إشكالية الاسماء المستعارة في اليمن
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من
الإشكاليات الواقعية التي يتكرر وقوعها في اليمن لاسيما بالنسبة للمغتربين
اليمنيين هي إستعمال اسماء غير حقيقية في
جوازات سفرهم غير اسماءهم الحقيقية لغرض الحصول على جنسية دولة معينة أو للالتحاق بأسر اقاربهم التي تعيش في دول
اخرى أو الحصول على إرث أو معاش تاميني...الخ، وقد اشار إلى هذه الإشكالية الحكم
الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
11/11/2018م في الطعن رقم (61958)،وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان
النيابة العامة اتهمت شخصا بانهً قام بتقديم بيانات كاذبة إلى الجهات المعنية
بقصد تغيير اسمه الحقيقي في جواز سفره
باسم آخر حتى يكون ابناً لاحد اقاربه
الذين يحملون جنسية دولة اجنبية حتى يتمكن المتهم
من السفر إلى تلك الدولة للالتحاق بتلك الأسرة والعمل في تلك الدولة
والحصول على جنسيتها، حيث تمكن المتهم بالفعل من تغيير اسمه في جواز السفر وتمكن
من السفر إلى دولة... إلا أنه في احدى المرات وعند عودته من تلك الدولة إلى اليمن قام المتهم ببيع ببعض ممتلكات الأب غير الحقيقي المذكور في جواز
سفر المتهم على اساس ان المتهم ابن ذلك
الأب المذكور في الجواز بموجب البيانات الواردة في جواز سفر المتهم،وقد توصلت
المحكمة الابتدائية إلى الحكم بإنقضاء الدعوى الجزائية لمضي مدة طويلة على فعل المتهم ولعدم توفر
القصد الجنائي لدى المتهم، فقام المجني عليه
باستئناف الحكم على أساس أنه لم يفصل في دعواه المدنية التبعية بإعادة
أمواله التي باعها المتهم، فقبلت الشعبة الجزائية الاستئناف وقضت بالغاء الحكم الابتدائي وإعادة القضية إلى
محكمة أول درجة لأن قرارها لم يكن منهيا للخصومة،فقام المتهم بالطعن بالنقض حيث قبلت الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا
الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث
الموضوع فقد وجدت الدائرة أن الطاعن عاب
على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون لإلغائه الحكم الابتدائي بحجة انه غير منه
للخصومة مع انه قد صدر منهياً للخصومة وقد قبلته النيابة فلم تقم باستئناف الجانب الجزائي حسبما ذكر الطاعن في
طعنه، وبمطالعة الدائرة لمحتويات ملف القضية فقد ظهر لها ان ما اثاره الطاعن وجيه
فالحكم الاستئنافي المطعون قد اخطأ بإعادة القضية إلى المحكمة الابتدائية بعد ان
استنفدت ولايتها وابدى القاضي قناعته في موضوعها إضافة إلى عدم استئناف النيابة
لذلك الحكم في شقه الجزائي ،وبإعتبار المحكمة الاستئنافية محكمة موضوع فقد كان اللازم عليها نظر القضية
والفصل في الجانب المدني على ضوء ما يتضح لها باعتبارها محكمة موضوع ملزمة بتصحيح
الباطل واستيفاء الناقص اذا ظهر لها ذلك، مما يتعين معه الحكم بنقض الحكم
الاستئنافي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : وضعية إنتحال الاسماء في اليمن (رؤية واقعية):
تنتشر
ظاهرة إنتحال الاسماء في اليمن بكثرة، وتتعدد الاهداف من انتحال الاسماء، فالغالب
منها يكون لأهداف اقتصادية مثلما حدث في القضية التي تناولها هذا الحكم، حيث يقوم
الاشخاص بتغيير اسمائهم الحقيقية إلى اسماء أخرى تتطابق مع
اسماء أشخاص آخرين مغتربين خارج اليمن
بقصد السفر إلى الخارج للحصول على جنسية الدول الاجنبية والإقامة والعمل
فيها، وقد يكون الغرض من إنتحال الاسماء في الوثائق الرسمية (البطاقات الشخصية/
جوازات السفر/ البطاقات التأمينية) الحصول على معاش تقاعدي أو تعويض، كما قد يكون
الغرض من انتحال الاسماء الحصول على ارث متوف خارج اليمن او داخلها، كما قد يكون
الغرض من ذلك الهروب من التزام او حق او ثار، وقد يكون انتحال الاسماء في الوثائق
الرسمية مقدمة او وسيلة لارتكاب جرائم أخرى كاختلاس مبالغ من حسابات الاشخاص أو
إستلام التحويلات المالية الواردة باسماء الاشخاص الذين يتم إنتحال اسماؤهم في
الوثائق الرسمية، غير ان الغرض الرئيسي لإنتحال الاسماء في اليمن هو (الهجرة إلى
خارج اليمن والعمل والإقامة هناك بموجب الاسماء المستعارة.
