسة 18/2/2010م ولم تصدره وإنما أعادت فتح باب المرافعة وناقشت المدعي وسمعت شهوده في غياب المدعى عليه والمحكم الثالث (...)الذي قاطع جلسات التحكيم وقدَّم تنحيه المؤرخ 23/2/2010م وصدر الحكم من هيئة تحكيم غير مكتملة دون مشاركة المحكم الثالث آنف الذكر . مما جعله باطلاً .

وبعودة الدائرة إلى صـ 4، 5، 12 من حكم التحكيم وجدت ما يفيد صراحة بعدم حضور المدعى عليه (...)والمحكم (...)جلسات18/2/2010م وما بعدها ، فالأول لكونه لم يكن متواجداً في عدن ، والثاني لعدم تمكنه من دراسة الأوراق المسلمة إليه ،وفي تلك الجلسات قامت هيئة التحكيم غير المكتملة بفتح باب المرافعة وسماع المدعي وشهادة شهوده في غياب المدعى عليه والمحكم (...)مما يعد إخلالاً بحق الدفاع وبمبدأ المواجهة ومخالفة لأحكام المواد (32، 33، 38، 39) تحكيم.

كما أن مقاطعة المحكم (...)جلسة 18/2/2010م وما بعدها وعدم توقيعه على الحكم ، إضافة إلى عدم ذكر حصول المداولة في الحكم، كل ذلك يدل بوضوح على خطأ ما عللت به الشعبة وخلصت إليه في منطوق حكمها المطعون فيه ؛ لأن المداولة لازمة لهيئة التحكيم كاملة لزومها لهيئة المحكمة في قضاء الدولة ، وكان على لجنة التحكيم إزاء عرقلة إجراءات التحكيم من قبل المحكم إعمال أحكام المادتين (25، 26) تحكيم، كما كان على الشعبة مصدرة الحكم المطعون فيه التمعن في الأوراق و في أحكام المواد (47، 48، 53) تحكيم وسماع المحكم (...)مما يستوجب قبول  الطعن ؛ لقيام سببه ، ونقض الحكم المطعون فيه ؛ لقيامه على أسباب غير كافية لحمله ، وإعادة الأوراق إلى الشعبة التجارية لما سبق بيانه والفصل في ذلك وفقاً للقانون.

وعليـه وبعـد النظـر والمداولـة وعملاً بأحكـام المـادتين (292، 300) مرافعات..

تصدر الدائرة الحكم الآتي :

1-   قبول الطعن موضوعاً ، ونقض الحكم الطعون فيه لما عللناه.

2-   إعادة مبلغ الكفالة للطاعن.

3-   لا شيء في المصاريف القضائية عن مرحلة النقض حتى صدور الحكم المنهي للخصومة.

4-  إعادة الأوراق إلى الشعبة التجارية بعدن ؛لإعلان كل طرف بنسخة من هذا الحكم ، ومعاودة نظر خصومة دعوى بطلان حكم التحكيم في ضوء ما أوضحناه في حيثيات حكمنا هذا . ثم الفصل في النزاع وفقاً للقانون).

 

وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الأوجه الآتية :

الوجه الأول : قرر الحكم محل تعليقنا وجوب اكتمال هيئة التحكيم في كل مراحل التحكيم وحتى النطق بالحكم ,فيجب إذا كان المحكمون هيئة فيجب عليهم جميعاً حضور جميع جلسات المرافعة والمداولة فإذا تخلف أحدهم عن حضور جلسة من جلسات المرافعة فلا تكون الجلسة صحيحة وكذلك إذا تخلف عن حضور الجلسات التالية لقرار فتح باب المرافعة فلا تكون هذه الجلسات صحيحة  أيضا، وتبعاً لذلك يكون حكم التحكيم باطلاً وكذلك الحال بالنسبة لانقطاع أحد المحكمين عن حضور المداولة وعدم قيامه بالتوقيع على الحكم.

