ماهية دعوى الاستحقاق
أ.د. عبد المؤمن
شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
تظهر دعوى
الاستحقاق عند تنفيذ الاحكام حيث يساء
فهمها واستعمالها نتيجة عدم الالمام بماهية هذه الدعوى وخصائصها ووجه العلاقة فيما بين هذه الدعوى ومنازعات
التنفيذ, وهذا الامر يقتضي الاشارة الى ماهية هذه الدعوى والخصائص التي تميزها,
فكان هذا هو الباعث على اختيارنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20/12/2010م في الطعن المدني رقم
(40123) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية
التي تناولها هذا الحكم ان احد الاشخاص طلب من محكمة الاستئناف تنفيذ حكم التحكيم
واثناء سير المحكمة في اجراءات تنفيذ حكم التحكيم قدم شخص اخر من غير طرفي خصومة
التنفيذ قدم دعوى استحقاقه للأرض محل التنفيذ ؛ وقد خلصت محكمة الاستئناف الى
الحكم بقبول طلب التنفيذ وانابة المحكمة الابتدائية الواقعة في نطاقها الارض محل
التنفيذ واحالة ملف المنازعة التنفيذية اليها بما في ذلك دعوى الاستحقاق للسير في
اجراءات التنفيذ والفصل في دعوى الاستحقاق بما يتقرر لديها شرعا وقانونا حسبما ورد
في منطوق الحكم الاستئنافي ؛ وقد جاء في
اسباب الحكم الاستئنافي (ولما كان منا الاطلاع تبين ان دعوى الاستحقاق من
المنازعات التنفيذية الموضوعية وفقا لأحكام المواد (439و440و441) مرافعات ويتم
رفعها امام قاضي التنفيذ وتنظر من قبل قاضي التنفيذ باعتبارها من منازعات التنفيذ
الموضوعية) فلم يقبل المطلوب التنفيذ ضده بالحكم الاستئنافي حيث بادر بالطعن
بالنقض في الحكم امام الدائرة المدنية
بالمحكمة العليا التي رفضت الطعن واقرت الحكم الاستئنافي وقد جاء في اسباب حكم
المحكمة العليا (انه من خلال رجوع الدائرة الى اوراق القضية مشتملات الملف وجدت ان
ما ذهبت اليه الشعبة الاستئنافية يتفق
واحكام القانون وبالذات المواد من 439الى 441 مرافعات التي حددت الشروط الخاصة
بدعوى الاستحقاق وطريقة رفعها, فوفقا للقانون يجوز رفع دعوى الاستحقاق قبل بيع
العقار او بعده ؛ كما حددت المادة (441)
مرافعات طريقة نظر هذه الدعوى واعتبرتها من منازعات التنفيذ الموضوعية أي ان
المختص بنظرها هو قاضي التنفيذ وقد اصابت الشعبة الاستئنافية بتقرير الانابة
والارجاع الى المحكمة الابتدائية التي يقع في دائرتها العقار لنظر دعوى الاستحقاق
لان محكمة التنفيذ هي المختصة بالفصل في جميع
المنازعات المتعلقة به سواء اكانت موضوعية ام وقتية وسواء اكانت مقدمة من الاطراف او من غيرهم, وحيث ان دعوى الاستحقاق هي
الدعوى التي يرفعها شخص من غير اطراف خصومة التنفيذ على العقار مطالبا بتقرير
ملكيته للعقار او جزء منه وبطلان اجراءات التنفيذ؛ وعليه فان ما ذهبت اليه شعبة
الاستئناف من احالة موضوع هذه الخصومة بكاملها الى المحكمة الابتدائية للسير في اجراءات التنفيذ والفصل في
دعوى الاستحقاق وتقرير ما يلزم قانونا هو اجراء صحيح يتفق مع احكام القانون)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية:
الوجه الاول : ماهية دعوى الاستحقاق وموضوعها واطرافها :
عرف السنهوري دعوى
الاستحقاق بانها الدعوى العينية التي يطالب فيها المدعي بالملكية, او هي دعوى
عقارية عينية موضوعها المطالبة باستحقاق ملكية عقار في حيازة الغير, فهي دعوى تهدف
الى حماية الملكية, فدعوى الاستحقاق دعوى عينية ترمي الى طلب تقرير حق المدعي
بملكية العقار موضوع النزاع . وان كانت دعوى الاستحقاق عينية الا انها قاصرة على
حماية حق الملكية دون الحقوق العينية الاخرى مثل حق الانتفاع وغيره؛ ودعوى الاستحقاق لها طرفان هما المدعي والمدعى عليه,
فالمدعي في دعوى الاستحقاق هو من يطالب بملكية العقار من المدعى عليه الذي يكون
عادة هو الحائز للعقار ؛ فالمدعى عليه في دعوى الاستحقاق هو الحائز للعقار الذي وصل اليه
العقار اما بإهمال المالك او وضع اليد من قبل الغير او حيازة الغير, وفي هذا
المعنى نصت المادة (439) مرافعات على انه (يجوز للغير قبل بيع العقار المحجوز رفع
دعوى استحقاق العقار كله او بعضه شريطة ان تتضمن الدعوى بيانا كافيا عن ادلة
الملكية مؤيدةبالمستندات وذلك في مواجهة الحاجز والمحجوز عليه والحائز والكفيل
العيني ان وجدوا وتقضي المحكمة بوقف اجراءات بيع العقار اذا قبلت دعوى الاستحقاق
مع الزام المدعي بإيداع كفالة يقدرها قاضي التنفيذ) ومن خلال ما تقدم يظهر ان دعوى
الاستحقاق دعوى موضوعية وان تزامنت مع منازعات التنفيذ .
