متى يكون الحادث المروري إصابة عمل؟

 

متى يكون الحادث المروري اصابة عمل؟

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من خلال المطالعة لأحكام كثيرة نلاحظ أن هناك غموض في مفهوم اصابة العمل نتيجة محاولات الخصوم التضييق أو التوسيع في هذا المفهوم بحسب مصالحهم المتناقضة ،اضافة الى هناك خلط حتى في قانون التامينات بين المرض المهني والاصابة ، كما أن اصابات العمل تقع في الواقع بكثرة ولذلك يكثر الاحتياج لمعرفتها ، ولان الحادث المروري يقع في الغالب خارج نطاق العمل فأن هناك إشكالية في اعتباره إصابة عمل، وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى هذه المسألة المهمة ،ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الادارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18/4/2007م في الطعن الاداري رقم (30181) لسنة 1427هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن احد العمال تعرض لحادث مروري نجم عنه إصابته إصابة بليغة استدعت سفره للعلاج خارج الوطن وإجراء عمليات جراحية عدة استدعت سفره للخارج لاكثر من مرة ،وقد تقدم العامل بدعوى عمالية أمام اللجنة التحكيمية العمالية مفادها :أن الشركة التي يعمل بها قد أكتفت بعلاجه لدى اطباء ومستشفيات محلية مع أن الإصابة التي لحقت به تحتاج إلى عمليات دقيقة خارج البلاد، وذكر العامل المدعي بان الشركة قد رفضت سفره للعلاج في الخارج علاوة على انها لم تتكفل بالنفقات اللازمة لذلك مما دفعه إلى السفر إلى الخارج للعلاج على نفقته ،وقد طلب العامل من اللجنة الزام الشركة المدعى عليها بدفع كافة نفقات علاجه في الخارج، وقد توصلت اللجنة التحكيمية الى القرار بأن (الشركة المدعى عليها غير ملزمة لعلاج العامل المدعي في الخارج وذلك لعدم ثبوت أن الإصابة كانت اثناء العمل أو بسببه) فلم يقبل العامل المدعي بقرار اللجنة التحكيمية فقام باستئناف ذلك القرار حيث قضت الشعبة المدنية الاستئنافية بتعديل قرار اللجنة التحكيمية إلى (الحكم على الشركة بأن تدفع للعامل ما يعادل قيمة تذاكر سفر إلى الخارج إضافة إلى تكاليف العلاج بحده الاقصى المقرر في الفقرة (5) من المادة (114) من اللائحة الداخلية للشركة لاستحقاق العامل لذلك وفقاً لما أوضحنا أنفاً ) وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي ( أن الإصابة وأن لم تكن من إصابات العمل إلا أن العامل مشمول بالرعاية الصحية المقررة في لائحة الشركة المدعى عليها المادة (104) التي نصت على أن :تتولى الشركة على نفقتها علاج العامل حتى يشفى أو يثبت عجزه، كما قررت اللائحة ذاتها في المادة (113)  أن الشركة تتولى على نفقتها علاج العاملين فيها الذين تستدعي حالتهم المرضية علاجه في الخارج شريطة أن تقرر ذلك اللجنة الطبية العليا ،وحيث أن العامل قد حصل على هذا التقرير الذي تضمن أن حالته المرضية  تستدعي علاجه خارج البلاد، فلم يقبل العامل بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض الجزئي لان الحكم لم يحكم له بالتعويض  الا ان الدائرة الادارية لم تقبل طعنه فيما يتعلق بالتعويض ، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (ومن خلال مناقشة الدائرة لمناعي الطاعن في ضوء أوراق القضية فقد وجدت الدائرة أن المرض الذي يعاني منه العامل ناتج عن حادث مروري فلم تكن الإصابة بسبب العمل أو اثناء تأديته حسبما هو مقرر في قانون العمل الذي يحمل صاحب العمل ما يلحق بالعامل من امراض مهنية أو اصابات اثناء تأدية العمل أو بسببه اذا لم يكن مؤمناً عليه وقانون التامينات يعرف المرض المهني بأنه الذي يحدث للعامل أو الموظف نتيجة تعرضه لملوثات البيئة الا ان الحكم الاستئنافي قام بتفسير المادة (113) من لائحة الشركة وتحديدا عبارة (او خلال قيامه بالعمل فيها) فسرته بأنه من خلال قيام الرابطة التعاقدية وحكمت لصالح العامل بإلزام الشركة بتحمل تكاليف علاجه في الخارج بالحد الاقصى مع  تحميل الشركة تذكرتي سفر إلى الخارج ،ومع ذلك لم تطعن الشركة  في الحكم الاستئنافي، وذلك يعد قبولاً منها بالحكم وبالتالي فان  مايعيبه الطاعن من ان المحكمة اخطات في حكمها وانه كان يجب عليها أن تحكم له بالتعويض عن تأخر الشركة في علاجه،والدائرة تجد انه لايوجد لذلك سند من القانون وان استناد الطاعن إلى المادة (304) مدني في غير محله فالشركة كما هو ثابت في الأوراق لم تلحق بالطاعن أية افعال غير مشروعة يلزم معها تعويضه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الاتية :

