مدى جواز بيع الأرض المتنازع عليها

 

مدى جواز بيع الأرض المتنازع عليها

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من الاشكاليات العملية والواقعية بيع العقارات المتنازع عليها والاثار والاشكاليات المترتبة على ذلك سواء بالنسبة للاطراف او للغير او المجتمع باسره مثلما وقع في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ،وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29/12/2010م في الطعن المدني رقم (41436) وتتلخص وقائع هذه القضية أن شخصاً قام ببيع قطعة أرض كانت محلاً للنزاع فيما بينه وبين شخص اخر وكانت قد صدرت أحكام لصالح الشخص الأخر، وبعد عملية البيع قام الشخص الاخر المحكوم له بالأرض قام بمباشرة إجراءات التنفيذ على الأرض، وبعد أن تأكد المشتري من الأحكام الموضوعية الباتة والقرار التنفيذي لها قام بالرجوع على البائع له لتعويضه عن الأرض المنتكلة حسبما ورد في دعواه إلا أن البائع ظل يماطله، فقام المشتري برفع دعوى أمام المحكمة الابتدائية ضد البائع له مطالباً له بتعويضه عن الأرض المنتكلة فرد البائع المدعى عليه بأن المشتري المدعي حائز للأرض منذ سبع سنوات وان أحكام (الانتكال) لا تنطبق على دعواه، ولوضوح الدعوى وثبوتها فقد حكمت المحكمة الابتدائية بتعويض المدعي بقيمة ثلاث لبن بحسب سعر المكان والزمان الذي سيتم فيه التنفيذ من قبل المدعى عليه، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي أن الاحكام القضائية الباتة تدل على أن المدعى عليه قد باع الارض للمشتري في اثناء المنازعة التي كانت قائمة فيما بينه وبين خصمه الاخر المحكوم له بالأرض فهذا يكذب قول المدعى عليه بأن البائع المدعي قد استلم الأرض وانها تحت تصرفه لمدة تزيد على سبع سنوات، فلم يقبل المدعى عليه بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن محكمة الاستئناف رفضت استئنافه وقضت بتأييد الحكم الابتدائي فلم يقنع المدعى عليه فقام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، ومع ذلك فقد رفضت الدائرة المدنية الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (من خلال رجوع الدائرة إلى الأوراق مشتملات الملف فقد وجدت أن ما يعيبه الطاعن على الحكم المطعون فيه  غير  سديد، لان الطاعن باع الأرض إلى المطعون في اثناء نزاعه على الأرض مع اخرين فضلاً عن أن الأرض المباعة هي ثلاث لبن حسب ما ورد في وثيقة البيع وبناءً على ذلك فقد صدر الحكم المطعون فيه موافقاً للشرع والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : بيع الأرض المحكوم فيها بحكم بات أو نهائي :

لا يجوز لغير المحكوم له بالأرض أن يقوم بالتصرف فيها بيعاً أو غيره، لان من شروط البائع أن يكون مالكاً للمبيع، فالبائع المحكوم عليه بحكم موضوعي  نهائي او بات لا يملك العقار المحكوم به لخصمه بحكم قضائي موضوعي بات أو نهائي، ولا يستطيع المشتري التمسك بعقد البيع الباطل في مواجهة المحكوم له بالأرض مثلما حصل في الحكم محل تعليقنا، لان المشتري مقصر في الاستعلام عن صحة ملكية البائع، ولكن ف

ذلك لا يعني عدم ضمان البائع المحكوم عليه، ولذلك لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بتعويض المشتري بقيمة ثلاث لبن بسعر المكان والزمان الذي يقوم فيه البائع المحكوم عليه بتنفيذ الحكم، وأيضاً قضى الحكم بتحميل البائع بكافة الغرامات والمصاريف التي تكبدها المشتري للأرض المحكوم بها للغير، وقد أحسن الحكم صنعاً في ذلك لانه ثبت له سوء نية البائع ولدده مع أن الغالب في أحكام القضاء اليمني وغيره أن لا يتم الحكم بكافة المخاسير، لانها تكون في الغالب رمزية، علماً بان البائع في هذه الحالة قد ارتكب فعلاً جنائياً ببيعه للأرض المحكوم بها لغيره بحكم موضوعي بات وقد صدرت قرارات تنفيذية لذلك الحكم.

الوجه الثاني : بيع العقار المتنازع عليه :

اغلب العقارات لا تخلوا من النزاعات ولذلك فان النزاعات لا تكسب حقوقاً عملاً بقوله صلى الله عليه  وآله وسلم (لو أعطى الناس بدعاويهم لاستحلت الدماء والأموال ولكن على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين) ولذلك فليس كل نزاع مانع من التصرف إلا إذا كان جدياً ولا يكون كذلك إلا إذا كان للمنازع أدلة ثبوتية تدل على جدية منازعته، ولذلك فأن القاضي لا يأمر أو يقرر منع التصرف إلا إذا كان طالب الأمر أو القرار لديه  الأدلة الاكيدة على ملكيته، اما اذا كانت الأدلة دون ذلك فأن القاضي لا يقرر أو يأمر بمنع المالك من التصرف في ملكه لمجرد منازعة الغير له.

الوجه الثالث : التعويض المعلق وتأثيره على الحكم :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد أنه قد قضى بتعويض المشتري بقيمة ثلاث لبن في المكان الذي تقع فيه الأرض المنتكلة وبحسب سعرها في وقت تنفيذ الحكم، وقد أيدت محكمة الاستئناف هذا الحكم وأقرت ذلك المحكمة العليا، مع أن الشيء المحكوم به وهو التعويض معلقا والتعليق ً والارجاء من المأخذ على الأحكام القضائية الذي ينبغي أن تكون جازمة وفاصلة في النزاع، إلا أن التعليق في هذا الحكم لا يعيب الحكم محل تعليقنا، لان التغيير في اسعار الأراضي سريع ومتقلب بين الفترة والاخرى ولانه قد ثبت بموجب الأحكام القضائية أن البائع خصم لدود يتعمد إطالة النزاعات، وتبعاً لذلك فقد تعذر تقرير قيمة التعويض في منطوق الحكم، ونحن نوافق المحكمة العليا في اجتهادها لان المحكوم به  ليس معلقاً بالمفهوم القضائي ،فمن السهل الرجوع عند صدور الحكم النهائيً أو البات ومباشرة إجراءات تنفيذه من السهل الرجوع الى المختصين العارفين لتسمية التعويض بمبلغ معين، لان منطوق الحكم قد اشتمل على التعويض وحدد طريقة وكيفية تنفيذه وهو قيمة ثلاث لبن، فليس في الأمر جهالة تمنع تنفيذ الحكم، والله اعلم.