والمسلك الذي سلكه الحكم محل تعليقنا مسلك سديد إذ يجب على هيئة التحكيم أن تباشر إجراءاتها مجتمعة بكافة أعضائها لأن الاختصاص منوط بها كهيئة مجتمعة فإذا تخلف أحد أعضاء الهيئة عن حضور الجلسات أو الإجراءات فتكون تلك الإجراءات أو الجلسات وما تم فيها غير صحيح,حيث نصت المادة (32) من قانون التحكيم اليمني على انه (يحق لطرفي التحكيم أن يتفقا على الإجراءات التي يتعين على لجنة التحكيم فإذا لم يرد أي اتفاق فعلى الهيئة  أن تتبع ما تراه ملائما من الإجراءات مع ضرورة مراعاة أحكام هذا القانون وعدم الإخلال بأحكام قانون المرافعات التي تعد من النظام العام ) وأحكام قانون المرافعات التي تعد من النظام العام كثيرة منها ما ورد في المادة (11) مرافعات التي نصت على انه ( إذا كانت هيئة الحكم في محكمة مشكلة من أكثر من قاض وجب اجتماعهم لنظر الدعوى والحكم فيها وإذا اختلف القضاة فيكون الحكم بالأغلبية طبقا لما هو منصوص عليه في هذا القانون ) ويترتب على مخالفة هذا النص انعدام الحكم طبقا للمادة (15) مرافعات التي نصت على انه ( يترتب على مخالفة المواد,13,12,11,9 من هذا الفصل انعدام العمل القضائي وكل ما يترتب عليه ) وطبقا للنصين السابقين فان حكم التحكيم الذي أبطله حكم المحكمة العليا محل تعليقنا منعدم وليس باطل وشتان بين الحكم الباطل والحكم المنعدم .

ويلاحظ الفقه في مصر على  إشتراط القانون المصري صدور أحكام التحكيم من هيئة التحكيم بحضور جميع المحكمين في جلسة أو أكثر بالملاحظتين الآتيتين :

أولا : لما كانت الأحكام لا تصدر إلا بعد مداولة صحيحة فان إشارة القانون إلى ((مداولة تتم على الوجه الذي تحدده هيئة التحكيم )) لا تبدو واضحة المعنى .ولعل المقصود بها هو أن يوضح الحكم في صلبه كيف تمت المداولة و أنها تمت بحضور جميع  المحكمين في جلسة أو أكثر . وكذلك لا يتضح لنا تماماً المقصود من إشارة القانون إلى اتفاق طرفين على أن الأحكام لا تصدر إلا بإجماع المحكمين ولا تكفي أغلبيتهم ؟ وهل هذا الفرض واقعي ؟

ثانياً : قد تتشعب أراء المحكمين الثلاثة إلى ثلاثة أراء مختلفة , فلا يتصور أن تكون هناك أغلبية أصلا ويرى الفقه انه كان يجب أن يضاف نص يجيز في هذه الحالة أن يصدر الحكم برأي رئيس  هيئة  التحكيم وحده ,حيث إن التمسك بالنص يجعل من المستحيل صدور حكم التحكيم في هذه الحالة .

ويقول أستاذنا  الدكتور احمد أبو الوفاء في كتابه (التحكيم الإختياري و الإجباري )(ويجب أن يصدر الحكم بأغلبية الآراء ولكن ليس معنى هذا انه إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة فان أثنين يكفيان لإصدار الحكم في غياب الثالث ,وإنما يلزم أن يشترك الجميع في المداولة التي تسبق إصدار الحكم , و إذا تعددت آراء المحكمين بتعددهم يتم العمل بأغلبية الآراء  لإصدار الحكم , وعلى الفريق الأقل عددا أن ينضم لأحد الرأيين الصادرين من الأكثر عددا – وفقا ًللقاعدة المقررة في المادة (169) من قانون المرافعات و المادة (507) من قانون المرافعات التي تنص على أن حكم المحكمين يصدر بأغلبية الآراء وتجب كتابته فهذه المادة إذن تتطلب امرين:

1-              اجتماع جميع المحكمين .

2-              اشتراكهم جميعا ووحدهم في هذه المداولة .