الوجه الأول : الحادث المروري بين إصابة العمل وغيره :

الأصل أن الحادث المروري ليس إصابة عمل لانه لا يقع في الغالب في اثناء تأدية العمل، لان وسائل النقل ليست في الغالب من وسائل العمل والانتاج ، فهي وسائل انتقال العامل من والى العمل ،ولذلك فان الحادث المروري يقع بسبب العمل أو بمناسبته كأن يصاب العامل في حادث مروري عند الذهاب إلى مقر العمل أو العودة منه أو اثناء  تنقله في مهام أو مهمة عمل يتم تكليفه بالقيام بها (631-س ق 14) وان كان الامر واضحاً على نحو ما ذكرنا إلا أن الأمر يختلف عندما يتعرض العامل لحادث مروري عندما تكون له وجهتين أو ثلاث في تنقله كأن يقرر الذهاب إلى مقر عمله وزيارة والده في طريق ذهابه إلى عمله أو يعود من عمله فيقرر مشاهدة مباراة أو حضور حفل غدا فيقع الحادث المروري الذي تسبب في إصابته ،ففي هذه الحالة تكون الإصابة إصابة عمل اذا حدثت في طريق العامل المعتادة إلى العمل أو الطريق المعتادة لعودته من العمل ، وقد عّرف قانون التأمينات الاجتماعية إصابة العمل بأنها (الإصابة باحد الامراض المهنية المبينة بالجدول رقم (1) الملحق بالقانون أو الإصابة نتيجة حادث بسبب العمل أو اثناء تأديته ويكون بحكم ذلك كل حادث وقع للعامل المؤمن عليه خلال فترة ذهابه لمباشرة العمل أو الى أي مكان حدده له صاحب العمل أو عودته منه أياً كانت وسيلة المواصلات غير الممنوعة بشرط أن يسلك الطريق الطبيعي دون توقف أو تخلف أو انحراف مالم يكن ذلك بغير ارادته) ومن خلال استقراء هذا النص نلاحظ ان  الحادث المروري  يكون إصابة عمل اذا سلك العامل في طريق ذهابه إلى العمل أو عودته منه الطريق غير المعتاد  فيتجه إلى أيه جهة اخرى ، وبناءً على ما تقدم فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن الحادث المروري الذي تعرض له العامل ليس إصابة عمل لان الحادث وقع للعامل في غير وقت العمل وفي غير اثناء العمل كما أنه لم يكن بسبب العمل اوبمناسبته ،فقد وقع للعامل في طريق زيارته لقريته في الريف.

الوجه الثاني : مرض العامل المهني :

اشار الحكم محل تعليقنا الى أن الحكم الاستئنافي قد خلط بين المرض المهني وإصابة العمل وأن الحادث المروري وما تنجم عنه من اصابات ليس من قبيل المرض المهني، واستند الحكم محل تعليقنا في ذلك الى ان القانون قد فرق بين إصابة العمل التي لم يندرج من ضمنها الحادث المروري وبين المرض المهني الذي لا يندرج ضمنه الحادث المروري وبين الاصابة، حيث نصت المادة (2) من قانون التأمينات الاجتماعية على أن (المرض المهني : الإصابة بمرض مهني نتيجة تعرض المؤمن عليه لعوامل طبيعية أو كيميائية أو حيوية موجودة في بيئة العمل نتيجة لطبيعة عمله فيها ويثبت ذلك بقرار من  اللجنة الطبية).

الوجه الثالث : لا يندرج الحادث المروري ضمن الرعاية الصحيحة اذا لم يقع في اثناء تأدية العمل أو بسببه أو بمناسبته :

اشار الحكم محل تعليقنا إلى أن الحادث المروري وما ينجم عنه من إصابات لا يكون من الامراض التي تقرر لائحة الشركة التي كان يعمل فيها الجاني على التزام الشركة بعلاجه حتى يشفى أو يثبت عجزه وأن الشركة تتولى علاجه في الخارج اذا قررت اللجنة الطبية العليا أن حالة العامل المرضية تستدعي ذلك.

الوجه الرابع : لا يضار الطاعن بطعنه :

مع أن الحكم الاستئنافي قد شابته تلك العيوب إلا أن تلك العيوب لم تكن من النظام العام حتى تتصدى لها المحكمة العليا من تلقاء ذاتها ولذلك فقد غضت المحكمة العليا الطرف عن تلك العيوب لأن الشركة المطعون عليها لم تطعن في الحكم بل أنها لم ترد على طعن العامل ،والاهم من هذا وذاك ان العامل كان هو الطاعن، والقاعدة تقضي بانه  لا يضار طاعن بطعنه ، ولذلك فان المحكمة العليا لم تبطل ما قضاء به الحكم الاستئنافي لصالح العامل في هذه الجزئية، والله اعلم.