الوجه الثاني : الوضع القانوني لتغيير الاسماء وإثباتها في الوثائق الثبوتية الرسمية :
انتحال
الاسماء جريمة تكون في حكم جريمة التزوير
حيث يعاقب فاعلها ومستعملها بعقوبة جريمة التزوير، حيث تتم هذه الجريمة عن طريق تقديم بيانات
كاذبة او الادلاء ببيانات كاذبة إلى الجهات المعنية حيث تكون الاسماء المنتحلة
نتاج الادلاء بالبيانات الكاذبة، وذلك يعد تزويرا يجرمه القانون ويعاقب عليه بموجب
المادتين (218 و 219) عقوبات حيث تنص المادة (218) على ان (يعاقب بالعقوبة المقررة
لجريمة التزوير من ادلى بإقرار كاذب او بيانات غير صحيحة تم تدوينها في محرر صالح
لان يتخذ اساساً لاكتسابه حق او صفة او حالة) كما تنص المادة (219) على ان (يعاقب
بالعقوبة المقررة لجريمة التزوير بحسب الأحوال من يستعمل المحرر المزور مع علمه
بتزويره)، ويتحقق القصد في إرتكاب هذه الجريمة إذا ارتكب الجاني الفعل بإرادته
وعلمه وبنية إحداث النتيجة المعاقب عليها
ولا عبرة فيما اذا توفر القصد بالدافع أو الباعث
على إرتكاب الجريمة أو الغرض منها حسبما نصت عليه المادة (9) عقوبات،
وبموجب المادة (9) عقوبات التي اشارت إلى القصد الجنائي وفرقت بينه وبين الباعث
على ارتكاب الجريمة ،فبموجب هذا النص فان الباعث او الدافع على ارتكاب جريمة
الادلاء بالبيانات الكاذبة لإنتحال اسم في الجواز اوالبطاقة وغيرها بموجب هذا النص فأنه لا عبرة بالباعث على ارتكاب الجريمة
كالحصول على جنسية دولة او الحصول على معاش او غيره ،فالجريمة تتحقق اذا توفر
القصد العام وهو علم الجاني وارادته
واختياره عند قيامه بتقديم البيانات الكاذبة او الادلاء بها، وما ورد في المادة
(9) عقوبات السابق ذكرها هو القصد الجنائي العام، في حين تضمنت المادة (218)
عقوبات السابق ذكرها القصد الجنائي الخاص وهو ان يقصد الجاني الادلاء بالبيانات الكاذبة إكتسابه حق او صفة او حالة حسبما نصت عليه المادة
(218) عقوبات، وعند تطبيق هذه النصوص على تغيير الاسماء نجد ان الوصف او التكييف
القانوني لها هو انها جريمة من ضمن جرائم
التزوير، ويتحقق القصد العام فيها بمجرد قيام الجاني بتقديم البيانات
الكاذبة او الادلاء بها بعلم وارادة الجاني ويتحقق القصد الخاص إذا كان المتهم
يهدف من ذلك الحصول على حق الجنسية او العمل لدى دولة معينة او الحصول على معاش او
إرث او غيره او كان قصده الحصول على صفة كأمين شرعي أو محامي...الخ، ومع ان جريمة
الادلاء بالبيانات الكاذبة لتغيير الاسماء وإثباتها في وثائق رسمية بحسب النصوص القانونية السابق ذكرها إلا أنه في
الواقع العملي يتم التساهل في تطبيق هذه النصوص على الأشخاص الذين يستهدفون
ويقصدون من الادلاء بالبيانات الكاذبة
وتغيير اسمائهم السفر إلى الخارج او اكتساب جنسيات بعض الدول، حيث يتم التساهل في
هذه الحالة حتى يتمكن هؤلاء المنتحلون من الحصول على فرص عمل ووضع افضل خارج اليمن
حيث يتم التعامل مع هذا الوضع كما لو أنه ليس جريمة وانما مجرد وسيلة مشروعة
للبحث عن الرزق وفرص عمل أفضل.
الوجه الثالث : إشكاليات تتولد من إشكالية تغيير الاسماء بغرض الحصول على مركز قانوني أفضل خارج اليمن :
الوثائق
الثبوتية التي تثبت هوية وشخصية الانسان هي البطاقة الشخصية وجواز السفر وغيرها،
فهذه الوثائق لها حجيتها الرسمية المطلقة بإعتبار ان ما ورد فيها هو الصحيح
المطابق للواقع والقانون، فبموجب هذه الوثائق
يكون الاسم الصحيح هو الوارد في الوثيقة الرسمية كالبطاقة الشخصية وجواز
السفر وماعدا ذلك يكون باطلا
لا إعتبار له، وبناء على ذلك تحدث إشكاليات عند قسمة التركات في اليمن حيث
تكون الوثائق الشخصية الرسمية تحمل اسماً غير اسم الوارث لان الوارث قد قام بتغيير
اسمه ،فقد وقفت شخصياً على أكثر من 25 حالة من هذا النوع حيث تتم معالجتها عن طريق
مصادقة الورثة الأخرين على ان الوارث الذي قام بتغيير اسمه هو من جملة الورثة الا
انه قام بتغيير اسمه في جواز السفر
والبطاقة الشخصية بقصد العمل في الخارج او الحصول على جنسية دولة معينة، كما تحدث
إشكاليات أخرى كقيام الشخص الذي قام بتغيير اسمه بتوكيل غيره بتزويج ابنته أو بيع وتأجير عقاره
حيث يكون للشخص اسمان، وغير ذلك من
الإشكاليات التي لا يتسع المجال للإشارة إليها في هذا التعليق الموجز.
الوجه الرابع: موقف الشريعة الاسلامية من إنتحال الاسماء والالقاب:
تحرص الشريعة الاسلامية على استعمال الشخص لاسمه ولقبه الحقيقين فيجب أن يدعى الانسان وينسب إلى ابيه الصلبي الحقيقي وان يكون لقبه هو اللقب الحقيقي، لأن استعمال الاسماء غير الحقيقية فيه غرر وتدليس، ولذلك فقد لعن النبي صلى الله عليه واله وسلم من ينتسب إلى غير ابيه أو ينتمي إلى غير قبيلته فقد اخرج البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم قال (من ادعى إلى غير ابيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين) (احكام التبني في الشريعة الاسلامية، تفسير ايات الاحكام ،ا.د.عبد المؤمن شجاع الدين،ص185) والله، اعلم.