 

و إذا فرضنا جدلا أن أحد المحكمين كتب الحكم ثم وقعته أغلبية المحكمين عملا  بالفقرة  الأخيرة من المادة (507 )–التي تنص على أن يكون الحكم  صحيحاً إذا وقعته أغلبية المحكمين – فانه يكون صحيحا ولو لم يسبق إصداره مداولة,ويدق الأمر إذا تعددت آراء المحكمين وتمسك كل منهم برأيه الخاص , فإذا حدث هذا  في القضاء فيتعين على أحدث القضاة أن ينضم لأحد الرأيين عملا بالمادة (169) ,ولكن لا يتصور الأخذ بهذا المبدأ في التحكيم ,لان المحكمين قد لا يكونوا من أصحاب مهنة واحدة.

 

وعلى ذلك فإذا لم يتفق أغلبية المحكمين – على الأقل – و إذا لم توقع هذه الأغلبية على الحكم عملا بالمادة (507 ),وفي الميعاد المقرر للتحكيم بالاتفاق أو بنص القانون فان الحكم الذي لا توقعه تلك الأغلبية يكون باطلا).

ويقول إستاذنا الدكتور فتحي والى في كتابه ( التحكيم في المواد المدنية والتجارية ) (تنص المادة 40 تحكيم على أن يصدر حكم هيئة التحكيم المشكلة من أكثر من محكم واحد بأغلبية الآراء بعد مداولة تتم على الوجه الذي تحدده هيئة التحكيم ما لم يتفق طرفا التحكيم على غير ذلك ) فليزم أن تجرى مداولة بين المحكمين  قبل إصدار الحكم , ومعنى المداولة أن يتبادل المحكمون الرأي فيما بينهم بالنسبة للوقائع والقواعد القانونية واجبة التطبيق والقرار الذي ينتهي إليه كل  منهم بالنسبة لتطبيق القانون على تلك الوقائع والنتيجة التي يخلصون إليها حسما للنزاع .

ويجوز أن تتم المداولة في أي مكان يتفق المحكمون على الاجتماع فيه ,وفي أي ساعة نهارا أو مساء ,ولو في عطلة رسمية ,ويجب أن تتم المداولة بين جميع المحكمين وألا يشترك في المداولة أشخاص غير المحكمين الذين أنيط بهم التحكيم وان تجرى المداولة فيما بينهم بأشخاصهم فلا يشترك واحد منهم في المداولة بمندوب أو ممثل عنه ,ويجب لصحة المداولة أن تجرى سرا فلا يحضرها غير المحكمين ,ولو كان هذا الغير رئيس الهيئة المنظمة للتحكيم المؤسسي أو كان كاتبا حضر جلسات التحكيم لتدوين محاضرها أو خبيرا انتدبته الهيئة,ولا يجوز للإطراف الاتفاق على إصدار الحكم دون مداولة ,أو على أن  يشترك في المداولة غير المحكمين المنوط بهم التحكيم أو على أن تجري المداولة بين بعض المحكمين دون البعض الأخر أو على أن تجرى المداولة علنا ,كما لا يجوز للمحكمين تحديد الوجه الذي تجري به المداولة ).

