مدى تأثير نظرية الظروف الطارئة على عقد الإيجار

 

مدى تأثير نظرية الظروف الطارئة على عقد الإيجار

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تلقي الظروف الطارئة ظلالها وتأثيراتها المختلفة على كافة نواحي الحياة بمافي ذلك العقود والتصرفات ومنها عقد الإيجار، وقد أبان الحكم محل تعليقنا عن موقف القضاء من تأثير هذه النظرية على عقد الإيجار، فالحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29/10/2017م في الطعن رقم (59663) ،وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم: ان مالك عمارة قام برفع دعوى اخلاء عين مؤجرة محلاً تجارياً في مواجهة المستأجر الذي رد على الدعوى متمسكا بنظرية الظروف الطارئة التي جعلت التزامه مرهقاً وجعلته عاجزاً عن الوفاء بالإيجارات....الخ، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم برفض دعوى الاخلاء، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (وحيث ان الدعوى تم تقديمها في ظروف معيشية صعبة تمر بها البلاد بسبب الحرب والظروف الأمنية والعسكرية التي اثقلت كاهل المواطنين واضرت بمصدر دخلهم وعملا بما جرى عليه العرف القضائي ووفقاً لمبادئ العدالة وعملاً بنص المادة (211) مدني التي  نظرية الظروف الاستثنائية لا سيما مع عدم توفر أسباب مقنعة تستدعي اخلاء العين) فلم يقبل المؤجر بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه، حيث قبلت الشعبة الاستئناف وقضت بإلغاء الحكم الابتدائي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (استناداً إلى قانون تنظيم العلاقة فيما بين المؤجر والمستأجر وبالنظر إلى الحكم المطعون فيه الذي استند إلى نظرية الظروف الطارئة مع انه لا يجوز للمحكمة التي أصدرت الحكم التدخل في مخالفة العقود ونقضها ورفض دعوى الاخلاء بتلك الحجة، لان الظاهر ان المادة (211) مدني التي استند اليها الحكم تنطبق على التزامات عقود المقاولات ونحوها، لذلك فقد خالف الحكم الابتدائي نصوص القانون الصريحة بشأن انتهاء عقد الإيجار مع ان ذلك سبباً قانونياً للحكم بالإخلاء) فلم يقبل المستأجر بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (اما نعي الطاعن وقوله بان الحكم المطعون فيه قد خالف القانون  بشأن تطبيق نظرية الظروف الطارئة حينما استثنى عقد الايجار  من تطبيقها مع أنها تنطبق على جميع العقود الرضائية آجلة المدة ومنها  عقد الإيجار ولذلك فالمحكم مختلف القانون حينما ذكر في اسبابه ان هذه النظرية لايتم تطبيقها الا في عقود المقاولات ونحوها، ومن خلال مطالعة الدائرة الاوراق فانها تجد ان هذا النعي غير سديد لان قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر خاص والقانون الخاص مقدم على العام، وحيث لا خلاف بين الطرفين على انتهاء عقد الإيجار فانه كان على المستأجر الطاعن ترتيب اموره والبحث عن محل مناسب ينتقل اليه خلال فترة التنبيه التي منحت لهذا الغرض بدلاً عن الركون على نظرية الظروف الاستثنائية الطارئة التي لا تنطبق عليه ورد العين المؤجرة وفاء بالتزامه المنصوص عليه (  90 ) من قانون تنظيم العلاقة التي لا تجيز له البقاء في العين المؤجرة رغم معارضة المؤجر سواءً كانت معدة للإيجار أم غير معدة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية الظروف الطارئة :

تعرف المادة (211) مدني الظروف الطارئة حيث نصت على ان (العقد ملزم للمتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون الشرعي ومع ذلك اذا طرأت حوادث استثنائية عامة كالحروب والكوارث لم تكن متوقعة وترتب على حدوثها ان تنفيذ الالتزام التعاقدي وان لم يصبح مستحيلاً صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة لا يستطيع معها المضي في العقد ولا يعني ذلك ارتفاع الاسعار وانخفاضها جاز للقاضي تبعاً للظروف من فقر أو غنى وغير ذلك وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين ان يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول) وهذا النص الذي قرر نظرية الظروف الطارئة  واضح حيث تضمن شروط الظروف الاستثنائية واثارها على العقد.

الوجه الثاني : مدى سريان نظرية الظروف الطارئة على عقد الإيجار :

نظم قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر وفي سياق ذلك لم ينص على تأثير الظروف الطارئة على عقد الإيجار إلا في حالة انهاء العقد حيث نصت المادة (86) من القانون على انه (يجوز لاحد المتعاقدين ان يطلب انهاء العقد قبل انقضاء مدته لعذر طارئ ويخضع ذلك العذر لتقدير المحكمة مع الحكم بتعويض مناسب عن الضرر الذي لحق بالمتعاقد الآخر) وفي السياق ذاته نصت المادة (87) على انه (اذا كان المؤجر هو الذي يطلب انهاء العقد بسبب العذر الطارئ المشار اليه في المادة السابقة من هذا القانون فيجب ان يعطي المستأجر مهلة لا تقل عن ثلاثة أشهر للمساكن وستة أشهر لما سواها لإيجاد مكان مناسب ينتقل اليه) وعلى هذا الأساس فان قانون تنظيم العلاقة لم يقرر تطبيق نظرية الظروف الاستثنائية إلا في الحالتين المشار اليهما في النصين السابقين.

الوجه الثالث : مدى تأثير الظروف الطارئة على مدة عقد الإيجار :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد أنه قد قضى بان تمسك المستأجر بالظروف الطارئة غير مقبول لان عقد الإيجار الذي ابرمه مع المستأجر قد انتهت مدته في حين ان تطبيقات الظروف الاستثنائية لا تكون إلا في اثناء سريان العقد اما اذا انتهت مدة العقد فقد انقضى العقد بكل التزاماته بما فيها الالتزام المرهق، فلا يجوز للمستأجر التمسك بعقد صار مرهقاً له قد عجز عن الوفاء بالتزاماته (آثار الظروف الطارئة على الأعمال القانونية، د.عبدالحكم فودة، صـ442).

الوجه الرابع : تأثير الظروف الطارئة على قيمة الإيجار اثناء سريان عقد الإيجار:

قضى الحكم محل تعليقنا بان قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر قانون خاص وان القانون المدني قانون عام وان القانون الخاص مقدم على العام عند التطبيق ،ولذلك لا يتم العمل بالظروف الطارئة بالنسبة لمبلغ الإيجار لان مدة الإيجار قصيرة قياساً بالعقود المستمرة التي يستغرق تنفيذها وقتاً طويلاً كعقد المقاولة، إضافة إلى ان قانون تنظيم العلاقة قد اجاز للمستأجر ان يطلب انهاء العقد بسبب الظرف الاستثنائي حسبما ورد في المادة (86) من ذلك القانون، والله اعلم.