الحكم على الدولة بالدية اذا وجد القتيل في أرض لايختص بها احد
أ.د/ عبدالمؤمن
شجاع الدين
الأستاذ بكلية
الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
ليس هناك في الشريعة الإسلامية جريمة تقيد على مجهول كما أنه لا يبطل دم
في الإسلام حتى ولو لم يتم العثور على القاتل فعندئذ يجب على الدولة أن تتحمل
الدية لأنها قصرت في واجبها الشرعي والدستوري بحفظ دماء الرعية، هذه حقيقة شرعية
وقانونية قضى بها الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 15/7/2018م في الطعن رقم (60797) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان المحكمة الابتدائية قضت بإعدام المتهمإعتماداً على محاضر جمع الاستدلالات التي وردت فيها
أقوال للمتهم يفهم منها أنه قام بقتل المجني عليه الذي وجد مقتولاً في أرض خلاء لايختص بها احد، مع ان المتهم قد تمسك امامها بان تلك الأقوال قد تم انتزاعها منه تحت
التعذيب وقدم الأدلة على ذلك، ولذلك فقد قضت الشعبة الاستئنافية ببراءة المتهم
ولكنها لم تحكم لاولياء الدم بالدية على الدولة طالما والقتيل
المجني عليه قد تم العثور عليه في أرض خلاء لايختص بها
احد
طالما لم يتم العثور على قاتله، أما الدائرة الجزائية
بالمحكمة العليا فقد قضت بنقض الحكم
الاستئنافي بسبب عدم مناقشته لاسباب الحكم الابتدائي
مناقشتة وافية وانه لم يحكم لاولياء الدم بالدية طالما تم العثور على القتيل في
أرض لايختص بها احد ، وقد جاء ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (حيث أن الشعبة قد قضت بالغاء الحكم الابتدائي بسبب تناقض أسبابه الا ان
الشعبة لم تبين هذا التناقض ولم تناقش أسباب الحكم الابتدائي مناقشتة تفصيلية ،ولا تثريب على
الشعبة في قضائها بعد قيامها ببيان وجه تناقض الأدلة
بأسباب سائغة ان هي قضت ببراءة المتهم من التهمة المنسوبة إليه إذا ما رأت وجهاً
لذلك ،غير انه مع عدم العلم بالجاني لا يجوز ان
تهدر الشعبة دم القتيل وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية والدستور الذي صرح بان
الدولة تحترم المواثيق والإتفاقات الدولية التي تحمي حق الإنسان في الحياة، فوجود
قتيل لا يعرف قاتله في محل غير مختص لمحصورين يجعل الدولة هي المسئولة عن ذلك فقانون العقوبات النافذ صرح في المادة (87)
بأنه اذا وجد القتيل في موضع لا يختص به أحد أو اختص به اناس غير محصورين كانت الدية
على بيت المال وهو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم
حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : سند الحكم محل تعليقنا في قضائه بوجوب الدية على الدولة
إذا لم يتم العثورعلى القاتل :
استند الحكم في قضائه إلى المادة (87) عقوبات التي نصت على أنه (اذا وجد
القتيل في موضع لا يختص به احد او أختص به اناس غير محصورين كانت الدية على بيت
المال) والموضع الذي لا يختص به أحد هو الأرض الواقعة خارج العمران أي تلك التي ليست ملحقة بالدور أو المنازل الماهولة لأن دية القتيل إذا وجد فيها تكون على
الحائز الفعلي لها ويلحق بها الاراضي التي يحوزها فرد أو افراد محصورين حيازة
فعلية وتقع تحت ملاحظتهم واشرافهم ورقابتهم الفعلية ويختصون بها دون غيرهم ويمتنع