الوجه الثاني : حكم التحكيم الذي أبطله حكم المحكمة العليا محل تعليقنا صدر من محكمين اثنين فقط بعد إن ترك المحكم الثالث المشاركة في المداولة وإصدار الحكم – وقانون التحكيم اليمني يجيز للمحتكمين أن يتفقوا على أن تتكون هيئة التحكيم من عضوين إلا أنه في القضية التي صدر فيها حكم التحكيم المشار إليه لم يتفق المحتكمان على أن تتكون هيئة التحكيم من عضوين فقط , حيث من الثابت أن هيئة التحكيم كانت مكونة أصلا من ثلاثة أعضاء قبل أن يترك المشاركة  فيها المحكم الثالث , وعلى هذا الأساس فان حكم التحكيم الصادر في هذه القضية باطل وفقاً للمادة (17)من قانون التحكيم اليمني التي نصت على أنه (يجب تعيين شخص المحكم أو المحكمين في اتفاق التحكيم  وفيما عدا التحكيم بين الزوجين أو الحالات التي يتفق فيها الطرفان على خلاف ذلك إذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وترا وإلا كان التحكيم باطلاً ) ولان هذا النص يسمح للمحتكمين أن يتفقاً على أن  ألا يكون عدد أعضاء هيئة لتحكيم وترا , ولذلك فان هذا النص يثير انتقادات واسعة حيث أن هذا النص يخالف ما ورد في كافة قوانين التحكيم العربية وكذلك قواعد اليونسترال وقانون اليونسترال النموذجي التي تشترط أن يكون عدد المحكمين وتراً و إلا كان التحكيم باطلاً و لا تسمح للمحتكمين الاتفاق على خلاف ذلك , فمثلا ً نصت المادة (15) من قانون التحكيم المصري على أن( تشكل هيئة التحكيم باتفاق الطرفين من محكم واحد أو أكثر فإذا لم يتفق على عدد المحكمين كان العدد ثلاثة و إذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وترا وإلا كان باطلاً) وكذا المادة (12) من  قانون التحكيم  السوري التي تنص على أن (تشكل هيئة التحكيم من محكم واحد أو أكثر فإذا لم يتفقاً كان عدد المحكمين ثلاثة وإذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وترا و إلا كان التحكيم باطلاً) ومثل هذا النص نجده في المادة (14) من قانون التحكيم الأردني وفي غيره من قوانين التحكيم العربية , والحكمة من جعل عدد الحكمين وترا تجنب خلاف المحكمين الذي يفضي إلى عدم الحكم في النزاع ,ومع الانتقادات السابق ذكرها لقانون التحكيم اليمني الذي أجاز للمحتكمين الاتفاق على خلاف قاعدة (الوترية ) في هيئة التحكيم إلا أن هناك من شراح القانون في اليمن من يعتبر ذلك ميزة للقانون اليمني الذي اعتد بإرادة المحتكمين لان التحكيم قائم على سلطان الإرادة .

الوجه الثالث : بما أن المحتكمين في القضية التي صدر فيها حكم التحكيم الذي أبطله حكم المحكمة العليا محل  تعليقنا لم يتفق المحتكمان على تشكيل هيئة التحكيم من عضوين فقط على  النحو السابق بيانه في الوجه الثاني من هذا التعليق لذلك كان  يجب على هيئة التحكيم  أن توقف الخصومة أمام الهيئة وان تطلب من المحتكم الذي اختار المحكم الذي ترك المشاركة في هيئة التحكيم أن تطلب منه اختيار بدلاً عن المحكم , ومع أن قانون  التحكيم اليمني لم ينص على كيفية اختيار المحكم البديل إلا أنه  يجب طبقاً للقواعد العامة في قانون المرافعات وقف الخصومة أمام هيئة التحكيم وطلب اختيار محكم بديل .

وقد نصت اغلب قوانين التحكيم العربية على وقف الخصومة عند ترك المحكم المشاركة ضمن هيئة التحكيم, ومن ذلك القانون المصري حيث قال أستاذنا الدكتور فتحي والي : بأنه إذا توفي المحكم أو انتهت مهمته بالحكم برده أو بعزله باتفاق الطرفين أو بتنحيه أو إذا  كان قد صدر أمر من المحكمة بإنهاء مهمته وفقاً للمادة 20 من قانون التحكيم بسبب تعذر أداء مهمته  أو عدم مباشرتها أو إنقطاعه عن أدائها ,فإنه يتم إختيار بديل له وفقا للمادة 17 من قانون التحكيم. أي بإرادة  الخصم الذي اختاره أو بإرادة  الطرفين أو بقرار من المحكمة المختصة ,وإذا تم اختيار بديل للمحكم في أية حالة من  الحالات سالفة الذكر إثناء إجراءات التحكيم  فأنه يجب إعادة المرافعة من جديد أمام هيئة التحكيم  بحضور  المحكم الجديد ) .

كذلك نص قانون التحكيم الأردني في المادة (8) على أنه ( إذا كان اتفاق التحكيم يقضي بإحالة الأمر إلى محكمين اثنين أو أكثر على أن يعين كل فريق منهما محكماً أو أكثر فتتخذ عندئذ الإجراءات التالية إلا إذا ورد في الاتفاق ما تفيد عكس ذلك .

1- إذا رفض أحد المحكمين المعينين القيام بالتحكيم أو كان غير حائز الأهلية القانونية لذلك أو توفي فللفريق الذي عينه أن يعين محكما ً أخر بدلاً منه .