الوجه الثاني : اجراءات تقديم دعوى الاستحقاق :
بينت المادة (441)
مرافعات هذه الاجراءات حيث نصت هذه المادة على ان ترفع دعوى الاستحقاق سواء قبل
بيع العقار او بعده امام قاضي التنفيذ وتنظر باعتبارها من منازعات التنفيذ
الموضوعية ويترتب على الحكم باستحقاق العقار للمدعي انعدام إجراءات التنفيذ) ومن
خلال مطالعة هذا النص يظهر ان قاضي
التنفيذ هو المختص بنظر دعوى الاستحقاق مع انها دعوى موضوعية, وقد اناط القانون
هذا الاختصاص بقاضي التنفيذ على سبيل الاستثناء ؛ على
اساس ان قاضي التنفيذ في هذه الحالة هو الاجدر من غيره بنظر هذه المنازعة
الموضوعية العينية ذات الصلة المباشرة بإجراءات التنفيذ ومنازعاته وبالعقار ذاته
محل التنفيذ ولذلك اعتبرها النص القانوني السابق من منازعات التنفيذ الموضوعية
حسبما ورد في النص.
الوجه الثالث : اثار دعوى الاستحقاق :
هناك اثار تترتب
على رفع هذه الدعوى وهناك اثار تترتب على قبول هذه الدعوى والفصل فيها, حيث يترتب
على مجرد قبول الدعوى وقف اجراءات التنفيذ وفقا لما ورد في المادة (439) مرافعات
التي نصت على انه (وتقتضي المحكمة بوقف اجراءات بيع العقار اذا قبلت دعوى
الاستحقاق مع الزام المدعي بإيداع كفالة يقدرها قاضي التنفيذ) وبما انه لدعوى
الاستحقاق هذا التأثير في تعطيل اجراءات التنفيذ فان غالبية المنفذ ضدهم يلجأون
الى إساءة استعمال هذه الدعوى, الا انه وفقا للنص السابق ذكره فان مجرد رفع دعوى
الاستحقاق لا يعني وقف اجراءات التنفيذ
اذ ان ذلك يستوجب صدور قرار من
قاضي التنفيذ اذا تأكد له بما لا يدع مجالا للشك وجاهة الدعوى, فالنص السابق ذكر
صراحة بانه (تقضي المحكمة) وهذا يعني لزوم صدور قرار منها بذلك ؛ ومن المعلوم ان
المحكمة لاتصدر ذلك القرار الا بعد ان تتأكد من وجاهة دعوى الاستحقاق قبل قضائها
لوقف التنفيذ من خلال دراستها المستندات التي يقدمها المدعي بالاستحقاق ويرفقها بدعواه
؛ حيث نصت المادة (439) على انه (شريطة ان تتضمن الدعوى بيانا كافيا عن ادلة الملكية مؤيدة بالمستندات) فقد اوجبت هذه
المادة هذا الشرط وهو تقديم المستندات حتى تتاكد محكمة التنفيذ بداية من وجاهة
دعوى الاستحقاق وحتى لا تقضي بوقف اجراءات التنفيذ الا اذا ثبت لها ذلك, واضافة
الى ما سبق فانه يترتب على الحكم باستحقاق العقار بموجب دعوى الاستحقاق يترتب على
ذلك انعدام اجراءات التنفيذ وفقا للمادة (441) مرافعات التي نصت على ان (يترتب على
الحكم باستحقاق العقار للمدعي انعدام اجراءات التنفيذ).
الوجه الرابع : الطعن في الحكم بدعوى الاستحقاق :
لم يشر قانون المرافعات الى هذه المسألة ولذلك فأنها تخضع للقواعد العامة للطعن في الاحكام الموضوعية؛فدعوى الاستحقاق في هذه الحالة لاتنطبق عليها احكام الطعن في القرارات الصادرة في منازعات التنفيذ التي تكون قابلة فقط للطعن بالاستئناف فقط دون الطعن بالنقض حسبما قرر قانون المرافعات بموجب التعديلات التي جرت عام 2010م, اما الحكم في دعوى الاستحقاق باعتبارها دعوى موضوعية فانه يخضع للطعن بالاستئناف بالطعن بالنقض مثله في ذلك مثل أي حكم موضوعي مع ان القانون قد اعتبر دعوى الاستحقاق منازعة تنفيذية لكن هذا يحمل على وضعها قبل الحكم فيها اما بعد الحكم فيها فأنها تخضع للقواعد العامة للطعن في الاحكام الموضوعية، والله اعلم.