على غيرهم ارتيادها الا باذنهم فاذا وجد قتيل لايعلم قاتله في هذه الارض فعلى
الفرد الحائز للارض المختص بها الدية وكذلك تكون الدية على الأفراد المحصورين دية
القتيل إذا وجد في أرض ينتفعون بها على وجه الخصوص كالمراعي والمحاطب والمجارين
والساحات والشوارع الخاصة فإذا كان الانتفاع بالأرض مخصوص بجماعة محصورة كقرية معينة فيتحمل أهل هذه القرية دية القتيل الموجود فيها لان اهل القرية محصورين اما اذا
الإنتفاع بالموضع متاحا لكافة القرى فان
الإنتفاع به غير محصور على إناس معينين فعندئذ تجب الدية في بيت المال أو
الدولة،وكذلك تتحمل الدولة دية القتيل إذا لم يعلم
قاتله كالقتيل في زحام الحج أو الجمعة أو المظاهرات والمسيرات لأنه قتل بين جمع
الا إذا علم قاتله، والمقصود ببيت المال في المفهوم المعاصر هو الخزينة العامة للدولة وهي وزارة المالية،والحكم على الدولة بالدية في هذه الحالة يقتضي ان يقوم القاضي بإدخال
وزارة المالية في الدعوى حتى تمثل الوزارة امام القاضي ويتم مواجهتها بالدعوى وتمكينها من الدفاع عن الدولة وبيان وجه
الحق حتى لايتم الاحتيال على أموال الدولة بمزعوم الديات(التشريع الجنائي،ا.د.عبدالمؤمن
شجاع الدين،ص184).
الوجه الثاني : السند الشرعي والقانوني لتحميل الدولة الدية إذا لم يتم
العثور على القاتل او عند العثور على القتيل في أرض لايختص
بها احد:
وردت المادة (87) عقوبات السابق ذكرها ضمن المواد المتعلقة بالقسامة التي
نصت على انه إذا وجد القتيل في بيت او بستان ملحق به يختص به شخص معين ويتصرف فيه تكون الدية عليه وعلى عاقلته،
فهذا يعني ان الشخص المختص بالبيت يضمن الجنايات التي
تقع في موضع اختصاصه ورقابته واشرافه فاذا كان الشخص ضامن لدية القتيل في بستانه
وبيته الذي ينتفع ويختصبه فان الدولة تكون ضامنة لدية القتيل في الموضع الذي لا يختص به احد لان الدولة هي
المسئولة عن هذه المواضع والمشرفة والرقيبة عليها والولية عليها باعتبار الدولة
ولية على الأموال التي لا ولي عليها ،فالأموال التي لا
مالك لها تكون ملك الدولة، إضافة إلى ان وظيفة تحقيق الأمن العام لمواطنيها ومن
اهم مظاهر ذلك تأمينهم من القتل ،فإذا لم تقم الدولة بذلك فهي مقصرة في القيام بواجبها الشرعي والدستوري والقانوني مما يستوجب ضمانها لديات القتلى الذين لا يعرف قاتلهم، كما ان
ضمان الدولة لديات القتلى في هذه الحالة يستند إلى النصوص الشرعية ومنها قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {كلكم راع
ومسئول عن رعيته} فالدولة مسئولة عن الافعال التي تقع من وعلى رعيتها ،فهذا هو مفهوم الرعوية في الفقه الإسلامي فالدولة مسئولة عن الافعال
الصادرة من الرعية حيث يجب عليها زجرهم عن القيام بها ومن ذلك افعال القتل ،فاذا عجزت الدولة عن ضبط القاتل فانها ضامنة لدية القتيل إضافة إلى انها
قد فرطت في حماية القتيل المجني عليه من القتل، ومن خلال مفهوم الرعوية في الفقه
الإسلامي تجسد مبدأ (لايطل دم في الإسلام) أي لا يهدر دم في الإسلام فأنا القصاص وأما الدية فليس هناك في جرائم تقيد ضد مجهولين فالدولة تلتزم بدفع دية
الشخص الذي لا يعرف قاتله حسبما قضى به الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.