2- و إذا تخلف أحد الفريقين بعد إحالة الخلاف للتحكيم عن تعيين المحكم سواء ابتداء أو بدلاً من محكم سابق كما ورد أنفا خلال خمسة عشر يوماً بعد أن بلغه الفريق الأخر الذي عين محكماً إشعارا بواسطة  الكاتب العدل بضرورة تعيين ذلك المحكم , فيجوز للفريق الذي عين المحكم أن يطلب من المحكمة تعيين محكم للاشتراك في التحكيم مع المحكم الذي سبق تعيينه ).

الوجه الرابع : حكم التحكيم الذي أبطله حكم المحكمة العليا محل تعليقنا لعدة أسباب من  ضمنها أن المحكمين قد قرروا فتح باب المرافعة حيث قام احد المحتكمين بتقديم مرافعات ومستندات في غياب المحتكم الأخر وفي غير مواجهته , وذلك يعد إخلالا بمبدأ المواجهة الذي يعد من أحكام قانون المرافعات المتعلقة بالنظام العام التي لا يجوز للمحكم أو المحكمين مخالفتها طبقاً للمادة (22)من قانون التحكيم حيث جعلت المادة (19)مرافعات مبدأ المواجهة من أهم المبادئ التي يتوجب على القاضي مراعاتها ,حيث نصت المادة (19) على انه (يجب على القاضي المحافظة على مبدأ المواجهة أثناء التقاضي ويضمن احترامه بين الخصوم )  وفي هذا السياق نصت المادة (223) مرافعات يمني على انه (لا يجوز للمحكمة إثناء المداولة أن تسمع أحد الخصوم أو أن تقبل أوراقا في الخصومة دون اطلاع الخصم الآخر وإلا كان العمل باطلا )وفي السياق ذاته نصت المادة (224)مرافعات يمني على انه ( ويجوز للمحكمة أثناء المداولة إعادة فتح باب المرافعة بقرار مسبب إذا رأت وجها لذلك من تلقاء نفسها وعليها حينئذ أن تعلن أطراف الخصومة بالحضور وتستوفي الإجراءات بحضور الخصمين أو وكيليهما وإلا كان العمل بغير ذلك والحكم المترتب عليه باطلا )وفي هذا الشأن ذكر الدكتور نجيب الجبلي في رسالته لنيل الدكتوراة (التحكيم في القانون اليمني ) ذكر أنه  يجب على المحكم تطبيق مبدأ المواجهة وإطلاع الخصوم على المستندات : ومعنى الإطلاع هو عرض المستندات المقدمة في خصومة التحكيم ليقوم الخصوم بفحصها ودراستها والرد عليها سواء أكانت أصولا أم صورا, و المستندات (pieces) هي كل دليل كتابي يقدم لتأييد الدعوى أو لدفعها ,وللإطلاع أهمية كبيرة كوسيلة لعلم الخصم بما  يقدم في خصومة التحكيم من مستندات باعتبارها وسيلة هامة لتركيز المحكمين على النقاط القانونية القاطعة في المنازعة دون تأثير بما يدور في جلسة التحكيم وما يقال خلالها من كلمات قد لا تعبر عن الحقيقة .  

وقد نصت المادة (36) من لائحة التحكيم السعودية على انه (يجب على هيئة التحكيم مراعاة أصول التقاضي ، بحيث تضمن المواجهة في الإجراءات وتمكين كل طرف من العلم بإجراءات الدعوى والاطلاع على أوراقها ومستنداتها المنتجة في الآجال المناسبة ومنحه الفرصة الكافية لتقديم مستنداته ودفوعه وحججه كتابة أو شفاهة في الجلسة مع إثباتها في المحضر).

الوجه الخامس : أبطل حكم المحكمة العليا محل تعليقنا حكم التحكيم لعدة أسباب منها إخلاله بحق الدفاع حينما قرر المحكمون فتح باب المرافعة وقبول مستندات ومرافعات من احد المحتكمين في غياب المحتكم الأخر الذي لم يتمكن من دراسة تلك المستندات والرد على المرافعات تحقيقاً لحق الدفاع –و لا ريب أن ذلك يخل بأحكام قانون المرافعات الذي ينص على حق الدفاع ضمن المبادئ الحاكمة في القضاء والتقاضي ,حيث نصت المادة (17) مرافعات على أن (حق الإدعاء والدفاع مكفولان أمام القضاء وفقاً لأحكام القانون ).

وقد ذكر استأذنا الدكتور فتحي والي انه يجب على المحكمين احترام الحق في الدفاع فيجب تحديد الميعاد المناسب لكل طرف لتقديم مستنداته ,والاطلاع على ما قدمه خصمه من مستندات ,وكذا تحديد الميعاد المناسب لإعداد دفاعه والرد على ما يقدمه خصمه كما يجب على الهيئة مراعاة  قاعدة أن المدعى عليه هو أخر من يتكلم ,فلا تقبل مستندات أو دفاع من المدعي دون منح المدعى عليه فرصة لإبداء دفاعه بشأنها, وليس للمحكم أن يقضي بعلمه الخاص إذ  أن مثل هذا القضاء يكون معتمدا على ما لم تتح للخصوم مناقشته ,و إبداء دفاعهم بشأنه ,على أنه يلاحظ أن الدفاع أمام المحكمين – شأنه شأن الدفاع أمام محاكم الدولة – ليس واجبا على الخصوم بل هو حق لهم ,ولهذا فان هيئة التحكيم ليست ملزمة بان تلفت نظر الخصم إلى حقه في الدفاع أو إلى مقتضياته أو تكلفه بتقديم الدليل عليه ,ووجوب احترام حق الدفاع لا يحول دون تنظيم الهيئة لاستعماله , فللهيئة تحديد مواعيد للإطراف لتقديم مذكراتهم ومستنداتهم ,وإذا قدمت مذكرة أو مستند بعد الميعاد , فللهيئة رفض قبوله واعتبار الدفاع الوارد به غير مطروح عليها دون أن يعد ذلك إخلالا بالحق في الدفاع .

الوجه السادس : استند حكم التحكيم إلى أن قانون التحكيم اليمني قد ذكر على سبيل الحصر في المادة (53) حالات بطلان حكم المحكم وليس من بينهما تخلف احد أعضاء هيئة التحكيم عن المشاركة في المداولة والحكم أو قبول  مرافعات خصم في غياب خصمه ,حيث نصت المادة (53) تحكيم على انه (مع مراعاة أحكام هذا القانون لا يجوز طلب إبطال حكم التحكيم إلا في الأحوال التالية :

أ) إذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو انتهت مدته أو كان باطلاً وفقا للقانون.

ب) إذا كان أحد أطراف التحكيم فاقد الأهلية.

ج) إذا كانت الإجراءات غير صحيحة.

د) إذا تجاوزت لجنة التحكيم صلاحيتها.

ه) إذا تم تشكيل لجنة التحكيم بصورة مخالفة لإتفاق التحكيم.

و) إذا لم يكن حكم التحكيم مسبباً.

ز) إذا خالف حكم التحكيم أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام وفيما عدا هذه الأحوال المبينة في هذا القانون فإن أحكام التحكيم التي تصدر وفقاً لهذا القانون لا يجوز الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية).

وعند إمعان النظر في حالات البطلان المذكورة في المادة السابق ذكرها نجد أن تخلف أحد أعضاء هيئة التحكيم عن المشاركة وفتح باب المرافعة وقبول مرافعات من خصم في غياب خصمه تندرج ضمناً في حالات البطلان المذكورة وتحديداً الفقرة (ز) فصدور حكم التحكيم بدون حضور احد أعضاء هيئة التحكيم يخالف النظام العام , وقد ذكرنا أن قانون المرافعات اليمني يجعل الحكم في هذه الحالة منعدماً وليس باطلاً فقط – كما أن فتح باب المرافعة وقبول مرافعات و مستندات خصم في غياب خصمه يخل بأهم المبادئ الحاكمة للقضاء والتقاضي وهي من النظام العام أيضا وفقاً لقانون المرافعات ,وعلى هذا الأساس ومن هذا المنطلق فان إجراءات المداولة وحكم التحكيم المشار إليه غير صحيحة , وتبعاً لذلك تنطبق عليها حالة البطلان  النصوص عليها في الفقرة (ج) من المادة (53) تحكيم  السابق ذكرها.